نداء لإلغاء التعصيب في الإرث بالمغرب: وحدة لدى اليساريين و”فُرقة” بين الإسلاميين


2018-03-28    |   

نداء لإلغاء التعصيب في الإرث بالمغرب: وحدة لدى اليساريين و”فُرقة” بين الإسلاميين

عاد الجدل بخصوص المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، إلى واجهة النقاش في المغرب. وذلك على خلفية توقيع مجموعة من المثقفين والسياسيين عريضة على موقع "أفاز" تطالب بـ"إلغاء التعصيب في الإرث"، والتي قُوبلت بمواقف مختلفة بين التأييد والرفض. هذه العريضة، وإن خلفت موقفا غير مُتباين لدى السياسيين ونشطاء المجتمع المدني المحسوبين على التيارات اليسارية واللبيرالية، إلا أنها تسببت في خلافات "عميقة" في صفوف الإسلاميين، إذ اصطف بعضهم إلى المطالبين بإلغاء التعصيب في نظام الإرث، وتجند آخرون في الجهة المقابلة، ووجهوا إليهم جملة من الانتقادات والاتهامات.

ووقع على هذا النداء أكثر من 1500 شخص يطالبون بإلغاء "التعصيب" في أنظمة الإرث بالمغرب، إذ ضمت اللائحة مجموعة من الأسماء البارزة في الساحة السياسية والأكاديمية، وأيضا الحقوقية، رجالا ونساء.

ولم تقتصر اللائحة على ذوي التوجهات اليسارية والحداثية فقط، بل ضمت أيضاً شخصيات قيادية في تيارات إسلامية، مثل خديجة مفيد رئيسة مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون والقيادية بحركة التوحيد والإصلاح، وأيضا مريم يفوت الباحثة والقيادية السابقة بجماعة العدل والإحسان، كما ضمت اللائحة كُلا من مصطفى المعتصم مؤسس حزب البديل الحضاري، ذو المرجعيات الإسلامية، ومحمد الأنجري الباحث في الدراسات الإسلامية ويوسف الكلام خريج دار الحديث الحسنية، وأيضا رشيد بن الزين الباحث في الفكر الإسلامي، بالإضافة إلى محمد عبد الوهاب الرفيقي، وهو أحد الوجوه البارزة لتيار السلفية في المغرب.

وجاء في نص النداء، بحسب ما عاينت "المفكرة"، أن "قانون المواريث يعطي الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد"، في حين "لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدّرا معلوما يسمى فرضا، مما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين من إخوة وأبناء إخوة وأعمام و أبناء عم وإن بعدوا"، بحسب نص النداء.

وقال أصحاب النداء إن "هذه الوضعية ترتبط بقاعدة التعصيب، التي تحصر الورثة بعد أصحاب الفروض في الذكور ممن لهم قرابة نسبية بالميت".

ولفتوا إلى أن "الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي نشأ فيه، حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية هشة، إضافة إلى تحملهم مسؤولية الدفاع عن القبيلة وضمان عيشها"، موضحين أن "هذا النظام الاجتماعي لم يعد بالتأكيد هو السائد في عصرنا الحالي، فالأسرة المغربية أصبحت مكونة في الغالب من الزوجين وأطفالهما، بل إن النساء يساهمن في إعالة أسرهن، و في أحيان كثيرة يكنّ المعيلات الوحيدات". وأورد النداء مجموعة من الإحصائيات المتعلقة بـ"عدد النساء اللواتي يشاركن أزواجهن نفقات البيت"، مشيراً إلى أنهن في تزايد مستمر، مقدراً ذلك بمعدل أسرة واحدة من بين كل خمس أسر، أي 20 بالمائة.

ولفت إلى أنه "في السياق الاجتماعي الحالي وما عرفه من تغير في البُنى والأدوار الاجتماعية، ينتج عن تطبيق نظام الإرث عن طريق التعصيب بالنفس ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام ، إذ لم يعد الأعمام، أو أبناء العمومة، أو الأقارب الذكور عموما يتحملون نفقات بنات إخوتهم أو قريباتهم حتى إن كن يُعانين الحاجة والعوز".

وتساءل "ما الذي يبرر أن يظل الأقارب الذكور، الأقربون أو الأبعدون، يتقاسمون الإرث مع فتيات يتيمات لا يتحملون مسؤوليتهن المادية أو المعنوية في شيء؟"، مشيراً إلى أن "القانون الذي يبيح لهم اقتسام إرث لم يساهموا فيه لا يجبرهم في المقابل على حماية ورعاية الأسرة المعنية، بل على العكس يساهمون في تفقيرها وتعريضها للعوز".

وأوضح أنه "في كثير من الحالات تتحول فترات الحزن على الميت وآلام الفراق إلى نزاع على الإرث، أحيانا قبل دفن الميت، حينما يطالب العصبة بحقهم "الشرعي" في أموال الميت وممتلكاته وذكرياته، أو حين يجبر هؤلاء النساء الثكالى على بيع منزل الأسرة لأخذ"مستحقاتهم".

وفيما طالب أصحاب النداء بإلغاء العمل بـ"التعصيب" من قانون المواريث في المغرب، شددوا على أنه "لا يجد له أي سند في القرآن الكريم، فضلا عن أنه لا يتناسب مع مقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق العدل بين الناس".

وبينما استقبلت فئة لا بأس بها من المغاربة هذا النداء بترحيب ومُساندة، وجدت فيه فئة أخرى "مساً" بـ"أحكام الدين الإسلامي"، داعيين إلى "الوقوف في وجه مثل هذه الحملات".

وفي هذا الصدد، عبر محمد الفيزازي، أحد الوجوه السلفية البارزة في المغرب، عن رفضه لهذه المبادرة، معتبرا مطالبها "مخالفة للشريعة الإسلامية"، التي تعتبر الديانة الرسمية للبلاد، وفقاً لما ينص عليه الدستور المغربي.

وأوضح الفيزازي في تصريح للمفكرة، أن "القواعد التي أنزلها الله في القرآن الكريم، غير قابلة للاجتهاد والتأويل، خاصة تلك المتعلقة بالإرث"، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة "حظيت بتفصيل كثير في القرآن الكريم، وأكثر تدقيقا من مسائل أخرى تعد من أركان الإسلام".

وزاد قائلا: "الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام، لم يفصل فيها الله كما فصل في الإرث"، معتبراً أن "في هذا التفصيل الشديد إشارة إلى حساسية الموضوع في الحياة".

وفي رد على "التغييرات التي طرأت على المجتمع ومكانة المرأة"، شدد الفيزازي على أن "للمرأة المكانة نفسها منذ قرون، بل ولا زالت تقوم بنفس أدوارها في البيت وخارجه"، وبالتالي "تكون المبررات التي جعلتهم يفكرون بإلغاء قاعدة التعصيب من نظام الإرث غير مقنعة".

وبدوره عبر أحمد الريسوني، القيادي في حركة التوحيد والإصلاح، وأحد الوجوه الإسلامية البارزة في المغرب، عن رفضه لمضمون هذا النداء، معلقاً بالقول "الفرائض لا تلغى بالعرائض".

واعتبر الريسوني، في مقال رأي تداولته مجموعة من المواقع المحلية، أن العريضة "تطالب بإسقاط ما فرضه الله وأكده بأبلغ العبارات والتنبيهات"، بحسب قوله، مشبها "أحكام الإرث" بـ"أحكام الزكاة".

وزاد "كل المسائل التي تحتاج عادة إلى العلم والعلماء، وتحتاج إلى المختصين والخبراء، وتحتاج إلى البحث العملي والاجتهاد الموضوعي"، معتبراً أنه من العبث والانحطاط والغوغائية إقحامها في منطق العرائض الشعبية والشعارات التحزُّبية والضغوط النضالية".

ووصف هذه العريضة والدعوة إلى توقيعها بـ"الأساليب الغوغائية"، معتبراً أن الرد عليها يجب أن يكون بـ"جر أصحابها إلى ميادين العلم والمعرفة والفكر والبحث والحجة والبرهان".

في المقابل، أوضح الداعية عبد الوهاب رفيقي، أحد الموقعين على الوثيقة، أن “التعصيب المقصود بالنداء لا يشمل كل أنواع التعصيب، كأن يتفرد الابن بالتركة فتكون كلها له، أو حتى ما لو خلف الميت ذكورًا وإناثًا فيرثون حسب القانون الحالي بقاعدة: للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن المقصود حالات التعصيب التي يقع فيها على المرأة ظلم بين لا يمكن الاستمرار في قبوله".

ولفت في تدوينة له، نشرها عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إلى أن "التعصيب الذي يجب إلغاؤه هو ما يتعلق بوفاة الميت تاركًا خلفه بنتًا أو عددًا من البنات دون وجود ذكر معهن، فيأتي أي قريب من جهة الأب دون الأم ولو كان بعيدًا كعم أو ابن عم أو ابن ابن عم ولو نزل، فيقاسم البنت أو البنات تركة والدهن، مع أنه لم تكن له أي رابطة بهن سوى تلك القرابة النسبية". وزاد "وإني لأعجب لهذا التدليس الكبير الذي يمارسه المعارضون حين يحاولون دغدغة عواطف الناس وعقائدهم، حين يزعمون مغالطين أن في هذا المطلب نقضًا للدين والشريعة، مع أن هذا النظام الظالم ليس له من سند في القرآن النص المؤسس والأول للإسلام". وشدد على أن "الشريعة ليست نصوصًا تفصيلية ولا جزئية بل هي العدل، ومن يقف أمام تحقيق العدل بين الناس، ويمنع تطور القوانين بما يتناسب مع دوام هذه القيمة واستمرارها، هو من يعادي الشريعة ويعرضها للتهمة، وليس المدافعون عن حقوق النساء من شرفاء هذا الوطن"، بحسب تعبيره.

وينص الدستور المغربي، على أن الديانة الرسمية للبلاد، هي الإسلام، في حين يستمد من تعاليمه مجموعة من القوانين، كـ"الزواج والإرث". إلا أن التعديلات التي أدخلت على الدستور سنة 2011، أضافت فصلا كاملا ينص على "المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات". وجاء في الفصل التاسع عشر من الدستور المغربي: "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي  مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها"، كما ينص على أن الدولة "تسعى إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء،  وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز".

إلى ذلك، سبق للعاهل المغربي، الملك محمد السادس، أن دعا في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة، الذي انعقد بالرباط، فبراير المنصرم، إلى "مواكبة مدونة الأسرة بالتقييم والتقويم، لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة".

واعتبر نشطاء حقوقيون أن هذه الدعوة، هي "إشارة صريحة" لـ"تصحيح مجموعة من التناقضات التي بات المجتمع المغربي يتخبط فيها، ومن ضمنها إقرار المساواة في الإرث"، بحسب فوزية العسولي، رئيسة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، في تصريح سابق لموقع هسبريس.

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب، قبل 15 سنة، قد أقر مدونة الأسرة، وهي النصوص القانونية التي تؤطر العلاقات الزوجية، والإرث في المغرب. وهو ما اعتبره آنذاك "طفرة مهمة في ظرف كان فيه المجتمع يعيش صراعاً بين القوى المحافظة والحداثية"، خاصة وأنها "وافقت بين الاتجاهين"، تورد العسولي في نفس التصريح، مشدد على أن "المدونة اليوم أظهرت عن مجموعة من التناقضات وجب تغييرها، لأنها تعرقل التطور المنشود".

رابط العريضة:

https://secure.avaaz.org/ar/petition/nd_mn_jl_lG_lrth_bltSyb_fy_lmGrb_lsysywn_lmthqfwn_lhyyt_lmdny_mwm_lmwTnyn/?aCrFTmb

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني