نقاش في مشروع صندوق البطالة: المطلوب ثلاثية حمائية “اجتماعية وشيخوخة وتعطيل عن العمل”


2022-06-03    |   

نقاش في مشروع صندوق البطالة: المطلوب ثلاثية حمائية “اجتماعية وشيخوخة وتعطيل عن العمل”

أسفرت الأزمة الاقتصادية في لبنان عن تداعيات خطيرة على مستويات مختلفة ولا سيما على أوضاع العمل. فوفق الإحصاءات المتاحة انكمش الناتج المحلي الإجمالي من 55 مليار دولار في العام 2018 إلى نحو 20 مليار دولار حالياً، أي أنه خسر أكثر من نصف قيمته في غضون ثلاث سنوات من عمر الأزمة. وأدت في الوقت نفسه إلى تجريد أكثرية الأسر من قدراتها الشرائية ومدخراتها في البنوك وأدت أيضاً إلى تعثر الكثير من المؤسسات والمشاريع وانهيار الأجور وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات قياسية ولا سيما بين الشباب والنساء. وترافقت هذه الأوضاع مع موجة هجرة كبيرة وتقلّص واضح في الوظائف بما فيها التي كانت تجتذب العمال الوافدين الذين شغلوا لفترة طويلة الوظائف المتاحة في الأنشطة الخدمية البسيطة والوظائف الموسمية في الزراعة والبناء والسياحة.

تتّفق آراء المشاركين في ندوة “صندوق البطالة وسياسة الحماية الاجتماعية للعاطلين عن العمل” التي نظمتها شبكة “عملي حقوقي” في 26 ايار على أنّ البطالة تمثّل التحدّي الأكبر ومصدر القلق الذي ينتاب شرائح اجتماعية واسعة، ولا سيما الفئات المهمشة وفئة الشباب، حيث خسر أكثر من 550 ألف عامل وعاملة وظائفهم وارتفعت نسبة البطالة لتبلغ أكثر من 45%. 

ويرى المشاركون أنه بات من الضروري وجود سياسة حماية اجتماعية للعاطلين عن العمل بكل فئاتهم، وتوسيع الفئات المستهدفة وعدم حصرها بالمضمونين. فالاقتراح الذي كان تقدّم به النائبان بلال فرحات وهادي أبو الحسن (كتلة اللقاء الديمقراطي) في تاريخ 15/9/2021، حول إنشاء نظام تأمين ضدّ البطالة من خلال إضافة فرع جديد إلى فروع الضمان الاجتماعي، وأحاله وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم إلى مجلس النواب، يتناول فقط المضمونين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين يفقدون وظائفهم. أما المقاربة المطلوبة، كما طرحها المشاركون في الندوة، فيجب أن تشمل جميع العاطلين عن العمل ولا سيما أنّ التقديرات الحالية تفيد بأنّ نسبة العمال اللانظاميين غير المشمولين بتغطية الضمان ارتفعت من 55% من مجموع العاملين إلى 62.4 % في العام 2022، عدا عن المعطلين على العمل والذين تم تقديرهم بنحو 45%.  

تعويض 60% من الأجر لمدة معينة

من جهتها، اعتبرت ممثلة منظمة العمل الدولية ليا ابو خاطر، أنّه كما هو موثق في تقرير الحماية الاجتماعية الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عرَّت الأزمة الاقتصادية في المنطقة الثغرات الرئيسية في أنظمة الحماية الاجتماعية الوطنية ولا سيما غياب أنظمة لتأمين البطالة في المنطقة  بالرغم من  أهميتها ودورها الأساسي في حصول العمال وأسرهم على أمن الدخل. وتشير إلى أن بعض الدول العربية  مثل الإمارات وسلطنة عمان استحدثت انظمة لتأمين البطالة.

ورأت أبو خاطر من الضروري اليوم إنشاء نظام لتأمين البطالة في لبنان في ظلّ سنوات من التقلبات الشديدة في الاقتصاد اللبناني والاقتصاد العالمي، وانكماش اقتصادي حاد، وارتفاع معدلات التضخّم  وارتفاع معدلات البطالة، وذلك من شأنه حماية المجتمع في أوقات الأزمات. وأشارت إلى أنّ الدول التي تتمتع بنظام تأمين البطالة استطاعت أن تتأقلم مع الأزمات الاقتصادية بشكل أفضل من الدول التي لا توفر تلك التأمينات. علماً أنّ هكذا نظام غير كاف في ظل القطاع غير النظامي والمشاكل الهيكاية والتنظيمية التي تعاني منها مؤسسة الضمان الاجتماعي. إذاً هذا النظام ضروري ولكن ليس كافياً.

بناء على ذلك، أضافت أبو خاطر: قدمت منظمة العمل الدولية مساعدة تقنية بغية تصميم نظام ضد البطالة من شأنه أن يحمي العمال من خطر الوقوع في الفقر. وفي نيسان 2021 أعدت المنظمة تقريراً يحدد ” تقديرات الكلفة  لخيارات التصميم المقترحة  لنظام التأمين ضد البطالة، وبعد الأخذ بالخيارات المقترحة في هذا التقرير، أعدت إدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي مشروع  نظام يرمي إلى إنشاء فرع ” نظام تأمين ضد البطالة”.   

المشروع، وفق ممثلة العمل الدولية، بسيط ويتمحور حول تعويض 60% من الأجر لمدة معينة. ويستفيد الأجير من فرع المرض والأمومة خلال هذه الفترة، يعطى كلّ مضمون عاطل عن العمل تعويض بطالة يعادل نسبة من متوسط كسبه الشهري كالتالي: 70% خلال الشهر الأول و50% خلال الشهر الثاني، و40% خلال الأشهر المتبقية. وأوضحت أنّ المشروع يشترط لاستحقاق تعويض البطالة للمضمون العاطل عن العمل: أن يكون خضع لنظام التأمين ضد البطالة لمدة لا تقل عن 24 شهر ضمان خلال 48 شهراً تسبق تاريخ تركه العمل بالنسبة لاستحقاق تعويض البطالة عن الأشهر الثلاثة الاولى، ولمدة لا تقل عن 36 شهر ضمان خلال 60 شهراً تسبق تاريخ تركه العمل بالنسبة لاستحقاق الشهر الرابع، ولمدة لا تقل عن 48 شهر ضمان خلال 72 شهراً تسبق تاريخ تركه العمل بالنسبة لاستحقاق الشهر الخامس، ولمدة لا تقل عن 60  شهر ضمان خلال 84  شهراً تسبق تاريخ تركه العمل بالنسبة لاستحقاق الشهر السادس.

وتلفت إلى أنّ هذا النظام مخصّص للأجراء المسجلين في الضمان الاجتماعي ويجب هنا التوقف عند التالي: بحسب الإحصاءات الأخيرة وفق منظمة العمل الدولية في 2018، أكثر من نصف مليون أجير، بمن فيهم الموظفين في القطاع النظامي، غير مضمونين وذلك بسبب عدم الامتثال بأنظمة الضمان الاجتماعي وهؤلاء موظفون في مؤسسات صغيرة ومتناهية الصغر. ويشكل العمال غير النظاميين نصف العمال غير المضمونين، 5% فقط من العاملين لحسابهم الخاص لديهم تأمين من خلال الضمان الاجتماعي مقارنة بـ 67% من الأجراء. فقط واحد من عشرة عمال في الزراعة والإعمار لديهم ضمان اجتماعي من جراء عملهم.  هؤلاء بحاجة إلى حماية مختلفة، لذا ترى أبو خاطر انه في موازاة اﻋﺘﻤﺎد إﺻﻼﺣﺎت تهدف إﻟﻰ ﺗﺤﺴﯿﻦ نظام التأمين اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، وﻻ ﺳﯿﻤﺎ الصندوق الوطني ﻟﻠﻀﻤﺎن اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، يجب توفير اﻹﻋﺎﻧﺎت اﻷﺳﺎﺳية اﻟﻤﺮتبطة بدورة اﻟﺤﯿﺎة واﻟمموّلة من الضرائب على غرار إﻋﺎﻧﺎت اﻷطﻔﺎل والأشخاص ذوي اﻹﻋﺎﻗﺔ وﻣﻌﺎﺷﺎت اﻟﺸﯿﺨوخة وتأمين البطالة، وهي إعانات أﺳﺎﺳﯿﺔ ﻟتوفير تأمين حد أدنى من الدخل للعمالة غير النظامية ولتحقيق نظام ﺷﺎﻣﻞ للحماية الاجتماعية. 

تمويل الصندوق: الدولة والعمال وأصحاب العمل وجهات مانحة

أجاب الخبير الدولي غسان صليبي عن هذه الإشكالية خلال الندوة بالقول إنّ مفهوم تعويض البطالة مختلف بين طرف وآخر وهو غير واضح في الطروحات المختلفة لا من حيث نوع البطالة المطلوب تعويضها ولا من حيث طريقة التمويل أو إدارة الصندوق المحكى عنه. ويضع صليبي ملاحظات على الطروحات المتداولة في لبنان، معتبراً أنّه لا مجال لتحديد الخيار الأمثل بشأن تعويض البطالة من دون دراسات أكتوارية Actuarial أي دراسة تقدّر الحاجات والإمكانات التمويلية على المدى البعيد.

واقترح صليبي تعديل مشروع القانون الموجود اليوم في مجلس النواب باتجاه توسيع الفئات المستفيدة من التأمين وعدم حصرها بالمضمونين، مشيراً إلى أنّ نسبة المضمونين المصروفين من العمل لا تتجاوز 12% من مجموع المصروفين، وأنّ البطالة التي نواجهها لا تتعلق بمشكلات خاصة تعاني منها الشركات بل بأزمة مالية اقتصادية عامة، أي أنّ المشرّع يتعامل مع أسباب البطالة كما تعاملت معها الدول الصناعية عندما كانت محدودة وناتجة عن صعوبات مرحلية تعانيها الشركات.

واقترح صليبي مساهمة الدولة في تمويل صندوق البطالة إلى جانب العمال وأصحاب العمل بالإضافة إلى مساهمة جهات دولية في التمويل وخصوصاً عند انطلاقته، حتى لا ينتظر العاطلون عن العمل أكثر من سنتين للبدء من الاستفادة من تأمين البطالة أي بعد مراكمة الاشتراكات. ويدعو إلى تشكيل حملات ضغط مدنية ونقابية لإقرار المشروع في مجلس النواب والاستفادة من وصول النواب التغييريين إلى البرلمان ومن وجود وزير العمل الحالي المؤيد للمشروع. والدفع باتجاه إحياء الحوار الاجتماعي الثلاثي بشأن مشروع القانون أو ربما كان من الأفضل اتخاذ نوع من المواءمة بين مشاريع ثلاثة: الحماية الاجتماعية والشيخوخة والبطالة”.

بيرم: “اللبناني ما بدّو يشتغل” 

وعلى عادة المسؤولين اللبنانيين في رمي جزء كبير من مسؤولية الأزمة على عاتق اللاجئين والأجانب، استهلّ وزير العمل مصطفى بيرم مداخلته في الندوة بالحديث عن أثر النزوح السوري كأحد أسباب أزمة البطالة، مشيراً إلى أنّ المنافسة الأجنبية باتت كبيرة في سوق العمل اللبناني خصوصاً نتيجة هذا النزوح. وأوضح أنّه: “لا يوجد في العالم بلد يتحمّل أن يكون ثلث سكانه من النازحين. رفعت الصوت في مجلس الوزراء وأصدرت القرار 96/1 الذي ينص على حصر 126 مهنة باللبنانيين، ما يلزم أصحاب المصالح بتوظيف عمال لبنانيين وإلّا لن تتمّ الموافقة على إجازة العمل”. وبرأي بيرم أيضاً اللبناني “ما بدو يشتغل”، وهو ما يؤدي إلى “العطالة وهي أخطر من البطالة”، متناسيا قيمة الأجور الحالية والتي لم يتم تعديلها بطريقة تتناسب مع غلاء الأسعار وانهيار الليرة. وخلال النقاش اللاحق للندوة، ورداً على أسئلة الحضور اعتبر الوزير أنّ الاقتصاد الريعي الذي أثبت فشله، ضرب الإنتاج وضرب ثقافة العمل وروحية الصناعة واعتمد على الزبائنية والفوائد والقروض، فارتفعت نسب البطالة والفقر. 

وأشار بيرم إلى أنّ وزارته تبنّت مشروع اقتراح قانون تأمين البطالة كونه يعطي نوعاً من الأمان الاجتماعي للعمال الذي هو حجر الأساس وبدونه يسقط المجتمع” وأحيل هذا المشروع إلى المجلس النيابي ودعمت إنشاءه وهو الآن يدرس في اللجان النيابية. لكنّه أكد في الوقت نفسه أنّ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أبلغه أنه عاجز حالياً عن تغطية صندوق البطالة بسبب الخلل البنيوي في صندوق الضمان وديونه البالغة 5000 مليار ليرة.

وتعليقاً على المشروع، اعتبر الصحافي الاقتصادي محمد زبيب في حديث لـ “المفكرة” أنّ المقاربة التي تبني عليها الحكومة رؤيتها لمسألة التأمين على البطالة، قاصرة من كل الجوانب، بل هي أقرب إلى تهرّب من مسؤولية تقديم مقاربة جدّية تعبّر عن وعي للمخاطر الجسيمة التي يواجهها المقيّمون في لبنان فالتركيز على أثر اللاجئين السوريين وتقديمه كعامل منافسة على الوظائف المتاحة لا يعبر عن شيء سوى عن سوء فهم أو سوء نية، باعتبار أنّ أزمة العمل وضمنها البطالة هي أزمة نموذج اقتصادي قام تاريخياً على تبخيس قيمة عمل الإنسان وحقوقه. فعلى سبيل المثال تهاوت حصة الأجور في مقابل الأرباح من مجمل الناتج المحلي من 55% في سبعينيات القرن الماضي إلى 35% في نهاية الحرب الأهلية إلى 25% قبل الانهيار في العام 2019 والله أعلم إلى أي درك تهاوت اليوم في ظل واحدة من أكبر عمليات النهب في التاريخ الحديث حيث تشير تحديثات مسح القوى العاملة لادارة الاحصاء المركزي إلى أن معدل التضخم بين كانون الأول 2018 وتشرين الأول 2021 ارتفع بنسبة 562% إلّا أنّ متوسط الأجور في لبنان لم يرتفع إلّا بنسبة 92% فقط. علماً أنه انخفض بالدولار من نحو 800 دولار إلى 92 دولار.

زبيب: الحل باقتصاد تنافسي يولّد الفرص ولكن ليس على حساب الأجور

يعتبر زبيب في حديث لـ “المفكرة” على هامش الندوة أنّ الحل لمشكلة البطالة يكون ببناء اقتصاد تنافسي ومنتج ومولّد لفرص العمل ولكن في الوقت نفسه ليس على حساب الأجور والحماية الاجتماعية والحق في الدخل الأساسي الكافي لمستوى معيشي لائق. ويتابع: “بشكل أكثر تحديداً نحتاج اليوم بشكل حاسم إلى صندوق للتأمين ضد البطالة إلى جانب الضمان الصحي الشامل ونظام المعاش التقاعدي للجميع، لأننا من دون ذلك ومهما كانت الشعارات طنانة ورنانة حول الاقتصاد المنتج سينتهي الأمر الى السماح لرأس المال بالتراكم والتركز على قاعدة الاستغلال الأبشع لحاجات الناس للعمل والدخل. وبالتالي البناء على قاعدة مزايا مدمرة بدأنا نسمع النغمات حولها من نوع رخص اليد العاملة، أي الأجور المنخفضة والعمل لساعات طويلة وتقليص العطل والإجازات وزيادة أشكال التمييز في العمل ضد النساء وتشغيل الأطفال”.

ويرى زبيب أنّ الاقتراح الموجود في مجلس النواب يتناول فقط المضمونين لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين يفقدون وظائفهم، في حين أنّ المقاربة المطلوبة يجب أن تشمل جميع العاطلين عن العمل من نظاميين وغير نظاميين، مشدداً على أنّ المقاربة يجب أن تكون شاملة وتطال صندوق الضمان نفسه بحيث لا يمكن القبول باستمرار المنحى التراجعي لنظام الضمان وإنما يجب الذهاب فوراً وبسبب الأزمة إلى أنظمة تقدّمية تقوم على مفهوم الشمول وتموّل بالضرائب كجزء من إعادة توزيع الثروة والدخل التي تديرها الدولة. وبهذه الحالة من الضروري، بحسب زبيب، أن تكون الضرائب تصاعدية وتستهدف فئات الدخل الأعلى والثروات والملكيات المختلفة وأرباح رأس المال وتغريم كل نشاط اقتصادي يتسبّب بالضرر الاجتماعي والبيئي، بحيث تنشأ مؤسسة خاصة للتأمين ضد البطالة ومؤسسة أخرى للتأمين الصحي الشامل ومؤسسة ثالثة لنظام التقاعد للجميع. هذه المؤسسات الثلاث يجب أن تكون ركناً أساسياً من أركان التغيير الجذري في الاقتصاد السياسي على قاعدة بناء الدولة الاجتماعية بدل دولة المحاصصة الطائفية والزبائنية.

البطالة أكثر من 30% 

بحسب مسح أجرته إدارة الإحصاء المركزي مع البنك الدولي عن فترة 2018 و2019، بلغ حجم القوى العاملة في لبنان بنحو مليون و800 ألف شخص. أكثر من 70% منهم يعملون بأجر، وتوصّل المسح إلى أنّ 55% من القوى العاملة تعمل بشكل لا نظامي وتتعرّض لأقسى أشكال الاستغلال في العمل حيث لا يتمتّع أكثرية العمال اللانظاميين بالحماية القانونية والاجتماعية والصحية كما بالأجور العادلة. وتوصّل المسح إلى أنّ 85% من القوى العاملة النظامية تعمل في القطاع الخاص و14% في القطاع العام. 

وفي العام 2022، أجرت إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية مسحاً للقوى العاملة أظهر أنّ معدل البطالة العام ارتفع إلى أكثر من 30% (من 11.4% في المسح السابق) ما يعني أنّ ثلث القوى العاملة عاطلة عن العمل. إلّا أنّ تقديرات أخرى ترتكز إلى الملاحظة المباشرة تذهب إلى أنّ معدل البطالة قد يكون أعلى من ذلك بكثير نظراً لعمق التحوّلات التي يشهدها الاقتصاد اللبناني في ظلّ استفحال الأزمة الراهنة وضيق فرص الهجرة أمام أكثرية الراغبين فيها. 

يتضمّن مسح إدراة الإحصاء المركزي وتحديثاته مؤشراً يعزز هذا الاعتقاد وهو الارتفاع الكبير في المقياس المركب لقصور الاستغلال الناقص للعمل (underutilization labour of measure Composite ) الذي يشير إلى عدم تطابق بين العرض والطلب على اليد العاملة، وبالتالي يظهر المقياس مدى الحاجة الفعلية لخلق وظائف من أجل التشغيل الكلّي، وهو يتضمن إضافة إلى العاطلين عن العمل، القوى العاملة المحتملة أي أولئك الذين تفرض عليهم الأزمة البحث عن عمل لأول مرة، كما يشمل الأشخاص الذين يبحثون عن أعمال إضافية فوق الأعمال التي يقومون بها حالياً.

فوفق هذا المؤشر ارتفعت نسبة الوظائف الناقصة من 16.2% في عامي 2018-2019 إلى 50.1 % في عام 2022، أي أنّ ما يعادل نصف القوى العاملة تقريباً تحتاج إلى وظائف جديدة. وترتفع هذه النسبة بين الشباب لتبلغ 64.2% أي أنّ هناك حاجة لخلق وظائف جديدة لأكثر من ثلثي القوى العاملة الشابة.

تكشف هذه التقديرات أنّ الأزمة التي يواجهها سكان لبنان تتفاقم وهي أعمق وأشمل من اختزالها بالمصارف ومودعيها، وفق ما يشير زبيب لـ”المفكرة”، وهذا لا يعني برأيه أنّ حقوق المودعين ليست مهمة، بل يعني أنّه لا يمكن النظر إلى هذه الحقوق بمنظار العدالة من دون رؤية شاملة لما نواجهه من مخاطر جسيمة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

يشرح زبيب أنّ الأزمة أسفرت من جملة ما أسفرت عنه، تجريد أكثرية الأسر من قدراتها الشرائية بالإضافة إلى مدّخراتها في البنوك والصناديق الاجتماعية (تعويضات نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي والصناديق المهنية). وبالتالي لم يعد معظم الأسر يمتلك أي قدرة لمواجهة أعباء المعيشة والكلفة المتعاظمة من جراء تعميق السياسات الانكماشية والتقشفية المترافقة مع الموجات التضخمية الهائلة.

ويضيف أنّ الخسائر في الجهاز المصرفي فادحة جداً وتمثل عائقاً رئيساً أمام إمكانية النهوض من جديد، إلّا أنّها ليست كل الخسائر التي يرزح تحتها سكان لبنان، فـ “الليرة خسرت نحو 95% من قيمتها الشرائية وانكمش الناتج المحلي الإجمالي من 55 مليار دولار في العام 2018 الى 20 مليار دولار حالياً، أي أن الدخل المتاح من الاقتصاد المحلي خسر 35 مليار دولار في غضون 3 سنوات، ويعني الناتج المحلي الإجمالي كلّ الأرباح والأجور من ناحية التوزيع والاستهلاك والاستثمار من ناحية الاستخدام”. وهذا وفق زبيب يعبر عن تحول جارف وطويل الأمد لا يتمّ التطرّق إليه في النقاشات الجارية والحلول التقنية المطروحة بما فيها حلول صندوق النقد الدولي. لذلك يعتبر زبيب أنّ أيّ حلّ عادل للأزمة في لبنان لا بدّ أن ينطلق من هذا التحوّل الجارف نحو بناء برنامج يتمحور حول الاقتصاد السياسي أو بمعنى اوضح حول الدور المفترض للدولة في التنظيم الاقتصادي الاجتماعي. وهنا تقف مسألة البطالة على رأس الأولويات مع ما تفرضه من تغييرات جذرية على صعيد السياسات والمؤسسات، أي باختصار توجيه السياسات بما فيها السياسات الضريبية نحو إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية وتخصيص المؤسسات باتجاه إيجاد القاعدة المادية للمؤامة بين العدالة والكفاءة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

عمل ونقابات ، سياسات عامة ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، نقابات ، إقتراح قانون ، مرسوم ، فئات مهمشة ، لبنان ، حقوق العمال والنقابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني