نجاة تلامذة مدرسة “النموذج” صدفةً يعيد طرح ملف المدارس المتصدّعة في طرابلس


2024-01-22    |   

نجاة تلامذة مدرسة “النموذج” صدفةً يعيد طرح ملف المدارس المتصدّعة في طرابلس
من صفحة med news network على فيسبوك

“العناية الإلهية أنقذت أبناءنا” تقول سلمى، والدة أحد تلامذة الصف الثاني في “مدرسة النموذج الرسمية للصبيان” في طرابلس، إثر انهيار جزء من سقف أحد ممرات المبنى المدرسي الأربعاء الماضي، في 17 كانون الثاني 2024. تتحدث سلمى، الأم الثلاثينية عن لحظات “عصيبة”، تروي لـ “المفكرة القانونية” كيف وصلها خبر سقوط أحد الأسقف في المدرسة التي يرتادها ابنها. وكيف قفزت إلى ذهنها فورًا حادثة مقتل الطالبة ماغي محمود، إثر انهيار إحدى قاعات التدريس في مدرسة الأميركان في جبل محسن في تشرين الثاني 2022: “وصلني ع الواتسآب خبر انهيار سقف في مدرسة “النموذج”. ما عدت شفت بعيوني، ركضت متل المجنونة ع المدرسة، وما صدقت إنه ما حدا من التلاميذ مات وإنه ابني بخير حتى شفته قدامي بعيوني”. وفي رأس سلمى سيناريو رعب ما زال يسكنها “لو كانو طالعين من الفرصة أو نازلين؟ لو ابني كان رايح ع الحمام ومرق بالكوريدور لحظة انهيار السقف…”، ولو ولو لأكثر من احتمال ما زال يحرق أعصابها، خصوصًا في ظل الصور التي تداولها الناشطون ومواقع التواصل الاجتماعي التي أظهرت حجم تكسّرات الباطون المنهارة من السقف والتي كانت ستؤدي إلى قتل التلامذة لو صودف مرورهم لحظتها.

وكما سلمى، كانت وطأة الخبر قاسية على الأهالي، وعلى التلامذة الذين كانوا داخل قاعات التدريس إثر عودتهم من الملعب بعد استراحة منتصف النهار الدراسي. يقول رشيد، أحد التلامذة الذين كانوا في صفوفهم “قرابة الساعة 12 إلّا ربعًا، كنّا داخل الصف، وكان أستاذ اللغة العربية، يشرح لنا درس القواعد، وفجأة سمعنا ما يشبه صوت انفجار كبير”. ساد هرج وفوضى وسط التلامذة قبل أن يعرفوا أنّ انهيار أحد السقوف هو سبب الصوت. عندها تحوّلت الفوضى إلى خوف “صرنا خايفين تنهار علينا المدرسة كلها، وصرنا نركض”، كما يقول محسن، أحد التلامذة الذي قالت والدته إنه عاد من المدرسة بحالة صدمة كبيرة: “قال لي ما بقى بدّي روح ع المدرسة، ما بدّي موت هونيك”.  لاحقًا، يقول رشيد: “صرنا نتضحّك ع حالنا قد ما خفنا، قبل ما تخبرنا الإدارة والموظفين أنه ما حدا انصاب بالانهيار”. وتتحدث خديجة، جارة المدرسة، عن صغار التلامذة الذين تقع قاعات تدريسهم في الطابق الثالث، حيث انهار سقف الممر: “كان الأولاد عم يبكوا كتير هنّ وآخدينهم أهلهم من المدرسة، كتير خافوا”.  

من صفحة med news network على فيسبوك

إخلاء مدرسة “النموذج” وتوزيع تلامذتها

الخميس الماضي، بعد يوم واحد من حادثة انهيار جزء من سقف أحد ممرات مدرسة “النموذج”، أقفلت الإدارة وبقرار من وزارة التربية أبواب المدرسة أمام الطلاب، والزوّار. وحُدّد قرار الإقفال لغاية نهار الثلاثاء في 23 كانون الثاني (غدًا)  إلى حين إزالة الركام الناجم عن سقوط أجزاء من السقف. ولكن مصدرًا في وزارة التربية أكد لـ “المفكرة” استمرار إخلاء مبنى مدرسة “النموذج” إلى حين تنفيذ أعمال ترميمه، مشيراً إلى توجه الوزارة إلى نقل الطلاب إلى مدارس قريبة لإكمال عامهم الدراسي. ويفيد المصدر أنّ “المدرسة غير مهدّدة بخطر الانهيار، ولكن هناك إمكانية لسقوط أجزاء أخرى على غرار ما حصل سابقًا، لذلك جاء قرار الإخلاء”. وعند سؤاله عن وضع الأبنية المدرسية الرسمية الأخرى في طرابلس، يرى أنّه “لا توجد مدارس متصدّعة وعرضة للانهيار الكامل، ولكن هناك مدارس تقدّر بالعشرات، معرّضة لسقوط أجزاء من (القشرة) أي من أسطحها، وليست أساساتها”. أما فيما يتعلق بالجهة التي ستموّل الترميم، تؤكد أوساط مطلعة على الملف أنّ “وزارة التربية تبحث عن جهة مانحة لتمويل عمليات الترميم لأنّها تعلم بأوضاع صناديق المدارس وحالة العجز التي تعانيها”، وهي “استراتيجية” تتبعها الوزارة لترميم مختلف المدارس الرسمية التي تعاني من مشاكل في أبنيتها أو من خطر انهيارات جزئية، بما فيها الأبنية المستأجرة لبعض المدارس حيث من الصعب انتظار قيام المالك بترميمها بعد انهيار قيمة بدلات الإيجارات. 

ويأتي كلام وزارة التربية عن عدم وجود مدارس مهدّدة بالسقوط، في وقت سبق وأكد فيه رئيس شبكة سلامة المباني المهندس يوسف فوزي عزام أنّ هناك أكثر من 100 مدرسة تحتاج الى ترميم  فوري، وهي تنتشر على كافة الأراضي اللبنانية ومعظمها رسمية، بحسب إحصاء للشبكة يعود إلى العام 2017.

وإضافة إلى الأبنية المدرسية، كانت بلدية طرابلس، وإثر مسح أجرته بالتعاون مع المديرية العامة للآثار قبل زلزال 6 شباط 2023، قد أكدت أنّ عدد المباني المتصدّعة كان يبلغ نحو 236 مبنى هي 139 مبنى باطونيًا و97 مبنى تراثيًا في أنحاء المدينة التاريخية. ولكن بعد الهزات الناتجة عن الزلزال عينه، أعلن رئيس بلدية طرابلس المهندس أحمد قمر الدين أنّ عدد المباني المعرّضة للانهيار في طرابلس بسبب التصدعات هو حوالي 700 مبنى، 10% منها تشكل خطرًا على ساكنيها، موضحًا أنّ “سبب التصدعات لا يعود إلى الزلزال فقط، إنما الخطر ارتفع يومها مع الهزات الارتدادية، وبعدها”. ويومها اعتبر المهندس وسيم ناغي أنّ “الأرقام قد تكون أكبر بكثير مما يتم إعلانه رسميًا. ولا أحد يمتلك رقمًا نهائيًا للأبنية المتصدعة لا في لبنان بشكل عام وطرابلس بشكل خاص”، وهو ما يطرح تساؤلات عن الإجراءات التي اتخذتها المؤسسات الرسمية المعنية لعدم تعريض حياة الناس عامة، وطلاب المدارس خاصة لخطر انهيار المباني أو أجزاء منها، كما حصل في مدرسة “النموذج” الرسمية الأربعاء الماضي، ونجا تلامذتها من خطر الموت أو الإصابة بالصدفة.

شارع المدارس

كشفت جولة نفذتها “المفكرة” في شارع المدارس، حيث تقع مدرسة “النموذج” الرسمية، تفاوتًا في وضع الأبنية داخل الشارع الواقع خلف بلدية طرابلس. فمن ناحية هناك مجمّع التل التربوي الرسمي (المدارس الجديدة)، الذي يضم المدرسة الجديدة للبنين، ومدرسة فرح أنطون للبنين، في موازاة مبان قديمة، من ضمنها مدرسة “النموذج” التي تحتاج إلى الترميم، وتظهر بعض التشققات في جدرانها الخارجية، حيث يرتبط حجم الخطر بمدى متانة الأساسات. كما نرى بعض المدارس قد استفادت في السابق من مساعدات يضعها البعض في خانة “المال السياسي”، لإنجاز بعض أعمال الترميم، في غياب الترميم الرسمي من الدولة. وعلى سبيل المثال، يَظهر شعار “جمعية العزم والسعادة” على مدخل مدرسة “النموذج” الرسمية للصبيان، فيما خضعت مدرسة التل الجديدة الرسمية للبنات للترميم إثر هبة من الرئيس الأسبق للحكومة سعد رفيق الحريري.  

التصدّع حاضر منذ مدة

يفيد الطلاب أنه “بعد زلزال 6 شباط، ظهرت تفسخات وتصدعات ببناء مدرسة “النموذج”، ما أثار خوفهم ودفع الأهالي للتشكي من حال المدرسة في حينه. ويقول أحد الأهالي للمفكرة “أن إدارة المدرسة قامت لاحقاً ببعض التصليحات التي لم تنمع انهيارًا جزئيًا في سقف أحد ممرات المبنى المدرسي الذي يسلكه الطلاب عند دخول أو مغادرة قاعات التدريس”.   

هذه التصدعات ليست بجديدة على مدينة طرابلس، التي تغلب العمارة القديمة على أحيائها الشعبية المكتظة بالسكان، كالقبة، والزاهرية، والتبانة والسويقة والحديد وغيرها. وتشكل المدارس جزءًا لا يتجزّأ من هذا النسيج العمراني المهمل برغم أهميتها التاريخية والأثرية، حيث يُترك مع الناس تحت خطر السقوط، إذ غالبا ما تقتصر الإجراءات على أعمال التدعيم التي تقوم بها البلدية في الحالات الاستثنائية للحؤول دون السقوط التام للمبنى المهدد.

من يتحمّل عبء الترميم؟

ولم تعد حادثة مدرسة “النموذج” للصبيان إلى الذاكرة انهيار مدرسة الأميركان في جبل محسن العام 2022 فقط، بل سلطت الضوء مجدداً على مصير المدارس المتصدعة، والتأخير في أعمال الترميم في ظل محدودية موارد صناديق المدارس وغياب الدولة، والمخاطر الناجمة عن ذلك على سلامة الطلاب والسلامة العامة في المدينة.

وفيما رفضت إدارة مدرسة “النموذج” للصبيان الإدلاء بأي تصريح أو توضيحات بشأن ما حصل تذرّعًا بأنها “مؤسسة رسمية” تقع تحت وصاية وزارة التربية، أشار بعض المدراء في مدارس رسمية أخرى، تواصلت معهم “المفكرة”، إلى جملة مشاكل يعانون منها في معرض القيام بأعمال الكشف والترميم على المباني المدرسية. وتقاطعت مواقف حول “نفي مسؤولية المدراء عن الحوادث، وتحميلهم حوادث الانهيارات وتقصير الدولة، وعدم توافر الموارد المالية الكافية”. ويقول مدير إحدى الثانويات “لا يمكن تحميل المسؤولية للإدارة لأن المباني قديمة، وغير مهيأة في الأصل من الناحية الهندسية لاستقبال أعداد كبيرة من الطلاب، أو حتى لمواجهة الأوضاع الطارئة والظروف الطبيعية والكوارث”، مضيفًا “لن تبقى مدرسة قائمة في حال حدوث هزة قوية أو زلزال في المدينة”.

من جهتها، تؤكد مديرة إحدى المدارس الرسمية في مدينة الميناء أنها أبلغت وزارة التربية بظهور تفسخات وصدوع في مبنى مدرستها “فأرسلت مهندسيّن اثنين من دائرة الهندسة للكشف على المبنى، وأعدّا تقريرًا، وطالبا إنجاز أعمال الترميم على نفقة صندوق المدرسة”. وتجزم المديرة نفسها أنّ “الأموال الموجودة في الصندوق لم تكن كافية لإتمام الأعمال خلال العام الدراسي الماضي، وبقيت بعض الأجزاء من دون ترميم بانتظار تأمين المزيد من المال، أو مبادرة وزارة التربية والجهات المانحة لترميم ما تبقى منها”. وتتحدث المديرة عن “صناديق مدرسية فارغة، ومعاناة في تأمين الأساسيات من القرطاسية والإنارة والتدفئة”. ولا تنسى الحديث عن ما تسميه “استنسابية في أعمال الترميم، حيث تُقدّم مشاريع لبعض المدارس الحديثة العهد، فيما تُحجب عن المدارس المحتاجة”.

في المقابل، يثير مدراء آخرون مسألة المباني المدرسية المستأجرة، حيث يُلزم القانون المالك بإنجاز أعمال الترميم على نفقته الخاصة. لذلك، “في ظل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، تراجعت قيمة إيجارات المدارس، حيث لا يكفي ما تدفعه الدولة للمالك لإجراء الإصلاحات البسيطة، فكيف الحال بأعمال ترميم واسعة للهياكل والبنى الهندسية”. وعليه: “نجد المالك يفضل التنازل عن بدل الإيجار على إتمام الإصلاحات اللازمة”، وفق مدير إحدى المدارس الرسمية في طرابلس.       

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات عامة ، الحق في التعليم ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني