ناجيات يروين قصصهنّ مع الاعتداء الجنسي ويطالبن بعقوبة بحجم الجريمة


2022-12-01    |   

ناجيات يروين قصصهنّ مع الاعتداء الجنسي ويطالبن بعقوبة بحجم الجريمة
من تحرّك "أبعاد" السبت 26 تشرين الثاني الماضي

تحذير: يحتوي هذا المقال على وصف تفصيلي للاعتداء الجنسي

على وقع شهادات مسجّلة لنساء تعرّضن لاعتداءات جنسية، كتبت ناجيات وناشطات قصصهنّ وقصص صديقات لهنّ باللون الأحمر على قطع ملابس بيضاء، وعلّقنها على حبل غسيل أمام البرلمان اللبناني خلال وقفة نظّمتها “أبعاد”، وأطلقن صرختهنّ “لا عرض ولا عار، هيدي جريمة”، في رسالة واضحة تطالب بإخراج جرائم الاعتداء الجنسي من سيطرة مفاهيم العرض والعار والوصمة واعتبارها جرائم كبرى لا ينبغي التستر عليها.

باللون الأحمر، كتبت ميرا (اسم مستعار)، جملة تختصر قصّتها ممتنعة عن الكلام، لتكون قطعة القماش البيضاء وسيلتها الوحيدة للتعبير. عبّرت، علّها تحرّر ذاكرتها من كل ذكرى سيئة، فتنتصر عليها بالبوح كتابةً. أما هديل (30 عامًا)، إحدى الناشطات المشاركات، فرفعت عبارة “العدالة للناجيات” وأعربت لـ “المفكرة” عن دعمها للناجيات مضيفة “العقوبات الحالية. غير منصفة بحقّ السيدات، ونحن هنا لنطالب بتشديد العقوبة لأنّنا جميعنا عرضة لجرائم الاعتداء الجنسي، وأي جريمة تمسّنا جميعًا كنساء ولا تمسّ المعتدى عليها وحدها، والاستسهال بالمحاسبة أمر مرفوض. نريد عقوبة بحجم الجريمة”. فيما قالت زينب (اسم مستعار) “أصواتنا تعلو ولا يمكن لأحد أن يسكتها بعد الآن. فليحاسب المعتدي”.

وتشير الأرقام إلى أنّ 55% من النساء اللواتي تعرّضن لاعتداء جنسي لم يبلّغن عن هذا الاعتداء، وذلك بحسب دراسة حول العنف الجنسي في لبنان والتبليغ عنه أطلقتها منظمة “أبعاد” في إطار حملة “16 يومًا لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي. وأعادت 63% من النساء سبب عدم التبليغ إلى العرض والشرف لأنّ سمعتهنّ ستتأثّر وسيرفضهنّ المجتمع، وتبيّن أنّ 53% لم يبلّغن لأنّ عائلاتهن رفضن بسبب العرض والشرف، و42% لم يبلّغن لأنّ لا أحد سيصدّقهن، و19% لم يبلّغن لأنّ ليس لديهن ثقة بإمكانية الوصول إلى نتيجة وأن تكون العقوبة مجدية، فيما أعادت 7% من المشاركات سبب امتناعهن عن التبليغ إلى النفوذ الذي يمتلكه الجاني، و2% اكتفين بالدفاع عن أنفسهن دون التبليغ. تُعاكس هذه الأرقام الرغبة الفعلية لدى النساء بالتبليغ عن الاعتداء، حيث أكّدت 84% من النساء اللواتي لم يتعرّضن لأي اعتداء أنّهنّ على استعداد للتبليغ عنه في حال وقوعه.

من تحرّك “أبعاد” السبت 26 تشرين الثاني الماضي

الاعتداء الجنسي ليس اعتداء على العرض بل جريمة

تشير بيانات القوى الأمنية حول جرائم الاعتداء الجنسي المبلّغ عنها في لبنان خلال العام 2022 إلى وقوع 37 حالة تحرّش جنسي (حوالي 4 جرائم شهريًا)، و20 حالة اغتصاب جنسي (جريمتا اغتصاب شهريًا)، و57 حالة اعتداء جنسي (حوالي 6 اعتداءات يبلّغ عنها شهريًا). واعتبرتالمشاركات في الدراسة التي أطلقتها “أبعاد” أنّ هناك اختلاف بين نظرتهنّ للاعتداء الجنسي ونظرة المجتمع لهذا الاعتداء، إذ اعتبرت الغالبية أنّ الاعتداء الجنسي هو بالدرجة الأولى اعتداء جسدي ونفسي على النساء، بينما المجتمع يراها بالدرجة اعتداء على عرض العائلة.

بحسب التعريف الوارد على موقع “أبعاد”، فإنّ الاعتداء الجنسي هو أحد أشكال العنف الجنسي، ويتضمّن الاغتصاب، التقبيل بالإكراه، التحرّش الجنسي بالأطفال أو تعذيب الشخص باستخدام أساليب إيذاء ذات طابع جنسي. كما أنّ الاعتداء الجنسي هو أي فعل جنسي يمارس بالإكراه يتمّ خلاله التحايل أو الضغط أو إرغام الشخص على القيام بفعل أو ملامسة جنسية ضدّ إرادته. من هذا المنطلق، قالت مديرة منظمة “أبعاد”، غيدا عناني، في حديث مع “المفكرة” إنّ “النساء الناجيات يوصلن رسالة أساسية غايتها إخراج جرائم الاعتداء الجنسي من إطار العرض والعار والوصمة واعتبارها جريمة كبرى”، وتضيف “العرف يقضي بالتستّر على هذه الجرائم وكأنّ الضحية هي الملامة، أما اليوم فإنّ الناجية تفضح الحقيقة وتقول إنّ الملام هو المرتكب وليس الضحية”.

من تحرّك “أبعاد” السبت 26 تشرين الثاني الماضي

شهادات لناجيات من الاعتداء الجنسي

شهادة 1

“مكان تعذيبي كان في منزل شقيقتي. ربطني باستخدام الجنازير واغتصبي 15 يومًا. كنت أبلغ من العمر11 عامًا عندما تحرّش بي والدي للمرة الأولى، اغتصبي عندما بلغت الـ 16 من عمري، أخبرت أمي بالأمر ولكنها لم تحرّك ساكنًا مما ساهم في استمرار رحلة العذاب هذه على مدى ٥ سنوات. كان يقوم بتقبيلي من دون أن يردعه أحد لأنه مسلح. أحد لم يبلغ عنه. ازدادت قوّته مع مرور الوقت، أما أنا فاعتدت الصمت. اغتصبني في غرفة شقيقتي تحت تهديد السلاح في حين التزمت والدتي الصمت…” تتمة الشهادة في الفيديو.

شهادة 2

“تعرّضت للاغتصاب، وعلمت بحملي بعد 5 أشهر من الجريمة. منعتني عائلتي من التبليغ عن المجرم بسبب خوفها من المجتمع وتعرّضت للتهديد بالقتل من شقيقي. تسببت لي هذه الحادثة بصدمة كبيرة، ومررت بالكثير من العوارض النفسية بالإضافة الى الخوف والقلق الدائمين والرغبة في العزلة. أنا اليوم أفضل. وأقول للناجيات من الاعتداء الجنسي إنّ التبليغ الفوري ينقذ الحياة ولو أنّني أبلغت السلطات أو الجمعيات فور حصول الاعتداء عليّ لربّما تعافيت بشكل أسرع ولكان المجرم قد نال العقاب الذي يستحقّه”.

شهادة 3

“لقد كانت لي سوابق مع المعتدي حيث قام بابتزازي إلكترونيًا سابقاً قبل أن يقوم بالاعتداء عليّ جنسياً. لقد قمت بالتبليغ عنه، وللأسف، لم أصل الى نتيجة لأنه شخص ذو معارف وعلاقات وقد قام أيضًا بتهديد زوجي بإيذائه حينها. لقد أثّرت هذه الجريمة بشكل كبير على حياتي، وسبّبت لي صدمة كبيرة، وخوف شديد وعدم الرغبة في الحياة، حتى أنني في بعض الأحيان كنت أفكر في إنهاء حياتي. أقول للناجيات من الاعتداء الجنسي أن يقمن بتبليغ السلطات المعنية فورًا وعدم السماح للمرتكبين بتهديدهنّ وابتزازهنّ وألّا يخفن من المجتمع”.

شهادة 4

تعرّضت للاغتصاب، لم أبلّغ القوى الأمنية بسبب عدم امتلاكي أوراقًا قانونية. فأنا لاجئة في لبنان منذ سنتين، وقد كنت أخاف من أن يتمّ توقيفي في حال توجّهت إلى القوى الأمنية. لم أخبر أحدًا بالجريمة وأكثر ما يعذّبني حتى اليوم أنّ الجاني لم ينل عقابه.

شهادة 5

لم يكن لديّ أو لدى والدتي الجرأة للتبليغ عن الاعتداء، وقد أجبرتني عائلتي على الزواج من رجل يكبرني سنًّا للتستّر على “عرضهم”.

من تحرّك “أبعاد” السبت 26 تشرين الثاني الماضي

المطلوب: عقوبة بحجم الجريمة

أشارت المحامية في منظمة “أبعاد” دانيال حويك، في حديث مع “المفكرة” إلى الربط بين الاعتداء الجنسي والشرف، الذي يستمدّ قوّته من النص القانوني، حيث يحمل الفصل الأول من الباب السابع عنوان “الاعتداء على العرض”، قائلة “نحن نوضح أنّ هذا الاعتداء هو ليس اعتداءً على العرض، بل هو اعتداء جنسي، وعلى القانون أن يتعامل معه على أنّه جريمة بحقّ الإنسان نفسه وليس عائلته”. ولفتت إلى المادة 522 الملغاة عام 2017 والتي كانت بدورها تعكس ثقافة الربط بين الاعتداء الجنسي والاعتداء على الشرف وعرض العائلة، فكان التزويج يعفي المعتدي من العقاب، الأمر الذي انعكس بعقوبات مخففة وغير رادعة تتضمّنها مواد هذا الفصل، وبالتالي يجب تعديل القانون لكي نتمكّن من من إحداث تغيير على مستوى الذهنية المجتمعية السائدة.

“المطلوب هو تعديل وتشديد العقوبات على جرائم الاعتداء الجنسي الواردة في الباب الأول من الفصل السابع من قانون العقوبات”، تقول حويك، وتتابع “نطالب بعقوبة بحجم الجريمة، فعلى سبيل المثال تنصّ المادة 503 على أنّه من أكره غير زوجه بالعنف والتهديد على الجماع عُوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره، وتعتبر هذه العقوبة غير كافية. وبالتالي لا بدّ من وضع عقوبات صارمة ورادعة تمنع ارتكاب هذه الجرائم وتضمن حماية النساء والفتيات. (عدا عن ضرورة تعديل المادة لجهة إلغاء استثناء الزوجة لأنّ الاستثناء يبرّئ الاغتصاب الزوجي).

إلّا أنّ المسار الذي تسلكه عملية تعديل القوانين وتغيير المفاهيم المجتمعية ليس سهلًا، وبرز ذلك جلياً مع مسار إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني كما عدلته لجنة الإدارة والعدل الذي شابته الكثير من التعقيدات التي ما زال يثيرها أي تشريع يتصل بالجنس أو بالحريات الشخصية أو بقضايا المرأة. وقد أقرّ مجلس النواب في تاريخ 16/8/2017 اقتراح قانون تقدّم به النائب إيلي كيروز قبل عام تقريباً في تاريخ 11/7/2016 ينص على إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات والتي كانت في السابق تسقط الملاحقة بحق مرتكب إحدى الجرائم الواردة في فصل كامل من قانون العقوبات (503-521) في حال زواجه اللاحق بالمعتدى عليها. على أن تعديل لجنة الإدارة والعدل استثنى تطبيق هذه المادة على جريمة الاغتصاب فيما أبقى إمكانية تطبيقها في حال المجامعة بالرضا أو الإغواء بداعي الزواج.

الجدير بالملاحظة أنّ أكثرية المشاركات في الدراسة التي أطلقتها “أبعاد” لا يعرفن ما هي العقوبات التي ينصّ عليها القانون اللبناني والمرتبطة بجرائم الاعتداء الجنسي، وبعدما تمّ إطلاعهنّ عليها اعتبرت الأكثرية أنها غير كافية. وطالبت حوالي نصف المشاركات برفع هذه العقوبات إلى السجن المؤبّد.

المحامية دانيال حويك تؤكد، بدورها، على استمرار المساعي في التواصل مع الكتل النيابية لتسليمها مقترح تعديل الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات اللبناني والذي عملت عليه “أبعاد” من أجل أن يكون منصفًا لكل ضحية وناجية من هذه الجرائم، وقد تمّ الحصول على عدد من التواقيع من النواب لدعم المقترح كي تتمّ دراسته على أمل إقراره في وقت قريب.

من تحرّك “أبعاد” السبت 26 تشرين الثاني الماضي
انشر المقال

متوفر من خلال:

مساواة ، جندر ، تحقيقات ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني