وزير الاتصالات يلتفّ على رأي هيئة التشريع: أوجيرو مطيّة للشركات الخاصة 


2023-11-01    |   

وزير الاتصالات يلتفّ على رأي هيئة التشريع: أوجيرو مطيّة للشركات الخاصة 

البند 14 على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء اليوم يشير إلى عرض وزارة الاتصالات لطلب هيئة أوجيرو تقديم خدمة نقل المحتوى الذي يقع ضمن “الخدمات المتاحة بحريّة على الإنترنت” (“Over the Top” واختصاراً OTT”) إلى مشتركيها، لاسيما نقل المحتوى التلفزيوني بالشراكة مع مرخّصي ومقدّمي هذا المحتوى”. هذا بند لا بدّ أن يثير الاستغراب بالنسبة لأيّ خبير في الاتصالات أو حتى لمن لديه معرفة محدودة في القطاع. فالخلط بين أوجيرو وخدمات المشاهدة عبر الإنترنت لا يبدو منطقياً، خاصة إذا ما عرفنا أنه يمكن لأي كان وأينما كان أن يُقدّم هذه الخدمة، ومن دون الحاجة إلى أن يكون مشغّل خدمات إنترنت حتى، فكيف إذا كان هذا المشغّل مشغّلا للاتصالات الأرضية. 

لذلك، بدا مستغرباً سعي وزارة الاتصالات – أوجيرو إلى تقديم خدمة لا تمرّ عن طريقها ولا تحتاج إلى بنيتها التحتية، في مقابل تغاضيها عن تقديم خدمة تقع في صلب عملها وتملك حقاً حصرياً في تقديمها مثل الـ IPTV (خدمة البثّ عبر شبكة الإنترنت). فهي تملك الشبكة وتوزّع الإنترنت كما توزّع خدمة الهاتف الأرضي وهي قادرة على توزيع خدمة البث عبر الكابل نفسه، لكنها ترفض الشروع بالأمر إلا إذا كان عبر القطاع الخاص كما سنبين أدناه.  

الملف الذي يعرضه وزير الاتصالات على مجلس الوزراء لا يتضمّن سوى رأي استشاري قدّمته هيئة التشريع والاتصالات لوزير الاتصالات (26/10/2023) رداً على طلبه رأيها في الموافقة على التعاون والتشارك مع الشركات التي تُقدّم محتوى “أو تي تي” بناء لما هو مُبيّن في دراسة سبق أن أعدّتها أوجيرو في 16/8/2023 وتستفيض فيها في تبيان أهمية هذه الخدمة، لكن من دون أي إضاءة واضحة على الدور الذي ستلعبه أوجيرو في هذه الشراكة. فلماذا تسعى الشركات الخاصة إلى التعاقد مع الهيئة لقاء 25% من العائدات فيما يمكنها تقديم الخدمة من دون الحاجة إلى أوجيرو؟ تدرك الشركات أن أوجيرو تملك قاعدة مشتركين كبيرة تزيد عن مليون مشترك (بين مشتركين في الإنترنت وفي الهاتف الأرضي). ومن اللافت أن الدراسة تشير بوضوح إلى “إمكانية الاستفادة من قاعدة المشتركين الحاليين هذه ومن البنية التحتية لوزارة الاتصالات لتوفير تجربة OTT متكاملة”. وهي تعتبر أن “تقديم هذه الخدمة عبر أوجيرو سيسمح بالاحتفاظ بالعملاء، بدلاً من السماح لمقدمي خدمات OTT ببيع خدماتهم مباشرة لهم”. كما ستساهم هذه الخدمة في “التأكد من شروط ترخيص نقل المحتوى الذي يتمّ في كثير من الأحيان من دون مراعاة هذه الشروط”. ويبدو لافتاً أن الوزارة تعتبر أن هذه الخدمة ستخفّف من الضغط على الخطوط الدوليّة للإنترنت، علماً أن تخفيف الضغط هذا لا علاقة له بالخدمة نفسها وهو يتمّ منذ سنوات طويلة عبر “الكاشينغ”.

خدمة لا مثيل لها في العالم

في المقابل، تقول مصادر مطلعة بتهكّم أنه في حال وافق مجلس الوزراء على طلب وزارة الاتصالات، فستكون تلك المرة الأولى في العالم التي تقوم فيها مؤسسة رسميّة تدير الاتصالات الأرضية بتقديم خدمات “أو تي تي” عبر شبكتها. يقود ذلك إلى افتراض أن هدف الوزارة ليس تقديم خدمات جديدة ولا تطوير الخدمات المقدّمة بل تعزيز دور القطاع الخاص مقابل الحصول على الأموال من دون أيّ جهد ومن دون القيام بوظائفها الفعلية. أما الشركات الخاصة التي تقدم 25% من إيراداتها فستتمكن في المقابل من:

  • الوصول إلى نحو مليون مشترك لأوجيرو إن كانوا مشتركين في الإنترنت أو في الهاتف الأرضي.
  • الاستفادة من نظام الفوترة الخاص بأوجيرو وضمّ فواتير خدمة البثّ إليها.
  • دفع أوجيرو إلى زيادة سرعات الإنترنت لمتشركتي الخدمة من دون الحاجة إلى زيادة رزم الإنترنت كما يحصل عادة. 

وبالرغم من مساعي الوزير إلى تمرير هذا البند، إلا أنه لا يبدو واضحاً كيف سيتمكن من إقناع مجلس الوزراء به في ظل تسلّحه باستشارة لم تأتِ لصالحه. فصحيحٌ أن الرأي الذي عرضته الهيئة يؤكد على إمكانية تقديم أوجيرو للخدمة، لاسيما أنها “متاحة بحريّة على الإنترنت”، ربطاً بالمادة 4 من المرسوم رقم 9458 تاريخ 24/6/2022 (مرسوم التعرفة)، لكن هذه الموافقة مرتبطة بتحقّق عدد من الشروط منها: 

  • يستوجب أن يكون الدخول في شراكات مع القطاع الخاصّ ضمن المهامّ الموكلة لأوجيرو بموجب العقد الموقع بينها وبين وزارة الاتصالات. 
  • يستوجب أن تكون هذه الشراكات مستوفية للشروط المنصوص عليها في تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. 
  • يجب أن يكون هذا النوع من الشراكات متوافقاً مع أحكام قانون المنافسة. 

فهل من الممكن تحقق هذه الشروط التي تبدو تعجيزية أم أنّ الرهان يبقى على استصدار قرار من مجلس الوزراء يثبّت الخدمة بعيداً عن ملاحظات هيئة الاستشارات والتشريع؟ 

الخدمة ليست مهمة… المهم التعاقد مع القطاع الخاص

المشكلة الأكبر أن المشروع المطروح يبدو أشبه بجائزة ترضية تقدّمها الوزارة للشركات، أو أقرب إلى عملية التفاف على الرأي الذي أصدرته هيئة التشريع والاستشارات سابقاً بعدم جواز التعاقد مع هذه الشركات لتقديم خدمة IPTV. وفي التفاصيل، يتبين أنّه في أيار 2023 تقدم وزير الاتصالات بطلب رأي من الهيئة يتطابق في مطلعه مع طلب الرأي المتعلق بخدمة OTT مع تغيير نوع الخدمة وفي الحالتين تبدأ الرسالة بـ: “بعد ورود طلبات عدة من مقدمي خدمة IPTV (OTT في الرسالة الثانية)إلى هيئة أوجيرو بهدف التعاون والتشارك لتقديم الخدمة عبر شبكة أوجيرو”، كما تتضمن نسبة المشاركة في الإيرادات نفسها، أي 25%. وتجدر الإشارة إلى أن الوزير عاد وزود الهيئة، في 5/7/2023، برسالة من أوجيرو تتضمن أسماء الشركات التي تطلب هذه الخدمة (IDM, Cyberia, Trisat, ITworksme, JA-Square, Fiberwaves)، بالإضافة إلى نموذج مذكرة تفاهم حول المشروع التجريبي للخدمة.

وقد تبيّن لهيئة الاستشارات، بعد مراجعة المذكّرة، أنّ الشركات ستتعاقد مع الوزارة ممثّلة بأوجيرو لتقديم الخدمة عن طريق إنشاء وصلة فنية خاصة من الألياف البصرية بين شبكة أوجيرو والمنصة الخاصة ب IPTV لدى الشركة المتعاقدة معها من أجل تشغيل هذه الخدمة، وهو ما تمنعه المادة 6 من مرسوم التعرفة منعاً باتاً. إذ أن تلك المادة تنصّ على عدم جواز توقيع وزير الاتصالات لأيّ عقد مع ما يسمى مقدمي خدمات IPTV، انطلاقاً من أن هذه الخدمة محصورة بوزارة الاتصالات لأن الولوج إلى شبكة الاتصالات وإلى مراكز أوجيرو لتقديم هذه الخدمة يشكل مخالفة للقوانين وتعدّياً على الملك العام ويستوجب صدور قرار عن مجلس الوزراء. الاستشارة التي صدرت في 20/7/2023 لم تقفل الملف كما لم تحفّز الوزارة للبدء بتقديم هذه الخدمة بنفسها، بل أعقبها سريعاً دراسة لأوجيرو عن خدمة OTT، ما يؤكد أن الهدف الأساسي للشركات هو تقديم خدمة IPTV ولما لم تحصل على الموافقة انتقلت إلى السعي إلى إقحام أوجيرو في تقديم خدمة OTT، التي يقدمها حالياً عدد من الشركات، من دون الحاجة إلى أي ترخيص (مثل SamaFlix وCablevision plus)، بخلاف خدمة IPTV التي لا بد لتقديمها من الولوج إلى البنية التحتية لوزارة الاتصالات. 

سوبرماركت أوجيرو؟

مع التأكيد على أهمية هذه الخدمة، بوصفها تطويراً لخدمة الكابل التي شارفت على الانقراض في العديد من الدول، فإنها ستشكّل أيضاً نقلة نوعية للخدمات المقدمة من الوزارة. أضف إلى أن الوزارة نفسها ستكون مقدمة الخدمة لا الشركات الخاصة التي يمكن التعاقد معها للحصول على المحتوى. علماً أن هذه الخدمة ستحقق فعلياً الغايات التي عرضتها الوزارة لتسويق أهمية تعاقدها مع القطاع الخاص ومنها: 

  • الحدّ من توزيع خدمات الكابل من موزعي الأحياء غير الشرعيين.
  • الحدّ من التلوث البصري المتمثل بوجود آلاف الكابلات المنتشرة في الشوارع وبين الأبنية.
  • الحدّ من انتشار الصحون اللاقطة على أسطح الأبنية.

فماذا تنتظر الوزارة لوضع هذه الخدمة على سكة التنفيذ؟ ولماذا تصر على تفريغ دورها في إدارة القطاع وتطويره؟ ولماذا يصرّ وزير الاتصالات على تمرير التعاقد مع الشركات الخاصة بأيّ ثمن، إن لم يكن لتقديم خدمة IPTV فلتقديم خدمة OTT؟ فهل الهدف هو تعزيز سيطرة القطاع الخاص على قطاع الاتصالات مقابل جعل أوجيرو مجرد ناقلة للخدمة أو سوبرماركت يعرض بضاعة الغير؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

قرارات إدارية ، حقوق المستهلك ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني