لا إجماع على تعليق الإضراب في الجامعة اللبنانية: هل خذلت “رابطة الأساتذة” المتعاقدين والمتفرغين؟


2021-11-19    |   

لا إجماع على تعليق الإضراب في الجامعة اللبنانية: هل خذلت “رابطة الأساتذة” المتعاقدين والمتفرغين؟

على الرغم من إعلان “الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين” في الجامعة اللبنانية تعليق الإضراب وعودة  الأساتذة إلى التعليم، يبدو أنّ لا انطلاقة فعلية للعام الدراسي الجامعي قريبا، إذ أعلنت اللجنة التّمثيلية للأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللّبنانية أنّ الأساتذة المتعاقدين يعتبرون أنفسهم غير معنيّين بقرار الهيئة التي “لم تحترم قرارهم بعدم العودة إلى التدريس إلا بعد التفرغ”، كما أعلن قسم من الأساتذة المتفرغين أيضاً اعتراضهم على تعليق الاضراب، محملين الهيئة التنفيذية “مسؤولية عدم تحقيق مطالب عديدة للأساتذة”.

ويأتي تعثّر العام الدراسي الجامعي في وقت يحذر فيه الأساتذة من خطر حقيقي يهدّد وجود الجامعة الوطنيّة التي تستقبل أكثر من 40% من الطلاب الجامعيين في لبنان، إذ  يرى عدد من الأساتذة إنّ عدم استجابة السلطة لمطالبهم قد تكون مقدّمة لخصخصة الجامعة الوطنية استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي مذكرين بأنّ “اللبنانية” محرومة من التصنيف الدولي لأّن نسبة الأساتذة المتعاقدين فيها يزيد عن 70% بينما القانون يحتّم أن لا تتجاوز الـ 20%.

ويتوقف هؤلاء عند النسبة الكبيرة لتسرب أساتذة الجامعة اللبنانية بسبب الأزمة الحالية، إذ تشير أرقام غير رسمية إلى ترك مئات الأساتذة من بينهم جامعة الوطن، لاسيّما من المتعاقدين والإنتقال إلى التعليم في جامعات أخرى داخل وخارج لبنان، ليأخذوا على السلطة ورئاسة الجامعة والحكومة عدم تلقف هذا الخطر والعمل على وقف هجرة كفاءات الجامعة اللبنانية.

وكانت “الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين” في الجامعة اللبنانية أعلنت مساء الثلاثاء الماضي، قرارها تعليق وقف الأعمال الأكاديمية الذي بدأته قبل انطلاق العام الدراسي الجامعي، مفندة في بيان لها ثلاثة مطالب تعني النعاقدين والمتفرغين وأساتذة الملاك. ولفتت إلى أنّه “تمّ الاتفاق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الجامعة بسام بدران على الإسراع في إنهاء دراسة ملف التفرغ، بحيث يصبح جاهزا للبت في مجلس الوزراء في أسرع وقت ممكن” وهو الملف الذي يطالب المتعاقدون ببتّه.  

أمّا فيما خصّ مطالب الأساتذة المتفرغين فأعلنت الهيئة  في بيانها أنّ ملف الملاك “أصبح في عهدة وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، الذي وعد برفعه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء خلال أيام معدودة، بغية مناقشته وإقراره”.

كما تمّ إبلاغ الأساتذة المتفرغين أنّ الجامعة ستقدّم مساعدات للفترة المتبقية من العام ٢٠٢١  منها راتب إضافي خلال الشهر الحالي والشهر المقبل مع وعد بإعطاء 200 دولار شهريا منذ بداية العام 2022 .

ويّشار إلى أنّ العام الدراسي الجامعي الذي كان يجب أن ينطلق منذ أكثر من شهر، ما زال متعثراً في الجامعة اللبنانية ، باستثناء عدد قليل من الكليات التي لم يلتزم أساتذتها بالإضراب منها كلية الهندسة والطب والصيدلة.

لا عودة عن الإضراب قبل إقرار التفرّغ

يصرّ الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللبنانية على عدم العودة عن الإضراب قبل تحقيق مطالبهم وعلى رأسها إنهاء ملف التفرّغ وهذا ما وقّع عليه 900 أستاذ وأستاذة، واضعين ما ورد في بيان الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية بخصوص العمل على إنهاء ملف التفرغ في إطار “الوعود التي لم يعد بإمكانهم تصديقها ولاسيّما أنّها تتكرّر عند بدء كلّ عام دراسي” حسب ما يقول المتحدث الإعلامي باسم اللجنة التمثيلية للأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية الدكتور حامد حامد لـ “المفكرة القانونية” مع التشديد على أنّ الهيئة “تخلّت عن الأساتذة المتعاقدين وخذلتهم، وهم لم يعدوا يثقون بها فباتت لا تمثّلهم”.

ويقول أحد ممثّلي اللجنة التمثيلية للأساتذة المتعاقدين لـ “المفكرة القانونية” إنّ بيان الهيئة لم يحدّد تاريخا واضحا لموعد البتّ بملف التفرّغ، كأنّ يقول خلال عدد من الأسابيع أو حتى أشهر بل ترك الفترة مفتوحة ما يعني أنّ الأمر لا يخرج عن إطار الوعود التي لا تصرف، ولم تصرف سابقا بعد سنوات من الانتظار”.

ويعمل المتعاقدون في الجامعة اللبنانية على ملف التفرّغ منذ العام 2016 بعد أنّ تمّ استثناء عدد كبير منهم من قرار التفرّغ الصادر عن مجلس الوزراء في عام 2014 لأسباب يضعها الأساتذة في إطار “محسوبيات سياسية وطائفية” تحت مسمى “التوازن الطائفي”، ويضمّ هذا الملف اليوم أكثر من 950 أستاذا وأستاذة جامعيين يستحقون التفرغ انطلاقا من قانون الجامعة الذي يشترط للتفرغ النصاب الكامل ( 220 ساعة تدريس وسنتان خبرة).

وفي اللإطار نفسه يشدّد ممثّل اللجنة التمثيلية للأساتذة المتعاقدين إلى أنّ السبب الأساسي لعرقلة البتّ في الملف “عدم توافر التوازن الطائفي” معتبرا أنّ كلّ الحجج التي تقدّمها السلطة “واهية وغير مبررة” فإذا كانت الحجّة عدم توافر الأموال فإنّ تفريغ الأستاذ المتعاقد، ومع انهيار قيمة الليرة بات يكلّف “100 دولار بدلا من  حوالي 3 آلاف في السابق” هذا غير أنّ “أعداد المتقاعدين أكثر من 900 أستاذ أي أنّه قريب من أعداد المتعاقدين، والراتب الذي كان يتقضاه المتقاعد أكثر من الراتب الذي يحدد لأستاذ متفرغ حديثا. وفي عملية حسابية صغيرة يمكن فقط نقل ما كان يدفع للأساتذة المتقاعدين قبل تقاعدهم إلى الأساتذة المتعاقدين وتفريغهم، وبالتالي لا يؤثّر تفريغ هؤلاء الأساتذة على ميزانيّة الجامعة”.

نعمل بالسخرة ..رواتبنا لا تكفي بدل نقل

يشعر الأساتذة المتعاقدون بأنّهم “يعملون بعقد سخرة” كما تقول الأستاذة خولة ماجد هاشم التي تدرّس في كلية إدارة الأعمال والإقتصاد منذ العام 2003 وتمّ استثناؤها من ملف التفرّغ الذي أقرّ العام 2014 رغم أنها كانت مستوفية الشروط المطلوبة للتفرّغ.

وتشير هاشم في حديث مع “المفكرة القانونيّة” إلى أنّها لن تعود إلى التعليم إلّا في حال تمّ البتّ بملف التفرّغ وتقول: “نحن نعمل حوالي 300 ساعة نتقاضى بدلها بعد سنة فتات، لا يكفي حتّى بدل انتقال إلى الجامعة، مللنا الوعود، سأعمل في أي شيء آخر، ولن أعود إلى الجامعة إلا في حال التفرّغ” .

ويشار إلى أنّ بدل ساعة الأستاذ المتعاقد يتراوح ما بين 60 إلى 100 ألف ليرة، أي أنّ دخله السنوي وبحسب الساعات المحددة له يتراوح ما بين 10 إلى 25 مليون ليرة  (ما قيمته حاليا تقريبا ما بين 500 دولار إلى  و 250 دولارا) يقبضهم بعد فترة لا تقلّ عن السنة وتمتدّ أحيانا إلى سنتين من العمل، لأنّه يعمل وفق عقد يُسمّى “عقد مصالحة”.

“الموضوع ليس ماديا فقط”، تكرّر الأستاذة هاشم، فالأمر يتعلّق أيضا بشعور الأستاذ المتعاقد بعدم الأمان ولاسيّما أنّ الجامعة لا تقدّم له شيئا. وتضيف: “الأستاذ المتعاقد محروم من الضمان الصحي، ولا يحصل على أي بدلات ولا حتى بدل نقل، ويعامل وكأنه أقل من الأستاذ المتفرّغ مع أنّ ما يقوم به لا يقل جهدا أو قيمة”.

وفي الإطار نفسه يقول حامد، وهو أستاذ متعاقد في اللغة العربيّة، أنّ الأستاذ المتعاقد بات عاجزا ليس فقط على تأمين احتياجات أسرته بل أيضا احتياجاته الخاصة اللازمة للذهاب إلى الجامعة للتعليم، وأنّ قرار تعليق الإضراب “غير واقعي لأنّ الأستاذ عمليا وبما يتقاضاه غير قادر على الوصول إلى الجامعة والقيام بالمهام المطلوبة منه”.

التفرّغ ضرورة لبقاء الجامعة اللبنانية

يعتبر الأساتذة المتعاقدون أنّ إنهاء ملف التفرّغ يصبّ في مصلحة الجامعة اللبنانية أولا وأخيرا، وذلك لأنّ أكثر من 70 % من الطاقم التعليمي فيها من المتعاقدين، في حين ينص القانون على ألا تتجاوز نسبتهم 20% ، الأمر الذي حرم الجامعة اللبنانية من التصنيف الدولي، لذلك يرى بعضهم أنّ عدم المضي في ملف التفرغ قد يكون مقدمة لخصخصة الجامعة الوطنيّة استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي، مع الإشارة إلى أنّ هذه الجامعة تضمّ أكثر من 40% من الطلاب الجامعيين في لبنان، واستقبلت العام الماضي بحدود 86 ألف طالب.

كما أنّ عدم البتّ في ملف التفرّغ يهدد الجامعة الوطنيّة بتسرّب الأساتذة المتعاقدين الذين يلغ عددهم بحسب آخر الأرقام الرسمية حوالي ثلاثة آلاف أستاذ وأستاذة (نحو 900 من بينهم مدرجين على ملف التفرغ)، إلّا أنّ هذا العدد وحسب ما تؤكّد مصادر في الجامعة اللبنانية لـ “المفكرة القانويّة” تراجع بشكل كبير ولاسيّما مع ترك عدد منهم التعليم في اللبنانية والانتقال إلى جامعات أخرى داخل لبنان وخارجه.

المتفرغون يحتجّون على قرار العودة أيضا!

بالإضافة إلى الأساتذة المتعاقدين اعترض قسم من الأساتذة المتفرغين على قرار الهيئة التنفيذيّة بالعودة إلى التدريس، إلّا أنّهم مضطرون وبحسب القانون إلى العودة تنفيذا لقرار الهيئة الملزم لهم ولأساتذة الملاك، لذلك يعملون على جمع التواقيع اللازمة لعقد جلسة مندوبين يصوتون خلالها على  نقض قرار الهيئة، حسب ما يشير مندوب كلية الآداب الفرع الخامس كامل فرحان صالح في حديث لـ “المفكرة القانونية”.

ويشدّد صالح الذي قدم استقالته من مجلس المندوبين في رابطة الأساتذة في الجامعة اعتراضا على بيان الهيئة الذي لا يتضمّن إلا وعودا تعاد منذ خمس سنوات، على أنّ ما يقوم به الأساتذة هو توقف عن التعليم  بسبب عدم القدرة على البدء بالعام الدراسي وليس إضرابا، لافتا إلى أنّه كما يناضل الأساتذة المتعاقدون من أجل التفرّغ يناضل المتفرغون من أجل دخول الملاك، إذ إنهم يعملون أيضا يصيغة تعاقدية تجدد سنويا ويتقاضون راتبا شهريا يتراوح ما بين 3 ملايين و 700 ألف ليرة و 6 ملايين ( ما قيمته حاليا ما بين 180 دولارا و 300 دولار) ويشملهم صندوق التعاضد.

يعبّر صالح عن إحساس بالإحباط واليأس، ويشعر بأنّ الهيئة التنفيذية خذلت الأساتذة فهي كانت وعدت بعدم فك الإضراب إلا بعد تحقيق المطالب “واليوم وبعدما حصلت على فتات ومكاسب آنية للأساتذة المتفرغين فقط فكّت الإضراب وتخلّت عن المتعاقدين مقابل وعود بإنهاء ملف تفرغهم”.

ويلفت صالح إلى أنّ الموضوع ليس موضوع رواتب فقدت قيمتها أو موضوع تفرغ وملاك فقط، فالجامعة اللبنانية مهدّدة وأساتذتها لا يشعرون بالأمان والاستقرار، مذكرا بوجود 100 أستاذ وأستاذة أصبحوا في صفوف المتقاعدين قبل أن يدخلوا الملاك وهم حاليا لا يستفيدون من الراتب التقاعدي ويعانون أوضاعا مادية صعبة.

لم نأخذ الطلاب رهينة

يشدّد الأساتذة المضربون عن التعليم بأنهم لم يأخذوا الطلاب رهينة كما تحاول السلطة تصوير الأمر، وليسوا المسؤولين عن تعثر العام الدراسي، “نحن والطلاب رهينة بيد السلطة التي لم تهتم بالجامعة الوطنية والتي لم تؤمّن لا للطالب ولا للأستاذ حقوقه الأساسية” يقول صالح مضيفا “الأمر بات وكأنّهم يخيروننا بين أبنائنا البيولوجيين وأبنائنا الطلاب، وضعنا صعب ولا نستطيع أن نستمر ذا لم نحصل على مطالبنا والتي هي حقوق أساسية”.

وكذلك يسأل الدكتور حامد: “كيف يمكن للأستاذ أن يدرّس وهو غير قادر على تأمين أدنى احتياجاته واحتياجات عائلته الأستاذ مدمر نفسيا وماديا واجتماعيا، مللنا الوعود ولن نعود إلى التعليم قبل حصولنا على حقوقنا، أصلا لا قدرة عمليا على ذلك، نحن نهتمّ لمستقبل الطلاب ولكن فليخبروننا كيف نصل إلى عملنا وكيف نعيش؟”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

عمل ونقابات ، تحقيقات ، الحق في التعليم ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، الحق في الصحة والتعليم ، حقوق العمال والنقابات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني