لا عدالة في تلقيح الأطفال في لبنان وخطر انتشار الأمراض يقترب


2022-12-23    |   

لا عدالة في تلقيح الأطفال في لبنان وخطر انتشار الأمراض يقترب
صورة من الموقع الرسمي لمنظمة اليونيسف

كان ينقص الأطفال في لبنان ألّا يجدوا اللقاحات للأمراض الانتقالية التي يعتبر بعضها خطيراً وقد يكون قاتلاً من دون تحصين، خصوصاً مع فقدان الأدوية أيضاً وارتفاع أسعارها كما أسعار الاستشفاء والطبابة. فعلى الرغم من أنّ جزءاً من اللقاحات مجانّي ومتوفّر في المستوصفات، إلّا أنّ جزءاً آخر مفقود وإن وُجد فهو مكلف جداً. وإضافة إلى الخطر الذي يشكّله هذا الأمر على صحّة الأطفال، فإنّ هذا التفريق بين اللقاحات يصنع تميّزاً بين الأطفال، بحيثُ أنّ اللقاح غير المجاني يُعدّ امتيازاً يتمتع به فقط القادرين على دفع ثمنه.

وسجّل لبنان تراجعاً في مستويات التحصين ضدّ الأمراض الانتقالية بنسبة 31 بالمئة بحسب آخر إحصاء لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة – يونيسف عن عام 2021، وهو تراجع تُحيله المنظمة إلى انتشار جائحة كورونا والأزمة الاقتصاديّة. 

ومع عودة الكوليرا إلى لبنان بعد ثلاثين عاماً على تسجيل آخر حالة، تستعيد البلاد الخوف من عودة الأمراض الانتقالية، مع الإشارة إلى تسجيل عشرات الإصابات بالتهاب الكبد الفيروسي فئة “أ” خلال الصيف في الشمال. هذا عدا عن أنّ لبنان منذ العام 2013 يُسجّل عشرات الإصابات سنوياً بالحصبة والنكاف بحسب اليونيسف، وإن كانت وزارة الصحّة تؤمن لقاحاتهما بشكل مجاني إلّا أنّها لم تنجح بعد في القضاء نهائياً على العدوى أسوة بنجاحها في القضاء على شلل الأطفال قبل 18 عاماً. وعلى ذكر شلل الأطفال، تخشى وزارة الصحّة عودة هذا المرض بعد تسجيل حالات انتشار الفيروس في الدول المجاورة، وهي تنفذ منذ سنوات إجراءات استباقيّة عبر تلقيح جميع الأطفال الوافدين عبر الحدود السورية بلقاح شلل الأطفال. وعلى الرغم من جديّة هذا الإجراء إلّا أنّه قد لا يكون فعالاً مع وجود المعابر غير الرسميّة. 

ومؤخراً في ظلّ الانهيار الذي انسحب على وظائف الدولة والفساد الذي أبرز الخلل الكبير في البنى التحتية والصرف الصحي الذي أثر على نوعية المياه التي يشربها السكان، وتراجع الكثير من الخدمات منها الصحية وخدمات المياه، وكما عادت الكوليرا لم يعد أمامنا الكثير لعودة أمراض أخرى كانت مختفية أو محصورة.

الوزارة توفّر 11 لقاحاً واللقاحات الأخرى مقطوعة أو غالية الثمن

توفر وزارة الصحّة العامّة 11 نوعاً من اللقاحات الأساسية للأطفال وتوزّع على المراكز الصحيّة التابعة لها وعددها 279 مركزاً. وهي تشتريها من ميزانيتها الخاصّة عبر اليونيسف التي تسهّل عملية شراء اللقاحات.

لقاحات الوزارة التي تدرجها تحت لائحة اللقاحات الأساسية، هي الصفيرة ب، شلل الأطفال، اللقاح الخماسي (والذي يُغطي أمراض الشاهوق، الخانوق، الكزاز، هـ. الانفلونزا ب والصفيرة ب)، لقاح المكورات الرئوية المقترن PCV13، حصبة وحصبة ألمانية وأبو كعب (النكاف) MMR. وأدخلت الوزارة لقاح فيروس “الروتا” الفموي في الرزنامة الوطنية وهو فيروس ينتقل عبر المياه الملوثة ويُسبب الإسهال الحاد والجفاف للأطفال، ويجب إعطاءه قبل العام الأول من عمر الطفل، بحسب منظمة الصحّة العالمية. والسبب “هو تزايد المخاطر بانتقال أوبئة غير الكوليرا من خلال المياه الملوثة نظراً إلى الوضع المهترئ لشبكات المياه وتصريفها في لبنان”، بحسب ما أعلنه وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس أبيض في 17 تشرين الثاني 2022. وقد أمّنت اليونيسف، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، مئة ألف جرعة منه لتكون متاحة مجاناً في أكثر من 800 نقطة تطعيم في مراكز الرعاية الصحية الأولية وعدد من العيادات والمستوصفات الخاصّة.

وكانت الوزارة في السابق تدعم اللقاحات التي لا توفّرها وتلك التي يوفّرها القطاع الخاص ولكن مع تدهور الأوضاع رفعت الدعم تدريجياً عنها. وتُظهر لوائح الأسعار لدى وزارة الصحّة أنّه إلى حد الأول من تشرين الثاني كان الدعم لا يزال على لقاح الروتا وجدري الماء. وفي آخر تعديل، في 11 تشرين الثاني، رفعت الوزارة الدعم عن كافة اللقاحات الخاصّة بالأطفال. وصرّح الأهالي والأطباء الّذين تواصلت معهم “المفكرة” أنّ اللقاحات التي كانت مدعومة كانت مفقودة في الوقت نفسه. ولفت البروفيسور في الأمراض المُعدية عند الأطفال، رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو اللجنة التقنية للقاحات في منطقة شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية د. غسّان دبيبو إلى أنّ الكثير من اللقاحات المدعومة جرى تهريبها إلى خارج لبنان، ولم تظهر هذه اللقاحات سوى بعد رفع الدعم عنها. ويُشار إلى أنّ هذه الأسعار معرّضة للتغير بسبب تغيّر سعر الصرف.

أمّا اللقاحات التي لا توفّرها الوزارة والتي تندرج تحت لائحة اللقاحات “الإضافية الضروريّة” فهي المكورات السحائية، الجدري، الريقان أ، وفيروس الورم الحُليمي، وهي التي يتحمّل الأهل أعباء مالية للتمكّن من شرائها عبر القطاع الخاص. وأصبحت أسعار هذه اللقاحات خارج مقدرة الكثير من العائلات مما يحرم الأطفال منها.

ويبدي بعض الناس قلّة ثقة في لقاحات الوزارة لأنّها تسبّب الحرارة وتحجير في مكان وخزة الإبرة ومصنّعة بتقنية قديمة على عكس اللقاحات التي يؤمّنها القطاع الخاص المصنّعة بتقنية حديثة ولا تسبب أية عوارض. ولكن يؤكّد الأخصّائيون ومن بينهم من سألتهم “المفكرة” أنّ اللقاحات التي توفّرها الوزارة تعطي النتيجة المناعية نفسها لتلك التي يؤمّنها القطاع الخاص. وأدّت هذه القناعة ببعض الناس إلى الاعتماد فقط على اللقاحات التي يؤمّنها القطاع الخاص حتى مع ارتفاع أسعارها خلال الأزمة.

في المقابل، يواجه الأهل أحياناً صعوبة في إيجاد اللقاحات، حتّى التي تباع بالدولار الفريش، ويبحثون عنها في الصيدليات والعيادات أو ينتظرون أن يتمكن طبيب الأطفال من تأمينها عبر وسائل غير نظاميّة عبر أحد المسافرين.

من الناس الذين لا يثقون بلقاحات الوزارة، ماري التي أبلغها الطبيب بأنّ موعد لقاح الحصبة لابنها حان ولكن اللقاح غير متوفّر في عيادته، وهو من اللقاحات المجانيّة التي توفّرها الوزارة. تقول ميراي: “خشيت أن يمرّ الموعد ونتأخر على الجرعة، فذهبنا أنا وزوجي نبحث عنه في الصيدليّات ولكننا لم نجده”. تُضيف “علمت من أحد الأصدقاء بأنّه متوفّر في عيادة إحدى الطبيبات التي تشتريه من خارج لبنان، فاتصلت وأخذت موعداً مباشرة”. ولكنها بعد أن ذاقت لوعة سعره وهو 50 دولاراً إضافة إلى 20 دولاراً بدلاً للطبيبة، قررت أن تتّجه إلى مراكز وزارة الصحّة إلى إعطاء ابنها اللقاحات المتبقية له. 

النزوح من العيادات الخاصّة إلى المستوصفات

إذا نتيجة الأزمة الاقتصادية، ارتفعت في الأعوام الأخيرة نسبة التلقيح في القطاع العام حيث أنّ العائلات التي اعتادت التلقيح في العيادات توجّهت إلى التلقيح لدى المستوصفات. وخلال مرحلة انقطاع اللقاحات التي تستوردها الشركات إلى لبنان، سلّمت وزارة الصحّة لقاحات لعدد من العيادات بهدف تغطية النقص على أن يتم التلقيح مجاناً في العيادة.

وتشرح مديرة البرنامج الوطني للتحصين في وزارة الصحّة د. رندة حمادة أنّ القطاع الخاص كان يُغطي بنسبة تتراوح بين 35 إلى 40 بالمئة بينما يُغطي القطاع العام حوالي 60 بالمئة، ولكن بعد تسليم العيادات الخاصّة لقاحات مجانية ونزوح الكثير من العائلات إلى المراكز الصحيّة التابعة لوزارة الصحّة ارتفعت هذه النسبة أكثر”.

وتشدد د. حمادة على أنّ اللقاحات التي تؤمنها الوزارة فعّالة وآمنة جداً، وهي لقاحات تتبع مواصفات منظمة الصحّة العالميّة، ويتم شراؤها من ميزانية الوزارة الخاصّة عبر منظمة اليونيسف.  كما تلفت إلى أنّه بات يوجد برّادات خاصّة للقاحات تعمل على الطاقة الشمسية في جميع مراكز الرعايّة الصحيّة التابعة لوزارة الصحّة.

تشرح د. حمادة أنّ “البرنامج يضع خططاً دورية كل خمسة سنوات ونضع برنامجاً سنوياً يُطبّق كل عام لتحقيق أهداف التحصين”. تقول إنّ مؤشرات البرنامج تُفيد بأنّ لبنان في الأعوام 2017 و 2018 و2019 إلى أول العام 2020 تمكن من الوصول لتغطية تحصين وصلت إلى 96 بالمئة من الخطة السنوية”. وتُضيف “تأثر البرنامج جرّاء الأزمة انتشار جائحة كورونا مما دفع الكثير من العائلات تجنب التنقل والدخول إلى المستوصفات”.

فاليوم بات ما يُحدد أخذ اللقاح بالنسبة للأهل من ذوي الدخل المحدود، هو الظرف المادي فالأسعار المرتفعة للقاحات “الإضافية الضرورية” دفعت العديد من الأهل لاتخاذ قرارات تتصل بصحة أبنائهم. اختار جزء من الأهل منح أطفالهم اللقاحات المجانية فقط وتأجيل اللقاحات غير المجانيّة ريثما يتوفّر لديهم المال لشرائها، فيما قرر آخرون الاكتفاء بالمجاني فقط.

لمى وهي أم لثلاثة أطفال،  من الأهل الذين أرجأوا إعطاء أولادهم اللقاحات غير المجانيّة ريثما تتمكّن من تأمين ثمنها. تقول لـ “المفكرة”: “بدأت أعطي أولادي اللقاحات في عيادة الطبيب لكن بعد الأزمة الاقتصاديّة لم أعد قادرة على تحمّل الكلفة فانتقلت إلى المستوصف”. تُضيف “أخذ أطفالي جميع اللقاحات الإلزامية، لكن بقيت بعض اللقاحات الأخرى، صحيح أنّهم يسمّونها اختيارية لكنّني أخشى إصابة أولادي بأي عارض صحّي خاصّة وأننا نشهد على انتقال الأوبئة في لبنان مثل كورونا والكوليرا”. تُضيف “أخبرني الطبيب أنّ لقاح جدري الماء سعره 50 دولاراً، صراحة أنا غير قادرة على دفع المبلغ، سأنتظر ريثما أتمكّن من تأمينه”.

وتشرح رانيا وهي والدة جاد ابن العامين والنصف، أنّها بعد الولادة كانت تؤمن جميع لقاحات طفلها عبر عيادة الطبيب لتتجنّب ردّات الفعل التي سمعت أنّ الطفل يتعرّض لها جراء لقاحات الوزارة. تُضيف “خلال العامين الأخيرين بدأت أعاني من انقطاع اللقاح أو من ارتفاع سعره”. تشرح أنّ كلفة اللقاح وصلت إلى حد تخطى قيمة راتبها. “لم أعد قادرة على دفع ثمن اللقاح في عيادة الطبيب، في العيادة ندفع ثمن اللقاح وأيضاً بدل للطبيب، أحياناً تتخطى قيمة الفاتورة 100 دولار”. 

قررت رانيا أن تبدأ تلقيح طفلها باللقاحات الأساسية التي توفرها وزارة الصحّة وتوزع مجاناً في المستوصفات، لكنّها اضطرت لدفع ثمن اللقاحات الإضافيّة الضروريّة، بالدولار الأميركي. وتشرح أنّ “الطفل يتعرّض لحرارة بين يومين وثلاثة أيّام، وتحجّر في منطقة وخز الإبرة، إنما هذه العوارض تتلاشى بعدها ويعود الطفل إلى طبيعته”.

الأسعار الباهظة للقاحات دفعت لينا إلى رهن الذهب القليل الذي تملكه لتؤمن ثمن طعم السحايا لطفليها وسعره 60 دولاراً. فقد خشيت لينا من أن يُصاب طفلاها بأي من الأمراض المعدية خاصّة وأنّ أحدهما قبل فترة التقط عدوى مرض “اليد والقدم والفم” حين كان يلعب في مركز خاص بألعاب الأطفال وهي عدوى منتشرة بين الأطفال ولا يتوفّر لها لقاح. تقول لـ “المفكرة”: “حين يقول الطبيب إنّه من الضروري تلقيح الطفل بهذا الطعم علينا أن نشتريه مهما كان سعره”. تشرح لينا أنّ تأمين اللقاح أصبح أمراً تعجيزياً، سواء من ناحية وجوده في السوق أو بسبب سعره، وتروي عن قريبتها أنّها قبل شهرين “أرادت تلقيح طفلتها بلقاح الروتا لكنّها لم تجده في السوق ولا في عيادة الطبيب، وهذا اللقاح يفترض أن يأخذه الطفل في الأشهر الأولى من عمره، لكنّ قريبتي لم تتمكن من تأمينه ونخشى من تعرّض طفلها لأي خطر”.

يشهد طبيب الأطفال رازي مصطفى في الضاحية الجنوبية لبيروت في عيادته على الحالة المتردية للأهل. يقول لـ “المفكرة”: “لم تعد كل العائلات قادرة على تأمين أسعار اللقاحات في القطاع الخاص، لذلك نوجههم إلى المستوصفات التي تؤمن اللقاحات المجانية، ونؤكد لهم أنّها لقاحات فعالة جداً”. وأمّا اللقاحات الإضافية، “إنّها لقاحات ضرورية حتّى لو كانت غير ملزمة من الوزارة ولا بدّ أن يأخذها الطفل”.

ويروي: “عاينت حالة تيفوئيد في العيادة وهذا يدل على احتمال انتشار المرض، ولكن لقاح التيفوئيد غير متوفر مجاناً لكنني أنصح الأهل بتلقيح أبنائهم خاصّة في المناطق التي شهدنا على ارتفاع في هذا المرض”.

ويشرح أنّ “كل طبيب ملزم بأن يراسل طبيب القضاء في حال تشخصيه لأي نوع من الأمراض الانتقالية ويقوم طبيب القضاء بمراسلة وزارة الصحّة التي تترصد من خلال هذه المعطيات التي تردها حالات انتشار الأمراض المعدية في المناطق”. ويُضيف “تقوم الوزارة بتوجيه الأطباء إلى وجود أمراض انتقالية في منطقة معيّنة وعلى أساس ذلك يوجّه الطبيب الأهل لناحية اللقاحات الأكثر ضرورة لأخذها”. ويشرح أنّ هذه الآلية تفيد الأطباء في توجيه النصيحة خاصّة للأهل الّذين لا يقدرون تحمّل كلفة جميع اللقاحات غير المجانية. وهذا برأيه لا يُغني عن مبدأ أنّ جميع اللقاحات ضرورية، لذا، يلفت إلى أنّ الطبيب ينصح الأهل بتلقيح الأولاد حتّى لو كانت الكلفة عالية لأنّ ذلك يُجنّبهم أكلافاً أعلى بكثير في حال مرض الطفل واضطروا إلى تحمّل أعباء شراء الأدوية ودخول المستشفى”.

جميع اللقاحات أساسية ولكن القدرة المالية تقف عائقاً أمام توفيرها 

برأي د. دبيبو “جميع اللقاحات إلزامية ولم نعد نقبل اعتبار جزء منها “اختيارياً” لأننا نعتبر أنّ جميع الأطفال معرّضون لالتقاط العدوى، فعلى سبيل المثال لا يُمكن أن نحدد من من الأطفال سيُصاب بالتيفوئيد ومن لن يُصاب. وجميع الأطفال معرّضون مهما كانت طبقتهم الاجتماعيّة”. ويؤكد أنّ العامل الأساسي الذي يمنع الوزارة من تأمين جميع اللقاحات هو عامل مادي، ولو يعود الأمر للجنة اللقاحات في الوزارة لكانت وفّرت جميع أنواع اللقاحات مجاناً. ويلفت إلى أنّ “اللجنة تضطرّ إلى المفاضلة بين مرض وآخر ودراسة كيفيّة صرف الكلفة على اللقاحات، وعلى سبيل المثال حصل منذ سنوات مفاضلة بين لقاح الروتا ولقاح التهاب الرئة، وتبيّن أنّ الأهم كان شراء لقاح التهاب الرئة، واليوم بعد سنوات تم إدخال الروتا على رزنامة وزارة الصحّة”.

يؤكد د. دبيبو أنّ خطّة الدعم السابقة فشلت، وأنّه من الضروري الإسراع في إدخال جميع أنواع اللقاحات إلى رزنامة وزارة الصحّة على أن يتم توفير جميع اللقاحات لجميع الأطفال بالتساوي.

وعن اللقاحات غير المجانيّة (التي تسمّيها الوزارة “الإضافية الضرورية”)، تشرح مديرة البرنامج الوطني للتحصين في وزارة الصحّة د. رندة حمادة أنّ الوزارة تضع الأولويّات التي على أساسها تقرر أياً من اللقاحات عليها أن توفرها بشكل مجاني، ويوجد على رزنامة الوزارة اللقاحات الأساسية ضد الأمراض التي تنتشر بكثافة ولا يُمكن تفاديها وهي أمراض مميتة. وتدرس الموضوع بناء على الظروف الوبائية والاقتصاديّة أيضاً. “وحالياً، يوجد نقاشات حول إدخال بعض اللقاحات الجديدة إلى جدول الوزارة مثل لقاح الورم الحُليمي البشري، ولقاح الانفلونزا”، بحسب د، حمادة. وتُضيف “هذه النقاشات تحصل بشكل مستمر وآخرها حصل بشأن لقاح الروتا وقد تمّ إدخاله إلى برنامج التحصين ووصلت هذا الأسبوع أول شحنة من هذه اللقاحات”.

تراجع نسبة التحصين وتخوّف من عودة الأمراض الانتقالية وشلل الأطفال أبرزها

بحسب تقرير لليونيسف صدر في نيسان 2022، بعنوان “تفاقم الأزمة الصحّية للأطفال في لبنان: آثار تدهور النظام الصحّي في لبنان المباشرة وطويلة الأمد على الأطفال” فإنّ الانخفاض بنسبة التطعيم تخطى 31 بالمئة حتّى نهاية العام 2021 إذ تأثر الأمر بالأزمة الاقتصادية وانتشار جائحة كورونا.

وأفادت اليونيسف أنّ 39 بالمئة فقط من الأطفال في لبنان تلقوا جميع اللقاحات الأساسية. بينما لم يحصل 39 بالمئة من الأطفال ما دون التسعة أشهر على لقاحهم ضدّ الحصبة، وهو أمر مقلق خصوصاً وأنّ لبنان يعاني من انتشار الحصبة منذ العام 2013. وارتفعت نسبة الأطفال الّذين لم يحصلوا على أي جرعة من اللقاح الخماسي (الذي يحمي من خمسة أمراض وهي السعال الديكي، الكزاز، التهاب الكبد الوبائي، الخانوق (الدفتيريا) وإنفلونزا الهموفيليس ب)، من 4 بالمئة عام 2019 إلى 13 بالمئة عام 2020.

وانخفضت نسبة الأطفال الّذين يعتمدون على القطاع الخاص للتلقيح، إذ كان المعدّل 4 أطفال من كل عشرة وأصبح بعد الأزمة الاقتصاديّة طفلان فقط من بين 10 أطفال يحصلون على اللقاحات عبر القطاع الخاص. وهذا الأمر زاد العبء على القطاع العام الذي يعاني من عدم توافر التمويل اللازم.

وعملت اليونيسيف بالتعاون مع الصليب الأحمر على 35 ألف طفل قد فاتهم التطعيم في مواعيده، في العام 2022.

وحذرت اليونيسف في بيان من أنّ الانخفاض الحاد في معدلات التطعيم الروتينية يترك الأطفال عرضة للأمراض المميتة المحتملة مثل الحصبة وعدوى الدفتيريا، أي الخناق، والالتهاب الرئوي. ومن هذه الأمراض شلل الأطفال الذي قضى لبنان عليه نهائياً قبل 18 عاماً وها هو يعود إلى الدول المحيطة ليُشكل هاجساً لدى وزارة الصحّة العامّة من عودته إلى لبنان. وتوضح د. حمادة أنّه في “الدول المحيطة ظهر هذا الفيروس، ونحن نخشى في حال أي تلكؤ في التحصين من عودة هذا المرض. لذا، قمنا بإنشاء مراكز تلقيح على كل المعابر الحدوديّة مع سوريا، التي هي إحدى الدول التي ظهر فيها مؤخراً هذا المرض، وعليه يتم تلقيح كل طفل يدخل إلى الأراضي اللبنانية عبر المعابر الحدودية بلقاح شلل الأطفال كما أيضاً بالحصبة”. وتعتبر د. حمادة أنّ المسؤولية كبيرة على الأهالي وعلى الإعلام أيضاً للتشجيع على تلقيح الأطفال.

وتلفت إلى أنّه في العامين الأخيرين أي 2020 و2021، “بعدما شهد برنامج التحصين تراجعاً بنسبة 27 إلى 32 بالمئة فإنّ البرنامج يعمل على تعويض من خلال إلحاق الأطفال المتسربين بجرعات تلقيح، عبر التنسيق مع الجمعيّات الأهلية وخاصّة منظمة اليونيسف وجمعيّة الصليب الأحمر لرفع نسبة التحصين من جديد”. وتضيف أنّ البرنامج الوطني للتحصين قام بالشراكة مع اليونيسف والصليب الأحمر اللبناني بحملات تطعيم متنقلة في المدارس بالتنسيق مع وزارة التربية.

من جهته، يذهب د. دبيبو إلى أبعد من ذلك شارحاً أنّ التخوف أيضاً يكمن في جميع اللقاحات غير المجانيّة التي لا تتمكن جميع العائلات من دفع ثمنها، كالتيفوئيد، إلى جانب الأمراض التي لا تزال تنتشر في محيطنا، ومنها الخانوق والحصبة. ويشدد د. دبيبو على “ضرورة الخروج من سياسة الدعم، والعمل بشكل سريع على تأمين جميع اللقاحات مجاناً وضمانة وصولها إلى جميع الأطفال”.

لا عدالة في التحصين

يشرح دكتور غسّان دبيبو أنّ اللقاحات لا توزّع بالشكل العادل على جميع الأطفال في لبنان، وهذا يساهم في انخفاض نسبة التحصين. ويعدد أبرز المشاكل التي تُعيق التحصين العادل لجميع الأطفال:

– ليس جميع الأهل قادرين على الوصول إلى المراكز الصحيّة وبخاصّة في المناطق النائية مثل عكّار والبقاع وبعض قرى الجنوب، هذا عدا عن ارتفاع كلفة النقل وعدم تمكّن الكثير من العائلات في المناطق النائية من الوصول إلى المراكز الصحيّة.

–  لطالما عانت هذه المراكز من عدم إمكانيّة حفظ اللقاحات في برادات خاصّة بسبب عدم توفر الطاقة.

– ارتفاع نسبة انتشار الحصبة مع دخول اللاجئين السوريين إلى لبنان،

– التحديّات المرتبطة بالوعي لأهميّة التلقيح التي تترافق مع انخفاض المقدرات المعيشيّة للكثير من العائلات التي تنغمس في البحث عن لقمة العيش،

– عدم توفر جميع اللقاحات مجاناً، وارتفاع أسعارها لتخرج عن مقدرة نسبة كبيرة من العائلات، في الوقت الذي تخطت فيه نسبة الفقر في لبنان 50 بالمئة.

– ما عزز انخفاض نسبة التلقيح انتشار فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية مما يثير الخوف من انتشار الأمراض المعدية.

هل يحصل الأطفال السوريون على اللقاحات بشكل عادل؟

الأطفال السوريون ينتمون إلى الفئات التي تتعرّض للتسريب من برنامج التلقيح، وعلى وجه الخصوص القاطنون في المناطق النائية. ويشرح أحد الآباء السوريين أنّ أولاده كانوا يأخذون اللقاحات بشكل منتظم إلى أنّ بدأت الأزمة الاقتصاديّة “وتراجعت إمكانيتنا على تأمين كلفة الانتقال إلى المراكز الصحيّة”. يعيش عبد في الهرمل، ويعمل في الزراعة الموسمية، ولديه ولدان. يقول، “ابنتي الكبرى عمرها ثلاث سنوات أخذت لقاحين فقط، وابني الأصغر عمره عام لم يأخذ سوى لقاحاً واحداً منذ أن ولد”. يلفت عبد إلى أنّه “يوجد في الهرمل مركز للرعاية الصحيّة إنما المركز بعيد عن منزلنا ونحن غير قادرين على الانتقال بسهولة”.

ويُمكن الاستشعار من قضيّة تسّرب أولاد عبد من اللقاحات بوجود أزمة يعانيها الأهالي القاطنون في المناطق النائية، خاصة عكّار والبقاع من ناحية القدرة على الانتقال إلى المراكز الصحيّة ما يعيق وصول أبنائهم إلى اللقاحات حتى مع وجود نقاط تلقيح ضدّ الأمراض الانتقاليّة في المراكز الأربعة التابعة لمفوضية اللاجئين في بيروت، صور، زحلة وطرابلس. وحتى مع وجود مراكز للرعايّة الصحيّة تابعة لوزارة الصحّة تؤمن اللقاحات لجميع الأطفال من دون تمييز على أساس الجنسية.

من جانب وزارة الصحّة العامّة تؤكد د. حمادة أنّ اللقاحات التي تؤمّنها وزارة الصحّة متاحة لجميع الأطفال الموجودين على الأراضي اللبنانيّة من دون تمييز. وتُضيف “تقوم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالمساعدة التنفيذيّة للتمكّن من إيصال اللقاحات إلى التجمّعات والمخيمات التي يقطنها اللاجئون، وفي بعض الفترات حصلنا على دعم من الاتحاد الأوروبي لشراء اللقاحات للنازحين السوريين”. وتوضح أنّ “السوريين يتبعون لمجتمع يتمتع بثقافة واعية لأهميّة اللقاحات”.

ومن ناحية أخرى، تشرح د. حمادة أنّ الوزارة لا تشترط حيازة عائلات الأطفال الملّقحين على أوراق ثبوتيّة في إشارة إلى السوريين غير النظاميين في لبنان. وتقول إنّ الوزارة تقوم بالشراكة مع اليونيسف والصليب الأحمر اللبناني بتنفيذ حملات تلقيح على المنازل، حيث يتم الوصول إلى المناطق النائية التي لا يتمكن سكانها الانتقال بسهولة إلى المستوصفات. وتؤكد أنّ جزءاً من هؤلاء السكّان من الجنسية السورية. 

وبالنظر إلى وجود نقاط تلقيح على كافة الحدود اللبنانيّة السوريّة في لبنان، وهي تقوم بتلقيح الأطفال الوافدين من سوريا بلقاحي شلل الأطفال والحصبة، إلّا أنّ العائلات الوافدة إلى لبنان من المعابر غير الرسميّة غير مشمولة بهذه الإجراءات. كما أنّ حملات التلقيح لم تشمل جميع تجمّعات السوريين عدا عن أنّ جزءاً كبيراً من السوريين لا يقطنون ضمن تجمّعات. كل ذلك يطرح علامات الاستفهام حول إمكانيّة وصول اللقاحات لجميع الأطفال السوريين في لبنان.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، حقوق الطفل ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني