كورونا يفتك بلبنان: الدولة تتّكل على المواطن والنظام الاستشفائي منهار


2021-12-30    |   

كورونا يفتك بلبنان: الدولة تتّكل على المواطن والنظام الاستشفائي منهار

“ما كانوا يفوّتوها عالمستشفى إلّا لحطّينا 7 مليون”، تقول مايا عن أمّها المصابة بفيروس كورونا وتضيف أنّه لولا مساعدة شقيقها الذي يعمل خارج البلاد ويرسل أموالاً بالعملة الصعبة، لما تمكّنوا من توفير العلاج. فقد طلبت منهم المستشفى تأمين حقن معيّنة جلبوها من تركيا، تبلغ قيمة الواحدة 10 دولارات وقد احتاجت الأم إلى حقنتين في اليوم الواحد “يعني ما بعرف المريض لي ما معو مصاري شو عم يعمل”. 

تمثّل هذه القصة نموذجاً عن حال مرضى كورونا اليوم، حيث وحده المقتدر مادياً في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة سيتوفّر له العلاج. فخلال الموجة الأولى كان يتوجّب على المريض دفع 5% من قيمة فاتورة الاستشفاء، أما اليوم في ظل الأزمة بات يتوجّب عليه دفع 10% من قيمتها لدى المستشفيات الحكومية و15% في المستشفيات الخاصّة، بحسب جوزيف حلو مدير العناية الطبية في وزارة الصحة. وطبعاً، تفرض بعض المستشفيات  الحصول على هذه النسبة مسبقاً لأنّ مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية بدورهم باتوا يحصلّون فواتيرهم “كاش”، أما بالنسبة للأدوية فيعتبر الحلو أنّ هناك بعض العلاجات غير متوفّرة لدى المستشفيات وهذا يختلف بحسب حالة المريض الصحّية، من هنا يُطلب أحياناً من أهل المريض توفير أدوية معيّنة على نفقتهم الخاصّة. ويدعو حلو المواطنين إلى مراجعة الوزارة (الطابق الرابع) عند حاجتهم إلى أدوية معيّنة للتأكّد من توفّرها أو عدمه.

ويحذر حلو من حلول كارثة صحية في حال لم يتم التشدّد بإجراءات الوقاية في ظلّ أزمةٍ اقتصاديةٍ حادّة طاول أثرها المستشفيات والمستلزمات الطبية والأدوية وقطاع صحّي منهك وهجرة الكادر الطبي من أطباء وممرضين وممرضات، معوّلاً على تقيّد المواطنين بالإجراءات الوقائية كخطّ الدفاع الأوّل للمجتمع.

“الكورونا سرقت مني إخواتي الثلاثة، وإمي ماتت فقع عليهم”، في غضون شهرين دفن محمد عباس أشقاءه الثلاثة الذين أصيبوا بفيروس كورونا العام الفائت، لم تقم لهم مراسم دفنٍ، لم تحتضن والدتهم  جثامينهم، لم تودعهم في حياتها لتوافيها المنيّة بعد أقل من شهرٍ على رحيل آخرهم.

لم يتسنّ لأحدٍ بعد نسيان الأثر النفسي والمعنوي والجسدي والاقتصادي الذي خلّفته الموجات المتعاقبة لجائحة كورونا، حيث تجاوز عدد الوفيات في لبنان 9 آلاف حالة منذ بدء الجائحة حتى أمس الأربعاء 29 كانون الأوّل الجاري وأصيب بالفيروس أكثر من 71 ألف شخص بحسب إحصاءات وزارة الصحة.

اليوم تترافق عطلة الأعياد مع وصول موجة جديدة من كوفيد 19 وصول متحوّر أوميكرون السريع الانتشار إلى البلاد، في ظل تخوّف المعنيين من ازدياد عدد الحالات وعدم قدرة من بقي من الجسم الطبي، المنهك أصلاً، على الصمود، وسط تراخٍ تام في تطبيق الإجراءات الوقائية ما يوحي بأنّ الدولة تتّكل على المواطنين لتفادي الإصابة وليس على إجراءاتها.  

في هذا التحقيق سنقف عند التحديات التي تواجه القطاع الصحي للتصدّي للموجة الجديدة من الجائحة، وسنجول على أثر فيروس كوفيد 19 على معظم مرافق الحياة من المدارس إلى السجون ومخيمات اللاجئين إضافة إلى تأثيرها على القطاع السياحي، ونرصد مدى تطبيق خطة اللجنة الوزارية لفترة الأعياد.

لبنان في المستوى الرابع من الانتشار المجتمعي

حذر وزير الصحة فراس أبيض مؤخراً من إمكانية الوصول إلى مرحلة الإقفال العام في حال الاستمرار في عدم التشدّد بإجراءات الوقاية وتزايد أعداد المصابين. ويسجّل العدّاد اليومي معدّل إصابات تتراوح بين 1800 و1900 حالة في اليوم الواحد بحسب منصة وزارة الصحة في لبنان، أما عدّاد الوفيات فسجّل 13 إلى 15 حالة في اليوم خلال الأسبوعين الأخيرين، في حين وصلت القدرة الاستيعابية للمستشفيات حدّ 75% بشكلٍ عام وتجاوزت النسبة في مستشفيات الأطراف 95% ، أما نسبة استعمال أسرّة العناية الفائقة فبلغت 78%  (314 سريراً من أصل 403).

ويشرح رئيس اللجنة الوطنية لإدارة لقاح كورونا عبد الرحمن البزري، بأنّ لبنان اليوم في المستوى الرابع من الانتشار المجتمعي للكوفيد 19 وهو من المستويات الأشدّ خطورة معتبراً أنّ لا إمكانية لتأمين الحماية والوقاية إلّا من خلال دفع الأفراد لأخذ اللقاح، وقد بلغت نسبة الملقّحين حوالي 50% على عدد السكان دون 12 سنة، وبلغت نسبة غير الملقّحين من الوفيات 86,6% منذ شهر تموز، وعن متحور “أوميكرون” يشرح البزري أنه على الرغم من سرعة انتشاره إلّا أنّه قليل الخطورة، وقد سجّلت أولى إصابات المتحوّر الجديد في لبنان في 9 الجاري وفي غضون أسبوعين باتت الأعداد كثيرة وغير محصيّة، بحسب الدكتور محمد حيدر مستشار وزير الصحة.

جسم طبيّ منهار وعلاج المنازل صعب في ظلّ الأزمة

“ما فينا نكمّل هيك، مستحيل، رح نوصل عالكارثة” بهذه العبارة عبّر جوزيف حلو في اتّصال بـ”المفكرة” عن قلقه حيال فترة الأعياد وما سيتبعها من تزايدٍ في الأعداد، محذراً من خطر وصول الحال في البلاد إلى ما وصلت إليه خلال الموجة السابقة كون القطاع الصحي يعاني من أزماتٍ عدّة منها النقص في الطاقم البشري الطبي إضافة إلى الأعباء الاقتصادية وغلاء المستلزمات الطبية ونقصٍ في الأدوية. “هالمرة مستحيل نقدر نقلّع، لا مستشفيات جاهزة ولا طواقم طبية وتمريضية كافية والموارد المالية ناقصة كثير”. وناشد حلو المستشفيات بإعادة فتح أقسام علاج كورونا ولو بحدها الأدنى. فبرأيه استقبال كلّ مستشفى لخمسة مرضى سيوفّر 600 سرير إضافي، “حتى لو الظروف صعبة لازم نواجه”، محذراً من وصول بعض المناطق إلى “الخط الأحمر” ومنها الجنوب وعكار والشمال، حيث عدد الأسرة الشاغرة بات محدوداً ويتم نقل المرضى من منطقة إلى أخرى.

وحذّر رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، بدوره في حديثٍ مع “المفكرة” من تدهور القطاع الصحي الذي لن يتمكّن برأيه من المواجهة والصمود في حال وصلت الأمور إلى نصف ما كانت عليه في العام الفائت، شارحاً أنّه في العام الماضي تم توفير 2500 سرير أمّا حالياً فهناك 916 سريراً. “يعني السنة عنا 40% بس من قدرة العام الماضي”، موضحاً أنه حتى العلاج في المنازل سيكون صعباً في ظل الأزمة الاقتصادية وأزمة الدواء والكهرباء، فهناك العديد من أدوية الالتهابات التي يحتاجها المريض في اليوم السابع غير متوفّرة وسعرها بات مرتفعاً جداً كذلك الأدوية البديلة فسعرها مرتفع على حد قوله. وفي ظل انقطاع الكهرباء لن يتمكّن المريض من تشغيل أجهزة الأوكسجين أيضاً إذا ما توفرت.

“نحن بوضع غير سليم هذه هي الخلاصة والدولة لازم تطبّق الإجراءات الوقائية”، يخلص عراجي ليدعو وزارة السياحة ووزارة الداخلية والقوى الأمنية إلى الضرب بيدٍ من حديد والتشدد بتنفيذ الإجراءات كي لا يصل الحال إلى إقفال البلاد وكي “لا نشرب الكأس المرّة”، شارحاً أنّ متحوّر أوميكرون سيصبح المتحوّر المسيطر ويحلّ مكان متحوّر دلتا كما يحدث مع بقية الدول. ويوضح أنّ من سيّئات أوميكرون أن تأثير اللقاح عليه خفيف، خاتماً أنّه في ظل إمكانيات البلاد المحدودة يجب على المواطن أن يكون الحريص الأوّل.

الاستشفاء أمام تحديّين: نقص الطاقم الطبي وارتفاع أسعار المستلزمات

يشرح نقيب المستشفيات الخاصة هارون سليمان في اتصالٍ بـ”المفكرة القانونية” أنّ المستشفيات تعاني من مشكلتين أساسيتين هما: نقص في الطاقم الطبي (بحسب منظمة الصحة العالمية هاجر ما يقارب 40% من الأطباء ونحو 30% من الممرضين والممرضات)، وارتفاع أسعار المستلزمات الطبية اللازمة حيث أنّ الموزّعين والتجّار يطلبون تسديد ثمن المستلزمات الطبية نقداً بخلاف ما كان يحدث في السابق، ما يضع المستشفيات أمام عجزٍ حقيقي برأيه، بخاصة أنّ أقسام كورونا فيها تحتاج إلى الكثير من المستلزمات (الملابس الخاصّة، الكمامات والقفازات، ماكينات الأوكسجين والأدوية وغيرها وهي مستلزمات مكلفة…)، “المريض بالعناية بيستهلك باليوم، عبوة أوكسيجين بقيمة مليون ونصف تقريباً”، من هنا يعتبر هارون أنّ المستشفيات لن تكون قادرة على تحمّل الوضع، مشيراً إلى أنّ بعض المستشفيات لم تتمكن لليوم من تسديد فواتيرها عن المرحلة السابقة من كورونا.

يشير الدكتور حسن نزهة، مدير مستشفى نبيه بري الحكومي الجامعي في النبطية، إلى أنّ الأسرّة المخصّصة لمرضى كورونا شبه ممتلئة، وأنّ الحالة اليوم تشبة المرحلة الحرجة للموجة السابقة لا بل أكثر بحسب تعبيره، إذ إنّ نسبة النتائج الإيجابية من الفحوصات كانت في تلك الفترة تبلغ 15% أما في الموجة الحالية فانّ النسبة باتت تقارب 40%. ويؤكّد نزهة أنّ 80% من المرضى في المستشفى هم غير ملقّحين كذلك هو الأمر بالنسبة للوفيات. ويشير نزهة إلى أنّ المستشفيات تعاني من نقص في بعض الأدوية ما يتطلّب من المريض تأمينها على عاتقه، كما يتوجّب على المريض دفع ما نسبته 10% من قيمة الفاتورة الاستشفائية، لكن يتمّ العمل دائماً على تأمين المساعدات من قبل الجمعيات والمنظمات الداعمة لمساعدة المرضى غير الميسورين بحسب قوله.

بدوره يوضح المدير الطبي في مستشفى أوتيل ديو جورج ضبر، أنّ المرضى الذين يدخلون المستشفى اليوم هم فئتان، فئة الملقّحين من كبار السن ( 65 سنة) ويعانون من أمراضٍ مزمنة، والفئة الثانية من غير الملقّحين وهم من كافة الأعمار. من هنا يشدد  ضبر على ضرورة التلقيح بدل من الوقوع في أزمة كالتي حصلت في العام الماضي، موضحاً أن المستشفى لديها قدرة على استيعاب 8 مرضى في العناية الفائقة و12 حالات مرضى مصابين، وأنّ لديها ما يكفي من “ستوك” المستلزمات الطبية والأدوية، وقد اعتدمت الإدارة مؤخراً مبدأ الاستقلالية في الحصول على الأوكسجين بحسب قوله إذ قامت بتجهيز المستشفى بمولدات أوكسجين خاصة بها.

خطة الأعياد إجراءات كثيرة والعبرة في التنفيذ

وكانت اللجنة الوزارية المكلّفة متابعة إجراءات الوقاية من الفيروس، قد اتخذت عدداً من القرارات من شأنها الحد من انتشار الجائحة منها ما هو مرتبط بعودة المسافرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي، ومنها ما هو متعلّق بشروط التجمّعات والسهرات خصوصاً في فترة الأعياد، بالإضافة إلى تمديد العطلة المدرسية.

وفيما يتعلّق بإجراءات عودة المسافرين، يشير الدكتور محمد حيدر، مستشار الوزير أبيض، إلى أنّه تمّ وضع خطة مشدّدة تحتّم خضوع الوافدين كافّة إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي ابتداء من تاريخ 10 كانون الأول لشروطٍ عدّة منها:  إتمام جرعتين من اللقحات المعتمدة أو إظهر نتيجة سلبية للفحص المخبري لفيروس كورونا لا تتعدّى مهلته 48 ساعة، الخضوع للفحص المخبري في حرم المطار للوافدين من عمر الثانية عشر، ويتمّ حالياً العمل على تسريع صدور النتيجة إلى مدة لا تتجاوز 24 ساعة، كذلك يتوجّب على القادمين التسجيل عبر التطبيق الخاص بوزارة الصحة وإدخال المعلومات اللازمة التي تظهر بلد القدوم، ونتيجة الفحص المخبري للفيروس، وشهادة اللقاح في حال توفرها، ومدة الإقامة ومكان السكن، بحيث يتمّ الإيعاز إلى وزارة الداخلية ومنها إلى البلديات التي من مهامها مراقبة إلتزام القادمين بالحجر الصحي قبل ظهور النتيجة وبعدها في حال كانت سلبية، لكن تبقى العبرة في التنفيذ الذي يشوبه الكثير من الاستنسابية والتغافل عن تطبيق الإجراءات. فتؤكّد ربى التي عادت من فرنسا في 20 من الشهر الجاري إلى أنّها لم تجر الفحص المخبري لكورونا قبل صعودها الطائرة، لكن خلال الرحلة شعرت ببعض العوارض لذلك حرصت على ارتداء الكمامة طيلة الرحلة، وعند وصولها إلى المطار خضعت للفحص، إلاّ أنّها لم تنتظر النتيجة التي صدرت بعد حوالي 48 ساعة بل عمدت إلى إجراء فحص سريع جاءت نتيجته إيجابية. وبعد صدور نتيجة فحص المطار تلقت اتصالاً يتيماً من المرصد الوبائي وجّهوا خلاله عدداً من الأسئلة إليها حول رقم مقعدها على الطائرة ومعلومات شخصية عن منطقة سكنها، إلّا أنّ أحداً لم يتابع لاحقاً مدى التزامها بالحجر الصحي. هذا ولم تقم ربى بملء الطلب على التطبيق الذي تحدث عنه حيدر قبل قدومها إلى لبنان، كما لم يُدقّق أحد من المعنين في وجوده أصلاً.

وبحسب حيدر تبلغ تكلفة الفحص على المطار حالياً 50 دولاراً وهي تشمل: كلفة تشغيل وصيانة التطبيق، بالإضافة إلى رواتب الطاقم الطبي العامل والذي يبلغ عديده 140 موظفاً يعملون بثلاث نوباتٍ متواصلة، بالإضافة إلى كلفة الدراسات التي تجرى على الفحوصات بنتائج إيجابية في مختبر الجمعة الأميركية. ويفيد حيدر أنّه سيتمّ تخفيض تكلفة الفحص إلى 30 دولاراً ابتداء من 10 كانون الثاني، مناشداً عبر “المفكرة” المسافرين القادمين وأهلهم الالتزام بالتباعد الاجتماعي في الأيام الأولى من وصولهم حرصاً على عدم نقل العدوى وانتظار نتائج الفحص “بيجوا بيصيروا يعبّطوا بعض على المطار”.

ويشرح حيدر أنّه يسمح باستقبال المسافرين من كلّ الدول، فلا وجود لدول على “اللائحة الحمراء” إذ أنّ متحوّر أوميكرون بات متفشياً في أكثرية الدول، كذلك هو الحال في لبنان “خلص بطّلنا عم نعدّ”. 

للسهر شروط.. لا تطبّق

ومن الإجراءات المتّخذة أيضاً والتي لم نر أثراً لتطبيقها إلاّ نادراً، وهي “فرض قيود على حركة التجوّل من السابعة مساء حتى السادسة صباحاً اعتباراً من 17 كانون الأول لغاية 9 كانون الثاني، يستثنى منها الملقحون بجرعةٍ واحدة على الأقل أو حاملو نتيجة سلبية للفحص المخبري لفيروس كورونا لم يمرّ عليها أكثر من 48 ساعة، كما يمنع إقامة الحفلات والتجمّعات بقدرة استيعابية تفوق 50% من سعة المكان مع الحصول على إذن مسبق من وزارة السياحة”.

ويفيد نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والملاهي خالد نزهة، أنّ القطاعات السياحية لطالما كانت ملتزمة بالإجراءات الوقائية منذ فترة طويلة، حيث الالتزام بالسعة الإجمالية للمكان التي لا تتجاوز 50% من القدرة الاستيعابية، وتأمين تباعد الطاولات عن بعضها البعض (مترين بين كل طاولتين) بالإضافة إلى تنظيم ماراثون تلقيح لجميع العاملين في القطاع بين 6-7-8 أيلول الفائت، هذا وتعمل المؤسسات السياحية على إجراء فحوصات مخبرية للفيروس بشكلٍ دوري لموظفيها.

ويتم التعاون مع وزارة التربية لتأمين مجموعة من طلاب الجامعات المتطوّعين يعملون مع مراقبي وزارة الصحة والسياحة لضبط الإجراءات والتشدّد في الرقابة على تنفيذ القوانين ومنع غير الملقحين أو الحائزين على فحصٍ مخبري بنتيجةٍ سلبية من ارتياد المطاعم والملاهي والباتيسريات بين فترة 17 الجاري و10 الشهر المقبل.  

وقد ذكر حساب قوى الأمن الداخلي على تويتر في تاريخ 29-12-2021 أنّه تمّ تسطير 326 محضراً بحق أشخاص غير ملقّحين خالفوا قرار التجوّل، 72 محضراً بحق مؤسّسات، وتمّ ختم خمس مؤسساتٍ بالشمع الأحمر. إلّا أنه خلال جولة سريعة على مناطق وأماكن السهر في بيروت يوم الأربعاء في 29 الجاري رصدنا انتفاء شبه تام لتطبيق أيّ من الإجراءات التي يتحدث عنها نزهة. وغياب لدوريات القوى الأمنية والشرطة السياحية اللذان يعملان على مراقبة تطبيق الإجراءات.

ويروي أحمد العائد من السفر لتمضية عطلة الأعياد، أنّ أحداً من الملاهي والمطاعم والحفلات التي ارتادها خلال أسبوع لم يطلب منه إبراز شهادة اللقاح أو حتى الفحص المخبري لفيروس كورونا بنتيجةٍ سلبيّة، مستغرباً عدم تطبيق أي من الإجراءات الوقائية بخاصّة مسألة التباعد الاجتماعي والسعة الاستيعابية للمكان، “كنت حاجز على حفلة موسيقية ببيروت، شفت الناس فوق بعضها، فلّيت”.

ويشير نزهة إلى تعرّض القطاع لعدد من الأزمات منها الجائحة، أدت إلى إقفال أكثر من 5000 مؤسسة سياحية في السنتين الأخيريتين، بالإضافة إلى الأحداث الأمنية والثورة وما رافقها من قطع للطرقات، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية وخسارة المودعين لأموالهم ومن بعدها أزمة المحروقات والكهرباء.

المدارس: خوف من العودة للتعلّم عن بعد

للعام الثالث على التوالي وطلّاب المدارس هم من الفئات الأكثر تأثراً بتبعات فيروس كورونا، في ظل غياب للخطط الواضحة والمثمرة من قبل وزارة التربية والتي لا نزال ننتظر ردّها على أسئلتنا من خلال كتاب رسمي وجّهناه في تاريخ 14 أيلول 2021. وفي حين تمّ تمديد عطلة الأعياد للمدارس حتى 9 كانون الثاني 2022 ليبنى على الشيء مقتضاه، يبرز خوف لدى الأهل اليوم من إقفال المدارس حضورياً والعودة إلى نظام التعليم عن بعد. وتفيد رئيسة لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل، أنّ الأهل يرفضون رفضاً قاطعاً العودة إلى التعليم عن بعد، بخاصة إذا لم يتخذ قرار عام بإقفال البلد كلّياً. فبرأيها وبرأي الأهالي إنّ وضع التلامذة التعليمي لا يتحمّل عاماً دراسياً ثالثاً بجودة تعليمية متدنية. وتفيد الطويل أنّ الوزارة مع بداية العام الدراسي اتخذت عدداً من الإجراءات الوقائية حيث تمّ تفعيل منصة إلكترونية بالتعاون بين وزارة الصحة ووزارة التربية يتم خلالها رصد إصابات التلامذة في المدارس والأقضية، حيث يتوجّب على كلّ مدرسة الإبلاغ عن حالات المصابين لديها لتفعيلها عبر المنصة. كذلك أصدر وزير الصحة تعميماً بمجانية الفحوصات المخبرية للفيروس لطلاب المدارس، وهذا ما أكّده عدد من الأهالي والأساتذة لـ”المفكرة” والذين أجروا الفحص المخبري مجاناً. وتفيد الطويل أنه تمّ تنظيم عدد من حملات لتلقيح التلامذة فوق 12 من عمرهم. ويبلغ معدل المصابين بفيروس كورونا من التلامذة 15 تلميذاً خلال الأسبوعين الفائتين تبعاً لمنصة وزارة التربية، وتؤكد الطويل أن ما من قرارٍ رسمي إلى اليوم بوجوب العودة للتعليم عن بعد.

تعتبر آمال وهي أم لثلاثة أولاد كانوا يتلقون تعليماً عن بعد خلال السنوات الماضية، ان خطر إقفال المدارس بات أكبر من خطر كورونا، “أجيال مستقبلها عم يروح كرمال فرضيات وأحتمالات”، معتبرةً أن الحل هو باتخاذ اجراءات مشددة وخطة فعالة ، ولا يمكن للتلامذة أن يكونوا كبش محرقة بل يجب وضعهم في الأولوية المجتمعية.

سجون لبنان مجتمعات معزولة

يمكن القول إنّ الاستعدادات في السجون للجائحة أفضل بقليل منها في “الحرية”، فالأسرّة متوفّرة والعلاجات والأدوية توفّرها إلى حدٍّ ما الجمعيات ومنظمة الصحة العالمية. وفي حديثٍ مع “المفكرة” يفيد مدير شؤون السجون في وزارة الداخلية والبلديات العميد فارس فارس أنّ عدد السجناء المصابين لا يتجاوز 23 من أصل  7673 سجين، بينهم 16 حالة محجورة في سجن رومية وسبع حالات في سجن القبة.

وعن الاستعدادات يقول فارس إن هناك 300 سرير مخصّص للسجناء في قسم خاص للحجر في سجن رومية، بالإضافة إلى 12 سريراً في مستشفى ضهر الباشق، وثلاثة أسرّة في مستشفى الهراوي في زحلة مخصّصة للسجناء المرضى.

وقد أنهت إدارة السجون الدورة الرابعة من تلقيح السجناء الذي تلقّاه حوالي 1231 سجيناً من أصل 3370 من المستهدفين الذين وافقوا على أخذ اللقاح.

ويشدد فارس على وجود تعاون مع عدد من الجمعيات والمنظمات الدولية التي توزّع المستلزمات اللازمة من أدوات تنظيف وصابون وكمامات وتقوم بحملات التوعية.

من جهةٍ ثانيةٍ يؤكد فارس أنّ حال السجون كحال البلاد هناك نقص بالكادر البشري والأدوية، لكن هناك تعاون مع المنظمات الدولية والجمعيات لتغطية الحاجات، مشيراً إلى أنّ وزارة الصحة ستعتمد سجن رومية مركزاً للرعايا الصحية.

ويؤكد فارس على التشدد في اتخاذ الإجراءات الوقائية خلال الزيارات الأهل، حيث يتمّ أخذّ الحرارة ومنع دخول أي شخص تظهر عليه علامات الرشح أو غيره، وهذا ينطبق حتى على العسكريين والضباط، وإن اللقاءات جميعها تتم من وراء العازل الزجاجي، هذا وقد تم منع دخول المتطوعين من الجمعيات إلى داخل السجون التي تحوّلت إلى عالمٍ منعزل.

اللاجئون السوريون: المصابون منهم في المدن أكثر من المخيمات

وعلى الرغم من الصورة النمطية السائدة بأن مخيمات النازحين السورين هي عادة بيئة حاضنة للوباء بسبب الاكتظاظ السكاني وعدم القدرة على تحقيق التباعد المجتمعي نظراً لضيق الأمكنة، تفيد دلال حرب المسؤولة الإعلامية في المفوضية السامية للأمم المحدة لشؤون اللاجئين بأن الأغلبية العظمى من حالات الإصابات سجلت لدى اللاجئين المقيمين في المدن، وقد بلغ عدد اللاجئين المصابين في لبنان منذ بدء الجائحة 9,132 لاجئاً، وبلغ عدد الوفيات 406 حالات، وهناك و128 حاليّاً يتلقون العناية اللازمة في المستشفيات. وقد  تلقى أكثر من 192،590 لاجئاً اللقاح بحسب إحصاءات منصة التلقيح التابعة لوزارة الصحة IMPACT. 

وأطلقت المفوضية منذ شهر تموز 2021، حملة التلقيح المتنقّلة بإشراف وزارة الصحة لتسهيل عملية التلقيح للأشخاص من لبنانيين ولاجئين في المناطق النائية أو البعيدة عن مراكز التلقيح المعتمدة. كذلك تعمل المفوضية على التصدّي للمعلومات الخاطئة عن اللقاح للحدّ من التوجّس منه. وفي استطلاع للرأي قامت به المفوضية، حلّ الخوف من الآثار الجانبية للقاح كسبب أوّل لأسباب التي تجعل اللاجىء واللبناني متردداً حيال اللقاح، من هنا تعمل المفوضية على تكثيف حملات التوعية بشكلٍ عام وتوجيهها على تجمّعات الخيم التي تُلحظ  فيها مستويات من التردّد حيال اللقاح.

التوجّس مستمرّ من اللقاح ومخباط يوضح

ورغم كلّ المعطيات والإحصاءات التي تؤكّد تراجع أعداد الملقّحين من بين المصابين لا تزال شريحة كبيرة رافضة التلقيح، فيتحدث رامي الممتنع  وجميع أفراد عائلته عن تناول اللقاح عن خوفهم من أعراضه الجانبية، فهم مقتنعون أنّ الدراسات حول الفيروس ما زالت قاصرة وغير كافية للتوصل إلى لقاح، وهم خائفون من مضاره على الجسم في المستقبل. بالنسبة لهم لا تزال تركيبة اللقاح مجهولة وغير موثوقة بدليل إصابة العديد من الملقحين حول العالم بأعراض جانبية ومنهم من قضى نحبه من اللقاح على حد قولهم، فلماذا يدخلون مادة غريبة على أجسادهم؟

لذلك تواصل وزراة الصحة بحملات التوعية لأخذ اللقاح حيث تنظم ماراثونات دورية وقد بلغت نسبة من تناولوا الجرعة الأولى من اللقاح 42.2% ، ومن تناولوا الجرعة الثانية 35% أما الجرعة الثالثة فبلغت نسبة من أخذوها 13.6% .

في المقابل، تعتبر مريم التي تناولت الجرعة الثالثة من اللقاح أنّ لا وسيلة للخلاص من هذا الوباء سوى أخذ اللقاح “أنا أي لقاح جديد بيطلع بدي آخذه لأن ما عنّا حل”، مضيفةً أنّها لم تنس بعد الخوف الكبير الذي عايشته في الفترة التي سبقت التوصّل للقاح، وأنّها فقدت الكثير من أصدقائها وأبناء بلدتها في الفيروس، وأنها لا تريد أن تمرّ بالتجربة المريرة ذاتها، مؤكدةً أنّ اللقاح منحها السكينة والاطمئنان بدلاً من العيش بالقلق طيلة الوقت.

أما مروان الذي أصيب بالعدوى للمرة الثانية، الأولى قبل تلقّيه اللقاح والثانية بعد أخذ الجرعتين، فيؤكد أنّه على الرغم من الأوجاع التي تنتابه حالياً، إلّا أنّها تبقى أخفّ من عوارض المرّة السابقة “عم حسّ بالبرد كثير ومفاصلي عم يوجعوني بس بعدها محمولة، المرة الماضية ضلّيت بالتخت واحتجت لأوكسيجين”.

وبهذا الخصوص يشرح الأخصّائي في الأمراض الجرثومية والمعدية جاك مخباط، في حديثٍ مع “المفكرة”، أنّ اللقاح لا يحمي من الإصابة 100% بل يخفف من أثرها وخطورة الفيروس وبالتالي يقلّص الحاجة لدخول المستشفيات في ظل تعثر القطاع الصحي في لبنان، معتبراً أنّ القلق الحقيقي اليوم هو من عدم الإقبال على أخذ اللقاح الذي وحده من يحمي المجتمعات من هذه الجائحة برأيه، مؤكداً أنّ اللقاح لا يلحق الضرر بالجسم كما يتصوّر البعض، فأكثر من 8 مليارات جرعة وزّعت حول العالم ولم تسجّل إصابات تذكر.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

قطاع خاص ، الحق في الصحة ، لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم ، جائحة كورونا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني