وجوه المخفيين قسرا تهتف على جدران صنعاء: هل تسقط الحصانة الشاملة أمام مفهوم “الجريمة المستمرة”؟


2012-11-26    |   

وجوه المخفيين قسرا تهتف على جدران صنعاء: هل تسقط الحصانة الشاملة أمام مفهوم “الجريمة المستمرة”؟

تعود قضية المخفيين قسرا في اليمن الى حقبة الحرب الأهلية وقد تفاقمت خلال فترات عدة من حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح حيث تم اللجوء اليها كأداة لقمع الفئات المعارضة له. وكما في لبنان، لا نجد تقديرات موثوقة لأعداد المخفيين قسرا.
وفيما لم تقم الحكومات المتعاقبة في اليمن بأي مبادرة لكشف مصائر هؤلاء،فقد تشكلت في العام الماضي لجنة غير حكومية ضمت حوالي مئتي شخصا من أهالي المخفيين قسرا (الرابطة اليمنية لأسر المخفيين قسرا) وأقاموا العديد من الحملات والنشاطات في محاولة للضغط في سبيل معرفة مصائرهؤلاء. وكان آخر هذه التحركات حملة "الجدران تتذكر وجوههم" التي أطلقها الرسام مراد سبيع، حيث عمد الناشطون والأهالي ابتداء من 22 تشرين الثاني )نوفمبر(الى رسم صور المخفيين قسرا على الجدران مزيلة بتاريخ اخفائهم، وقد أنجز حتى الآن 22 رسما لأشخاص تم اخفاؤهم والحملة مستمرة دون تحديد أي فترة زمنية لها.
وجاء رد الحكومة اليمنية الجديدة على لسان وزيرة حقوق الانسان حورية مشهور التي قالت بأن الوزارة على استعداد لفتح ملفات المخفيين قسراً وجرائم القتل بحق النشطاء السياسيين ونشطاء الثورة السلمية. وإعتبرت أن هكذا جرائم لا تسقط بالتقادم وتعد جرائم جسيمة، موضحة بأن المعنيين في قسم الشكاوى في الوزارة سيجتمعون مع قانونيين من أسر المخفيين قسراً لاعداد ملفات كاملة تقدم الى النائب العام لفتح الملف.
وكانت التسوية السياسية التي حصلت العام الماضي في اليمن قد آلت الى منح حصانة شاملة للرئيس صالح عن جميع أعماله أثناء حكمه، بل أيضا الى منح الحصانة من الملاحقة الجنائية للمسؤولين الذين عملوا معه في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والامنية فيما يتصل بأعمال ذات دوافع سياسية قاموا بها أثناء أدائهم لمهامهم الرسمية، مع استثناء أعمال الارهاب.
ومن هذا المنطلق، يجدر التساؤل وعلى ضوء تصريح وزيرة حقوق الانسان عن الطريق القانوني الذي ستسلكه قضية المفقودين قسرا؟
فهل تسلك طريق "العدالة العقابية" بحيث تلاحق جرائم الاخفاء القسري رغم التسوية السياسية على اعتبار أنها تشكل جرائم مستمرة تتواصل حتى بعد تنحي صالح عن الحكم، وتاليا لا يشملها قانون الحصانة الذي ينحصر بالجرائم الحاصلة في فترة حكمه؟ ويجد هذا التوجه ما يعززه طبعا في سابقة "بينوشيه" في التشيلي والذي حوكم على خلفية قضايا الاخفاء القسري رغم منحه حصانة شاملة مشابهة لحصانة صالح مقابل تنحيه عن السلطة، وأيضا في ما ذهبت اليه عدد من المحاكم اللبنانية في قضايا مخفيين قسرا والتي عدت أن قانون العفو الصادر في أعقاب الحرب الأهلية لا يحول دون ملاحقة جرائم الخطف الحاصلة أثناءها على اعتبار أن هذه الجرائم مستمرة[1]. لكنه بالمقابل، يفترض توازنا للقوى قادرا على ضمان ملاحقة جدية لأعيان النظام السابق، وهو أمر قد يكون بعيد المنال.
أم أن الحل في اليمن سيسلك طريق "العدالة الترميمية" المتمثلة بجبر ضرر الضحايا من دون محاسبة جزائية؟ وهذا ما يفترض بالدرجة الأولى الاعتراف بحق ذوي المخفيين قسرا بالمعرفة وبدرجة ثانية بالتعويض. وفي هذه الحالة، تعطى الأولوية لترميم حقوق ضحايا الاخفاء القسري وذويهم فيما تبقى محاسبة المسؤولين عن الاخفاء القسري في المقام الثاني. وهذا التوجه ربما نستشفه من مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي يطرح كمكمل لقانون الحصانة، وهو يتناول قضية الاخفاء القسري من هذا الباب. 
وكان أهالي المخفيين قد رفضوا أن تقوم حكومة الوفاق الوطنية والأحزاب ومنظمات المجتمع الوطني والمكونات الثورية باقرار مشروع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية أو بعقد مؤتمر الحوار الوطني من دون أن تكون قضية المخفيين ضمن أولوياته.
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني