ماذا تعني إحالة موازنة 2024 في موعدها الدستوري؟


2023-10-02    |   

ماذا تعني إحالة موازنة 2024 في موعدها الدستوري؟

أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عقب اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 12 أيلول المنصرم وبشيء من الحماسة والفخر إقرار الحكومة مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2024 قائلا إنها “أول موازنة منذ العام 2002 تُقرّ في مواعيدها الدستورية قبل بدء الدورة الثانية لانعقاد مجلس النواب، وهذا إنجاز كبير جدا”. ورغم إقرارها في التاريخ المذكور، فإنّ مشروع القانون لم يرسل إلى مجلس النواب إلا في آخر شهر أيلول تبعًا لإدخال وزارة المالية تعديلات عليه، أهمها دمج أحكام موازنة 2023 ضمنه. 

وبمعزل عن التأخير المستغرب الحاصل في إحالة مشروع الموازنة بعد أسبوعين من إقرارها،  يبقى أن مرسوم الإحالة[1] رقم 12211 صدر فعليا عن مجلس الوزراء بتاريخ 28 أيلول 2023، أي ضمن المهلة الدستورية قبل بداية عقد تشرين الأول سندا للمادة 83 من الدستور والمادة 18 من قانون المحاسبة العمومية. لكن أهمية هذه الإحالة لا تقتصر على مراعاته المهل الدستورية، بل تتعدّاها إلى مسألة توفر الشروط الدستورية لتفعيل المادة 86 من الدستور التي تجيز إصدار الموازنة بمرسوم، ربما لأول مرة منذ عقود طويلة.

إمكانية إصدار الموازنة العامة بمرسوم

تمنح المادة 86 من الدستور السلطة التنفيذية صلاحية مهمة جدا تسمح لها بإصدار الموازنة بمرسوم دون موافقة مجلس النواب في حال لم يتمكن هذا الأخير من اقراراها طيلة العقد المخصص لدرسها (من تشرين الأول إلى نهاية السنة) وفي العقد الاستثنائي الذي يستمر لنهاية كانون الثاني من السنة الجديدة، والذي يتم تخصيصه للانتهاء من دراسة وإقرار الموازنة. ولا يمكن إصدار مرسوم اعتبار الموازنة نافذة إلا إذا كانت الحكومة قد أحالت مشروع الموازنة إلى مجلس النواب قبل افتتاح عقد تشرين الأول بخمسة عشر يوما على الأقل، وذلك من أجل إعطاء النواب الفترة الكافية لدراسة أرقام الموازنة.

جراء ما تقدم، يصبح جليا أن شروط المادة 86 باتت متحققة كون مجلس النواب استلم الموازنة قبل خمسة عشر يوما من بداية عقد تشرين كما حددته المادة 32 من الدستور (17 تشرين تحديدا وهو أول ثلاثاء يعقب 15 تشرين الأول من هذه السنة). وهذا الأمر يعني أن مجلس الوزراء يحقّ له أن يضع مشروع موازنة 2024 موضع التنفيذ بموجب مرسوم في حال فشل مجلس النواب من البتّ بها قبل نهاية العقد العادي وقبل نهاية العقد الاستثنائي الذي ينتهي في 31 كانون الثاني 2024.

وقد تمكنت السلطة التنفيذية من استخدام هذه الصلاحية مرتين في تاريخ لبنان: الأولى عندما أصدر الرئيس كميل شمعون موازنة سنة 1958 بموجب المرسوم رقم 18551 تاريخ 4 شباط 1958، والثانية عندما أصدر الرئيس سليمان فرنجية موازنة 1976 بالمرسوم رقم 10880 بتاريخ 2 شباط 1976.

ولا شك أن تقاعس الحكومة خلال السنوات الماضية عن إحالة مشروع الموازنة في المهل الدستورية حرمها من ممارسة هذه الصلاحية المهمّة التي تهدف ليس فقط الى الإبقاء على الانتظام المالي للدولة لكن أيضا إلى إثبات جدّية الحكومة في احترام الأصول الدستورية وتنفيذ سياساتها العامة عبر منحها في الموازنة الأدوات القانونية لتطبيق مشاريعها الإصلاحية. 

فالمادة 86 من الدستور هي من المواد القليلة التي لم تعرف تعديلا جوهريا في اتفاق الطائف والتي ما زالت تسمح للسلطة التنفيذية، في حال أرادت ذلك، أن تتجاوز تقاعس مجلس النواب أو عدم رغبة الجهات السياسية المسيطرة عليه لإقرار بنود معينة لا سيما في ظل الأزمة التي يمرّ بها لبنان. فهذه صلاحية اختيارية منحها الدستور للحكومة التي تستطيع عدم ممارستها حتى لو توفرت شروط تطبيقها، وغالبا ما كان النواب يطلبون من الحكومة عند التأخر في اقرار الموازنة التعهد بعدم استخدام المادة 86 لا سيما وأن أرقام هذه الأخيرة قد يتم تعديلها خلال جلسات المناقشة، بينما النص الدستوري يسمح فقط بإصدار مشروع الموازنة كما تم تقديمه إلى البرلمان من دون تلك التعديلات المحتملة.

وتكتسي هذه المادة أهمية خاصة في الظروف السياسية الحاضرة، حيث يرفض وزراء التيّار الوطنيّ الحرّ حضورهم اجتماعات الحكومة رفضا منهم لجواز انعقادها في ظلّ الفراع الرئاسي كما يرفض نوابه ومعهم نواب الجمهورية القوية وآخرون الاشتراك في مناقشة أيّ مرسوم من الحكومة من دون توقيع كافة الوزراء عليه. وهذا ما أدّى سابقا إلى إعاقة السير بالعديد من مشاريع القوانين المرسلة سابقا من حكومة ميقاتي.

مسألة تعديل مشروع موازنة 2024 بعد الموافقة عليها

أمرٌ ثانٍ يجدر التوقّف عنده في هذا الخصوص وهو مدى صحة قانونية المرسوم بإحالة مشروع قانون موازنة 2024، وبخاصة على ضوء التعديلات التي تم إدخالها على مسودة المشروع التي سبق لمجلس الوزراء الموافقة عليها في 12 أيلول الماضي، وبخاصة التعديلات التي هدفت إلى دمج بنود الموازنة 2023 فيها، انسجاما لتوصية لجنة المال والموازنة النيابية. إذ أن معنى ذلك أن مشروع موازنة 2024 مع أرقامه الجديدة الذي أحيل إلى مجلس النواب لم يكن ذاته الذي أقر في مجلس الوزراء في جلسة 12 أيلول، خلافا لما تفترضُه المادة 65 من الدستور (فقرة أخيرة) أي وجوب حصول الموازنة على موافقة ثلثي مجموع أعضاء الحكومة. وفي هذه الحالة، يكون مشروع موازنة 2024 قد خالف الدستور ولا يمكن حينها تطبيق المادة 86 من الدستور كون الإحالة تمت لمشروع موازنة لم يوافق عليه مجلس الوزراء.

وهكذا يتبين لنا أن رئيس الحكومة تباهى في الإعلان عن إنجاز بات مهددا فعليا بحرمان الحكومة ليس فقط من تطبيق المادة 86 من الدستور، لكن أيضا في حال لم يتم استدراك المخالفة قبل بداية عقد تشرين من نسف الإنجاز برمته الذي سيتحول واقعا إلى مخالفة جديدة للدستور تضاف إلى المخالفات العديدة التي دأبت السلطات على ارتكابها. ولا يكون خلاف ذلك إلا إذا قرر مجلس النواب التغاضي عن استلامه لمشروع موازنة لم يقرها مجلس الوزراء وفقا للدستور. وفي هذه الحالة يمكن الطعن أمام المجلس الدستوري بقانون الموازنة عند صدوره ما يعني أن هذه الأخيرة تكون مهددة بالإبطال مبددة معها حينها إنجاز رئيس الحكومة الشكلي اليتيم.

يمكنكم هنا الاطلاع على مرسوم الإحالة


[1] لا بد من الإشارة هنا أن رئيس لجنة المال والموازنة اعلن بتاريخ 18 أيلول 2023 ان اللجنة بعد اجتماعها قدمت تقريرا لرئيس مجلس النواب طالبت فيه “بضرورة إحالة مشروع موازنة 2024 في الموعد الدستوري وفق المعايير الدستورية والميثاقية”، فهل التذرع بالمعايير الميثاقية هو وسيلة من أجل التنصل من استلام الموازنة واعتبار أن الإحالة لم تتم أصولا لا سيما وأن مرسوم الإحالة حمل فقط توقيع رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية من دون تواقيع سائر الوزراء كما يطالب به نواب التيار الوطني الحر عملا بتفسيرهم للميثاقية.

انشر المقال



متوفر من خلال:

تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني