4 آب: جردة مكتب الادّعاء في نقابة المحامين.. من النقد إلى السرد


2022-08-04    |   

4 آب: جردة مكتب الادّعاء في نقابة المحامين.. من النقد إلى السرد

تحلّ الذكرى السنوية الثانية لتفجير المرفأ على اللبنانيين محمّلة بخيبات الأمل واليأس، لا لعدم الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة فحسب، بل لقدرة السلطة على حماية ذاتها وابتكار سبلها للإفلات من العقاب، فقد تمكّنت الحكومة والقوى السياسية الحاكمة من عرقلة التحقيق في الجريمة منذ ثمانية أشهر متتالية إلى اليوم، مسببةً عجزاً مرحلياً في الجسم القانوني والقضائي المعني في القضية.

وكانت نقابة المحامين في بيروت قد تقدّمت في اليوم التالي للتفجير بشكوى أمام النائب العام التمييزي اتخذت فيها صفة الادّعاء الشخصي. كما تطوّع مئات المحاميين لتأمين المواكبة والمتابعة القانونية لذوي الضحايا والفئات المتضررة. فأنشأت النقابة سبعة مراكز ميدانية في الأماكن المتضرّرة لتقديم المشورة للمواطنين، تطوّر عملها في مرحلة ثانية إلى تلقّي شكاوى المواطنين وربط هذه المراكز بغرفة العمليات.

ترافق ذلك مع إنشاء مكتب ادّعاء في جريمة المرفأ الذي يضمّ محاميات ومحامين متطوّعين وتمت مأسسته ضمن هيكلية النقابة ليرسم استراتجية لمتابعة دعاوى أهالي الضحايا والمتضررين أمام المراجع القضائية اللبنانية والأجنبية. وتقدم المكتب بشكاوى عن أكثر من ١٤٠٠ ضحية ومتضرر. وكان له دور رئيسي في مواكبة التحقيق ودعم الأهالي حيث نظّم لقاءات شهرية معهم لإطلاعهم على سير التحقيق.

وفي هذا السياق، عقدت نقابة المحامين في بيروت نهار الأربعاء في الثالث من آب 2022 في بيت المحامي، لقاء لتكريم أهالي الضحايا بمناسبة الذكرى الثانية للتفجير، وذلك بحضور نقيب المحامين السابق النائب الحالي ملحم خلف، ونقيبة المحامين في طرابلس ماري تراز القوال، وحشد من الأهالي والمحامين الأعضاء. وقد تضمّن اللقاء كلمات عدّة، بالإضافة إلى تقرير مكتب الادّعاء عن عمله لإحقاق العدالة خلال العام الفائت.

وبخلاف بيان عمل مكتب الادّعاء العام في الذكرى السنوية الأولى للتفجير، الذي كشف الزلّات والعيوب التي رافقت مسار التحقيق خلال العام الأوّل وأبدى تخوّفاً من عدم إمكانية إحقاق الحق والوصول إلى العدالة، اقتصر تقرير هذا العام على سرد مراحل عمل المكتب وإصدار عدد من التوصيات.

مكتب الادّعاء يواكب التحقيق العدلي

التقرير تلاه المحامي شكري حداد، أوضح فيه أنّ المكتب واظب منذ 6 آب 2020، بعقد اجتماعاته أسبوعياً لمتابعة مجريات التحقيقات وتقديم الدراسات والطلبات للمحقق العدلي والإطلاع على سائر المستندات المحلية والعالمية حول التفجير.

على صعيد التحقيق العدلي، أكّد حداد أنّ المكتب تابع الاستجوابات أمام المحقق العدلي طارق بيطار التي امتدت لأكثر من 150 ساعة، وأضاف أنّه “ما أن باشر المحقق العدلي طارق البيطار باستجوابات إضافية للمدعى عليهم الموقوفين خلصت إلى الادّعاء على مجموعة من المدعى عليهم حاملي حصانات إدارية وبرلمانية، بدأت سلسلة تقديم طلبات ردّ ونقل ومخاصمة ضدّ المحقق العدلي والقضاة الذين ينظرون بالطلبات بهدف عرقلة الملف، وصل عددها إلى 38 تم ردّ 21 منها، إضافة إلى المراجعات التي ما زالت عالقة أمام الهيئة العامة، لغياب التشكيلات القضائية التي أصبح من الضروري السير بها من أجل انتظام العمل القضائي”.

وفي محاولة لمواجهة العراقيل أمام التحقيق، أشار حداد إلى أنّه بعد رفض الإدارة إعطاء الإذن كما النيابة العامة التمييزية لملاحقة الإداريين المدّعى عليهم، قام مكتب الادّعاء بإعداد دراسة متكاملة فنّد فيها الأسباب الآيلة الى إعطاء الإذن، محتفظاً بحق متابعة هذه الإشكالية القانونية. وتقدّم مكتب الادّعاء أيضاً بوكالته عن بعض أهالي الضحايا بدعاوى أمام المحكمة الابتدائية المالية في بيروت للمطالبة بتعويضات تتجاوز مئة مليار ليرة لبنانية عن التعسّف في استعمال حق الدفاع وحق المداعاة، وهي دعوى مقدمّة بوجه النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل. كما أكّد حداد أنّ مكتب الادّعاء تقدّم أيضاً بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال قرار وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي لناحية منع الأخيرة من تبليغ الأوراق القضائية الصادرة عن المحقق العدلي بواسطة قوى الأمن الداخلي.  

وأشار حداد إلى أنّ “مكتب الادّعاء تحرّك للمطالبة بالتعويضات الشخصية لكلّ متضرر، فجرى إلقاء الحجز الاحتياطي على المبالغ المتوجّبة لإدارة واستثمار المرفأ وعلى أموال متوجبة لمدعى عليهم آخرين في هذه القضية، وذلك بموجب قرارين أصدرتهما رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت.

بالإضافة إلى ذلك، طعن مكتب الادّعاء بقرار مجلس الوزراء بهدم الإهراءات في مرفأ بيروت، أمام مجلس شورى الدولة حفاظاً على مسرح الجريمة والذاكرة الجماعية ومنع الهدم. 

وعلى الصعيد التشريعي، أقرّ مجلس النوّاب بمتابعة من مكتب الادّعاء  القانون رقم  239/2020 الذي يسمح لأي مواطن متضرّر جرّاء تفجير 4 آب من اللجوء إلى القضاء مجاناً. من جهة ثانيةٍ بادر مكتب الادّعاء إلى طرح توصيات لتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية، لا سيما المادتين 125 و751 منه لنزع تعطيل المرفق القضائي من يد أي فريق يخطط لعرقلة سير العدالة بتقديم دعاوى ردّ ومداعاة بصورة تعسّفية فقط لكف يد القاضي أو المحكمة بصورة فورية- قلمية، وأوصى المكتب باقتراح تعديل الحدّ الأقصى للغرامات المفروضة على التعسّف باستعمال الحق، وذلك بهدف وضع حدّ لطلبات الردّ والمخاصمة المقدمة لإيقاف التحقيق.

الادّعاء على شركة سافارو في بريطانيا

وعلى الصعيد الدولي، تمكّن مكتب الادّعاء من توقيف عملية تصفية شركة Savaro Ltd، وهي الشركة التي اشترت شحنة نيترات الأمونيوم، بعد أن تقدّم باعتراض لدى سجل التجاري البريطاني، بعد أن تقدّم المالكون بطلب التصفية. يشار إلى أنّ فريق الوكلاء الأجانب عن الضحايا الأجانب المهمشين (مازن حطيط وطارق الحجار وفاروق المغربي وحسام الحاج)، الذي تقدّم أيضاً بطلب لوقف إجراءات التصفية، كان قد أعلن أول من أمس عن موافقة السجل البريطاني تمديد طلب وقف تصفية شركة سافارو لغاية 31 كانون الثاني 2023، علماً أن تجميد التحقيق اللبناني كان قد شكل عائقاً أمام قرار التمديد في السابق.

وأضاف حداد أنّ مكتب الادّعاء تقدم  في تاريخ 2 آب 2021، بدعوى مدنية ضد الشركة Savaro Ltd، أمام محكمة العدل العليا في لندن، باسم نقابة المحامين في بيروت وبعض الضحايا، لمطالبة الشركة بالعطل والضرر، وتحديد هوية من يتستّر على شركة Savaro Ltd. وقد استحصل المكتب في حزيران 2022 على قرار إعدادي من القاضي البريطاني أَلزم الشركة بالإفصاح عن هوية أصحاب الحق الاقتصادي؛ وهي خطوة على طريق جلاء الحقيقة. وأضاف حداد أنه تم تقديم مذكرات بمثابة استنابات قضائية  لجهات عدة ودول لها علاقة بشكل مباشر وغير مباشر بالتحقيقات الخاصة بتفجير 4 آب.

الأهالي والمحاميين “لا للإفلات من العقاب”

اعتبر نقيب المحاميين ناضر كسبار في كلمته، أنّ السلطة تعامل “كلّ من يطالب اليوم بكشف كأنّه يرتكب جريمة، فمن يمكن أن يرفض تحقيق العدالة غير المجرم؟” وأضاف كسبار أنّ “الجميع ينشدون العدالة ولا شيء غير العدالة. ونرفض أن يُتّهم أيّ بريء. ولكن لا ولن نقبل بأن يبرّأ مجرم”. وطالب كسبار جميع المسؤولين في لبنان والخارج بتقديم جميع التسهيلات من أجل تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة. وشدد على ضرورة إعادة وضع اليد على الملف من قبل القاضي للبت بطلبات إخلاء سبيل الموقوفين إمّا سلباً أو إيجاباً. وانتقد كسبار ما آل إليه حال التحقيق قائلاً: “إنّ جريمة بهذا الحجم، بحجم الوطن، باتت وكأنّها تحتاج إلى تعيين قاضٍ من هنا وقاضٍ من هناك؟”. مضيفاً: “وهل بات الشغل الشاغل لأهالي الضحايا وللجرحى وللمواطنين، وللموقوفين، أن يأتي الفرج بتشكيل مجلس قضاء أعلى أو هيئة عامة لمحكمة التمييز أو إعادة السماح للقاضي بوضع يده على الملف؟”

وطالبت نقيبة المحامين في طرابلس، بدورها بجلاء الحقيقة وإقامة العدل مهما كان الثمن، مشددةَ على وجوب انتهاء “ثقافة الإفلات من العقاب التي انتهجناها طويلا ًفي نواحٍ كثيرة من حياتنا الشخصية والوطنية”، معتبرة أن “على الحقيقة أن تخرج من دوائر التأثير السياسي الحزبي والإعلامي”، مشددة “على ضرورة الثقة بالمسار الطبيعي للعمل القضائي”.

أما المحامية سيسيل روكوز، وهي شقيقة الضحية جوزيف روكز، فاعتبرت أنّ كلّ ما يجري في مسار التحقيق هو مهين ومذلّ للجسم القضائي، معتبرة “أنها مرحلة التعسّف في التقاضي وهو تعسّف يعيق سير القضاء والعدالة”، والحل هو بتطوير التشريعات، مضيفة أنّ هذه الخطورة “وصلت حدّ تعطيل المحاكم ومنع تشكيلها”، وقد وجّهت النقد الأوضح إلى وزير المال الذي يمتنع عن توقيع مرسوم التشكيلات القضائية بحجج واهية الغاية منها هو التعطيل. كذلك نوّهت بدور النقابة التي وقفت إلى جانب الاهالي، آملةَ أن يصار إلى تحقيق العدالة “ولتتدحرج الرؤوس الفاسدة من فوق لتحت”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني