لا دستورية الإقامة الجبرية في ظلّ الحالة الاستثنائية في تونس


2021-08-31    |   

لا دستورية الإقامة الجبرية في ظلّ الحالة الاستثنائية في تونس
رسم عثمان سلمي

اقتضى الفصل 5 من الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرّخ في 26 جانفي 1978 والمتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ أنّه “يمكن لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معيّنة أي شخص يقيم بإحدى المناطق المنصوص عليها بالفصل الثاني أعلاه يعتبر نشاطه خطيراً على الأمن والنظام العامّين بتلك المناطق“. 

رغم هذا التنصيص الصريح، قضتْ المحكمة الإداريّة عن الدائرة الابتدائية الأولى في مناسبتين، بتاريخ 2 جويلية 2018، في دعاوى تجاوز السّلطة ضدّ قراريْ وزير الداخلية بوضع مدعييْن تحت الإقامة الجبرية (القضيّة عدد  150168 والقضية عدد 146676) بعدم دستورية سندهما القانوني أي الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرّخ في 26 جانفي 1978 والمتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ بسبب: 

1) خرقه أحكام دستور 27 جانفي 2014 المتعلّقة بالشروط الدستورية الدنيا  للحدّ من الحقوق والحريات المضمونة به (الفصل 49) و

2) انتهاكه الحقوق الأساسية المكفولة لكلّ مواطن ومواطنة بموجب الفصل 24 منه وهما بالتحديد حق التنقل والحق في اختيار مقر الإقامة. 

 هذا نصّه:

“وحيث نصّ الفصل 49 من الدستور على أنّه “يحدّد القانون الضوابط المتعلّقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلّا لضرورة  تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو المصلحة العامّة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها. وتتكفّل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريّات من أيّ انتهاك…”.

وحيث يتبيّن بالرجوع إلى مقتضيات الدستور الجديد للبلاد التونسيّة أنّ الحقوق والحريات الفردية والجماعية المضمونة به لا يمكن أن توضع ضوابط لممارستها إلّا بمقتضى قوانين تتّخذ لاحترام حقوق الغير أو لصالح الأمن العام أو المصلحة العامّة على ألّا تنال تلك الضوابط من جوهر الحقوق والحرّيات.

وحيث أنّ الحق في التنقّل ومغادرة تراب الوطن يعدّ من الحقوق الأساسية المكفولة لكلّ مواطن بموجب الفصل 24 من الدستور، والتي لا يسوّغ تقييدها إلّا بموجب قانون صريح يكون الهدف منه تحقيق المصلحة العامّة وألّا يمسّ من جوهر الحق، على أن تؤوّل الضوابط والحدود التي تنال من هذا الحق تأويلاً ضيّقاً.

وحيث من الجائز للسلطة التنفيذية وللهيئات العمومية ممارسة ما لها من سلطة ترتيبية أو سلطة إصدار تراتيب داخلية أو قرارات فردية خدمة للمصلحة العامّة أو حماية للنظام العام غير أنّه لا يمكن أن تحمل تلك القرارات أو التدابير قيوداً أو تضييقات إلّا في حدود ما تضمّنته القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية.

(…) فإنّ الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرّخ في 26 جانفي 1978 والمتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ تضمّن قيوداً وضوابط تحدّ من ممارسة حق التنقل والحق في اختيار مقر الإقامة، لم يسبق ضبطها بنص تشريعي يحترم المقتضيات الدستورية الواردة بالفصل 49 من دستور 27 جانفي 2014″.

 

فعليه و أخذاً بالحالة الاستثنائية المعلن عنها بتفعيل الفصل 80 من دستور 27 جانفي 2014  يطرح السؤال الآتي:

–        هل أنّ “الحالة الاستثنائية” تنزع عن أمر 26 جانفي 1978 المتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ عيب عدم دستوريته كما يذهب إليه البعض؟

 الإجابة تكون بالجزم نفياً سواء اعتبرنا دستور 2014 قائماً أو تمّ تجاوزه. 

ففي حالة الإقرار بأنّ دستور 2014 قائم الذات، يبقى أمر الطوارئ مشوباً بعدم الدستورية بلا ريب، كما جاء في الحكم المشار إليه وحيثياته  لجهة أنّ الدستور “وضع قيوداً وضوابط تحدّ من ممارسة حق التنقّل والحق في اختيار مقرّ الإقامة، لم يسبق ضبطها بنصّ تشريعي يحترم المقتضيات الدستورية الواردة بالفصل 49 من دستور 27 جانفي 2014”.

وفي حالة الإقرار بأنّ دستور 2014 وقع تجاوزه وتعليق العمل به، يبقى أمر الطّوارئ مشوباً بعدم الدستورية وذلك على أساس ما استقرّ عليه فقه قضاء محكمة الاستئناف بتونس (5 فيفري 2013) والمحكمة الإدارية (8 ماي 2013 عدد 122722): أنّ الدستور يبقى رغم إنهاء العمل به صراحة “نافذا في أحكامه الضامنة للحقوق والحريات الأساسية لكونها غير قابلة بطبيعتها للإلغاء“.

وعليه، تكون قرارات الإقامة الجبرية فاقدة لكلّ سند قانوني باعتبار أنّ مرجعها، أي الأمر المتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ صادر عن سلطة تنفيذية لا يحقّ لها الحدّ من الحقوق والحرّيات المضمونة مطلقاً بالدستور في الحالات العادية أو الاستثنائية والتي ترجع حصرياً بالنظر إلى القانون طبقاً للشروط الجوهرية المنصوص عليها سابقاً. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات عامة والوصول الى المعلومات ، قضاء ، محاكمة عادلة ، حريات ، أجهزة أمنية ، محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، حرية التعبير ، حرية التنقل ، مقالات ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني