ماذا عن تداعيات وقف مرسوم ردّ قانون الإيجارات غير السكنية؟ إذكاء النزاعات الاجتماعية بدل حلّها


2024-04-09    |   

ماذا عن تداعيات وقف مرسوم ردّ قانون الإيجارات غير السكنية؟ إذكاء النزاعات الاجتماعية بدل حلّها

أصدر مجلس شورى الدولة بتاريخ 4 نيسان 2024 قرارا بوقف تنفيذ المرسوم رقم 12835 القاضي برد قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية الذي أقرته حكومة تصريف الأعمال بعد تراجعها عن إصدار هذا القانون بطلب من رئيس الحكومة الذي أعطى توجيهاته للجريدة الرسمية بعدم نشر ثلاثة قوانين من بينها قانون الإيجارات. وقد شرحت المفكرة القانونية في مقال أول الطبيعة الاعتباطية والخطيرة لموقف رئيس الحكومة هذا ومن ثم عالجت في مقال ثان الإشكاليات القانونية المتعلقة بمراسيم الرد.

ولا شك أن وقف تنفيذ هذا المرسوم من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات قانونية غير مسبوقة في تاريخ لبنان الدستوري. لذلك، كان لا بدّ من استعراض تلك التداعيات كون الاحتمالات التي يفتحها قرار مجلس شورى الدولة هي شديدة الغرابة وتتّسم بالعشوائية وتهديد الاستقرار التشريعي وتعريض الأمان القانوني الذي يجب أن يحكم العلاقة بين الدولة والمواطنين إلى الخطر.

تنص المادة 56 من الدستور على أن رئيس الجمهورية يصدر القوانين خلال شهر بعد إحالتها إلى الحكومة، بينما تضيف الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور بعد تعديلها سنة 1990 أنه “في حال انقضاء هذه المهلة دون إصدار القانون أو اعادته يعتبر القانون نافذا حكما ووجب نشره”، ما يعني أن القانون يصبح نافذا حكما وتقوم الجريدة الرسمية في المبدأ بنشره من تلقاء نفسها بعد انصرام مهلة الإصدار دون إصدار القانون أو اعادته إلى مجلس النواب.

وقد أحال رئيس مجلس النواب قانون الإيجارات إلى الحكومة بتاريخ 18 كانون الأول 2023، ما يعني أن المهلة الدستورية للإصدار انطلقت وهي انقطعت بتاريخ 12 كانون الثاني 2024 مع صدور مرسوم الردّ عن حكومة تصريف الأعمال التي تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة. وقد وافقت الأمانة العامة لمجلس النواب على استلام مرسوم الردّ تمهيدا لمناقشة القانون مجدّدا في الهيئة العامة للبرلمان واتخاذ القرار المناسب بشأنه.

إذ أنّ وقف تنفيذ مرسوم الردّ يعني أنّ المهلة الدستورية عادت للسريان وهي بغضّ النظر عن كيفية احتسابها تكون اليوم قد انتهتْ ما يعني أن القانون أصبح نافذا حكما ومن المفترض نشره. فهل ستلتزم مصلحة الجريدة الرسمية بنشر قانون الإيجارات أو أن تبعيتها الإدارية لرئيس مجلس الوزراء ستمنعها هذه المرة من تطبيق الدستور والخضوع مجددا لمشيئة هذا الأخير؟ فقانون الإيجارات بات بقوة النص الدستوري نافذا ونشره بات واجبا لأن مهلة الإصدار أعيدت إلى الحياة بعد توقفها. وهكذا نصبح أمام واقع غريب ألا وهو انقضاء مهلة إصدار القانون لكن من دون نشره في الجريدة الرسمية، فهو قانون نافذ حكما لكنه غير منشور، ما يعني أنه نافذ لكنه غير مطبق وهذه حالة دستورية غير مسبوقة.

لكن الأغرب هو أن قرار وقف التنفيذ قرار إعدادي لا يفصل في أساس النزاع. ففي حال اتّخذ مجلس شورى الدولة في النهاية قرارا برد الطعن وإعادة العمل بمرسوم الرد، فإن هذا يعني أن القانون النافذ حكما، والمنشور ربما في حال تمّ نشره قبل صدور القرار النهائي لمجلس شورى الدولة، سيصبح غير نافذ كونه عاد إلى وضعيته الدستورية السابقة، أي أنه ردّ إلى مجلس النواب ما أدّى إلى انقطاع المهلة الدستورية للإصدار ريثما يبت به مجددا البرلمان.

إن هذه العشوائية الدستورية غير المسبوقة التي تجعل المواطنين في حالة من الفوضى القانونية هي نتيجة اعتباطية رئيس الحكومة الذي اتخذ قرارا أدى إلى إفقاد الأحكام الدستورية لانتظامها الطبيعي ما جعل من العلاقات القانونية بين المؤسسات غير قابلة للتوقع. فتوقع التصرفات القانونية لمؤسسات الدولة هو في صلب الأمان الذي يهدف الدستور إلى إدخاله على كل البناء القانوني القائم في مجتمع ما، إذ من دون هذه القدرة على التوقع تصبح الاعتباطية النتيجة الحتمية الوحيدة لعمل المؤسسات، وما ينجم عن ذلك من تعسف وظلم سيلحق بالمواطنين لا سيما وأن موضوع الايجارات يطال شرائح كبيرة من المواطنين الذين سيجدون نفسهم في مواجهة بعضهم البعض بسبب فشل السلطة السياسية في تسيير عمل المؤسسات وفقا للمنطق الدستوري.

فهذه النتائج الاعتباطية تسمح بتكوين فهم أعمق لمفهوم الأعمال الحكومية التي يدخل من ضمنها مراسيم ردّ القوانين. فوقف مرسوم ردّ قانون الايجارات يعني أن مجلس النواب لم يعد يحق له إعادة التناقش والتصويت على هذا القانون الذي بات خارج البرلمان. لكن الجهاز الإداري في مجلس النواب وافق على استلام مراسيم الردّ التي أصدرتها حكومة تصريف الأعمال علما أن بعض النواب رفضوا الاعتراف بدستوريتها.

والموقف السليم كان يوجب عرض تلك المراسيم على الهيئة العامة لمجلس النواب كي تبت بها إما بالقبول بها أو رفضها أو حتى ترك الأمر للقضاء الإداري كي يفصل في القضية. لكن حتى هذا الحل دونه محاذير إذ أن صدور قرار وقف تنفيذ عن مجلس شورى الدولة يضع القضاء في مواجهة مجلس النواب[1]، وهي الوضعية تحديدا التي وجدت نظرية الأعمال الحكومية من أجل منع حصولها نظرا لتداعياتها القانونية والسياسية التي تفوق التخيل.

فالمادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة الصادر سنة 1975 تنص على أنه “لا يجوز وقف التنفيذ إذا كانت المراجعة ترمي إلى إبطال مرسوم تنظيمي”. فإذا كانت المراسيم التنظيمية لا تقبل وقف التنفيذ فكم بالحري الأعمال الحكومية نظرا لارتباطها الوثيق بالعلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؟ فهل يمكن مثلا وقف تنفيذ مرسوم بحل مجلس النواب بعد إجراء الانتخابات؟ هل يمكن وقف تنفيذ مرسوم بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي؟ هل يمكن وقف تنفيذ مرسوم تشكيل الحكومة؟ إن النتائج السياسية لوقف تنفيذ هكذا مراسيم يعني تحول القضاء إلى لاعب سياسي وهو الأمر الذي لا يحدث لأن الأعمال الحكومية بسبب محتواها السياسي المباشر تكون في الغالبية الساحقة من الأحوال متوافقة مع مبادئ القانون الدستوري والإداري إذ من الصعب تخيل أن تعمد السلطة السياسية إلى مخالفة هذه المبادئ بشكل مقصود كونها بكل بساطة لا تحتاج إلى ذلك. فالمحتوى السياسي الصرف للعمل الحكومي يجعل السلطة حرة في قرارها وما عليها سوى احترام الشروط الشكلية التي يفرضها الدستور. فمرسوم رد قانون هو عمل دستوري اتخذه مجلس الوزراء وكالة عن رئيس الجمهورية الأمر الذي “يظهر وجود السلطة الحكومية أو السلطة الدستورية وليس السلطة الإدارية” (قرار مجلس شورى الدولة رقم 189 تاريخ 3/1/1995) كونه يتناول علاقة الحكومة بمجلس النواب.

فصدور عمل حكومي يخالف قواعد الشكل أو المعاملات الجوهرية التي ترافقه يعني أن السلطة السياسية اقترفت مخالفة جسيمة جدا وقامت بعمل غير مسبوق ما حتّم على القضاء الإداري التدخل والقبول بالنظر في الطعن الذي سيقدم بوجه هذا القرار. فوقف تنفيذ مرسوم الرد هو حدث غير مسبوق في تاريخ القضاء الإداري في لبنان وحتى في فرنسا على حد علمنا، ولا يمكن فهمه إلا على ضوء الشغور الرئاسي وانهيار المؤسسات واعتباطية السلطة السياسية المتفاقمة وفشلها المتعمد في إعادة تفعيل مؤسسات الدولة.

للاطلاع على قرار مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ المرسوم رقم 12835 القاضي برد قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية


[1] من النتائج العجيبة لمرسوم الرد هذا هو تخيل فرضية قيام مجلس النواب بإقرار القانون مجددا ومن ثم صدور قرار مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ مرسوم الرد أو حتى ابطاله، فهل هذا يعني أن القانون الذي أقر مرة ثانية لم يعم قائما وأن تصويت مجلس النواب الجديد بات بحكم الملغى.

انشر المقال



متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، مرسوم ، الحق في السكن ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني