من يحمي الأصوات المعارضة في مدينة صور؟


2021-10-21    |   

من يحمي الأصوات المعارضة في مدينة صور؟
ساحة العلم في صور أيّام ثورة 17 تشرين

تعرّض ثلاثة من الناشطين في حراك منطقة صور وآخر مستقل نهاري الجمعة والسبت بتاريخ 15 و16 تشرين الأوّل لاعتداءاتٍ لفظية وجسدية تعدّدت أسبابها حيث وقع بعضها على خلفية أحداث الطيّونة التي دارت الخميس 14-10-2021، وبعضها كان هدفه منع الناشطين في حراك منطقة صور من إقامة احتفال بذكرى 17 تشرين كان مقرّراً عصر السبت في ساحة العلم وحصل على إذنٍ من القوى الأمنية.

بدأت الاعتداءات نهار الجمعة حيث تعرّض الناشط المستقل معن حلاوي  للضرب على أيدي أربعة رجال مقنّعين على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدين الطرفين المشاركين في اشتباكات الطيّونة. وفي اليوم ذاته تعرّض الصحافي مهدي كريّم والناشط حاتم حلاوي شقيق معن حلاوي لاعتداءاتٍ لفظيةٍ ترهيبيةٍ، بعدما آثر الإثنان الذهاب إلى مكان الحادثة لمعاينة تسجيلات الكاميرات في المنطقة. الاعتداء الثالث وقع نهار السبت واستهدف الناشط حسن حجازي، رئيس جمعية “فكر وإنسان” في بلدة معركة الجنوبية، من قبل أشخاص منتسبين لحركة أمل بحسب ما أفاد حجازي “المفكرة”. أما الاعتداء الرابع فكان على رائد عطايا عضو لجنة تنسيقية ساحة العلم لمنعه من المباشرة بالتحضيرات للاحتفال.

وباستثناء الناشط المستقلّ معن حلاوي الذي لم يتمكّن من رؤية وجوه المعتدين المقنعين، أفاد الناشطون الذين تعرّضوا للاعتداءات أنّها نفذت من قبل عناصر مكشوفة الوجوه ومعروفة بانتمائها إلى حركة أمل.

الرأي المخالف ممنوع

نشر معن حلاوي ليل الخميس تعليقاً حول أحداث الطيونة على صفحته على فيسبوك، ولكن يبدو أنّه لم يعجب عدداً من متابعيه، فتتبّعوا تحرّكاته نهار الجمعة وكمنوا له في أحد الأزقة بينما كان يقوم بحلاقة شعره. يروي حلاوي لـ”المفكرة” أنّه بعد خروجه من صالون الحلاقة وفور وصوله إلى سيارته توجّه نحوه أربعة مقنّعين ترجّلوا من سيارتين بلا لوحة أرقام، وبدأوا عراكاً استعمل فيه المعتدون العصي. “أنا بس شفت حدا ملثّم جاي صوبي دغري بلّشت ضرب” يقول حلاوي. وانتهى العراك بإصابة معن في رأسه بشكل بليغ ما استوجب ذهابه إلى المستشفى لتقطيبه. ويقول الأخير إنّ المعتدين كانوا خلال العراك يحذّرونه من منشوراته قائلين “إنت بدّك تضلّ تحكي علينا، إذا ما رح تسكت نحن منسكّتك”. وقد تقدّم معن بشكوى ضدّ مجهولين. ويقول معن إنّه تلقّى اتّصالاتٍ من قيادات حركة أمل في المنطقة استنكروا فيها الاعتداء، ويعتبر أنّ ما جرى معه هو محاولةٍ لترهيبه وإسكاته، مؤكداً أنّه ما زال يتلقّى تهديداتٍ عبر اتصالاتٍ ورسائل من قبل مجهولين.

بعد الحادثة توجّه الناشطان في حراك مدينة صور حاتم حلاوي والصحافي مهدي كريّم إلى مكان الاعتداء للاطّلاع على تسجيلات الكاميرات هناك، ويروي حاتم لـ”المفكرة” أنّ مناصري حركة أمل وبعض عناصر المخابرات كانوا محتشدين في الشارع، فهاجمهم مناصرو الحركة لفظياً مستخدمين عباراتٍ تهديديةٍ، بينما حال الموجودون المستقلّون وعناصر المخابرات دون وقوع اعتداءٍ جسدي عليهما.

واعتبر حاتم أنّ التهديدات لم تتوقّف منذ بدء حراك 17 تشرين في العام 2019، لكنّها مؤخراً بدأت تأخذ منحى تصاعدياً عنيفاً وخطيراً، مؤكّداً أنّ التهديد لا يطال فقط الناشطين بل يتعدّاه أحياناً إلى كلّ من تسوّله له نفسه المشاركة في نشاطات حراك صور. “في كثير معنا وبيحبّوا يشاركوا بنشاطاتنا بس بيخافوا حدا يصوّرهم ويعرفهم، بيقولوا ما بدنا مشاكل نحن مش قدهم”، متسائلاً عن شفافية الانتخابات المقبلة في ظلّ هذه الأجواء، “الترهيب والخوف مش بس سيطال المرشحين بل أيضاً المقترعين”.

وصنّف حاتم ما جرى في مدينة صور بالاستغلال للدّماء التي سقطت في الطيّونة لإسكات جميع المعارضين، فالناشطون الذين تعرّضوا للاعتداء ليسوا من حزب القوّات الذي كان طرفاً في أحداث الطيّونة.

“ممنوع حدا يجيب سيرة الرئيس برّي أو حركة أمل وحاولوا إبعادنا بالتدفيش” يروي مهدي كريّم كيف تعرّض لهما المتجمهرون في المنطقة، مؤكداً أنّه يتلقّى تهديداتٍ عبر اتصالاتٍ من مجهولين حاولوا استدراجه إلى أماكن للقائه وضربه “مبارح حدا دقلّي وغيّر اسمه أنا عرفته، هو إبن مسؤول بحركة أمل بالمنطقة وقال تعا خلّينا نحكي مع بعض”. ويعتبر مهدي أنّه وغيره من الناشطين في منطقة صور يعيشون وأهاليهم حالة قلقٍ نتيجة التهديدات المستمرّة التي تردهم ونتيجة تعرّض رفاقهم للضرب.

 من يحمي حياة الناشطين في صور؟

“نحن المعارضون للمنظومة الفاسدة حياتنا وحياة أهلنا معرّضة للخطر وحتى مصالحنا مهدّدة”، بنبرة غاضبة يروي حسن حجازي رئيس جمعية “فكر وإنسان” كيف تمّ الاعتداء عليه ظهر السبت الفائت على الرّغم من أنّه أخذ احتياطاته بعدما لاحظ وجود من يتعقّبه ويترصّد تحرّكاته لأيامٍ بحسب ما أفاد “المفكرة”، “ما عدت ضهرت بالليل إجمالاً، بحاول إمشي ومعي حدا”، إلّا أنّ المعتدين تمكّنوا من تعقّبه وضربه في وضح النهار، فعند الساعة الثانية من ظهر السبت مرّ حسن بمحاذاة القهوة التي يجلس فيها عادةً، ووجد أصدقاءه الذين ألحّوا عليه النزول لشرب القهوة معهم، “نزلت عالقهوة وكان في كرسي واحد ضهره للباب، وهاي كانت غلطتي إنّه بطلّت شوف الشارع”، وما هي إلّا دقائق حتى ترجّل عدد من الشبّان بوجوهٍ مكشوفة وهم معروفو الانتماء، وانهالوا على حجازي بالضرب المبرح ما أدى إلى تدخّل أصدقائه وروّاد المقهى للدفاع عنه ومن ثمّ نقله إلى المستشفى. بعدها رفع حسن شكوى ضدّ ثلاثة من المعتدين. يستنكر حسن كمّ التهديد والترهيب الذي يمارس بحقّه وحقّ رفاقه، متسائلاً كيف يمكن أن تجرى انتخابات نيابية في ظلّ الترهيب والتهديد القائمان.

إحياء ذكرى 17 تشرين ممنوعة في صور

“في قرار إنّه ممنوع نحيي أي احتفال بذكرى 17 تشرين وهيدا لي حاولوا يعملوه” يروي رائد عطايا،عضو تنسيقية ساحة العلم، كيف مُنع من إحياء ذكرى أحداث 17 تشرين في احتفال كان مقرّراً عند الرابعة من عصر السبت، شارحاً أنّ الدعوة للاحتفال وزّعت قبل حوالي أسبوع من وقوع أحداث الطيّونة وتمّ تبليغ جميع الجهات الأمنية المعنية، وقد توجّه رائد عند الساعة الثالثة تقريباً إلى المكان للبدء بالتجهيزات ففوجئ بوجود مجموعة تقوم بإحياء مجلس عزاء عن روح ضحايا الطيونة من دون أخذ إذن من القوى ألأمنية. عندها طلب رائد من الجهات المعنية التدخّل لإخلاء المكان والسماح للحراك بممارسة حقّه في تنفيذ الدعوة، إلّا أنّها رفضت التدخّل بحجّة أنّ القوى الأمنية لا يمكنها منع أحد من التواجد في المكان. انتظر رائد حتى الساعة الرابعة والنصف حين ازداد عدد المشاركين في الذكرى الذين توافدوا إلى المكان وتجمّعوا في مكان واحد على أمل إخلاء المكان، وبينما كان رائد يتّجه نحو الساحة للتحدّث إلى المشاركين تهجّم عليه عدد من الشبّان هاتفين “شيعة شيعة شيعة، وصهيوني صهيوني سمير جعجع صهيوني”، محاولين التعرّض له بالضرب إلّا أنّ القوى الأمنية تدخّلت سريعاً طالبةً من رائد المغادرة.

يحمّل رائد عطايا القوى الأمنية مسؤولية ما جرى معتبراً أنّ هناك قرار من بعض الأحزاب بمنع أيّ تحرّكٍ لإحياء ذكرى 17 تشرين، معتبراً أنّ الاحتفال لم يلغ إنّما تمّ تأجيله.

وفي بيانٍ صادرعن تنسيقية ساحة العلم طرحت خلاله مجموعة تساؤلات عن ذنب ثوّار ساحة العلم بما جرى في الطيّونة “هل ثوّار صور هم السبب في الانهيار الإقتصادي؟ هل ثوّار ساحة العلم هم من تمترسوا على سطوح الأبنية وأطلقوا نيرانهم الطائفية وقتلوا شباب لبنان؟ …ألهذا الحدّ ثوّار ساحة العلم خطر على أمن الطائفة؟”

من جهة ثانية أصدرت لجنة ثوّار 17 تشرين في صور بياناً استنكرت فيه الاعتداءات بحق الناشطين، واصفةً بـ”الجنون” ما يحدث من “استغلالٍ لدماء الشهداء للانتقام من أي شخصٍ يطالب هذه السلطة الفاسدة السارقة القاتلة المتلاعبة بالسلم الأهلي بالرحيل”. وأضاف البيان أنّ “ما حدث في الطيّونة من قتل هو فعل إجرامي ولا يعطي الحق لأحزاب السلطة بالاعتداء على أناس عزّل يرفضون منطق الحرب الذي ما زال قابعاً في وعيكم”. وأسف البيان لسكوت الأجهزة الأمنية عن هذه الأفعال “الغوغائية”، داعياً إيّاها إلى التحرّك فوراً للقيام بواجباتها لتوقيف الأشخاص الذين يهدّدون الناشطين. وحمّل البيان مسؤولية سلامة أي ناشطٍ للأجهزة الأمنية والسلطة السياسية الحاكمة، خاتماً أنّ الناشطين سيقومون بحماية أنفسهم لأنهم تركوا لمصيرهم.

ويروي رائد أنّ حراك ساحة العلم يضمّ عدداً من المكوّنات منها أحزاب معارضة وجمعيات وحتى أفراد، التقوا جميعاً خلال تظاهرات 17 تشرين، وشكّلوا حالة اعتراضية في المنطقة “في 17 تشرين الأوّل 2019 تجمّعنا عند الساعة الحادية عشر صباحاً ومشينا في شوارع صور”، وفي 18 تشرين بدأت التحرّكات منذ الساعة السابعة صباحاً باتجاه مكاتب النوّاب والوزراء، في 19 تشرين جرى الاعتداء على حوالي 35 متظاهراً بالضرب، وقد أثار الاعتداء تضامناً واسعاً ونزل إلى ساحة الثورة حينها آلاف المشاركين ومنذ ذلك الوقت تشكّل ما يسمّى بـ”قوى تنسيقية ساحة العلم” و”حراك صور”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، أجهزة أمنية ، أحزاب سياسية ، حركات اجتماعية ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني