ملاحقة القاضي بشير العكرمي: عن أيّ تهمة يؤاخذ الرجل؟


2023-07-05    |   

ملاحقة القاضي بشير العكرمي: عن أيّ تهمة يؤاخذ الرجل؟

في خضمّ حملة الإيقافات المتواصلة منذ فيفري 2023، كان القاضي بشير العكرمي علامة بارزة في قائمة المعتقلين. لا يعود الطابع الخصوصي لهذا الإيقاف لصفة المعنيّ كقاض فقط، بل يتعلّق أيضا بتاريخه المهني وارتباط اسمه بقضايا فارقة في تاريخ تونس ومؤسساتها القضائية. فقاضي التحقيق (بالمكتب عدد) 13، كما عُرف لمدة سنوات، كان المتعهّد بقضية اغتيال القيادي شكري بلعيد، وقضيتي باردو وسوسة بحكم عمله بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب قبل أن يعتلي، سنة 2016، منصب وكيل الجمهورية بتونس ليكون بذلك الممرّ الإجباري إلى كلّ من قطب مكافحة الإرهاب والقطب الاقتصادي والمالي، ويتولّى بالتالي إدارة أهمّ القضايا وأكثرها حساسية. ملفّات قضائية خطيرة لا تقلّ قابلية للجدل عن شخصيّة القاضي الذي باشرها. إذ تتهمه جهات عدة بالتستّر على إرهابيين والتواطؤ لصالح أجندات سياسية معيّنة، بينما كرّمته مؤسسات دولية على تفانيه في أعماله القضائية وتحرص جهات أخرى على الإشادة بحرفيّته.

تمّ إيقاف بشير العكرمي، يوم 12 فيفري 2023 بالتوازي مع إيقاف أحد خصومه ألا وهو القاضي الطيب راشد، الرئيس السابق لمحكمة التعقيب وأحد (القضاة) السبعة الكبار في تونس. تزامن إيقاف القاضيين لم يكن اعتباطيا. فقد لحِق صراعا مفتوحا بين الخصمين بدأ بمباشرة العكرمي أبحاثا ضدّه من أجل شبهات فساد، قاد كلاهما لتقديم شهادات واتهامات متقابلة أمام التفقدية العامة للقضاة.

إيقاف العكرمي لم يكن في ظروف عادية. فبالإضافة للتكتّم عن مكان إيقافه وعدم تقديم أي معلومة عنه لمدة 24 ساعة، جاء هذا الإيقاف يوما بعد بداية حملة الايقافات السياسية التي طالت المعارضين السياسيين لرأس السلطة، واتهامهم بالتآمر على أمن الدولة. لينتهي بايداعه وجوبيّا في مستشفى الأمراض العقلية ثمّ إيقافه مجدّدا من أجل قضية ثانية.

وسط التصريحات المتضاربة ممّن هو مع وضدّ العكرمي، كيف يمكن قراءة هذا الإيقاف وتفاصيله  خصوصا في ظلّ جرّ المعارضة للمحاكمات السياسية أمام قضاء مستهدف ومدجّن.

القضية الأولى: ملفّ باردو، من قصّة نجاح قضائي إلى مطية لإيقاف القاضي

تمّ إيقاف العكرمي بعد مداهمة منزله يوم 12 فيفري 2023 بطريقة استعراضيّة. إذ قفز بعض الأعوان من خلف السور المحيط بالمنزل، ثمّ اقتحموه وقاموا بتفتيشه دون تقديم أي إذن في الغرض. ليس بإمكان زوجة القاضي تحديد ساعة الإيقاف، فقد كان العكرمي لوحده حينها بالمنزل العائلي. أفادت الزوجة بأنّها كانت قد اتصلت به للاستفسار حول الإيقافات التي طالت بعض الشخصيات السياسية والتي تمّ تداولها بالإعلام وحول فرضية أن يكون مهدّدا بالإيقاف. ولكنّ العكرمي أجابها بكلّ تيقّن بأنّه غير معنيّ بهذه الإيقافات لأنّه ليس بسياسيّ ولا دخل له بذلك. وإن لم تشهد الزوجة عملية الإيقاف إلا أنّها تحدّثت عن آثارها. فقد تمّ تمزيق بعض الأرائك وقلب الأثاث وإحداث الفوضى بالمنزل بطريقة متعمّدة حسب رأيها.

بعد الإيقاف المدجّج بالأعوان حسب ما شهده الجيران وبعد تداول خبر الإيقاف من قبل عدة صفحات لشخصيات عُرفت بقربها من السلطة، لم يتمّ إعلام عائلته أو محاميه بمكان إيقافه، رغم تنقّل هؤلاء لمقر الشرطة العدلية بالقرجاني، حيث كان يتواجد حينها للسؤال عنه. إلا أن الفرقة الأمنية ارتأت إنكار ذلك. في اليوم الموالي أجابت النيابة العمومية على تساؤلات محامي الدفاع عنه بأنّ “ليس لدينا هذا الموقوف”. ولكن عند التوجّه لقطب مكافحة الإرهاب، تأكّد إيقافه بالڨرجاني من أجل جريمة إرهابية وإعلام المحامين بامكانية زيارته، خلافا لما حصل مع بقيّة الموقوفين بتُهم إرهابيّة، الذين مُنعوا من الاتصال بمحاميهم لمدة 48 ساعة، بناء على الصلاحية التي يسمح بها قانون مكافحة الإرهاب. خلال الزيارة وبعد الاطلاع على الملفّ، تبيّن فحوى أولى حلقات الملاحقة القضائية، وقوامها شكاية قدمها بعض أعوان فرقة الڨرجاني، على خلفية أنه خلال عمله كقاضي تحقيق في ملفّ العملية الإرهابية في متحف باردو، قام بالتهجّم على هؤلاء الذين كانوا كُلّفوا بالبحث في حيثيات هذه الجريمة. وأول ما يشده المراقب في هذا الصدد هو أنه تمّ تكليف الفرقة ذاتها التي قُدّمت الشكاية من أعوانها بالقيام بأعمال البحث والإيقاف والتفتيش خلافا لأحكام القانون. أهم من ذلك، تعود جذور هذه الخصومة إلى سنة 2015 حين بادر العكرمي إلى سحب الأعمال البحثية في قضية باردو من عهدة فرقة الڨرجاني، على خلفية معاينة آثار تعذيب وحشية وسوء معاملة على مجموعة من الموقوفين، بلغت حدّ اقتلاع جزء من فروة رأس أحدهم. فقد أفاد الموقوفون خلال استنطاقهم من “قاضي التحقيق عدد 13” بأنّهم أُكرهوا على تقديم اعترافات مزيّفة تحت وطأة الهرسلة والتعذيب من قبل أعوان تلك الفرقة، الذين أحيل بعضهم نتيجة لذلك على القضاء من أجل التعذيب، هذا فضلا عن تشكيك قاضي التحقيق في مصداقية بعض الوثائق المقدمة واحتمالية تزويرها. لم يتقدّم التحقيق من حينها في جريمة التعذيب، ليعود بعض المشتبه بهم فيها بعد ثمان سنوات ليشتكوا على العكرمي أمام زملائهم.
وإذ عهد العكرمي بالأبحاث في هذا الملف إلى فرقة العوينة، كشفت هذه الفرقة ليس فقط عدم تورّط الأنفار الذين تمّ إيقافهم وتعذيبهم، بل ارتباط عملية باردو بعملية سوسة الإرهابية، التي حصلت بعدها بثلاثة أشهر، من حيث هوية المسؤولين عن العمليتين وتخطيطهم لكليهما. وهو ما دفع البعض إلى اعتبار أنّه كان من الممكن تجنّب العملية الارهابية الثانية التي راح ضحيتها 39 قتيلا لو تمّ إنجاز الأعمال البحثية في القضية الأولى على أكمل وجه منذ اللحظة الأولى.

في 15 فيفري 2023، بعد يومين من تمكّنهم من لقاء منوبهم البشير العكرمي، أُعلم المحامون بتعرّضه لأزمة نفسية حادة وهو ما أثار ريبتهم وسط أنباء عن إضرابه عن الطعام.

وبعد انقضاء مدة الاحتفاظ به على ذمة البحث (5 أيام لم يقع تجديدها)، من دون سماعه أو مواجهته بما يُنسب له من تُهم، تمّ إعلام المحامين بتوفّر تقرير طبي مُمضى من قبل طبيبيْن نفسييْن يقرّان بأنّ حالة بشير العكرمي النفسية متدهورة. قرّرت النيابة العمومية بناء على ذلك إطلاق سراح وكيل الجمهورية السابق مع الإذن بإيوائه الوجوبي بمستشفى الأمراض العقلية “الرازي”. والإيواء الوجوبي هو قرار يقع اتخاذه في حقّ الأشخاص الذين تشكّل اضطراباتهم العقلية خطرا على سلامتهم أو على سلامة غيرهم وذلك بالاستناد على تقرير طبي في الغرض[1].

تقبّلت عائلة العكرمي قرار الإيواء الوجوبي بتوجّس كبير حيث نفت زوجته أن يكون زوجها ذي اضطرابات نفسية سابقة أو أنّه قد يُقدم على مُحاولة الانتحار مشدّدةً على اعتبار أنّ حياته في خطر ومحمّلة مسؤولية سلامته الجسدية للسلطة القائمة. بينما صرّح المحامي حمادي الزعفراني بأنّ منوّبه الذي باشر أخطر القضايا في تونس بات “يُخشى منه ويُخشى عليه“. تحت ضغط كبير، قامت إدارة المستشفى بتمكين أعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب من زيارة البشير العكرمي بعد أن رفضت الزيارة قبل يوم ومكّنت العائلة من زيارته.

بعد مضيّ 7 أيام من العلاج، تمّ إعلام زوجة بشير العكرمي بقرار تسريح زوجها من المستشفى وعلى ضرورة قدومها لتسلّمه. في ذلك اليوم، تمّ تطويق المستشفى بسيارات الأمن وانتشر الأعوان في محيطه وأرجائه منذ الصباح.

في الأثناء تمّ نشر فيديو قصير للعكرمي على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر فيه في شكل هزيل ومرهق، ليصرّح بتعرّضه لمعاملة مقرفة وسيّئة جدّا، حسب تعبيره، خلال فترة إيقافه السابقة. كما أطلق خلاله نداء استغاثة لإيقاف ما أسماه “المهزلة” خصوصا في ظلّ تجمّع الأمنيين بالمستشفى وعزمهم حسب قوله لاختطافه.

دامت المشاورات مع أعوان الأمن، حسب تصريح المحامي حمادي الزعفراني للمفكرة القانونية، 12 ساعة، لتنتهي في الأخير بعدم تسليم بشير العكرمي لعائلته وبرفض نقله لمستشفى آخر لمواصلة علاجه، بل تمّ إيقافه مرة أخرى على ذمة قضية تحقيقية ثانية.

الشكاية الثانية: الفصل القديم الجديد للملاحقة

تقوم الملاحقة الثانية على شكاية مودعة بتاريخ 06 فيفري 2023 من قبل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد. اختيار تاريخ إيداع الشكاية ليس اعتباطيا. فقد اختار الحزب رمزية تاريخ اغتيال أمينه العام السابق للتشكّي ضدّ قاضي التحقيق الذي تعهّد بملفّه. بهدف فهم فحوى الشكاية، اتصلنا بمحمد جمور، القيادي بالحزب والمحامي المتحصلّ على توكيل من قبل أمينه العام زياد لخضر ليقع سماعه في إطار هذه الشكاية يوم 18 فيفري، أي يومًا واحدًا بعد إطلاق سراح العكرمي في القضية الأولى وإيداعه بالمستشفى. لم يستجب جمور لطلب المفكرة القانونية لانشغاله بمؤتمر حزبه، ولكنّه أوصى بالاتصال برضا الرداوي، أحد أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيدين، لاطّلاعه وتمكّنه من الملفّ حسب إفادته. رفض هذا الأخير بدوره الإجابة عن أسئلة المفكّرة أو حتّى مدّها بمن يُمكن أن يُقدّم أيّة إفادة في الغرض، معلّلا بأنّ المفكّرة القانونية سبق لها أن تناولت موضوع العكرمي (وهي بذلك “تبيّضه”) من دون الرجوع إلى هيئة الشهيدين. يُشير هنا الردّاوي إلى الحوار الصحفيّ الذي قامت به المفكّرة القانونية مع العكرمي بتاريخ 07 جانفي 2021. يظلّ هذا الحوار الوحيد[2] الذي قام به العكرمي خصوصا بعد إلغاء حواره الإذاعي الذي كان مبرمجا مع الصحفيّ مراد الزغيدي على إذاعة IFM، ثمّ حلول إيقافه دون إجراء الحوار الذي كان مبرمجا مع رئيسة تحرير موقع “كشف” خولة بوكريم حسب إفادتها. عدم محاورة العكرمي من قبل وسائل الإعلام لا يعود فقط للسياق السياسي المهيمن والقيود التي تمّ فرضها في ظلّه، وإنّما أيضا  لتمسّك القاضي، لوقت طويل، بواجب التحفّظ، قبل أن تعصف ريح ملفّ الاغتيال، على وجه الخصوص، وتعجّل بسقوطه عبر إيقافه عن العمل ومن ثمّ إيداعه بالسجن.

تقوم الشكاية التي صدرت بموجبها بطاقة إيداع بالسجن ضدّ العكرمي، على اتهامه بمناسبة عمله كقاضي تحقيق عدد 13، بالتستّر على متّهم (إمام جامع) في قضية الشهيد بلعيد، عبر سماعه ثمّ الإبقاء عليه في حالة سراح ممّا سمح بهروبه ومغادرة البلاد. يقدّم لسان الدفاع عن العكرمي تفاصيل هامة في هذا الشأن، ألا وهي أنّ موكّلهم قام بسماع هذا الشخص كشاهد وليس كمتّهم بناء على التكييف والتصنيف الذي قامت به النيابة آنذاك وليس قاضي التحقيق. يُضيف المحامي بأنّه خلال السماع لهذا الشخص، لم يتوفّر للعكرمي في مرحلة أولى ما يثير تتبّعه، ولكن بعد تقدّم الأبحاث التحقيقية وبالتقاطع مع معلومات أخرى، بات توجيه التهمة للمعني بالأمر قائما وهو ما استدعى إصدار بطاقة جلب وطنيّة ودوليّة في حقّه من قبل العكرمي، خلُصت إلى إلقاء القبض عليه. لا تقف الأحداث عند هذا الحدّ. فبعد التحاق العكرمي بمنصب وكيل الجمهورية وبالتالي انقطاع إشرافه على الملفّ، قامت دائرة الاتهام بالإفراج عن هذا المتّهم بعد قضائه مدة الإيقاف التحفظي القصوى (ناهزت سنتين بالسجن)، ولا يزال طليقا إلى حدّ كتابة هذه الأسطر في انتظار المحاكمة. بصورة أوضح، لقد تمّ إيقاف العكرمي من المستشفى ثمّ إصدار بطاقة إيداع في حقّه بناءً على اتهامه بالتستّر على متّهم بالضلوع في جريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد، بينما يبقى هذا الشخص الذي بُنيت كلّ أركان الشكاية على أساسه في حالة سراح. كما أنّ موضوع الشكاية، سبق وأن تمّ تقديمه سنة 2016 حسب المحامي، ليقع حفظها لضعفها وعدم وجود أي سند لها، ثمّ مرّة ثانية في 2021، لتحال إلى عميد قضاة التحقيق بقطب مكافحة الإرهاب آنذاك، من دون أن تتقدّم الأعمال البحثية في شأنها بما يدلّ، حسب المحامي، على أنّ “الملفّ فارغ”. كما تطرح الشكايات السابقة إشكال صحّة إجراءات التتبع، حيث يعتبر الزعفراني أنّ إحالة منوّبه في قضية جاري البحث في مضمونها على ذمّة ملفّ آخر، فيها خرق لمبدأ عدم جواز المحاكمة على نفس الجرم مرّتين. هذا بالاضافة إلى تغيير قاضي التحقيق المكلّف بملفّ الشكاية الحاليّة مرّتين. فقد تمّت إحالة الشكاية في مرحلة أولى لأحد مكاتب التحقيق بقطب الإرهاب ولكن القاضي المعنيّ استرخص عطلة مرضية. فتمّت إحالة الملف في مرحلة ثانية لمكتب آخر فقام القاضي الثاني بالتجريح في نفسه. فتمّ قبول طلبه مع إحالة الملفّ لقاضي تحقيق ثالث الذي جرح بدوره في نفسه فلم يتمّ قبول طلبه وهو ما جعله قاضي التحقيق المكلّف بهذا الملفّ.

ليس هذا الملفّ الملاحقة الأولى للعكرمي على أساس أعماله التحقيقيّة المتعلّقة بملفّ اغتيال القيادي شكري بلعيد. بل هي حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التّهم والملاحقات التي تخوضها  هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي ضدّه طوال السنوات الماضية.

بدأت الخصومة أيام كان بشير العكرمي، قاضي التحقيق بالمكتب 13، يُباشر ملفّ اغتيال الشهيد شكري بلعيد (سنة 2013)، واستمرّت حتى بعد انتقاله لمنصب وكيل الجمهورية في تونس سنة 2016 وإلى حين مغادرته سنة 2021 بعد إيقافه عن العمل. أساسا، تتّهم هيئة الدفاع العكرمي بالتواطؤ والتّستّر على المجرمين الحقيقيّين الذين يقفون وراء تخطيط الاغتيال (بما أنّ الأبحاث مكّنت مبدئيّا من الكشف عمّن نفّذه). بينما يُصرّ العكرمي من جهته على أنّ هيئة الدفاع، ولاعتبارات سياسية بحتة، تُمارس الضغط بهدف توجيه الاتهام وتحميل مسؤولية الاغتيال لشخصيات سياسية من حركة النهضة في حين تنتفي الأدلّة على ذلك[3].

امتدّ السّجال بين الطرفين على مراحل عدّة ومرّ بمؤسسات مختلفة كدائرة الاتهام ومحكمة التعقيب ومن ثم التفقدية ومجلس القضاء العدلي. واجه خلالها العكرمي عدّة تُهم في علاقة بأعماله كقاضٍ (إن كان بالتحقيق أو بالنيابة العمومية). وهو ما تطرّقت له أعمال التفقدية بوزارة العدل في مناسبتين وتمّ فيما بعد النظر فيه أمام مجلس القضاء العدلي التابع للمجلس الأعلى للقضاء والمختصّ في إقرار الإجراءات التأديبية في حقّ القضاة العدليّين. في 13 جويلية 2021، انتهت أعمال مجلس القضاء العدلي بإقرار إيقاف القاضي بشير العكرمي عن العمل وإحالة ملفّه إلى النيابة العمومية. قرار تمّ الترحيب به من العديد من المتابعين لهذا الملفّ بينما استنكره آخرون بحجّة استجابته لضغوطات سياسية تدفع لإدانة القاضي من دون إخضاعه لمساءلة عادلة. من جهته، قام العكرمي بتقديم شكاية ضدّ المتفقّد العام من أجل التدليس على خلفية ما قدّمه تقرير التفقديّة الذي اعتمده المجلس. كما طعن في قرار مجلس القضاء العدلي بإيقافه عن العمل، فاستجابت المحكمة الإدارية لما قدّمه وألغت القرار ابتدائيا واستئنافيا لعدّة حجج، أهمّها غياب السند القانوني والواقعي لهذا القرار.

لم يقع تنفيذ قرار المحكمة الادارية بحكم صدور القرار الرئاسي القاضي بإعفاء 57 قاضيا وقاضية خارج أيّ مسار قضائي وتأديبيّ ومن دون احترام أيّ ضمانات قانونية.

يواجه القاضي بشير العكرمي اليوم اتهامات لم يقع توجيهها ضدّه خلال المسار التأديبي الذي خضع له ولكنّها بالضرورة ترتبط فيما بينها لتعلّقها بنفس الملفّ القضائي ألا وهي قضية الشهيد شكري بلعيد. وهو ما يحيط المسألة بتساؤلات متعدّدة حول مدى وجاهة هذه الاتهامات وصحّتها. ولكن تبقى الحقيقة كامنة ضمن الملفّ القضائيّ الأشهر على الإطلاق والأكثر أهمية وتأثيرا على تاريخ البلاد في مرحلة ما بعد الثورة، بعيدة عن المواطنين في أروقة المحاكم المغلقة.

نشر هذا المقال في العدد 26 من مجلة المفكرة القانونية-تونس.

لقراءة العدد كاملا اضغط هنا


[1] أمر عدد 83 لسنة 1992 مؤرخ في 3 أوت 1992 المتعلق بالصحة العقلية وبشروط الايواء في المستشفى بسبب اضطرابات عقلية.

[2] “المفكرة القانونية تحاور القاضي بشير العكرمي: حين كشف البحث تورط مسؤول قضائي بالفساد تم نقلي”، نُشر بموقع المفكرة القانونية في تاريخ 07 جانفي 2021.

[3] المصدر ذاته.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، مقالات ، تونس ، مجلة تونس ، المهن القانونية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني