وسائل البطريركية ومؤيّدوها لرفع يد القضاء عن المطران الحاج: مثلنا مثلهم “ركبولنا ملف”


2022-07-30    |   

وسائل البطريركية ومؤيّدوها لرفع يد القضاء عن المطران الحاج: مثلنا مثلهم “ركبولنا ملف”

في 18 تموز، أوقف راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة المطران موسى الحاج على معبر الناقورة وتمّ التحقيق معه، وتردد على الإعلام أن مدة التوقيف كانت 8 ساعات )في خبر آخر 11 ساعة(. اعتبرتْ البطريركيّة الأمر إهانة ليس لشخص المطران فقط إنما للبطريركيّة نفسها. ام تمضِ ساعات حتى انبرتْ جوقة موالية للبطريركيّة تتهجّم على القضاء. النائب فارس سعيد استنكر، المحلل سيمون بو فاضل انفعل وحذّر من محاولة “تدجين البطريرك”. وتحدثت جريدة “نداء الوطن” عن محاولة لتركيب ملف للمطران. أمّا قناة “mtv” فقررت في نشرتها المسائية التهجّم على قرار القاضي فادي عقيقي وأنه غير قانوني. وتضامنت “القوات” و”الأحرار” والكتائب”، ضدّ ما اعتبرته ضغوطاً على البطريركيّة بسبب مواقفها “السّيادية”، وتضامن كذلك التيار الوطني الحر والمردة ومستقلون. وأوضحت المديرية العامة للأمن العام لاحقاً أنّ طول مدّة التحقيق يعود إلى كثرة المقتنيات التي حملها معه المطران من الأراضي المحتلة، علماً أن الأمن العام صادر ما تقرب قيمته  النصف مليون دولار من “المساعدات” التي أتى بها المطران من داخل الأراضي الفلسطينية. ولم يجد المتضامنون في حجم المبلغ ما يستدعي التدقيق والتحقيق. بأي حال كانت الساعات الأولى كافية لتكتمل عناصر السرديّة التي تم توظيفها لإفلات المطران الحاج من العقاب.

المواقف المنددة

لم تمض ساعات على توقيف المطران موسى الحاج عند معبر الناقورة من قبل قوى الأمن، حتى سارعت “نداء الوطن” إلى كتابة مقالة عنونت فيه السرديّة التي طغت على هذا الملف. فقد اعتبرتْ أنّه يوجد ملفّ مُفبرك بهدف “الضغط على البطريرك الراعي لتغيير مواقفه الثابتة من الوضع في لبنان والمتعلقة بالسيادة التامّة وبتحرير قرار الشرعية”، وربطته بانتقاده الدائم لسلاح “حزب الله”. ونقلت عن الكنيسة المارونية  رؤيتها بأن “التّواصل مع أبنائها في الأراضي المحتلة، والانتقال منها وإليها ليس جريمة يعاقب عليها القانون”. لم تكتفِ الصحيفة بربط التوقيف بالموقف من سلاح “حزب الله”، بل ربطتْه بموقف البطريرك من انتخاب رئيس جمهورية ومواصفات الرئيس، واعتبرت أن التوقيف تمّ “بإيحاء من رئيس جهة سياسية يقال إنه يمون على القاضي عقيقي”، واصفةً الأمر ب “الفلتان القضائي”.

جريدة “النهار” نقلتْ عن رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع استغرابَه توقيف المطران واستدعاءَه من قبل قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي للتحقيق معه. ورأى بدوره أن ما جرى هي “رسالة الى غبطة البطريرك الراعي انطلاقاً من مواقفه الوطنية”. ودعا جعجع رئيس مجلس القضاء الأعلى ومدعي عام التمييز “وضع حد لتصرفات القاضي عقيقي وصرف النظر عن استدعاء المطران الحاج والاستماع اليه”.

الكتائب بدورها تبنّت السرديّة التي قلّلت من شأن مسألة نقل كميات ضخمة الأموال، وحصرتْ الأمر بالاستهداف السياسي، فغرّد النائب الياس حنكش على “تويتر” بأنّ “العميل هو من يخدم مصالح دول خارجية وليس من يخدم أبناء رعيته أينما كانوا”. وغرّد النائب سليم الصايغ بدوره داعماَ من باب التجييش الطائفي فقال: “لا بكركي ولا الموارنة ولا أحرار لبنان يهابون هذه السلطة البشعة”. بدوره، استنكر حزب “الوطنيين الاحرار” في بيان توقيف الحاج، معتبراً انه تحدٍّ مباشر للراعي ومحاولة لتغيير مواقفه السيادية.

ونقلت شبكة من الصحف والمواقع الإلكترونية اللبنانية والعربية هذه المواقف متبنيّة السرديّة ذاتها حول الاستهداف السياسي بسبب مواقف البطريرك. كما تبنّت مجموعة من الخطباء السرديّة ذاتها، ولا زالنا في 19 تموز، أي لم تمض ساعات على التوقيف. النائب السابق فارس سعيد ذهب بعيداً في دفاعه للقول “أنه يحق لكلّ مسلم ولكلّ مسيحي زيارة الأراضي المقدسة للحج”. وقال خلال برنامج “هنا بيروت” على قناة “الجديد” أن “توقيف مطران ماروني على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مرفوض بشكل قاطع”، وأن علاقة الكنيسة مع الأراضي المقدسة هي علاقة لاهوتيّة دينيّة. وكرّر أنها رسالة موجهة للبطريرك بسبب الإنتخابات الرئاسية. الموقف ذاته للمحلل السياسي سيمون أبو فاضل على نفس البرنامج، وقد اعتبر أنه “توجد مؤامرة أو خطة منظمة لضرب بكركي”، وتابع “اليوم يتمّ التعاطي من باب الضغط والزعرنة على الكنيسة المارونية”. وحيّد بو فاضل الأمن العام على اعتبار أنه ينفّذ أوامر القاضي فادي عقيقي، وتابع أن المؤامرة تمّت من خلال حزب “داخلي” مسيحي، والرسالة أن “الموارنة في البلد هم جالية أسرى وليسوا أكثر من ذلك”. واعتبر أن بعض “الأحزاب الذمية” تبيع مواقفها وأن هؤلاء يريدون تدجين البطريرك قبل الإستحقاق الانتخابي الرئاسي.   

جريدة “نداء الوطن” كانت قالت في 19 تموز أن الكنسية لم تشأ إثارة الموضوع “حرصاً على ما تبقى من عدالة في لبنان ومن هيبة للسلطة والقضاء”. لكن بعيداً عن السرديات، ما حصل  في الواقع أنّ المطران رفض النزول بدايةً من السيارة حين تم توقيفه على اعتبار أن أوامر الأمن العام “لا تسري عليه” كما أوضحت جريدة “نداء الوطن”، ويتمتّع المطران بأمور لا يتمتّع بها أي مواطن عادي يُحقّق معه. فقد “استطاع المطران أن يستعمل الهاتف الذي يحمله فاتّصل بمرجع أمني كبير وبالبطريرك الراعي وأطلعهما على ما يجري معه”. كما أن المواكبة التي كانت مع المطران استمرت معه طوال فترة التحقيق. التحقيق تركز على مسألة ما ينقله معه المطران من أموال والمستغرب ربما أنّ كمية الأموال المضبوطة (480 ألف دولار من بينها 250 ألفاً لشيخ العقل، جزء منها من أشخاص محاكمين غيابياً بتهمة العمالة، وفق مصادر “اللواء”، ومصادر “الأخبار”، وقد تمت مصادرة هذه الأموال). وإذ استكرّ التحقيق مع المطران من 8 إلى 11 ساعة حسبما قلته وسائل إعلامية عدة، أشار تقرير إخباري على قناة “ام تي في” في هذا الصدد أنه لم يكن ليفرج عن المطران “لولا تدخل مرجعيات كنسيّة وقضائيّة عليا”، فيما أشارت “نداء الوطن” أن مدعي عام التمييز غسان عويدات حال دون توقيف المطران. رغم ذلك فالقاضي فادي عقيقي قرر استدعاء المطران للمثول أمامه في اليوم التالي للتحقيق. ولكن تابع المطران تمرده، فرفض في اليوم التالي المثول أمام القضاء معتبراً أنه (القاضي) “منفذ لأجندة سياسية واضحة”.

أتى قرار المطران بعدم المثول بعد اجتماع المجلس المصغر للمطارنة الموارنة في الديمان. ونقلت جريدة “نداء الوطن” عن البطريرك الراعي قوله  للمطران: “طفح الكيل. كبرت الشغلة. ما بقا في يا أمي ارحميني”، وأشارت الجريدة إلى أن قاضيا كبيرا طلب من البطريرك أن ينزل المطران ولكنه رفض، فيما قال المطران: “شو بدهم يجوا ياخدوني من هون”؟  وتعيد تذكيرنا هذه اللهجة وهذا الأسلوب في التعاطي مع القضاء بقضية سركيس حليس كما بقضيّة احتكار النفط وقضية المرفأ وقضية رياض سلامة وكلّ القضايا التي شهدنا خلالها تمرّد الأحزاب السياسية على السلطة القضائيّة، ورفع حدّة الخطاب الندّي بوجه القضاء. وقد ذهبت الكنيسة المارونية بعيداً في معركتها إلى حد المطالبة بإقالة المسؤولين عن توقيف الحاج، وتنحية القاضي عقيقي، و”إغلاق القضية فوراً”، ووصفت ما جرى ب”مسرحية أمنية ـــ قضائية ـــ سياسية”.

بعد 20 تموز، تتالتْ المواقف المنددة، معظمها وردت في سياق زيارات إلى البطريركيّة. الرئيس السابق أمين الجميل بعد أن عبر عن تضامنه مع البطريركية واستنكاره توقيف المطران رأى أنّ “لبنان يذهب بتوجّه لا يشبهه ولا يشبه الحرية والديمقراطية”. وكأنّ مخالفة القانون ضمانة للديمقراطية. النائب سامي الجميل غرّد قائلاً أن “زمن الظلم والقهر انتهى وتهم العمالة الاعتباطية مردودة لمطلقيها.” وأضاف “لن تنالوا من المطران موسى الحاج وأمثاله بعد اليوم.” نوّاب “الجمهورية القوية” استنكروا ونددوا وتضامنوا. النائب شوقي الدكاش قال من الديمان، إأنه وضع نفسه بتصرّف البطريرك الراعي والمطارنة، ورفع لهجة التحدي “ما تجربونا.. وإذا ظنوا أنه من خلال ما جرى، بإمكانهم الضغط على صاحب الغبطة، فأنا أؤكد لكم أنهم لا يعرفون تاريخ بكركي”. النائب زياد الحواط بدوره غرّد معتبراً توقيف المطران ممارسة ساقطة “تعرّي قضاء غب الطلب العامل لخدمة مصالح سياسية مكشوفة”.

الاتحاد ​الماروني​ العالمي رأى في بيان أنّ المطران الحاج یتبع لدولة الفاتیكان. “ومن هنا فإن التعرض له یخرق مفاهیم العلاقات الدیبلوماسیة وأصولها”. وأضاف أنّ القاضي عقیقي أخلّ بقواعد التعامل والأصول وتعدى صلاحیاته مطالباً بإقالته من وظیفته. ويستشف من ذلك أن هذا الاتحاد اعتبر أن للمطران حصانة بابوية وأن القاضي تعدّى على صلاحياته حين تجاوز هذه الحصانة. وهو أمر يذكّر تماماً بالهجوم الذي شنّته قوى سياسيّة عدّة على المحقّق العدليّ في قضيّة المرفأ طارق بيطار متهمة إياه أنه لا يراعي الصلاحية الوزارية ولا المقامات. بدوره، استنكر رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الاب عبدو أبو كسم “الأسلوب غير المألوف و(الذي) أثار نوعًا من الغضب والاستهجان لدى العديد من رجال الدين والمدنيين المسيحيين”. وأفتى أبو كسم أن المطران لم يرتكبْ جرما واعتبر أنه “لا يمكن أن يتحرّك أيّ رجل دين للاستجواب أو القضاء بدون إذن من رئيسه الكنسي الذي هو البطريرك”. وكأنّ سلطة البطريرك أعلى من سلطة القاضي، هذا مع العلم أن الباحث وسام اللحام بيّن في مقال نشر في المفكرة القانونية أن قرار الفاتيكان بأن يحاكم الأساقفة التابعون له أمام البابا حصرا إنما هدف ليس إلى تحصين هؤلاء إزاء السلطات الزمنية (العامة) إنما فقط إزاء أي محاكمة دينية لهم من مرجعياتهم الدينية، درءا لتعسفها.

لم يلبث أن انضمّ التيار الوطني الحر إلى جوقة المستنكرين. فأدان في بيان التعرض للنائب البطريركي وطالب ب”المبادرة فوراً الى تصحيح الخطأ الجسيم الذي إرتُكب في حقه”. ورأى أن جلّ مراد المطران كان “مساعدة لبنانيين أفقرهم زعماء تآمروا عليهم”. أمّا رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل فغرّد قائلاً: “صحيح أن القانون اللبناني يحرّم نقل الأموال من الأراضي المحتلة ويعتبره جرماً، ولكن هل في ذهن أحد ان يعتبر مطراناً عميلاً لأنه يحاول مساعدة عائلات تمّ إفقارها على يد منظومة سلبتْ اموال كل اللبنانيين؟” وعمد إلى تبرير ما أقر أنه جرم بإشارته إلى “تهريب الزعماء-العملاء أموالهم إلى الخارج وسرقة أموال المودعين وتعب عمرهم”، وكأنّ تهريب الأموال للخارج بيرّر جرم نقل الأموال من الأراضي المحتلة.

رئيس الجمهوريّة ميشال عون أخذ بدوره طرفاً في القضيّة، فاستقبل المطران الحاج في قصرا بعبدا وأكّد له “أنه تابع هذه المسألة فور حصولها وهي الآن قيد المعالجة”. بدوره، زار وزير العدل هنري خوري البطريرك الماروني بشارة الراعي ولفتَ إلى أنه “أرسل كتاباً إلى مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات للاطلاع على كافة المعلومات المتعلقة بالملف”. وزار البطريركيّة أيضاً عدد من النواب بعد دعوات وجّهت لحشد شعبي في مقر البطريركية في الديمان في 24 تموز.  وانضم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى زوار الديمان. وتحدث عن طابور خامس يستفيد من التشنج القائم بين الثنائي الشيعي وبكركي، وقال: “أنا مع المطران وضدّ ما حصل معه”. وقال أنّ علاقته مع البطريرك “ممتازة وستبقى ممتازة”.

بالتالي، كما كل مرة نشهد تجييشاً طائفياً من مرجعيّة دينيّة فتجتمع الأضداد السياسيّة في مواقفها، وقد اجتمع هؤلاء هذه المرة لحماية مطران تجاوز القانون تحت “غطاء” البطريركيّة. ولم تختلف البطريركيّة بمقاربتها هذه القضيّة عن مقاربة أي من أحزاب السلطة للمسائل القضائيّة التي تعنيها، حين يصبح كل شيء وجهة نظر تمهيدا لتجريد القضاء من سلطة الفصل في شؤون العدالة.

لم تختلف البطريركيّة عن نهج أيّ من أحزاب السلطة باعتمادها العدّة نفسها المستخدمة ضد القاضي بيطار في قضيّة المرفأ، والعدة نفسها المستخدمة في قضايا المصارف والاحتكار والمشاعات والفساد. ولم تختلف البطريركيّة عن أحزاب السلطة في استخدامها شبكة علاقاتها للتدخل في عمل القضاء، بخاصة وأنها تتشارك مع الأوليغارشيا شبكة مصالح كبيرة من أملاك عقارية ومؤسسات واستثمارات، ويحرسها نوّاب ولوبيات ضغط يحددون مواقفهم وفق أهوائها.  

المواقف الباردة

وبعيداً عن التكتل الطائفي الذي ساند المطران، أتت المواقف الأخرى متأخرة وأكثر برودة بالتعاطي مع الحدث. مدير الأمن العام اللبناني عباس إبراهيم قال لبرنامج “هنا بيروت” على قناة “الجديد” أنه يكنّ كل الاحترام للبطريرك ولكنه كرئيس جهاز من ضمن مهامه تنفيذ أي إشارة قضائية. ونفى أي علاقة له بالحسابات السياسية وأن الجهة التي يجب مراجعتها هي القضاء وليست الأجهزة الأمنية”. وأضاف أنّ ما تمّ مصادرته “أصبح بتصرف القضاء وليس بتصرف المديرية العامة للأمن العام”.

مشيخة عقل الدروز نفتْ في بيان المعلومات التي كانت وردت في جريدة “نداء الوطن” لجهة أنّ جزءاً من الأموال التي كانت بعهدة المطران الحاج كانت مخصّصة لسماحة شيخ العقل، وقالت أنّه لا معرفة سابقة للأخير بالمطران الحاج. وقالت أنّها علمت بالتواتر بمساعدات مرسلةً من فلسطيني عرب ١٩٤٨، ولكن من دون أي طلب لذلك. واستنكر البيان توقيف المطران.

أمّا  رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط فغرّد داعياً إلى المعالجة الهادئة وإلى احترام المؤسّسات. وأضاف: “نرفض الاستغلال الاسرائيلي لمقام رجال الدين في محاولة تهريب الأموال لمآرب سياسية”. ولكنه عاد  ليعفي المطران الحاج من أي مسؤوليّة معتبراً “إنه رجل دين يساعد الناس ولا يحمل أيّ خلفيّة سياسية”.

وبعد فترة صمت استمرّت حتى 23 تموز، أتى موقف “حزب الله” على لسان النائب محمد رعد فقال: “التعامل مع العدو خيانة وطنية وجريمة والمتعامل لا يمثّل طائفة. ولكن ما بالنا إذا عوقب مرتكب بالعمالة فيصبح ممثلاً لكل الطائفة، وتنهض كل الطائفة من أجل أن تدافع عنه؟”، ولا يمكن المرور على موقف النائب رعد دون استذكار الحملة والتجييش الطائفي الذي شنّه ثنائي أمل وحزب الله على القاضي بيطار، والكلام التحريضي الذي صدر حينها على لسان المفتي أحمد قبلان على خلفية الادعاء على النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر… وبالعودة إلى موقف النائب رعد فقد تساءل حول “ازدواجية السلوك” وقال أنه “بكل الأحوال علينا أن نتعلّم من الدروس”.

وقد أضاء مقال عماد مرمل في 25 تموز، على بعض الدروس التي رأى من الضروري تعلمها بحيث تحدّث عن “تفاوت النظرة الى العملاء لاسرائيل ببن بيئة لبنانية وأخرى، وكأننا أمام مجموعة أوطان وشعوب فوق أرض واحدة”. واعتبر الكاتب أن “التجاذب حول ملفّ المطران الحاج اتخذ فورا منحى الاصطفاف المسيحي – الشيعي، بعدما جرى تصوير التحقيق معه على أنه استهداف مقصود للبطريركية المارونية”. وأضاف “حتى القوى المسيحية التي قد لا تكون مقتنعة بصوابية خطاب بكركي وجدت نفسها مضطرة إلى مراعاة الموجة”. لكن، بالمقابل، لم يجدْ أحدٌ حاجةً للتّذكير بأنّ الدّرس الأكبر يتمثّل في تشابه الجميع في مهاجمة أي قاضٍ يباشر أي ملاحقة منافية لمصالحه. فكأنما التسليم بصلاحية القضاء والقضاة وتقييم أدائه(م) يبقى وقفا على حسابات الربح والخسارة ليس إلا.   

تصاعد المواقف

لاحقاً تصاعدت المواقف. تحدّث البطريرك الراعي عن اعتداء سياسي وانتهاك لكرامة الكنيسة وطالب بـ”أن يُعاد إلى سيادة المطران موسى الحاج كلّ ما صُودر منه”. وانضمّ متروبوليت المطران إلياس عودة إلى جوقة المنددين واعتبر أن ما جرى مع المطران الحاج، أ”يُنذر بوجود نهج جديد في التعامل الأمني والقضائي يؤدي إلى تداعيات خطيرة على مستوى الوطن”. ولاقهما رئيس حزب القوات سمير جعجع في زيادة حدّة التهجّم على القضاء، فقال جعجع عقب اجتماع لتكتل “الجمهورية القوية” أن “القاضي فادي عقيقي خائن. وللأسف رئيس الجمهورية يقول ليس من صلاحياتي ملاحقة ‏القضاة”، وأضاف جعجع أن لوزير العدل الصلاحية حين يُمَسّ الأمن القومي ‏‏للبنان أن يتدخّل.

وأكمل نواب القوات الهجوم، فاعتبر النائب زياد حواط، أن المحاكمة هذه هي محاكمة غبّ الطلب وكرّر أن المحاكمة هي رسالة مباشرة “لكل مواطن سيادي”. الوزير السابق ريتشارد كيوميجيان قال في تغريدة أنّ “الكنيسة عبر المطران موسى الحاج تقوم بدورها ورسالتها مع هؤلاء وتنقل المساعدات والأدوية الى أهلهم” وأضاف “أيّ حلّ قدّمتم لهؤلاء أيّها المنافقون سوى أنّ صمتكم عمالة وخضوع لمشيئة الحزب”.

بالإضافة إلى هؤلاء، كانت مواقف متضامنة مع المطران في تغريدات للنائب مارك ضو، ومجد حرب (نجل النائب بطرس حرب)، والنائب أشرف ريفي والنائب ميشال معوض، والنائب فريد الخازن… النائب نعمت فرام غرّد قائلاً “يجب أن نعمد في الأسبوعين المقبلين إلى تهدئة الأمور حتى يتمكّن المطران الحاج من استئناف مهماته بالتأكيد بعد استعادة أغراضه”. بدوره، النائب وضاح الصادق وجّه اتهاماً للقضاء بالتسييس، وتساءل “يلي قدر يعرف شو في بسيارة مطران، كيف ما قدر يكشف مين دَخَّل أطنان من نيترات الأمونيوم فجّرت نصّ العاصمة بيروت؟” وذهب الصادق أبعد ليقول أن القضاء هو المسؤول عن آلاف الضحايا في تفجير نصف العاصمة. بلغ التجييش ذروته. ومن شدّة حملة التضامن، التبس على النائب فريد الخازن تعبير “البطريركيّة” في الجلسة الأخيرة للمجلس، واعترض على استخدام النائبة حليمة قعقور نعت “الأسلوب البطريركي” في مواجهة الذكورية، ظناً منه أنها إهانة للبطريرك الراعي.

هكذا، سجلت هذه القضية رقماً قياسياً جديداً في التجييش الطائفي، وساهمتْ في تهشيم صورة القضاء ودوره. في مقال عماد مرمل، ينتهى الى القول ان “لبنان هو بيت بمنازل ومنازلات كثيرة!”، وربما هو كذلك لكن بدا لنا أيضاً أن هذه المنازل تتنازع سلطة القضاء فيما بينها بدلاً من أن تسمح للقضاء أن يفصل فيما بينها.

لمراجعة بيان المفكرة القانونية حول قضية المطران موسى الحاج،

بيان “المفكّرة القانونيّة” حول قضية المطران موسى الحاج: ادّعاء الاستهداف السياسيّ لا يمنع المحاكمة والحديث عن حصانة الأساقفة مسٌّ بالسيادة الوطنية

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، أجهزة أمنية ، أحزاب سياسية ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني