مسيرة ضحايا فوج الإطفاء تتبع درب جلجلتهم


2021-08-05    |   

مسيرة ضحايا فوج الإطفاء تتبع درب جلجلتهم
صور شهداء الفوج يرفعها أهاليهم وتحتضنها أمّهاتهم (تصوير لارا شاهين)

في 4 آب كانت حصّة فوج إطفاء بيروت من الضحايا كبيرة، عشرة عناصر بحيواتهم واندفاعهم وأحلامهم وطموحاتهم ومن ورائهم عائلات كثيرة ثكلى. اختارت العائلات لهم مسيرة منفصلة في الذكرى السنوية الأولى، انضمّ إليها مئات المتظاهرين.

سلكوا المسار الذي سلكه العناصر العشرة قبل عام حين أُرسلوا إلى الموت، تلوا أسماءهم على مكبّرات الصوت، صفّقوا لهم وكأنّهم يستحضرون حماستهم وهم في طريقهم قبل عام بالتمام لإطفاء حريق أودى بهم، مشوا وراء آليّتهم التي أخذتهم إلى حتفهم، واستعادوا حكايتهم مرّات ومرّات. 

أهالي ضحايا فوج إطفاء بيروت: عالقون في 4 آب

منذ ساعات الصباح الباكر توجّه أهالي ضحايا فوج إطفاء بيروت العشرة إلى مركز الفوج في محلّة الكرنتينا متّشحين بالسّواد وحاملين صور ضحاياهم. تجلس سناء كرم، والدة الشهيد شربل حتّي، تحت مظلة تقيها حرّ الشمس اللاهبة في ساحة المركز، تشهق بالبكاء وتقول وهي تتنهد: “صرلنا سنة وكل يوم عم نعيش 4 آب”. لم يكن الوقت كفيلاً بالتخفيف من ألمها، بل على العكس “الوجع عم يكبر ويشتعل أكثر يوم بعد يوم”. تحكي الأم الثكلى للجالسين من حولها عن ابنها “الملاك”، كما تصفه، صاحب الواحد والعشرين عاماً، ، وتتأسّف: “كنّا عم نأمّنلو مستقبلو بس قتلوه وما عاد في مستقبل ناطرو ولا ناطرنا”.

مقدمة مسيرة فوج الإطفاء أثناء توجهها إلى المرفأ (تصوير لارا شاهين)

إلى جانبها تجلس ريتا حتّي، والدة الشهيد نجيب حتّي، وتقول: “هذه السنة لم تمضِ بعد، ولا نزال عالقين في 4 آب. لست أدري كيف ستمضي هذه الحياة من دون الأحباب”. مرّ عام على الكارثة، ولم تصدق ريتّا ما الذي حدث، “فلم نعِ ما الذي دفنّاه بعد أن سلّمونا أشلاء ضحايا اختلطت ببعضها البعض”، تقول مضيفة: “سنعرف من المسؤول عن هذه الفاجعة التي ألمّت بنا، لن نتعب ولن نجعل المسؤولين يرتاحون حتى نحصل على الحقيقة ونحقق العدالة”.

على مقربة منهما سيدة تحمل صورة الشهيد رالف ملاحي وترتدي سترة فوج الإطفاء: “أنا والدته التي مرّ عام على التفجير من دون أن يخفّ مصابها”. تجزم الوالدة، رولا ملاحي، أنّ الله أعطاها مصاباً ستحمله إلى آخر يوم في حياتها وستأخذه معها إلى القبر. وتدعو ربّها أن يمنحها القوة “لآخد حق ابني”. تعود بالذاكرة إلى يوم “الكارثة”، وتقول: “منذ أن رأيت النار التي اشتعلت شعرت بالخطر يداهم ابني وصرخت: “راح رالف”.

تظاهرة فوج الإطفاء حاشدة

كان مركز الفوج يغصّ بذوي ضحايا فوج إطفاء بيروت وبالمتضامنين معهم الذين حضروا من مختلف المناطق لإحياء الذكرى. مشت الجموع الغفيرة في مسيرة حاشدة انطلقت من مركز الفوج في محلّة الكرنتينا إلى تمثال المغترب قرب مرفأ بيروت، وبعدها إلى بوابة المرفأ التي تحمل الرقم 3، وهو الطريق الذي سلكه قبل عام عناصر فوج إطفاء بيروت العشرة عندما نشب الحريق في العنبر رقم  12. خرجت سيارة الإطفاء من المركز على وقع تصفيق حار من قبل المتظاهرين، تلتها شاحنة تحمّل تمثالاً مصنوعاً من الزجاج المنكسر ويحمل بيده ميزاناً، في إشارة إلى ضرورة تحقيق العدالة في جريمة التفجير. مشى خلفها آلاف المتظاهرين الذين رفعوا لافتات كتب على بعض منها: “مواجهتنا مستمرة لتحقيق العدالة وتحرير البلد من سلطة النيترات”، و”ممنوع يلي فجرونا يبقوا عالكراسي”، و”سنة كاملة والجريمة مستمرة والمجرمون يحكموننا”، و”فلتسقط الحصانات السياسية والدينية والطائفية”.

لحظة الإشكال مع عناصر الجيش (تصوير لارا شاهين)
لحظة الإشكال مع عناصر الجيش (تصوير لارا شاهين)

وهتف المتظاهرون: “العدالة لفوج الإطفاء العشرة” الذين تلوا أسماءهم الواحد تلو الآخر كي تبقى في الذاكرة: “سحر فارس، رالف ملاحي، جو بو صعب، جو نون، إيلي خزامي، شربل كرم، مثال حوا، رامي كعكي، نجيب حتّي، وشربل حتّي”. كما هتفوا: “تسقط الحصانات”، و”يسقط يسقط حكم الأزعر، دم الشهداء الخط الأحمر”. في طريقهم إلى مرفأ بيروت، أقفلت عناصر من الجيش اللبناني الطريق مرتين أمام المتظاهرين الذين رشقوهم بقوارير المياه، واندلعت اشتباكات بين الطرفين أعاد الجيش بعدها فتح الطريق. وصل المتظاهرون إلى بوابة المرفأ التي تحمل الرقم 3، فقام منظمو التظاهرة بدعوة أهالي الضحايا للدخول للصلاة للضحايا فيما تم دعوة بقية المتظاهرين إلى بوابة المرفأ التي تحمل رقم 9، وهو ما رفضه المشاركون الذين قالوا: “نحنا جينا من آخر الدنيا لنوقف معكن مش لنبقى برا”. لكن عناصر من الجيش اللبناني وقفوا في طريقهم ومنعوهم من الدخول إلى البوابة 3.

4 آب 2020: حين أرسل عناصر فوج الإطفاء إلى حتفهم

يبقى أنّ أكثر عبارة تردّدت على ألسنة أهالي شهداء الفوج والمتضامنين معهم أنّهم أرسلوا إلى الموت حين طلب منهم الحضور لإطفاء حريق في العنبر الذي يحتوي مواد شديدة الخطورة. “ابني ضحيّة مش شهيد” سمعناها من أكثر من والد ووالدة ثكالى.

آلية فوج الإطفاء وقد بدت لافتة كبيرة كتب عليها 4 لايين لبناني مقتول مجروح منكوب مسروق مخطوف (تصوير لارا شاهين)

ففي 4 آب 2020، قبل التفجير المشؤوم بقليل ورد اتّصال إلى مركز فوج إطفاء بيروت باندلاع حريق في العنبر رقم 12، فلبّى النداء عشرة عناصر هم السابقة أسماؤهم وتطوّع من بينهم نجيب حتي ومثال حوّا وجو نون لفتح باب العنبر والتقطت صورة لهم في تلك اللحظة كانت من أقسى صور 4 آب. وحاول الباقون إخماد الحريق يعاونهم في محاولتهم اليائسة أربعة عناصر هم آخر من تبقّى من عناصر فرقة إطفاء المرفأ وهم ثروت حطيط وجوزيف مرعي ومحمد عباس وعماد زهر الدين، الذين لقوا حتفهم جميعاً في التفجير. وبذلك لم يبق من فرقة إطفاء المرفأ من يخبر قصصهم بينما خسر فوج إطفاء بيروت عشرة من عناصره تركوا وراءهم رفاق سيحكون قصصهم بغصّة.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني