محكمة استئناف تفتح بابا لابطال الأحكام في تونس: أداة جديدة للعدالة الانتقالية أم تراجع عن أصول الاستقرار القضائي؟


2014-09-09    |   

محكمة استئناف تفتح بابا لابطال الأحكام في تونس: أداة جديدة للعدالة الانتقالية أم تراجع عن أصول الاستقرار القضائي؟

في 2-7-2014، أصدرت محكمة الاستئناف في تونس قرارا يقضي بإبطال حكم في الرجوع عن التبني. وبمعزل عن موضوعه، يعكس حكم محكمة الاستئناف بتونس بما تضمنه من تعليل وقرارات توجها واضحا منها لتحري سبل تحقيق الإنصاف والبحث عن قيم المحاكمة العادلة ولو كان ذلك على حساب قواعد شكلية راسخة في الإجراءات المدنية. ومن أهم ما تضمنه هذا الحكم هو قبوله للمرة الأولى بفكرة “التداعي القضائي الأصلي بالإبطال”، بعد أن اعتبرت محكمة الاستئناف أن الأحكام القضائية لا تقبل المراجعة باستعمال وسائل الطعن فحسب وإنما أيضا من خلال طلب إبطالها. وذكرت أن طلب الإبطال يكون مقبولا “إذا كان الحكم فاقدا  لمقومات الأحكام القضائية التي ترمي أساسا لرد الحقوق الى أصحابها وإقامة العدل عبر إنفاذ حكم القانون، فيبطل الحكم القضائي ويكون في حكم المعدوم اذا خلا من احد أركانه كأطراف النزاع وموضوعه و منطوقه، أو إذا كان الخلل الذي اعتراه من الجسامة بما يفقده مقوماته…او إذا كفّ ان يكون عنوانا للعدل والإنصاف كأن يكون نافيا لحكم القانون ومكرسا لمظالم بينة وجسيمة أو كان غطاء لحيل وخزعبلات تستهدف تحقيق أغراض غير مشروعة…”.

ويطرح هذا الحكم مسائل مثيرة للجدل القانوني، خصوصا وأنه يتعارض في هذا السياق مع وسائل الطعن القانونية[1] ويمس بالتالي بفكرة حجية الاحكام ومعها بفكرة الاستقرار القانوني. كما أنه يتيح للمحاكم الاقل درجة ابطال احكام محاكم اعلى منها درجة بشكل قد يفرغ قواعد التقاضي من منطقيتها. وإذ هو يثير بالنتيجة بصورة كبيرة حفيظة “أنصار الشكلية في التقاضي”، فانه يشكل مؤشرا في هذه الفترة من تاريخ تونس الى الحاجة التي يستشعرها قضاة عدة في إصلاح آثار الأحكام القضائية التي أصدرها القضاء في ظل النظام السابق وخالفت قواعد العدل. وهو ما يشكل استحداثا فقهيا قضائيا لمسار من مسارات العدالة الانتقالية هو الطعن بالإبطال في الأحكام التي لم تحز مقومات الحكم العادل.

الى ذلك، برزت جرأة محكمة الاستئناف بنفس الدرجة في تعاملها مع “عدالة المحاكمة” على مستويين اذ تولت في مرحلة اولى استعمال النصوص الدستورية للتوصل لصياغة تصور لدور القاضي في تحقيق المحاكمة العادلة لتنتقل في مرحلة ثانية للنظر في دور المحامي في تحقيق المحاكمة العادلة من خلال بحثها في ضوابط نيابة المحامي في النزاع. فاعتبرت المحكمة ان القرابة الدموية بين المحامي وأطراف الدعوى قد تشكل مصدر  شبهة على فساد نيابته. ويبدو هذا التوجه مجددا في فقه القضاء العدلي لكونه يفرض فكرة مسؤولية القاضي في تحقيق العدالة ويؤكد على وجوب  “استقلالية المحامي” عن النزاع الذي ينوب فيه ليكون بمنأى عن الشبهات ويضطلع بدوره في المشاركة في إقامة العدل.

وتتولى المفكرة القانونية نشر الحكم لأهميته ولتمكن قراءها من الاطلاع على ما تضمنه من اجتهادات في مجال قوانين الإجراءات المدنية.

يمكنك تحميل الرابط أدناه للإطلاع على النص كاملا

الصورة من أرشيف المفكرة القانونية



[1] باستعمال وسائل الطعن يكون التماس اعادة النظر السبيل للطعن في الاحكام القضائية التي بنيت على تدليس اذ نص الفصل  156 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية:                                                                                   
يمكـن الطعـن في الحكم النهائي بالتماس إعادة النظر فيه :
أولا : إذا وقعت خديعة من الخصم كان لها تأثير على الحكم ولم يكن المحكوم عليه عالما بها أثناء نشر القضية المطعون في حكمها.
ثانيا : إذا ثبت زور الرسوم أو البيانات الأخرى التي انبنى عليها الحكم بإقرار الخصم أو بحكم وكانت هي السبب الأصلي أو الوحيد في صدوره بشرط أن يكون هذا الثبوت واقعا بعد الحكم وقبل القيام بطلب إعادة النظر.
ثالثا : إذا ظفر الطاعن بعد الحكم بورقة قاطعة في الدعوى كانت ممنوعة عنه بفعل الخصم على شرط أن يكون تاريخ الظفر بها ثابت
 
انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، عدالة انتقالية ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني