ماذا تعلّمنا تجارب تجمّعات الضحايا في أعقاب الكوارث؟


2021-08-26    |   

ماذا تعلّمنا تجارب تجمّعات الضحايا في أعقاب الكوارث؟
متطوعون قرب مستشفى الوردية - 8 آب 2020 (داليا خميسي)

كيف نتجاوز تبعات الكارثة؟ كيف لأكثر المتضرّرين بيننا أن يستمرّوا، أولئك الذين تمزّقت حياتهم بأقسى أشكال الحزن وبخسارة لا تقاس؟ تجادل ريبيكا سولنيت بأنّ “الكارثة تستوجب قدرةً على احتضان التناقض في أذهان من يمرّ بها ومن يحاول فهمها عن بعد. في كلّ كارثة هنالك معاناة وندوب نفسية عميقة… كما هناك وفيّات وخسائر. ومع ذلك، فإنّ حالات الرضا والروابط الاجتماعية التي تتشكّل بعد الكارثة، كما التحرّر، غالباً ما تكون عميقة أيضاً… فما يهمّنا هنا هو القدرة الإخلاليّة للكارثة (disruptive power)؛ أي قدرة الكوارث على قلب النُظُم القديمة وفتح الباب لاحتمالات جديدة”[1].

تعتبر تجمّعات الضحايا التي تتشكّل في أعقاب الكوارث أحد تجلّيات الأمل “الرّاديكالي” والروابط الاجتماعية الوليدة. فهي بمثابة جماعات قيد النشوء، تتكوّن من أفراد وعائلات يصارعون ألماً مهولاً وفي الوقت نفسه يولّدون معاً الإرادة والقوّة للاستمرار. ويتيح العمل مع تجمعّات الضحايا فهم التضامن كجزء من هذه الحالة الإنسانية. فمنذ اليوم الذي فُجّرت فيه بيروت، أمضت عائلات ضحايا مجزرة 4 آب والاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً، كما العديد من التجمّعات في الأحياء المتضرّرة، الأشهر الـ 12 الماضية في التجمّع. ومن خلال هذه التجمّعات، ينسّقون نضالهم من أجل العدالة، لمداواة معاناتهم سواء بشكل ذاتي أو بدعم من منظّمات المجتمع المدني. وبناءً على الإحساس بالتضامن النابع من تجربة مشتركة، اختاروا العمل معاً، معترفين بأنّ “المصير الذي يواجههم، مهما كان قاتماً، أقلّ بؤساً بكثير لأنّهم يتشاركونه”[2].

في مساعينا لدعم جمعيات الضحايا التي ولدت في بيروت، نستقي من عقود من التنظيم والحراكات التي خاضتها تجمّعات ضحايا نشأت في ظروف مماثلة في لبنان والعالم. وبدءاً من حشد الضحايا ودعمهم، مروراً بالمشاركة في إجراءات التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن الجريمة، وصولاً إلى العمل على تعديل القوانين، تشكّل تجمّعات الضحايا نموذجاً للشجاعة الهائلة التي يمكن أن تنتج عن المأساة. نستعرض في هذه المقالة بعض الأمثلة على هذه التجارب، في محاولة لإظهار أهمية قوّة الاتحاد وتأثيرها على ضمان وصول الضحايا إلى العدالة.

انهيار سد “برومادينهو” (البرازيل، 2019): جمعية الضحايا “تنقذ السعادة”

في العام 2019، انهار سدّ في البرازيل كان يحجز مخلّفات منجم للحديد الخام مملوك لشركة “فالي” Vale للتعدين المتعدّدة الجنسيات، إذ اجتاح المنطقة “تسونامي” من الطين ونفايات التعدين ممّا أسفر عن مقتل 272 من العمّال والسكّان وتدمير الآلاف من المنازل والمزارع.

بعد سبعة أشهر من انهيار السدّ، شكّلت جمعية “عائلات الضحايا والمتضرّرين” (AVABRUM). وعلى مدار العامين الماضيين، أدّت هذه الجمعية دوراً محورياً في كتابة تاريخ شعبي لانهيار سد “برومادينهو”. ومن خلال عملها جنباً إلى جنب مع الحركات البيئية مثل “حركة الأشخاص المتأثرين بالسدود” والنقابات العمّالية المحلية، ركّزت الجمعية على إبراز أصوات الضحايا وتسليط الضوء على تجاربهم في مواجهة محاولات الشركة تبييض صفحتها.

أدلى أعضاء الرابطة بشهاداتهم في الإجراءات أمام مجلس النوّاب البرازيلي ومازالوا يواصلون تنظيم حملات عامّة من أجل المطالبة بإقرار تنظيمات أكثر أماناً تتعلّق بالتعدين وتنظيم احتجاجات للمطالبة بالعدالة في الجرائم المرتكبة ضد أحبّائهم، بالإضافة إلى مراقبة الإجراءات الجنائية التي تجري بحق 16 من المديرين التنفيذيين لشركة “فالي” – بما فيهم الرئيس الأسبق للشركة – المتهمين بارتكاب “القتل المتعمّد“. وحين أقرّت حكومة ولاية ميناس جيريس البرازيلية اتفاقية تسوية مع شركة فالي بقيمة سبعة مليارات دولار “لتعويض الأضرار الاجتماعية-الاقتصادية الناجمة عن الانهيار”، أعلنت AVABRUM أنّه تمّ التفاوض على هذه الاتفاقية “خلف أبواب مغلقة” و “بدون إشراك المتضرّرين [من الكارثة]” ممّا يدلّ على استبعاد مقصود لذوي الضحايا والمتضرّرين الذين دُمّرت أراضيهم الزراعية وأُعيق وصولهم إلى مصادر المياه النظيفة.

أمّا على المستوى الشعبيّ، فتقوم جمعية AVABRUM بحشد عائلات الضحايا والناجين من خلال مركز مجتمعيّ تم افتتاحه مؤخراً، حيث يمكن للأعضاء تنظيم جلسات علاجٍ جماعيّ “وبناء علاقات جديدة… وإضفاء معنىً جديداً [على حياتهم] في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سعادتهم”. والجدير بالذكر أن الجمعيّة سبق أن قدّمت رعاية نفسية واجتماعية لأعضائها، ومثّلت عائلات الضحايا في مفاوضات أخرى مع “فالي” ونجحت في الحصول على مساهمات تأمين صحّي للأعضاء وتمديد مدفوعات المعاشات التقاعدية للضحايا الذين كانوا موظّفين في الشركة.

حريق “غرينفيل تاور” (المملكة المتحدة، 2017): الضحايا يشاركون في صناعة الرواية الرسمية حول الكارثة

في العام 2017، اندلع حريق في برج “غرينفيل تاور” السكني وسرعان ما التهمت النيران طوابقه الـ24، ممّا أسفر عن 72 قتيلاً. يرجع الحريق بحدّ كبير إلى وجود مادّة شديدة الاشتعال داخل الغلاف الخارجي للمبنى،

“كانت بمثابة مصدر وقود”[3].

في الأسابيع التي تلت الحريق تمّ تشكيل تجمّع Grenfell United لمنح “صوت قوي ومستقلّ وموحّد ورصين للسكّان… وتعزيز أواصر الوحدة في المجتمع المحلّي لتقديم الدعم لبعضهم البعض في إعادة بناء حياتهم والسعي لتحقيق العدالة والمساءلة وتكريم ذكرى الذين فقدوا”[4]. كما تمّ تشكيل العشرات من شبكات الدعم الأخرى بما في ذلك مجموعة Grenfell Next of Kin و Justice4Grenfell. لم تساهم تلك الجمعيات في النضال المستمرّ من أجل تحقيق العدالة للضحايا فحسب، بل قامت أيضاً بالتعبئة والتحشيد مطلقةً حراكاً على المستوى الوطني لإصلاح سياسات الإسكان الاجتماعي: “في أعقاب الحريق تبيّن أنّ عشرات الآلاف من السكّان الآخرين في أكثر من 400 برج سكني في جميع أنحاء إنكلترا كانوا يعيشون في شقق مكسوّة بمواد مماثلة” أي مواد رخيصة الثمن وسهلة الاشتعال مثل تلك التي “احترقت كالبنزين” في ليلة حريق “غرينفيل تاور”[5].

وعلى الرغم من أنّ الإجراءات الجزائية ضدّ الأفراد والشركات المعنيّة لا تزال مستمرّة، تمكّنت عائلات الضحايا والناجين من صوغ الرواية العامّة “الرسمية” لما حدث ليلة الحريق لاسيّما من خلال مشاركتهم في تحقيق الحكومة العلني في برج غرينفيل. ورغم أنّ هذا التحقيق لا يخلو من العيوب، إلّا أنّه أبرز كيف يمكن لجمعيات الضحايا (لا بل يجدر بها) أن تؤدّي دوراً مركزيّاً في تبيان “الحقيقة” في أعقاب الكوارث المجتمعية، وذلك من خلال أمرين:

أوّلاً، المشاركة في المشاورات مع اللّجنة التي تجري التحقيقات في كارثة برج غرينفيل[6]، حيث تمكّنت جمعيات الضحايا والناجين من ضمان حصول تحقيق في القضايا الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية المحيطة بالحريق بدلاً من مجرّد التحقيق في ليلة الحريق وحدها. وشمل ذلك العلاقة بين المستأجرين ومالك البرج (الذي تمّ تحذيره في مناسبات عدّة من كون البرج غير آمن) وتاريخ تجديد البرج حين تمّ كسو غلافه الخارجي بمادة قابلة للاشتعال.

ثانياً، موافقة العديد من الضحايا والناجين على أن يكونوا مشاركين أساسيين في التحقيق. إذ افتتح التحقيق بجلسات استماع لإحياء ذكرى ضحايا الحريق وتمكّن أفراد أسرهم من تكريم أحبّائهم كجزء من الإجراءات القضائية، واستمعت لجنة التحقيق إلى أدلة احتفت بحياة الذين لقوا حتفهم. والأهم من ذلك، تشكل أقوال هؤلاء الشهود الآن جزءاً من “السجلّ العام الدائم” للتحقيق.

انفجار مصنع AZF في مدينة تولوز (فرنسا، 2001): إرساء السوابق القضائية

في العام 2001، انفجر 300 طن من نترات الأمونيوم في مصنع إنتاج الأسمدة البتروكيميائية AZF المملوك من شركة “توتال” في مدينة تولوز الفرنسية. أدّى الانفجار إلى مقتل 31 شخصاً وإصابة ما لا يقلّ عن 3000 شخص وإلحاق الضرر بحوالي 27000 منزل وتدمير مدرستين على الأقل.

بدأت المحاكمة الأولى في القضية في شباط 2009، وفي كانون الأوّل 2019 أي بعد 18 عاماً تقريباً من وقوع الكارثة وعشر سنوات من بدء المحاكمة، رفضت محكمة التمييز الفرنسية طلب استئناف أخير قدّمته شركة “غراند بارواس” Grande Paroisse المالكة للمصنع والتابعة للشركة الأم “توتال” والمدير الأسبق للمصنع ضد حكم صدر عن محكمة فرنسية عام 2017 يدين الشركة المتفرّعة بجزء من المسؤولية عن الانفجار بسبب الإهمال وسوء التصرّف الجسيم.

وعلى مدار أكثر من عقد من وقوع الكارثة أدّت جمعيات الضحايا والناجين دوراً حاسماً في إرساء هذه السابقة القضائية وإقرار المسؤولية الجنائية على الشركة وكبار موظفيها، وتحمّلت التحقيق الأوّلي الذي استمرّ سبع سنوات قبل بدء مرحلة المحاكمة الأولى -بعد ثماني سنوات تقريباً من وقوع الكارثة. في هذه المحاكمة الأولى، قضت المحكمة الابتدائية بأنّ الشركة ومديريها “غير مذنبين” وحكمت بعدم وجود أدلّة كافية لإثبات المسؤولية الجنائية. ثم ألغت محكمة الاستئناف هذا الحكم في عام 2012 بعد أن قضت بأنّ الشركة والمدير مسؤولان عن القتل غير المتعمّد. ومع ذلك لم تدم الغبطة والشعور بأنّ العدالة قد تحقّقت طويلاً، إذ ألغت محكمة التمييز الفرنسية في عام 2015 حكم الإدانة لأسباب إجرائية، فاعتبرت أنّ قرار محكمة الاستئناف باطل ولاغٍ مستندة إلى أنّ أحد القضاة في المحاكمة كان أيضاً نائب رئيس المعهد الوطني الفرنسي لمساعدة الضحايا والوساطة Inavem.

شاركت جمعيتان للضحايا على الأقلّ في هذه المحاكمات المطوّلة، حيث انضمّت “رابطة عائلات الضحايا AZF Toulouse” و”جمعية ضحايا لناجي 21 سبتمبر 2001” إلى المحاكمات كأطراف مدنية في الإجراءات وتم تمثيلها قانونياً طوال سير الإجراءات القضائية. ففي المحاكمة الأولى شارك 3149 شخصاً ومنظمة كمدّعين مدنيين في الإجراءات. وبعد ثماني سنوات، أي في مرحلة المحاكمة الثالثة، كان ما لا يقلّ عن 2700 من الضحايا والناجين ما زالوا يشاركون في المحاكمة كمدّعين مدنيّين.

شارك أعضاء جمعيات الضحايا والناجين في المحاكمات بطرق متعددة: حيث تمكّنوا أوّلاً، من تقديم أدلّة كشهود في المحاكمات. وثانياً، نظموا بشكل مستمرّ احتجاجات ومؤتمرات صحافية طوال سير المحاكمة التي استمرّت 16 عاماً مشكّلين جبهة موحّدة وقوية قادرة على ممارسة الضغط على الرأي العام والسلطات العامّة. وأخيراً، في خطوة شكّلت عامل حسم، شكّل عملهم الجماعي ضغوطاً كبيرة على المدّعي العام لاستئناف الحكم الأوّل الذي برّأ بدايةً شركة “غراند بارواس” ومديريها التنفيذيين من أي مسؤولية جنائية عن الكارثة. وفي موازاة ذلك، شاركت الجمعيّات في برنامج شامل لدراسة الآثار الصحّية للانفجار على المديَيْن الطويل والقصير، وتوجيه القرارات والسياسات المتعلّقة بالصحّة العامّة وضمان وصول الضحايا إلى الرعاية الصحّية الخاصّة على المدى الطويل، وبالأخصّ لعلاج الاضطرابات النفسية اللاحقة للإصابة وشاركت الجمعيات في حملات أوروبية تطالب بإصلاح القوانين والأنظمة التي تنظّم التخطيط العمراني في المناطق الصناعية.

وفي المحاكمة النهائية التي جرت في محكمة الاستئناف في باريس، كان الضحايا غاضبين من نقل المحاكمة بعيداً عن تولوز واحتجّوا على القرار، موضحين أنّ للضحايا الحق المطلق في أن يتمّ الاستماع إليهم لاسيّما عندما تستغرق المحاكمة 16 عاماً. وعلى الرغم من أنّهم لم ينجحوا في إعادة المحاكمة إلى تولوز، إلّا أنّ الضغوط المستمرّة من قبل جمعيات الضحايا أرست مواقف واضحة جداً لجمعيات الضحايا التي تسعى إلى تحقيق العدالة في سياقات مماثلة: نحن ننتمي إلى قلب هذه المحاكمات لا إلى هوامشها.

كارثة “بوبال”/”يونيون كاربايد” الصناعية (الهند، 1984): المجتمعات المنسيّة

في العام 1984، تسرّب ما بين 30 و40 طنّاً مترياً من الغاز عالي السمّية إلى المدن المجاورة في الهند. في ليلة واحدة عرّض هذا التسرّب مئات الآلاف من العمّال والسكّان إلى سحابة غاز مميتة حيث بلغت حصيلة من قضوا على الفور 3800 شخص وما بين 15 و20 ألف توفّوا على المدى الطويل. ولا يزال ما لا يقلّ عن 200 ألف شخص يعانون من آثار صحيّة طويلة الأجل نتيجة تعرّضهم للغاز. وبعد ما يقارب 40 عاماً من الكارثة، لم يتمّ تنظيف المواد السامّة من الموقع ولا من الأراضي ومصادر المياه المجاورة. وتمّ تسجيل آثار مرضية طويلة الأجل عبر أجيال عدّة، حيث أنّ العديد ممّن تعرّضوا للغاز سجّلوا معدلات إنجاب أعلى لأطفال معوّقين ومن “عدد مضاعف من الوفيات بسبب السرطان وأمراض الرئة والسلّ مقارنة بنظرائهم الذين لم يتعرّضوا له”[7].

على أثر ذلك، تشكّلت الحملة الدولية من أجل العدالة في بوبال من قبل مجموعات من الناجين وذلك قبل ما يقارب 32 عاماَ. وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود، منحت هذه المجموعات صوتاً للضحايا والناجين الذين يعيشون معاناة مستمرّة لا يمكن تصوّرها. وأدّت مجموعات الناجين دوراً محورياً في الطعن قانوناً في التسويات مع الشركات، ووصل الطعن إلى الطعن المحكمة العليا في الهند في سابقة دستورية هامّة في البلاد، وذلك على أثر موافقة شركة “يونيون كاربايد” (الشركة الأميركية التي كانت تمتلك وتدير جزئياً المصنع الذي أطلق الغاز السام) على تسوية مع الحكومة الهندية أسفرت عن دفع حوالي “500 دولار أميركي [للناجين] لتغطية الإصابات مدى الحياة”، وزعمت أن تضمن – من خلال تسوية خاصّة – عدم تحميل موظفي “يونيون كاربايد” أيّة مسؤولية جنائية عن تقصيرهم. ونتيجة الطعن في هذه التسوية، وبالرّغم من تأييد المحكمة العليا على قيمة التعويضات الضئيلة، أعلنت المحكمة أنّ البند الذي يزعم استبعاد المسؤولية الجنائية باطل ولاغٍ، معتبرة أنّه من غير الدستوري أن تقوم تسوية خاصة على “إلغاء” المسؤولية الجنائية.

كشفت كارثة “بوبال” عن الأثر المميت والمدمّر الذي يمكن أن تحدثه سلاسل التوريد المدارة من قبل شركات متعدّدة الجنسيات على العمال الدوليين والمجتمعات التي تستضيف مصانع الإنتاج الصناعي. وحيثما تكون سلاسل التوريد الدولية متورّطة في كوارث، ثبت أنّ القانون المحلي والدولي قاصرين بشكل صارخ عن محاسبة المسؤولين عن الخسائر الفادحة في الأرواح. وهذا الدرس الذي علّمتنا إياه كارثة “بوبال”.

بالعودة إلى لبنان: لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين (لبنان، 1982)

خلال حرب 1975-1990 وما بعدها، نشأت العديد من التجمّعات لضحايا الحرب من شهداء ومفقودين ومعوّقين ومهجرّين قسراً للمطالبة بحقوقهم. من هذه التجمّعات، برزت “لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين” التي نشأت في العام 1982 لجمع أهالي المخفيين قسراً من مختلف المناطق اللبنانية. شكّلت اللجنة أحد أبرز الأصوات المعارضة لحكم أمراء الحرب بعد العام 1990.

عملت اللجنة بشكل خاص على ضمان حقّ أعضائها في معرفة مصير أحبّائهم من خلال الضغط على السلطات والميليشيات لتشكيل لجان تحقيق للكشف عن مصائرهم ورفع دعاوى من أجل الكشف عن المقابر الجماعية وتقديم مشاريع قوانين ذات صلة بالقضية. ومن أبرز إنجازات اللجنة: الاستحصال على قرار من مجلس شورى الدولة في العام 2014 يكرّس حقّهم في المعرفة وإقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً في العام 2018 وتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً[8]. وتشكّل هذه اللجنة نموذجاً للعمل المقاوم المستمر على مدى عقود، والذي بإمكانه أن يشّكل نموذجاً لأهالي ضحايا مجزرة المرفأ.

في الخلاصة، تعلّمنا كل هذه التجارب أنّ الكوارث تستنهض المجتمعات. وتنشأ هذه الازدواجية المتناقضة من حدّة المعاناة التي نخوضها بعد وقوع كارثة، أو من الانهيار المفاجئ والجماعي للحياة كما نعرفها. ففي أعقاب الكارثة، “الفرد، أي الذات-المعزولة، يموت. تسود الذات الاجتماعية… لن نشعر بعدها بأنّ القدر يستفرد بنا أثناء مواجهتنا مشقّات الحياة”[9]. ومن خلال جرأتهم في مواجهة السلطات الحاكمة وشجاعتهم في رواية قصصهم والصدمات التي باتوا يتعايشون معها، تكون تجمّعات الضحايا في بيروت في صدد بناء الأمل الرّاديكالي في مجتمعنا، فكما قالوا بأنفسهم: “ما يوحّدنا هو وجع الخسارة الكبيرة التي تكبّدناها برحيل أحبّ الناس على قلوبنا. هذا الوجع أصبح بمثابة هويّة جديدة لنا أقوى من أيّ هويّة أخرى”[10].

 

لقراءة المقال باللغة الانجليزية اضغطوا هنا:

Victims Associations after Disaster: Generating the Power to Live On

 

  1. Rebecca Solnit, Paradise Built in Hell, (2009) Penguin Books, p. 16
  2. Solnit, p.17
  3. REPORT of the PUBLIC INQUIRY into the FIRE at GRENFELL TOWER on 14 JUNE 2017, para 2.13, pg. 4
  4. How Grenfell survivors came together – and how Britain failed them, Robert Booth, The Guardian, 11 June 2019.
  5. المرجع نفسه.
  6. Grenfell Tower Inquiry – Terms of Reference
  7. Yasunori Ichimura, David Baker, “Acute Inhalational Injury”, in Reference Module in Biomedical Sciences (2019).
  8. قانون رقم 105/2018 حول المفقودين والمخفيين قسراً
  9. Pauline Jacobson, “How it Feels to Be a Refugee and Have Nothing in the World” (1906)
  10. بيان لذوي ضحايا مجزرة المرفأ: طائفة الضحايا موحّدة من أجل الحقيقة والعدالة، المفكرة القانونية، 2-3-2021.
انشر المقال

متوفر من خلال:

حركات اجتماعية ، حرية التجمّع والتنظيم ، عدالة انتقالية ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، مجزرة المرفأ



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني