ملخص مؤتمر المناخ “كوب 27”: عن المخرجات والسياق الأوسع


2023-01-16    |   

ملخص مؤتمر المناخ “كوب 27”: عن المخرجات والسياق الأوسع
صورة من موقع الأمم المتحدة الإخباري، تصوير: Kiara Worth

في العشرين من نوفمبر 2022، انتهى مؤتمر المناخ السابع والعشرين (كوب 27)، بعد تأخير يومين عن موعده الرسمي، نظراً لعدم التوصّل إلى اتفاق حول بنوده. وبعيداً عن تقييم المؤتمر بـ “الفاشل” أو “الناجح”، يبقى إنشاء صندوق تمويل “الخسائر والأضرار” الذي يستهدف الدول المتضرّرة من التغيّر المناخي هو النتيجة الوحيدة محل الاتفاق بالنص الختامي الرسمي للمؤتمر. وذلك بعد أن تعرّضت النسخة الأولى للنص الختامي التي وزّعتها الرئاسة المصرية للانتقاد، نتيجة إسقاطها محور التخلص المتدرج من الوقود الأحفوري، وهو السبب الرئيسي لارتفاع معدل الاحترار العالمي. وسعت النقاشات في القمة للدفع نحو استبدال هذا الوقود بمصادر الطاقة الجديدة غير الملوثة للبيئة. بخلاف ذلك، تضمّ مخرجات القمة مجموعة محاور أساسية وهي: التخفيف من تغيرات المناخ عن طريق تقليل الانبعاثات والحد من الاحتباس الحراري المتوقع بالمستقبل، والتكيّف مع التغيّرات التي وقعت بالفعل، من ناحية أخرى. كما تشمل المحاور نقاش التمويل التعويضي للدول المتضرّرة والمرتبط بصندوق “الخسائر والأضرار”.

وسط الزخم المحيط بالمؤتمر ونتائجه، يمكننا قراءة المشهد باستعراض يشمل الثنائيات الخلافية ونقاط الاتفاق المعلومة إلى الآن، كما سنفصّل في هذا المقال.

الأهداف مقابل الآليات

في عام 1994، وقعت أغلب دول العالم وعددها الآن 197 دولة، اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي. ومنذ ذلك الحين، تجتمع هذه الدول في قمة سنوية للمناقشة والاتفاق حول الجهود الساعية لتدارك الأخطار البيئية المهددة للكوكب. تمثل القمم المناخية بما فيها المؤتمر الأخير بشرم الشيخ اتفاقاً حول هدف عام للتعامل مع تأثير المناخ وحماية البشر، ويتفرّع إلى أهداف أخرى تمثلها المخرجات السابق الإشارة إليها. لكن آليات تنفيذ هذه الأهداف ومدى إلزاميتها تبقى محل خلاف، وبالتالي فإنّ الحيّز الواقعي لتقليل الانبعاثات وتمويل الأضرار الناتجة عنها يكون غالباً غير متّسق مع الأهداف.

في حالة قمة شرم الشيخ (كوب 27) الأخيرة، كان عليها متابعة أمور عدة، في مقدّمتها إنجاز اتفاق قمة المناخ السابقة (كوب 26) حول “إعلان الانتقال من الفحم إلى الطاقة النظيفة”، إلّا أنّ التغييرات العالمية وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع التكلفة الاقتصادية لمصادر الطاقة المُصاحب للحرب، حالت دون التزام الدول وخاصة الأوروبية بهذا الهدف، لأن آليات تنفيذه المُكلفة بالأساس، لم تضم آليات بديلة لسد العجز الطاقوي الذي خلّفه وقف إمداد الغاز الروسي. 

إذاً، لم يتعرقل هدف تقليل الانبعاثات فحسب، بل ضعفت احتماليّته مع اللجوء لاستخدام الفحم كبديل عن الغاز نظراً لقلة توافر الأخير بسبب الحرب، وبالتالي زيادة الانبعاثات حيث إن الفحم أخطر بيئياً من الغاز. وهو ما لا يملك الاتفاق الأممي والقمة المنبثقة عنه أي سلطة للمحاسبة عليه من ناحية. من ناحية أخرى، يفسر ذلك سبب إسقاط كوب 27 لهدف التخلص من الوقود الأحفوري (فحم وبترول وغاز طبيعي)، والعجز عن وضع آليات تنفيذية ملزمة تخصه. كما يبرر أسف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على فشل المؤتمر بوضع خطة “لخفض الانبعاثات بشكل جذري”. 

التخفيف من الانبعاثات والتكيّف معها

أدى العجز عن تنفيذ هدف الانتقال إلى الطاقة النظيفة إلى مناقشة تخفيف الانبعاثات وكيفية التكيّف معها. يعني هذا التخفيف تدشين مشاريع للتحوّل من الطاقة الملوّثة للبيئة إلى الطاقة النظيفة، ما يخفّف من الانبعاثات، في حين يهدف التكيّف إلى تعزيز القدرة على مواجهة الأخطار الفعلية سواء عن طريق الاستثمار في البنية  التحتية للدول – ولا سيما النامية –  مثل وضع أسس قوية تساعدها على التصدّي للفيضانات والحرائق وارتفاع سطح البحر، إلخ. في كوب 27، انحازت بعض الدول النامية وعلى رأسها مصر وباكستان إلى مشاريع التكيّف. يرجع ذلك إلى أنّ انبعاثات هذه الدول منخفضة بالأساس مقارنة بغيرها، بالإضافة إلى حاجتها الملحّة إلى الإمكانيات المساعدة في مواجهة الأضرار الواقعة لا محالة والتي لم يعد بالإمكان تجنبّها، على عكس مشاريع التخفيف والتي تستهدف الأضرار المستقبلية وإن كانت قريبة. في المقابل، تُفضّل الدول الصناعية الكبرى العمل على مشاريع تخفيف الانبعاثات، نظراً إلى أنّه يصبّ في مصلحتها كونها المسؤول الأول والأقدم عن الانبعاثات وبحكم أنّ إمكانياتها للتكيّف قوية بالفعل. 

أما الدول الصاعدة مثل الهند والصين، التي تتشارك المسؤولية عن الانبعاثات الحالية، فإنها تميل إلى إرجاء النقاش حول مشاريع التخفيف، ويشاركها في هذا الاتجاه دول خليجية وبعض دول إفريقيا ومنها مصر وذلك لسعيها نحو الصعود الاقتصادي بالاستثمار في قطاع الطاقة. تجلّت هذه الرغبة على سبيل المثال في وقوف السعودية في طريق تقدّم مفاوضات محور تخفيف تأثيرات المناخ بالقمة، لأنّه يعني تراجع أرباح مصدر رئيسي اقتصادياً بالنسبة لها ولجيرانها في منطقة الخليج وهو النفط. 

ما بين إرادة الشركات والدول 

ليست كيانات الدول المستفيدة وحدها هي من تسعى لعرقلة تنفيذ مخرجات المؤتمر وإن وافقت شكلياً عليها كأهداف. تعدّ جماعات الضغط والشركات التجارية الطرف الأشرس في مقاومة حماية البيئة بشكل جدي. وفقاً لتحليل بي بي سي، زاد ممثلو صناعة الوقود الأحفوري في القمة الأخيرة بنسبة 25%، مقارنة بسابقتها (كوب 26). وقدّرت المنظمة البيئية العالمية “غلوبل ويتنيس”، عددهم بأكثر من 600 شخص من إجمالي 35 ألف شخص توقع حضورهم “كوب 27″، ما يجعل حضورهم أكبر من وفود الدول العشرة الأكثر تأثراً بالتغيّر المناخي مجتمعة[1].

تدافع الشركات عن مصالحها الاقتصادية، باستخدام حجج التنمية الاقتصادية. وهي لا تلقى تأييداً فقط في الدول الصناعية، ولكن بالنسبة للدول النامية هناك رغبة وحاجة قوية للاستفادة من مواردها الطاقوية المستكشفة حديثاً. السنغال هي إحدى هذه الدول، حيث قال أحد أعضاء وفدها بالقمة إيدي نيانغ: “المهم بالنسبة لنا هو كيف يمكننا استخدام هذه الموارد لتطوير بلدنا وتعزيز اقتصادنا والتصدير إلى الدول الناشئة والمتقدّمة”.

ويبرّر ممثلو الشركات في الدول النامية هذا التوجّه بعدم الثقة في جدّية الغرب لتمويل الطاقة المتجددة بهذه البلدان “الفقيرة”. ويعكس تصريح رئيس منظمة منتجي البترول الأفارقة عمر فاروق إبراهيم، في “كوب 27” ذلك حيث قال إنّه “ليس هناك ما يضمن أنّهم لن يخذلونا مرة أخرى”. ينسحب سعي الشركات الأحفورية على ممثلي الدول الصناعية والصاعدة أيضاً. وإن تضاربت الحجج والمبرّرات الترويجية لمواصلة استخدام الطاقة الملوثة، فإنها جميعاً تتفق على ضرورة الحضور والتأثير في القمة المناخية لأنه بحسب إبراهيم “إن لم تكن على الطاولة فستكون على القائمة”، في إشارة إلى أهمية المشاركة للتأثير كفاعل، بدلاً من أن تكون مفعولاً به. أحد أهداف الشركات التجارية هو التأثير على تقييم “كوب 27” لتحقق الوعود المالية السابقة لها. إذ تعهدت 500 شركة عالمية، بتخصيص مبلغ 130 مليار دولار كاستثمارات تتوافق مع نصوص اتفاقية باريس، في “كوب 26”. على النحو السابق، تسعى الدول والشركات المنوط بها تمويل الضرر والخسارة البيئية، بصفتها صاحبة المسؤولية إلى التنصل من ذلك.

إشكالية التعويضات.. منح أم قروض

بالرغم من ذلك، يشكّل مبدأ إدراج محور الضرر والخسارة ضمن نقاشات القمة مكسباً محتملاً للدول المتضرّرة، ولا سيما في منطقة الجنوب العالمي، والتي ينخفض نصيبها من المشاركة في الانبعاثات، في حين يرتفع نصيب دول الشمال، وأولها الولايات المتحدة. لكن الدول صاحبة النصيب الأكبر من أسباب الأزمة[2]، واصلت عرقلة مفاوضات القمة حول قضية إنشاء صندوق لتعويضات الخسائر، بطرق عدّة تتنوّع بين ربط التمويل بمواصلة استخدام الوقود الأحفوري، أو تأجيل نقاش التمويل نفسه للقمة المقبلة بالعام التالي، وكذلك اقتراح مصادر تمويل أخرى، بحيث لا تقع مسؤولية التمويل على عاتقها.

واقعياً، لم تفِ الدول صاحبة الانبعاثات الأعلى تجاه الدول الهشة بتخصيص مبلغ 100 مليون دولار لتعويضها عن الإجراءات التي ينبغي عليها تطبيقها، كما وعدت. لذلك يظل مكسب صندوق الضرر والخسارة غير مقرون بتفاصيل واضحة حول إشكاليات الاختلاف حول نوع تمويل الصندوق. تعرب إيناس بن عمر، خبيرة التمويل المناخي بمركز الأبحاث المستقل “إي ثري جي” لـمدى مصر عن تخوّفها من أن يعتمد الصندوق على القروض، بدلاً من المنح. في جميع الأحوال، يتوقّف ذلك على عمل اللجنة الانتقالية للصندوق لاحقاً والتي من المفترض أن تضم: 10 ممثلين للدول المتقدمة، و14 للدول النامية (3 إفريقية منهم مصر، و3 آسيوية منهم الإمارات رئيسة القمة المقبلة)[3] ولم تناقش القمة تفاصيل تنفيذية لتدشين الصندوق.

ثمة إشكاليات أخرى مرتبطة بالرقابة على إنفاق هذه التمويلات، والتأكّد من التزامها بصرفها في الأوجه المحددة لها. يطرح هذا بدوره أسئلة عن الثقة في المتلقّين للتمويل. على سبيل المثال، عارضت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار تسليم التمويل للحكومة المصرية المتهمة بارتكاب مخالفات لحقوق الإنسان، وذلك على خلفية مؤتمر مواز لنشطاء سياسيين طالبوا بالإفراج عن المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح. قالت كالامار “التمويل ليس شيكاً على بياض لحكومة هذا البلد التي تروّج بنفسها للضرر والخسائر، ولا يجب تسليم المال لها”. 

خلاصة

إن اعتبر البعض الاختلاف حول مخرجات القمة في حد ذاته “فشلاً”، فإنّ الاتفاق كذلك لا يمكن النظر إليه كـ “نجاح”، ما لم يترجم التزاماً عملياً بتخفيض درجة حرارة الكوكب يولي مسؤولية محددة لأطراف معينة، وآليات تنفيذ مقرونة بخط زمني واضح، كي يتم “احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين” كما جاء في اتفاقية باريس عام 2015، وإلّا تفاقمت الأزمة إلى الحد الذي يقدّر بعض العلماء أنّه يعني استحالة حياة الكائنات الحية.


[1]  وهي: أفغانستان، وباكستان، والسودان، والصومال، وملاوي، وتشاد، والنيجر، وهايتي، وكينيا، وبنغلاديش.

[2] بحسب الأمم المتحدة تشكل الصين وأميركا وروسيا والهند وإندونيسيا والبرازيل ودول الاتحاد الأوروبي حوالي نصف الانبعاثات العالمية، فيما تشكل مجموعة دول العشرين 75% من الانبعاثات، وتضم دول العشرين أيضاً: الإمارات والسعودية، وتركيا، والأرجنتين وأستراليا وكوريا والمكسيك وجنوب إفريقيا وكندا واليابان.

[3] بالإضافة إلى:3 من أميركا اللاتينية، و2 من الجزر الصغيرة النامية، و2 من مجموعة الدول الأقل نمواً، وممثل واحد لدولة ليست عضوة في أي من تلك المجموعات.

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، مقالات ، مصر ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني