من جديد يُستدعى المسرحي زياد عيتاني إلى التحقيق، من جديد يواجه بما يشبه “فبركة تهمة”. هذه المرة تهمة “التشهير وانتهاك حقوق الطفل”، وذلك في معرض تغريدات كتبها عيتاني على مواقع التواصل الاجتماعي، كذا وبسبب اسم “فوزي” العائد للشخصية الرئيسية في مسرحية “وما طلّت كوليت”، المستمدة من واقعة تلفيق تهمة العمالة لزياد عيتاني والتي يلعب الأخير بطولتها. والمستدعي هو المحامي زياد حبيش بصفته الشخصية، وهو زوج رئيسة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية السابقة سوزان الحاج التي تواجه تهمة التدخل بتلفيق تهمة العمالة لعيتاني هي والمقرصن إيلي غبش.
لدى وصول خبر استدعاء عيتاني للتحقيق سارعت المنظمات الحقوقية “المفكرة القانونية، سمكس، وعيون سمير قصير” إلى إصدار بيان تنديد بملاحقة عيتاني واستدعائه إلى التحقيق، داعية للإنضمام إلى وقفة رمزية أمام مكتب مكافحة الجرائم الالكترونية تضامناً معه. واعتبر البيان أنه من المستغرب “أنه حتى اليوم، لم يتم التحقيق في الشكوى التي قدمها عيتاني للنيابة العامة التمييزية منذ أكثر من شهرين بشأن المخالفات وأعمال التعذيب المرتكبة بحقه رغم خطورتها، فإننا نبقى مشدوهين إزاء مسارعة النيابة العامة إلى التحرك ضد “عيتاني” لمنعه من فضح المظالم التي ارتكبت بحقه”. وتابع البيان، “كأنما النيابة العامة لا تحرص على إبقاء المخالفات والجرائم الكبرى بمنأى عن المحاسبة القضائية وحسب، إنما هي تعمل أيضا على التعتيم عليها بشكل كامل. ولهذه الغاية، لا تجد النيابة العامة، على ما يبدو، حرجا في ملاحقة الضحية مرة أخرى بغية فرض صمتها. بالإضافة إلى أن “ما يزيد من قابلية الأمر للانتقاد، هو أن عيتاني لم يستدعَ حتى اليوم للإدلاء بشهادته أمام المحكمة العسكرية الناظرة في قضية فبركة ملف العمالة له، كأنما لا صوت للضحية في القضايا التي تخصّها”. وقد توجه عيتاني للتحقيق أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية أول أمس في 5 شباط 2019، بمساندة مجموعة من الحقوقيين وقفوا خارجاً في انتظاره.
تحوير الحقيقة وتمييعها
لم يكن واضحاً ماهية خلفيات الشكوى. فخلال وجود عيتاني في التحقيق الذي استمر لنحو أربع ساعات، انتهز الفرصة وكيل المدعي زياد حبيش المحامي وسام عيد ليعطي حديثاً للإعلام. تحدث عيد عن أسباب استدعاء عيتاني. صرّح بأن الاستدعاء تم على خلفية استخدام اسم “فوزي” كاسم الشخصية الرئيسية في مسرحية “وما طلت كوليت” وهو اسم ابن زياد حبيش. وهذا ما اعتبره عيد انتهاكاً للطفولة وهو أمر يستدعي من الجمعيات الحقوقية الوقوف إلى جانبه. لم ينته عيد، بل أكمل حديثه ليصوب وابلا من الاتهامات على عيتاني بأنه يتعرض بالشخصي إلى المحامي حبيش عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وسرعان ما انهالت عليه الأسئلة من الإعلاميين والناشطين المتواجدين أمام المكتب، طالبين منه تفسير معاييرهم المزدوجة بين ما “تعتبرونه انتهاكاً لحقوق الطفل عن طريق استغلال اسم ابن حبيش والذي صودف أنه اسم الشخصية الرئيسية في المسرحية، وبين تلفيق تهمة عمالة لشخص وإدخاله في التوقيف الاحتياطي لمدة أربعة أشهر بعد تعرضه للتعذيب والإهانة والمذلة، بحسب تعبيرهم. عيد رد على تلك المساءلات بالقول: “أن قضية سوزان الحاج منفصلة عن هذه القضية، ونحن إزاء دعوى شخصية مقدمة من قبل زياد حبيش ضد زياد عيتاني”. ولم يعطِ عيد سببا واضحا لاستدعاء عيتاني إلى مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية في حال كانت القضية هي المسرحية و”انتهاك الطفولة باستخدام اسم فوزي”، وذلك بدلاً من محكمة المطبوعات. فبرر عيد الأمر بأن “المسرحية أصبحت على قرص مدمج إلكتروني”. يُذكر أنّ مخرج المسرحية هاشم عدنان شرح بأن المسرحية لم تُنشر بعد ولم يتم تسجيلها على أقراص بهدف توزيعها بعد، بالتالي لا وضوح في أقوال عيد”.
وما أن خرج عيتاني من التحقيق حتى أوضح أن التحقيق انتهى بتوقيع تعهد بإزالة تغريدتين عن وسائل التواصل الاجتماعي وعدم التعرض لشخص زياد حبيش. وقد شرح عيتاني أن التغريدتين لا تمسان بحبيش بالشخصي، وأن إحداهما كانت خبراً نقله عن صحيفة الأخبار، ورد فيه أن زياد حبيش كان وكيلاً لإحدى الشركات المدانة بالتواصل مع إسرائيل، إلا أنه “أخلاقياً التزم بإزالتهما لأن تلك ليست معركته الأساس”. فهمّ عيتاني هو حماية المسرحية وإبقاؤها بمنأى عن أي رقابة.
إثارة الغبرة على القضية الأساس
لكن ما الذي تضمنته مسرحية وما طلت كوليت؟ وكان هو الذي أغاظ حبيش؟ إذ كيف يمكن لحبيش محاكمة زياد عيتاني لأنه اختار أن تكون اسم الشخصية الرئيسية لمسرحيته هو “فوزي”؟ وهل اسم فوزي هو حكرٌ لآل حبيش، علماً أن هذا الاسم استخدم في مسرحية “وما طلت كوليت” للدلالة إلى الشخصية الرئيسية وهي شخصية تعرضت للتعذيب وهي محببة تثير تعاطف الجمهور. فأين الإهانة؟ وما الذي أغاظ زياد حبيش؟ ثم، فإن عيتاني له نفس اسم المدعي حبيش، فهل يتعين عليه أن يغير اسمه؟ هل يعقل أن يقول المدعي أنه مغتاظ أيضاً لأنه قدر لعيتاني أن يحمل الاسم نفسه؟
قد استغرب عيتاني “إدخال المسرحية في التحقيق، علماً أنها حائزة على موافقة الجهاز الرقابي أي الأمن العام اللبناني”. وبحسب قوله فهو “اقتبس هذه الشخصية من شخص حقيقي يدعى فوزي الكوا يعيش في منطقة الدنا، وهي من الشخصيات الشعبية البيروتية التي يهوى لعب أدوارها”. لذا أكد عيتاني، “أن هذا الموضوع ليس سوى إثارة غبرة على القضية الأساس، وهي القضية التي يحاكم بها شخصان بتهمة تلفيق أبشع الجرائم، ولذا أنا مؤمن بالقضاء”. وأشار عيتاني إلى أنه “حريص على عدم المس بعائلات أحد، كما أنني لا أتبع الأسلوب الرخيص في المسرح ولا أقوم بها لتحقيق انتقامات شخصية”. وأضاف، “أنا تمنيت الخير لأكثر من مرة للمقدم الحاج ولأولادها كما أتمنى لابنتي، ولم أتعرض لأحد ولست من أصحاب العقول الشريرة، لست من أصحاب النفوذ السياسي والمالي والمافيات”.
وعن ازدواجية المعايير في الاستدعاءات وخصوصاً بعدم تحرك النيابة العامة بالدعوى التي رفعها منذ أكثر من شهرين ضد الحاج وغبش وضد كل من يُظهره التحقيق، قال عيتاني: “ألا يكفي مواطن واحد حمل كل هذا الحمل على رأسه؟”
من جهتها، اعتبرت وكيلة عيتاني المحامية ديالا شحادة “موضوع استدعاء عيتاني للتحقيق بمثابة تمييع للحقيقة ومحاولة لتحويل الأنظار عن القضية الأساس التي تواجهها المقدمة سوزان الحاج، المدعى عليها بالاشتراك في تلفيق تهمة العمالة لعيتاني”. واعتبرت شحادة أن المحامي زياد حبيش “يستخدم طفله ليفبرك ادعاء سخيفا بحق زياد عيتاني”. وتابعت شحادة: “إنه لمن المستغرب أن النيابة العامة لم تتحرك في الدعوى التي تقدم بها زياد ضد كل من ساهم في تلفيق تهمة العمالة له وبسبب تعرضه للتعذيب، بينما، تتحرك النيابة لقضايا سخيفة وتعيد وضع زياد عيتاني في موقع المتهم والمشتبه فيه وهو لم يرتكب أي جرم أو خطأ سواء بالدعوى المقدمة اليوم أم بالدعوى الاساسية. وهذا ما وضعته شحادة بصورة “المعايير المزدوجة بين المواطنين وبين أصحاب المناصب الرفيعة”.
يذكر أن عيتاني كان واجه العام الفائت قضية تلفيق “تهمة عمالة” مما أدّى إلى توقيفه نحو خمسة أشهر، وتم منع المحاكمة عنه، ليصبح الملف يطال المقرصن إيلي غبش والرئيسة السابقة لمكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية سوزان الحاج أي زوجة المحامي حبيش. والحاج وغبش يمثلان أمام المحكمة العسكرية في ملف تلفيق تهمة العمالة لعيتاني، والمصادفة أن الجلسة القادمة تُعقد اليوم في 7 شباط 2019 حيث سيتم استجواب الحاج وغبش في هذا الملف، أي في الأسبوع نفسه من التحقيق مع عيتاني. والحال، أن داعمي زياد عيتاني ربطوا استدعاءه إلى مكتب مكافحة الجرائم الالكترونية بأمرين: أولاً تزامن استجواب الحاج في الأسبوع نفسه بهدف شط الرأي العام والإعلام عن استجواب الحاج، والثاني بهدف تمييع الحقيقة وتحويل الضحية إلى جلاد عبر تلفيق تهمة أخرى لعيتاني وهي أنه يمس آل حبيش بالشخصي. وقد هدف تشديد المدعي ووكيله على تعرض عيتاني لحقوق الأطفال من خلال تسمية الشخصية الرئيسية في المسرحية باسم ابن الأول (فوزي) إلى بناء خطاب إعلامي يثير التعاطف لدى الناس، وهو خطاب لا يقنع أي مراقب جدي. والأمل أن تكون النيابة العامة كذلك، فلا تأخذ ولا تتحرك في أي أمر غير جدي، ضنا بوقتها وحقوق الناس.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.