مرسوم تعيين أعضاء “الدستوري” لا يحترم مبدأ استقلاليته


2021-11-03    |   

مرسوم تعيين أعضاء “الدستوري” لا يحترم مبدأ استقلاليته

صدر المرسوم رقم 8384 بتاريخ 19 تشرين الأول 2021 والقاضي بتعيين عضوين في المجلس الدستوري بعد شغور طال هذه المواقع بسبب فترة تصريف الأعمال الطويلة التي شهدها لبنان وانتهت بتشكيل الحكومة الحالية التي وافقت في جلستها المنعقدة في 12/10/2021 على هذا التعيين.

ومن الملاحظ أن هذا المرسوم اتخذ بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء الذي وقّع مرّتين عليه إضافة إلى توقيع كل من وزيري العدل والماليّة. ويطرح هذا الأمر ‘شكالية لا بد من معالجتها تتعلق بالموجب القانوني الذي يحتم صدور مرسوم تعيين أعضاء المجلس الدستوري بناء على اقتراح من رئيس الحكومة ولزوم توقيعه أيضا من وزير العدل ما يشير إلى أن المجلس يخضع بشكل ما لسلطة رئاسة الحكومة أو وزارة العدل.

وينسجم هذا المرسوم مع الممارسة التي دأبت عليها السلطة التنفيذية التي يمنحها القانون صلاحية تعيين نصف أعضاء المجلس الدستوري (أي خمسة أعضاء من أصل عشرة). فمنذ تعيين أعضاء أول مجلس دستوري في لبنان بموجب المرسوم رقم 5036 تاريخ 7 نيسان 1994 وحتى اليوم، صدرت جميع المراسيم بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء وحملت أيضا توقيع وزير العدل باستثناء المرسوم رقم 10853 تاريخ 25 اب 1997 والقاضي بتعيين عضوين في المجلس الدستوري والذي صدر بناء على اقتراح رئيس الحكومة لكن دون أن يحمل توقيع وزير العدل.

فرضت المادة 54 من الدستور، عملا بمبادئ النظام البرلماني، توقيع جميع مقررات رئيس الجمهورية من قبل رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص باستثناء مرسوم تعيين رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة. ويقوم رئيس الحكومة بالتوقيع أحيانا مرتين على المرسوم إذ يمثل توقيعه الأول التوقيع الذي يفرضه الدستور على جميع مقررات رئيس الجمهورية بينما توقيعه الثاني يحصل بصفته الوزير المختص الذي يقترح المرسوم إذ أن الادارات الرسمية التي ترتبط قانونا مباشرة برئيس الحكومة تحكمها ذات العلاقة التي تربط الوزير بإدارته، وبالتالي يوقع رئيس مجلس الوزراء على المراسيم التي تخصّ إدارته ليس بصفته رئيسا للحكومة، بل بوصفه الوزير المختص الذي يتولى اقتراح المرسوم.

وقد درجت العادة في لبنان منذ تبني الدستور سنة 1926 أن يوقع رئيس مجلس الوزراء جميع المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية علما أنه قبل تعديلات 1990 لم يكن هذا الأمر ملزما كون المادة 54 القديمة من الدستور كانت تفرض فقط توقيع مقررات رئيس الجمهورية من قبل الوزير المختص دون رئيس مجلس الوزراء. لكن لبنان استوحى التجرية الدستورية للجمهورية الثالثة في فرنسا التي كانت تفرض توقيع رئيس مجلس الوزراء على المراسيم فبتنّى هذه الممارسة التي جرى تكريسها في التعديلات التي أدخلت على الدستور سنة 1990 عملا باتفاق الطائف.

فكل المراسيم في المبدأ يجب أن تصدر بناء على اقتراح رئيس الحكومة أو الوزير المختص، الأمر الذي أرسى عادة إدارية تحتم صدور أي مرسوم بناء على هكذا اقتراح. لكن بعض المراسيم بحكم طبيعتها لا يتم اتخاذها بناء على اقتراح أي جهة ما يعني أنها يجب أن تصدر فقط موقعة من قبل رئيس الجمهورية وتوقيع واحد فقط لرئيس الحكومة. ومن الأمثلة النادرة جدا عن هكذا حالة قانونية المرسوم رقم 1307 تاريخ 7 حزيران 1991 والقاضي بملء المقاعد النيابية الشاغرة أو المستحدثة عملا بالمادة 24 من الدستور التي نصت على التالي:

“وبصورة استثنائية، ولمرة واحدة، تملأ بالتعيين دفعة واحدة وبأكثرية الثلثين من قبل حكومة الوفاق الوطني، المقاعد النيابية الشاغرة بتاريخ نشر هذا القانون والمقاعد التي تستحدث في قانون الانتخاب، تطبيقاً للتساوي بين المسيحيين والمسلمين، وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني· ويحدد قانون الانتخاب دقائق تطبيق هذه المادة”·

فعدم القدرة على اجراء انتخابات نيابية مباشرة بعد انتهاء الحرب حتم تعيين نواب في المقاعد الشاغرة أو المستحدثة من قبل السلطة التنفيذية ريثما يتم اجراء انتخابات عامة. وبما أن تعيين النواب لا يدخل في اختصاص أي من الوزراء أو حتى رئيس مجلس الوزراء صدر المرسوم المذكور عن رئيس الجمهورية الياس الهراوي ممهورا بتوقيع واحد فقط لرئيس مجلس الوزراء عمر كرامي بوصفه التوقيع الإضافي الذي يفرضه الدستور.

وهكذا يتبين لنا أن مرسوم تعيين أعضاء المجلس الدستوري يتطلب فقط موافقة مجلس الوزراء ولا يجب أن يتخذ بناء على اقتراح رئيس الحكومة ولا يجب أن يوقعه هذا الأخير إلا مرة واحدة كون توقيعه الثاني يشي أن المجلس الدستوري يرتبط بشكل ما برئاسة الحكومة وهو ما يخالف مبدأ استقلالية المجلس باعتباره سلطة دستورية وفقا لقراره رقم 1 تاريخ 6/8/2005 إذ أعلن التالي:

“وبما أن المجلس يرى أن المشرع الدستوري عندما ينشئ مجلسا دستوريا إنما ينشئ سلطة دستورية، وهو عندما يصف الوظيفة القضائية بالسلطة القضائية، ويورد المجلس الدستوري ومن ثم السلطة القضائية بالتسلسل في عداد السلطات بعد السلطة المشترعة والسلطة الإجرائية، إنما يرتقي بالمجلس الدستوري والسلطة القضائية إلى سلطتين دستوريتين مستقلتين عن السلطة المشترعة والسلطة الإجرائية”.

وإذا كان توقيع وزير المال لا يطرح إشكالية معينة كون مرسوم تعيين أعضاء في المجلس الدستوري تترتب عليه أعباء مالية على خزينة الدولة كرواتب ومخصصات للأعضاء الجدد، أي أن هذا التوقيع لا يعني وجود أي رابطة تبعية بين المجلس ووزارة المالية، لكن توقيع وزير العدل يطرح إشكالية غير مفهومة لا بد من توضيحها.

من الملاحظ أن وزير العدل يوقع على المرسوم لكن دون أن يقترحه وهو أمر مستغرب. إذ لماذا يوقّع وزير ما على مرسوم لا علاقة له باقتراحه أو تنفيذه؟ ومن البيّن أن المجلس الدستوري لا يرتبط بوزارة العدل إداريا وبالتالي لا دور لوزير العدل بالتوقيع على مرسوم تعيين الأعضاء.

لا بد هنا من التمييز بخصوص توقيع وزير العدل بين توقيعه قبل وبعد تعديل قانون انشاء المجلس الدستوري سنة 1999. فالمادة الثالثة القديمة  من قانون انشاء المجلس الدستوري تاريخ 14 تموز 1993 كانت تنص على امكانية اختيار الاعضاء من بين القضاة العاملين أو السابقين، الأمر الذي حصل بحيث تمّ تعيين قضاة عاملين كأعضاء في المجلس الدستوري ما شكّل مبررا لتوقيع وزير العدل علما أن هذا الأمر دونه محاذير تؤدي إلى المس باستقلالية المجلس. لذلك أعدت الحكومة مشروع قانون جاء في أسبابه الموجبة أنه جاء “استجابة لرغبة الهيئات القضائية العليا بعدم تعيين أعضاء في المجلس الدستوري، من بين القضاة العاملين”. وقد صدر هذا القانون في 30/10/1999 بحيث حصرت المادة الثالثة الجديدة من قانون إنشاء المجلس الدستوري اختيار الأعضاء من بين القضاة السابقين فقط دون العاملين. وبالتالي لم يعد من مبرر إطلاقا لتوقيع وزير العدل كون القضاة السابقون لا يرتبطون إداريا بوزارة العدل بأي شكل من الأشكال.

وهذا ما يشرح الاستثناء الذي ذكرناه بخصوص المرسوم رقم 10853 الصادر في سنة 1997 أي قبل تعديل 1999 والذي لم يحمل توقيع وزير العدل كونه اكتفى بتعيين قاضٍ سابق (فوزي أبو مراد) وشخص من خارج السلك القضائي (سليم جريصاتي) ما جعل توقيع وزير العدل غير ذي جدوى.

بالخلاصة، إن صدور مرسوم تعيين أعضاء في المجلس الدستوري بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء وتوقيع وزير العدل يخالف استقلالية المجلس الدستوري إذ أنه يشير إلى رابطة تبعية ما لا وجود دستوري لها. لكن وجود مثل هذه التواقيع لا يعيب المرسوم المعني إطلاقا كونها تدخل في عداد التواقيع الفائضة أو الزائدة (surabondantes) وفقا لاجتهاد مجلس شورى الدولة. فمجرّد توقيع وزير ما لا يجعل من ذلك الأمر عرفا يجب اتّباعه. بل في نهاية الأمر حتى لو جرت العادة على توقيع رئيس مجلس الوزراء مرة ثانية وتوقيع وزير العدل تظل هذه التواقيع مجردة من كل قوة قانونية إذ يعود القرار النهائي إلى القضاء الإداري الذي سيحدد ما إذا كان هذا التوقيع يدخل ضمن المفهوم الدستوري “للوزير المختص” أو هو مجرد توقيع فائض لا تأثير له في حال غيابه على مشروعية العمل الإداري. لذلك بإمكاننا القول أن مرسوم تعيين أعضاء المجلس الدستوري لا يجب أن يصدر بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء ولا أن يقترن بتوقيع وزير العدل تأكيدا على استقلالية المجلس الدستوري بوصفه سلطة قضائية استحدثها الدستور.

 

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم دستورية ، سلطات إدارية ، مرسوم ، استقلال القضاء ، لبنان ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني