لم يجد اللاجئ السوري في لبنان ماجد خليل الموسى سوى إحراق نفسه أمام مكاتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين احتجاجاً على عدم تأمين تغطية مادية لعملية استئصال السرطان من ساق ابنته إسراء (13 عاماً). مات ماجد بعد أسبوع متأثراً بالحروق، وما زالت إسراء من دون عملية، فيما فقدت العائلة معيلها، فيما لا تجيب المفوضية على ما تعتبره “حالات فردية”.
ماجد، قتيل معاناة اللاجئين السوريين في لبنان، كان يشارك مع عشرات العائلات السورية باعتصام مفتوح أمام المفوضية قبل أن تتذرع القوى الأمنية بقرار التعبئة العامة وإقفال البلاد لدفعهم إلى تعليق اعتصامهم. اعتصام فتح الباب واسعاً أمام طرح أوضاع اللاجئين السوريين الذين فاقمت جائحة كوفيد 19 من تأزم حياتهم وصولاً إلى إقرار المفوضية أن 90% من بينهم باتوا اليوم يعيشون تحت خط الفقر المدقع.
تقر المفوضية أن مركز الإتصال التابع لها، “شهِد زيادة بنسبة 66% في الربع الثالث من العام الجاري مقارنة بالربع الثاني منه، في نسبة تبليغ اللاجئين عن نيّتهم الإنتحار وإيذاء النفس”. تعترف المفوضيّة بـ”قلقها العميق إزاء تزايد مستويات اليأس والاكتئاب ومحاولات الانتحار وإيذاء النفس بين اللاجئين في الأشهر الماضية في لبنان”.
“وصلنا إلى الإحباط، ولم نعد نثق بما يقال لنا، يبدو أن قرار البتر اتُخذ للتخلص من كلفة علاجها”
من استئصال السرطان إلى بتر ساق سارة
وكان الطبيب المعالج قرر إجراء عمليّة استئصال للسرطان من ساق إسراء الموسى (ابنة ماجد) وتركيب جهازٍ فيها. حُدد موعد للعملية الجراحيّة بداية تشرين الأول الماضي، على أساس أن الكلفة مغطّاة من المفوضيّة، “لكن ولسبب نجهله تمّ إبلاغنا قبل 3 أيام من الموعد أن العملية لم تعد مغطاة”، كما يقول أحمد شقيق إسراء. أجّلت العائلة العمليّة، وحاول الوالد (ماجد الموسى) جهده تأمين تغطية صحيّة لابنته، “لكنّ محاولاته باءت بالفشل وهو ما دفعه إلى إحراق نفسه”. شقيق إسراء بات بدوره بلا عمل لاضطراره مرافقة شقيقته إلى المستشفى ومتابعة وضعها. تفاقم وضع العائلة بعد وفاة الوالد، إذ فقدت معيلها ولا تزال عمليّة إسراء مجهولة الخواتم. وحالياً أعلمتهم مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت أن ساقها باتت تحتاج إلى بترٍ! خبر لا تزال العائلة المفجوعة تحت صدمته، بالتزامن مع عدم تأمين كلفة العمليّة “نجهل إذا كانت المفوضيّة ستغطيها أم لا، ولم نحصل على جوابٍ نهائي بعد”، وفق أحمد. ولم يتمكن أحمد من معرفة سبب تغيُّر وجهة العمليّة من الإستئصال إلى البتر، “إذ تتطلب مقابلة الطبيب المختصّ إجراء فحص كورونا”. وبينما تنتظر العائلة قرار المفوضية بتغطية عملية إسراء أم لا، يصف أحمد حالها بالقول “وصلنا إلى الإحباط، ولم نعد نثق بما يقال لنا، يبدو أن قرار البتر اتُخذ للتخلص من كلفة علاجها”. المفوضية تكلفت بعلاج حروق الموسى لمدة أسبوع في مستشفى “السلام” في طرابلس حتى وفاته، فيما تمتنع عن تقديم أي معلومات حول حالة إسراء بحجة “عدم الدخول في تفاصيل الحالات الفردية للاجئين، أو عن حالة عائلة اللاجئ المتوفّى”.
حفنة من الليرات اللبنانية لا ترد العوز
قبل إحراق الموسى نفسه، كان اللاجئون السودانيون في لبنان ينفذون وحدهم اعتصاما مفتوحا منذ سنوات أمام المفوضية. مع جائحة كورونا انضمت عائلات سورية إليهم لتركّز اعتصاماً مفتوحاً أخر أمام المنظمة التابعة للأمم المتحدة والمولجة الإهتمام بشؤونهم، وردّ الجوع عنهم. نحن نتحدث عن 879 ألف و529 لاجئاً سورياً مسجّلين لدى المفوضية في لبنان، عدا عن غير المسجلين والذين طالما قدروا بنحو 300 إلى 500 ألف لاجئ سوري. وكان عديد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية شهد ذروته في 2014 مع بلوغه مليون و146 ألف لاجئ، لكنّه تراجع مع عودة قسم منهم إلى سوريا، وإعادة توطين قسم آخر في بلدان مختلفة، إضافة إلى الوفيات. وكان 80% من السوريين صرحوا، وفق استبيان سابق للمفوضيّة، بعزمهم على العودة إلى سوريا. اليوم تقول المفوضيّة أن 62 ألف و279 لاجئًا سوريًا غادروا لبنان بعد إعادة توطينهم في بلد ثالث، منذ بداية الأزمة السورية في 2011 وحتى نهاية أيلول 2020. وتحققت المفوضية من عودة حوالي 65 ألف لاجئ إلى بلادهم، لكنّ هذه الأرقام “ليست شاملة”، وفق المفوضية، بل تقتصر على ما استطاع فريقها توثيقه. في المقابل، صرّح وزير الشؤون الاجتماعيّة في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفية، المهتم بملف عودة اللاجئين، أن “ما يزيد عن 300 ألف نازح سوري عادوا إلى سوريا وفق إحصاءات الأمن العام، فيما هاجر 90 ألفاً إلى دول أخرى”.
يقول لاجئون سوريون ممن اعتصموا أمام المفوضية أنهم خرجوا للمطالبة بضمان حمايتهم الاجتماعيّة بشكل عاجل في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة، وتأمين بدلات مساكن لهم، خصوصاً أن عدداً كبيراً منهم لم يعد قادراً على استئجار منزل، إضافة إلى وجوب شملهم بمساعدات المفوضيّة العينيّة والماليّة. الإعتصام دام شهراً كاملاً، وكان يُشارك فيه العشرات خلال النهار، فيما يقضي عدد قليلٌ من الأهل لياليهم على الرصيف الوسطي أمام مباني المفوضيّة، بعدما يرسلون أطفالهم للمبيت لدى الأقارب. هذا التشرّد الذي يعيشه أفراد العائلة الواحدة، يبدو واقعاً لا بدّ منه. ووفقاً لإحدى المعتصمات “تركت ابنتي لدى شقيقتي وينام إبني لدى أحد أصدقاء أبيه، ما بقدر أتركهم ببيت واحد بيصير الحمل كبير”.
على أبواب سفارات لا تتجاوب
اليوم اضطر المعتصمون مع بدء الإقفال العام في لبنان، وبقرار من القوى الأمنية، إلى تعليق اعتصامهم، واعدين بالعودة فور فتح البلاد، فعمدوا إلى إيجاد مساكن بديلة لدى أقاربهم. حتى خلال اعتصامهم المفتوح، سُلب اللاجئون السوريّون مقوّمات المبيت، في ظلّ الطقس الماطر، إذ عمدت القوى الأمنيّة، إلى محاولة فضّ اعتصامهم بالقوّة، فصادرت الخيم والأغطية والحصر على قلتها. حتى أنه تم اعتقال خالد اليوسف، اللاجئ السوري المتحدث باسمهم، حيث مكث ليلة واحدة في نظارة الأمن، حصل بعدها على تقرير من طبيب شرعي يفيد بتعرّضه للضرب. وتعليقاً على محاولات فض الإعتصام بالقوة، صدر عن مركز “وصول” لحقوق الإنسان بياناً، وقعته منظمات حقوقية عدة، اعتبر فيه أنه “بالرغم من عدم تشجيعه اللاجئين على الاستمرار بالاحتجاج ولا محاولته إهماده في ظلّ الظروف القاسية التي تمرّ عليهم، إلّا أنّه يرى ضرورة تذكير مفوضية اللاجئين و السلطات اللبنانية بأن التجمع السلمي حق أساسي من حقوق الإنسان”.
ومع سلبهم أغطيتهم والحصر، لم يبقَّ للمعتصمين سوى الكرتون المقوّى وعدد من المظلّات اليدويّة، إضافة إلى لافتات علّقوها على أشجار الرصيف يتوجّهون فيها بالعربيّة والإنكليزيّة والتركيّة إلى سفارات الدول الأجنبية للإلتفات إلى أوضاعهم. اللافتاتٌ نفسها حملوها معهم في جولات ميدانيّة نفذوها قاصدين سفارات كندا والنمسا وسويسرا وألمانيا. وفيما لم تستجب أي من السفارات، اكتفت السفارة الكنديّة بتزويدهم بعنوان البريد الإلكتروني الخاص بتقديم طلبات الهجرة. لم يستسلم اللاجئون، وأعادوا المحاولة قبل نحو أسبوع بجولة ثانية شارك فيها نساء وأطفال، وقصدوا سفارات قطر وتركيا والإمارات: “تمّ طردنا من أمام السفارة القطريّة بواسطة القوى الأمنيّة اللبنانيّة، فيما أجابتنا السفارة الإماراتيّة بأنّها غير قادرة على استقبالنا أو استلام أيّ ورقة منّا، وسلمنا السفارة التركيّة ورقة شرحنا فيها معاناتنا”، كما يقول خالد.
“لكن لا يمكنني الاستمرار هكذا، أنتظر العودة للإعتصام، خصوصاً أنني تركت منزلي المستأجر بعدما عجزت عن دفع الإيجار، وزوجي مريض لا يمكنه العمل”
مع الإقفال العام، “اضطررنا للمغادرة إذ إن مكاتب الأمم مقفلة أيضاً”، تقول اللاجئة السورية غصون. تسكن غصون حالياً مع أولادها الخمسة في منزل شقيقتها “لكن لا يمكنني الاستمرار هكذا، أنتظر العودة للإعتصام، خصوصاً أنني تركت منزلي المستأجر بعدما عجزت عن دفع الإيجار، وزوجي مريض لا يمكنه العمل”. تتلقى العائلة مساعدات غذائية على شكل مبلغ شهري يقدّر بمئة ألف ليرة لكل فرد عبر برنامج الأغذية العالمي، “إلاّ أن المبلغ لم يعد كافياً ، كما لم يعد حلّ المبيت عند الأقارب أو الأصحاب ممكناً” كما تقول.
معاناة اللاجئين تضاعفت
إثر الأزمة الاقتصاديّة التي فاقمتها جائحة كورونا ومن ثم انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام العملات الأجنبية والغلاء الفاحش، ومن ثم تفجير مرفأ بيروت في 4 أب المنصرم ، فقد كثير من اللاجئين قدرتهم العمل وعلى سداد إيجارات منازلهم أو تأمين حاجيّاتهم. اضطروا للعيش أكثر من عائلة في بيت واحد، كما يقولون، أو بافتراق الأب والأم ومعهما أولادهما الصبيان والفتيات، ليتوزعوا لدى ألأقارب. يحملون بطاقة اللجوء ويبرزونها في محاولة منهم لفهم أسباب عدم بتّ المفوضيّة بمراجعاتهم سواء لتلقّي مساعدات نقديّة وسكنيّة أو إعادة التوطين في بلد ثالث: “صفّينا عالأرض”، يقول خالد مختصراً ما آلت إليه أوضاعهم.
“أم محمود” تهجّرت قبل سنوات من حمص، فقدت ابنتها وأحفادها ذبحاً في الحرب السوريّة، وهي ليست مستعدّة نفسياً للعودة “إذا رجعت ممكن إفقد عقلي”. هي خارج سجلات مساعدات المفوضيّة منذ 4 سنوات، “بيقولولي رح يرفعو ملفّي، وبعدني ناطرة” . في المحصّلة “صرنا عظام”، في إشارة منها إلى عدم قدرتها على تأمين الغذاء الكافي لها ولإبنها المراهق الذي يعمل معيلاً لها ولابنتها التي حُرمت من المدرسة. إضافة إلى تراكم إيجارات منزلها غير المدفوعة، وهو ما وُعِدت بسداده من خلال جمعيّات وسيطة تُحيلها إليها المفوضيّة، لكن اتضح لها “أن الجمعيات أيضاً غير قادرة على المساعدة”. المعاناة تنسحب على علياء اللاجئة السورية التي تنام أمام المفوضية فيما يعمل ابنها البالغ 14 عاماً “بلا أجر في أحد الأفران، بانتظار تأمين إخراج قيد سوري له”، وهو ما يكشف أعمال “السخرة غير المدفوعة للأطفال السوريين”. هذه المعاناة تنسحب على العديد من اللاجئين ممن يروون قصصاً مؤلمة. معاناة “أم مهنّد” مثلاً، مضاعفة، فهي إضافة إلى إصابة ابنتها بمرض التصلب اللويحي وعدم قدرتها على تأمين أدويتها ورعايتها، فقدت الإتصال بولديها (20 و11 عاماً) منذ ثلاثة أشهر، بعدما أعلماها أنهما سيستقلّان أحد القوارب إلى اليونان إثر وصولهما بحراً إلى تركيا.
يشتكي اللاجئون المعتصمون أمام المفوضية من عدم شملهم بمساعدات كورونا، والإعانات الغذائيّة والماليّة وسواها الممنوحة من المفوضيّة. يقول هؤلاء أن المساعدات لا تشملهم، “بل تُوزّع بشكل غير عادل وعشوائيّ، وربما يستفيد منها لاجئون عادوا إلى سوريا”. يطالبون ب “الحصول على بدلات إيجار لتأمين سقف يأوينا على الأقل، أما السفر إلى بلد ثالث فهو مطلبنا لكنّه ليس أولويّة لنا في ظلّ نومنا في الشارع”. علياء مثلاً، طُردت من منزلها قبل شهرين “بسبب تراكم الإيجارات حيث صادرت مالكة المنزل الأثاث”. تنام بناتها اليوم “لدى عائلة شقيق زوجي، وابني ينام مع والده في مخيّم صبرا”. يستاء اللاجئون كذلك من “انعدام الزيارات الميدانيّة للعاملين في المفوضيّة إلى بيوتنا”، وهو ما يحول، وفق ما يرون، “دون معرفتها بتفاصيل حياتنا اليوميّة، ومدى حاجتنا للمساعدة الطارئة بعدما أصبحنا بلا مساكن”.
الخطّ الساخن: خسارة رصيد بلا جدوى
أمام كل هذه المعاناة، تضع مفوضيّة اللاجئين خطاً ساخناً بتصرّف اللاجئين. يتصلون عبره ويكون الجواب “قمنا بوضع ملاحظة على ملفّك وانتظر ردّنا، هكذا يجيبوننا”. يصف اللاجئون هذه الآلية ب “بلا أي جدوى، فهي تخسّرنا أرصدة هواتفنا من دون نتيجة”، كما يقول أحد المعتصمين أمام المفوضيّة.
وفي حين يشتكي اللاجئون من عدم قدرة “الجمعيّات الوسيطة” التي تتعامل معها المفوضيّة على تلبية حاجاتهم، يعتبرون أن “حقّهم لدى المفوضيّة حصراً حيث أنها تتلقّى التمويل باسمهم”.
تعتبر المتحدّثة الإعلامية باسم المفوضيّة ليزا أبو خالد “أن الشركاء من الجمعيّات المحليّة والدوليّة العاملة في لبنان، يساعدوننا في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من اللاجئين، إضافة إلى شبكة من المتطوعين للتوعية”. أما بشأن غياب الزيارات الميدانيّة واقتصار الخطّ الساخن للمفوضيّة على “خدمة السماع من دون حلول” كما يشير المعتصمون، ترى “أن المفوضيّة تحافظ على اتصالات منتظمة باللاجئين مع تحديثات فيما يتعلق بوضعهم وأوضاع أسرهم، من خلال الزيارات المنزلية والمكالمات الهاتفية عبر مركز الاتصال الخاص والمقابلات في مراكز الاستقبال التابعة لنا والمراكز التي تديرها المنظمات غير الحكومية الشريكة في كلّ لبنان”.
المفوضيّة “قلقة”
تقول أبو خالد لـ”المفكرة القانونيّة” أن “تراجع احتمال كسب دخل ثابت وارتفاع قيمة المدفوعات الشهرية للإيجار والطعام والأدوية والنفقات الأساسية، أدّى إلى تراكم ديونٍ كبيرة على معظم اللاجئين سواء لأصحاب العقارات والمتاجر والأقارب أو لبعض أفراد المجتمع ممن أقرضوهم المال”. وترى أن هذا الواقع يدفع اليوم ما يقارب من 90% من اللاجئين السوريين في لبنان للعيش تحت خط الفقر المدقع.
تؤكد أن المفوضيّة “تتفهم مخاوف المحتجّين وإحباطهم، فيما تعمل فرقنا بانتظام في مجموعات وبشكل فردي معهم”
وتعليقاً على الإعتصام تؤكد أن المفوضيّة “تتفهم مخاوف المحتجّين وإحباطهم، فيما تعمل فرقنا بانتظام في مجموعات وبشكل فردي معهم، إذ يختلف وضع كل شخص وعائلة ويتم تقييمه بناءً على خصوصيته. فيما يتلقى العديد من اللاجئين المشاركين في الاحتجاج مساعدة المفوضية من خلال برامجها النقديّة أو الشتوية أو برامج المأوى أو عبر الاستفادة من برامجها الصحيّة والتعليميّة”.
بخصوص مطلب اللاجئين بإعادة توطينهم في بلد ثالث، تعرب خالد “عن أسف المفوضيّة، لأنّه من بين أكثر من 20 مليون لاجئ تحت وصايتنا في أنحاء العالم، تم تقييم حوالي 1.4 مليون على أنهم بحاجة إلى إعادة التوطين، لكن لن يحصل على هذه الفرصة سوى نحو 7 بالمئة من بينهم، مع العلم أن نسبة اللاجئين المعاد توطينهم من لبنان أعلى من غير بلدان إلا أن هذا العدد لا يزال ضئيلاً للغاية”. وتعتبر أن إعادة التوطين “لا تعتمد على رغبة المفوضية بل على الحصص المتاحة في البلدان المُضيفة”، لافتة إلى أن “جائحة كوفيد19 أعاقت إعادة التوطين خلال هذا العام”.
إزاء مطلب توزيع المساعدات بالتساوي وشموله لمن هم أكثر حاجة، تقرّ المفوضيّة أن “توسيع شبكة الأمان هذه السنة، لا يزال غير كافٍ”، وأنها تحاول “رفع قيمة المساعدات مقارنةً بالتضخم المُفرط”. لكتّها تربط ذلك كلّه، بـ”التمويل المتاح” الذي يسمح لها فقط بـ”الوصول إلى 31 بالمئة من العدد الإجمالي لعائلات اللاجئين السوريين من خلال دعم نقدي وغذائي شهري ثابت قيمته 400 ألف ليرة لبنانية (كانت 260 ألف ورُفعت بسبب التضخم)”، إضافة إلى “نسبة 17 بالمئة من العائلات، تستفيد حصراً من مساعدات غذائية قيمتها مئة ألف ليرة شهريّاً لكلّ فرد فيها من برنامج الأغذية العالميّ (كانت قيمة المساعدة 40 ألفاً ورفعت إلى 71 ألفاً وحالياً مئة ألف ليرة)”. لكنّ، ومع الوضع الراهن، بدأت المفوضيّة “منذ تشرين الثاني الجاري، تقديم مساعدات شتويّة نقديّة بدءاً بالعائلات الأكثر ضعفاً وغير المشمولة بغير برامج مساعدات، ثم العائلات التي تستفيد من المساعدة الغذائيّة حصراً”. المساعدة الشتويّة “ستكون لمرّة واحدة على مدى أشهر الشتاء الأربعة القاسية، وقيمتها 239 ألف ليرة لبنانية شهرياً لكل عائلة (أي ما مجموعه 956 ألف ليرة مبلغاً مقطوعاً للعائلة)، مساعدة من المفترض أن تُمكّن العائلات من تأمين الوقود للتدفئة والأدوية والملابس والطعام، ونأمل أن نكون قادرين على مساعدة 90 بالمئة من اللاجئين عبرها”. تقر المفوضية أن هذه المساعدات، وفي ظلّ التضخّم وتفاقم الأزمة الاقتصاديّة، ليست كافية، ولا تحول دون عيش 90% من اللاجئين تحت خط الفقر المدقع.
بما أن المفوضيّة تمتنع عن شرح الحالات الفرديّة الخاصة، ولم تقدّم أي شرح عن وضع الطفلة إسراء المصابة بالسرطان، إبنة اللاجئ المتوفّى ماجد الخليل الموسى، فإنّه وبالعودة إلى منشوراتها يتبيّن أن الرعاية الصحيّة التي توفّرها للاجئين “في الحالات المعقّدة ولو كانت عاجلة، مثل زراعة الأعضاء والسرطانات التي تتطلب العلاج الكيميائي / الإشعاعي والفشل الكلوي المزمن، فهي خارج قدرة المفوضية على توفير التغطية لها”. لكن عندما تظهر هذه الحالات، “تحاول” المفوضية “تحديد المنظمات غير الحكومية أو الرعاة الخاصين القادرين على تغطية رسوم المستشفى ومساعدة اللاجئين المتضررين”.