مشاهد من العيش في ساحات بيروت الثائرة طلاب وأساتذتهم ونساء يستمرون بإشعال الثورة: لن نخرج من الشارع


2019-10-22    |   

مشاهد من العيش في ساحات بيروت الثائرة طلاب وأساتذتهم ونساء يستمرون بإشعال الثورة: لن نخرج من الشارع

لم تخلُ ساحتا رياض الصلح والشهداء من تجمّعات حاشدة لمتظاهرين  أتوا من  بيروت وخارجها، ومن كافّة الأعمار والانتماءات السياسيّة “سابقا”. وفي مشهد جمع بين الرقص والموسيقى والغناء وإطلاق الشعارات، نقل المتظاهرون حياتهم اليوميّة من منازلهم إلى الشارع، مستعيدين ساحات من المفروض أن تكون لهم.

وما يُظهر هذا التنوّع وغناه  في الشارع، والذي يحصل للمرّة الأولى، هو أنّ الطريق من ساحة رياض الصلح إلى تمثال الشهداء مليء بمشاهد متنوّعة لطوائف عديدة من الناس، كلّ مجموعة فيها تقوم بما تشعر بحاجة إلى القيام به بطريقة عفويّة. لا أحد يمنع آخرا عن تدخين النرجيلة، أو تناول الطعام أرضا، ولا أحد يمنع الرقص أو الغناء، أو يحظّر تجوال الناس في ساحاتهم. الساحات تتابع اكتظاظها بأعلام لبنان دون غيره (ظهرت بعض أعلام الجيش في أماكن وأوقات متفرّقة) وبأغانٍ وطنيّة وثوريّة متنوّعة. النقاشات الداخليّة بين المتظاهرين مستمرّة حول مصير التحرّك، وحول الخطوات المحتملة، وأحيانا حول الحياة اليوميّة. قد يكون مهرجانا شعبيّا ما يحصل حين تستمرّ هذه الساحات باحتفالها بوقوفها جميعا في مكان متوحدة ضدّ سلطة واحدة، بغض النظر عن الاختلاف الداخليّ الموجود. وبرغم بعض التوقّعات بانخفاض العدد بعد انتهاء مهلة ال72 ساعة التي طلبها الحريريّ وعرضه لما سمي بالورقة الإصلاحية، إلاّ أنّ المشهد المعتاد والمستمر منذ ستة أيام  لم يتغير حتّى الآن.

ردة الفعل على ورقة سعد الحريري

بعد ظهر الإثنين 21 تشرين أول 2019، تجمّع المتظاهرون حول مكبّرات الصوت وبعض السيارات للإستماع إلى خطاب رئيس الحكومة سعد الحريري بعد انتهاء مهلة ال72 ساعة التي حددها. وما إن انتهى الأخير من تلاوة ورقة الإصلاحات التي لم يصدّقها المتظاهرون، حتى علت الهتافات وخاصّة الجملة الشهيرة “هيلا هيلا هيلا هيلا هو..” ليتمّ استبدال اسم باسيل بسعد الحريري. وفي حال كان رهان الحكومة على خروج معظم الناس من الساحات بعد هذه الورقة، فإنّ ما كان يحصل على الأرض أثبت عكس ذلك. فالناس التي وقفت في وجه زعمائها بعد سنوات من التبعيّة، وأسقطت سلطتهم وخطاباتهم لصالح تعبيرها عن الحالة المزرية التي وصلت إليها، لن يغشّها خطاب وهميّ قد يعيدها إلى ما كانت عليه قبل خمسة أيّام. لذلك، استمرّت الأغاني والاحتفالات وتابع المتظاهرون  ما كانوا  يفعلونه لأيّام في ساحات بيروت غير مكترثين  لإصلاحات الحكومة “السرياليّة”. هذا لا يمنع أنّ بعض الناس تردّدت بعد سماعها للخطاب، وقرّرت أن تكون هي من تمهل الحكومة هذه المرّة. ولكن الصوت الأعلى المتمثّل بالموسيقى والهتافات لم يترك الساحات لا خوفا من شبان السلطة من الدراجين، ولا رضوخا لورقة كاذبة.

الناس ترفض عفويّا فكرة “القيادات” لتحرّكها حتّى الآن.

وفي ظلّ تساؤل عام بين صفوف المتظاهرين و المتابعين لأخبار التحرّكات عن “قيادات” تحمل مطالب الثورة أو تتحدّث باسمها، يرفض الموجودون في الساحتين وبطريقة عفويّة،   أيّ متحدثّ رسميّ باسمهم. وهذا يظهر جليّا في انحسار استخدام المنصّات إلا لتلاوة الهتافات والشعارات والأغاني، ما عدا منصّة هنا وهناك تتحدّث باسمها فقط كحزب سبعة. ولأن هذه التظاهرات الضخمة المستمرّة بنيت أساسا على فكرة نقض الناس لسلطة زعمائهم وخطاباتهم، فمن الطبيعيّ أن تكون ساحتا الشهداء والصلح المستخدمتين للهتاف وطرح المطالب كما للفرح والرقص والقيام بالأمور اليوميّة، بعيدتين عن كلّ خطاب من شأنه أن يسرق المفارقة الأساسيّة التي أظهرتها التحرّكّات التي رفضت أيّ خطاب محسوب على جهة سياسيّة يقيّد هذه الشريحة الكبيرة من الناس.

درّاجات السلطة مُنعت من دخول الساحات

صدقت التوقّعات والشائعات التي انتشرت يوم الإثنين بين المتظاهرين عن احتمال نزول بعض المناصرين لأحزاب السلطة الحاكمة إلى الشوارع لإحداث مشاكل وتخويف المتظاهرين ظنّا منهم أنه بإمكانهم تشتيت الشارع. فبينما كانت الأغاني والشعارات والهتافات تعلو في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، ظهر خط طويل من الدرّاجات النارية الحاملة لأعلام حركة أمل وحزب الله في بشارة الخوري وعلى أوتستراد قؤاد شهاب. وفي حين كان الناشطون يتناقلون  الرسائل الداعية لأخذ الحذر  على وسائل التواصل الاجتماعيّ وبين المتظاهرين، تدخّلت قوّات من الجيش اللبنانيّ وقامت بردع اشبّان الدراجات الذين جالوا حول ساحات التظاهر هاتفين  شعارات مناهضة للثورة، وانتشرت الشرائط المصوّرة التي تظهر كيف تصدّى الجيش لهم وأنزلهم عن درّاجاتهم وانهال عليهم بالضرب. وترك تصدي الجيش  للشبان الدراجين صداً كبيرا في ساحتي الشهداء والصلح بحيث وجّه بعض المتظاهرين هتافات داعمة للجيش اللبنانيّ يشكرونه فيها على حمايتهم، معتبرين أنّ هذا الأمر تمّ بأمر حكوميّ.

النساء في الشارع ضدّ جميع أنواع السلطة

وبين المطالب المتعدّدة التي حملها المتظاهرون على لافتات أو ذكروها في شعاراتهم، حصدت حق المرأة في حضانة أطفالها ومناهضة السلطة الدينيّة حصّة من  الشعارات. فعبّرت نساء عدّة عن غضبهن من السلطة السياسيّة التي تحمي سلطة الدين وتتبّناها في مواضيع حقّ الحضانة والطلاق وأمور الأحوال الشخصية. وكانت النساء حاضرات في كافّة مواقع التحرّك، وشكلن جزءا من التنظيم وابتكار الشعارات و إطلاق الهتافات إلى جانب الشبان والرجال.  وقامت مجموعة من النساء وعلى مدار أكثر من يومين بإقامة خطّ فاصل مع قوى مكافحة الشغب في ساحة رياض الصلح، إنطلاقا من فكرة أنّ قوى مكافحة الشغب لن تقوم بمواجهة المتظاهرين في حال وجودهنّ من جهة وليكن في الواجهة في حال حصول المواجهة كما الشبان من جهة ثانية.

وفي أماكن عدّة في الساحتين أخذت  مجموعات  النساء حيزاً كبيراً حيث شاركن بكثافة تنظيما وتظاهراً  ومن مختلف الطوائف والفئات العمرية والإجتماعية وانتظمن في دوائر تعلي الهتافات والشعارات المطلبيّة.  علت اصواتهن بشعارات تطالب برفع السرية المصرفية وبتوجيه التركيز على منظومة المصارف، وسياسة الهدر والفساد ومحاسبة المسؤولين. وكنّ يردّدن شعارات “معركتنا طبقيّة” و”من بيروت لعكّار طايفتي اسما الثوّار”، و”الوطن للعمّال تسقط سلطة رأس المال”، و”الاستقالة ما بتعنينا بدنا نحاسب نحن جينا”، و”على الضرايب ثورة، على الطغيان ثورة”.

“تسقط سلطة المصرف”

لم يتوقّف غضب المتظاهرين الموجّه نحو نظام المصارف (مصرف لبنان تحديدا) عند هتافاتهم في الشوارع، فقد توجّه مساء الاثنين في 20 تشرين الأوّل مجموعة من الصبايا والشبان من ساحة رياض الصلح إلى مصرف لبنان لوصع أحد مطالبهم في سياقه. وكذلك، دعا المتظاهرون إلى مشاركة كبيرة في قطع الطريق أمام مصرف لبنان في الحمرا ظهر يوم الثلاثاء (21 تشرين الأوّل). وهناك، علت الهتافات الداعية إلى إسقاط حاكم مصرف لبنان “الحرامي” حسب ما وصفوه. “واحد تنين تلاتة، نزّلي مصرياتي” و”هيلا هيلا هيلا هيلا هو الشعب اللبنانيّ سرقوه” و”الوطن للعمّال تسقط سلطة رأس المال”، كانت من أكثر الهتافات تردادا في هذه التظاهرة التي نادت بسقوط حكم المصرف وحاكمه ودولاره من على حصائر افترشها المتظاهرون أمام المصرف الذي حاول رجال السلطة تحويل أموالهم منه إلى الخارج، بحسب معلومات انتشرت في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعيّ.

اللاجئون السوريّون مع اللبنانيّين ضدّ سلطتهم العنصريّة!

ومثلما كانت تشهد بعض الساحات اللبنانيّة سابقا مظاهرات داعمة للثورات الحاصلة في الدول العربيّة كسوريا، والسودان، ومصر وغيرها، أظهرت تلك الدول بدورها دعما ومساندة لما يحصل في الساحات اللبنانيّة إمّا عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ ووسائل الإعلام وإمّا عبر تنظيم وقفات داعمة. فمن السودان وجّهت الثائرات والثائرون الذين لاقوا دعما من اللبنانيّين خلال  أشهر مضت، وجّه هؤلاء “تحيّة لنساء لبنان الثائرات” تحت شعار “كلّ بقاع الثورة وطني”. ومن الساحتين  اللتين يتظاهر فيهما اللبنانيّون، يقف اللاجئون السوريّون لدعم ثورة البلد المضيف برغم كلّ العنصريّة التي عانوا منها من البعض والمتجلّية جدّا في خطابات وزير الخارجيّة جبران باسيل، ليدعموا انتفاضة الشارع. ففي 21 تشرين الثاني، وزّع السوريّون في بيروت زجاجات مياه للمتظاهرين كتب عليها “من سوريا لبيروت… ثورة وحدة ما بتموت”. وأمام تمثال رياض الصلح، لا تنفكّ الهتافات الداعمة للاجئين ضدّ عنصريّة باسيل وغيره تتكرّر: “اللاجئين جوّا جوّا، باسيل برّا برّا”. والتحيّات ذاتها التي كانت توجّه من لبنان لكلّ دولة عربيّة شهدت ثورتها الخاصّة، اجتمعت في هتاف واحد في ثورة لبنان.

طلّاب وأساتذتهم في وجه سلطة الجامعات

ولطلّاب الجامعات بصمة خاصّة في التحرّكات التي تحصل، فقد تجمّع طلّاب الجامعة اللبنانيّة أمس الثلاثاء (21/10/2019)، وتوجّهوا إلى التظاهرة في ساحة رياض الصلح، هم الذين لم يمضِ وقت طويل على خروجهم من الشارع نفسه وتعليق إضرابهم. وهم الآن، وبعد إعلان رئيس جامعتهم استئناف الدروس يوم غد الأربعاء، يقفون في وجه سلطته داعين للإستمرار في الإضراب تحت عنوان “شو ما صرّح رئيس الجامعة بكرا مكاننا الطبيعيّ بالشارع”. والصوت نفسه يعلو في الجامعات الخاصّة أيضا رافضين قرارات جامعاتهم بالعودة إلى الصفوف، ومعتبرين قرارها جزءا من السلطة التي يقفون في وجهها. ففي الجامعة الأميركيّة في بيروت يدعو بعض الطلاب إلى الاستمرار في الساحات. هذا وأعلنت مجموعة من الأساتذة في الجامعة ذاتها عن قرارهم الاستمرار بالمشاركة في التحركّات الشعبيّة لأنّ “العودة إلى الحياة الطبيعيّة “والعمل كالعادة” هما فعل سياسيّ مضادّ في حين أنّ البلد يشهد تحرّكات جماهيريّة واسعة وإضرابات”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، حراكات اجتماعية ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني