كلفة النقل تهدّد طلاب الجامعة اللبنانية والسكن الجامعي مقفل


2023-02-02    |   

كلفة النقل تهدّد طلاب الجامعة اللبنانية والسكن الجامعي مقفل

لم ينس طلاب الجامعة اللبنانية الفوضى التي عانوا منها فترة الامتحانات، ولا افتقار الجامعة إلى أبسط المقوّمات الأساسيّة مثل الكهرباء أقلّه للإنارة، ولا عدم استقرار التعليم في الجامعة أساسًا نتيجة أوضاع الأساتذة التي لم تُعالج بعد والتي تُنذر بإضراب أو توقف قسري قد يحصل في أيّ لحظة. ولكنّهم على الرغم من كلّ ذلك استبشروا خيرًا بقرار الجامعة بالعودة إلى التعليم الحضوري، لتأتي كلفة بدل النقل وتقف عائقًا أمام الوصول إلى الجامعة التي بالكاد قادرة على الاستمرار.  

فبعد أشهر من انطلاق العام الدراسي، وفي ظلّ استمرار انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع أسعار المحروقات، يجد الطلّاب أنفسهم غير قادرين على الوصول إلى حرم الجامعة. فكلفة النقل اليوميّة تجاوزت 100 ألف ليرة إذا كان السكن قريباً و400 إلى 600 ألف ليرة لمن يأتي من مناطق بعيدة أي أكثر من 6 ملايين ليرة أي قد يكون راتب موظف في القطاع العام. أما السكن الجامعي الخاص القريب فبلغت كلفته 120 دولارًا شهريًا، و200 دولار في بعض المناطق، فيما السكن الجامعي الذي كان يستقبل حوالي ألفي طالب لا يزال مغلقًا بعدما أُخرج منه الطلاب العام الماضي بهدف الصيانة وعلى وعود بإعادة فتحه هذا العام.

رئيس الجامعة بسّام بدران وفي حديث مع “المفكرة القانونيّة” أوضح أنّ الجامعة انتهت من صيانة السكن الجامعي وأنجزت لوائح الطلاب الذين سيستفيدون منه، وأنّها ستعلن عن الأمر خلال هذا الأسبوع، مشيرًا إلى أنّ بدء تسليم السكن للطلاب ينتظر الاتفاق مع شركة مشغّلة لتتولى الأمر وأنّ الجامعة تعمل على الموضوع ليتم تحقيقه قريبًا من دون تحديد تاريخ واضح.

ويشير بدران إلى أنّ الجامعة أطلقت مناقصة نهاية العام الماضي لإدارة المُجمّع كاملًا، وليس فقط السكن، ولم يتقدّم أحد وعادت وأطلقت مناقصة أخرى، وأنّها تتواصل من أجل عقد مصالحة لتشغيل السكن الجامعي، على الرغم من صعوبة انتظام الأمور، لا سيّما أنّ شركة “دنش” التي تقوم بتشغيل وصيانة المجمّع كله أبلغت الجامعة توقفها عن العمل نهاية الشهر الماضي، ما يطرح سؤالًا عن كيفيّة تشغيل السكن الجامعي في حين تشغيل الجامعة سيتعطّل.

التوقّف عن الدراسة حتى “الله يفرجها”

“حضّرت كوراتي لأعطيهم لإحدى صديقاتي في القرية، ولكنّها قرّرت التوقّف عن الدراسة لا تستطيع تأمين بدل النقل بعد اليوم، حرمها بدل النقل من حقّها في التعلّم، اتجهت إلى المهني ليس لأنّها تحبّه ولكن كلفة الوصول إلى المهنيّة مقدور عليه حتّى الآن” تقول إحدى الطالبات التي تسكن في حاصبيا والتي بدورها لم تستطع هذا العام أنّ تسجّل في صف الماستر بسبب كلفة النقل، بعدما أنهت 3 سنوات في دراسة علم الاجتماع.

تصف هذه الطالبة الأوضاع بغير المقبولة. تقع أقرب جامعة إليها في صيدا، وكلفة الوصول اليوميّة إليها 400 ألف “الوضع لن يستقر هكذا، سترتفع الكلفة بالطبع، العام الماضي كانت حوالي 200 ألف ليرة، أبي مزارع وخطيبي عسكري كيف يمكن أن يؤمّنوا لي 6 ملايين للوصول إلى الجامعة شهريا؟، بحثت عن عمل ولكن الراتب الذي وجدّته بالكاد يكفيني للوصول إلى العمل نفسه” تضيف. 

إذا كانت هذه الطالبة استطاعت أقلّه أن تحصل على إجازة جامعيّة لأنّ “الأونلاين أنقذنا” على حدّ تعبيرها، إلّا أنّ محمد، وهو طالب سنة أولى علوم حاسوب، لم يحضر إلى الجامعة منذ شهر، ولن يتمكّن، في ظلّ هذه الظروف، من إكمال عامه الدراسي وربما اختصاصه “عم فكّر وقّف وإرجع بعدين، صعبة، بركي بس الله يفرجها”.

يقول محمد في حديث مع “المفكرة”: “قضوا على كلّ شيء، حتى التعليم، نعم الجامعة اللبنانية أصبحت لناس وناس، أما من كان والداه من غير الميسورين، أو يعملون في القطاع العام، فله الله”” مشيرًا إلى أنّه يضطر للنزول يوميًا من صيدا وأنّ كلفة النقل باتت 400 ألف ليرة كانت 200 ألف “يكلفني الوصول إلى الجامعة أكثر من 5 ملايين بالشهر، بعد ما أكلنا ولا شربنا ولا صوّرنا كور (course)” يضيف.

هذا المبلغ يُعتبر عبئًا كبيرًا على محمد مثله مثل مئات الطلاب في الجامعة فوالده كان موظفًا في القطاع الخاص واليوم هو بلا عمل، هو وأخاه يحملان مسؤولية الأسرة. وفي هذا الإطار يأسف محمد لما وصلت إليه الأوضاع ويقول: “دمروا مستقبلنا، كان لدينا أمل أن نحصل على شهادة لنجد عملًا في الخارج إذا لم نجده في وطننا، ولكنّ العلم في لبنان بات للمقتدرين فقط”.

السكن الجامعي “على الوعد يا كمّون”

كان السكن الجامعي داعمًا أساسيًا للطلاب القادمين من مناطق بعيدة، فكلفته الشهرية كانت 200 ألف ليرة إضافة إلى تأمين يدفع مرة واحدة هو 400 ألف ليرة، وحتّى مع إقرار التعرفة الجديدة (مليون ليرة شهريًا وتأمين بقيمة مليونين) لا يزال متنفّسًا لا سيّما أنّ المساكن الجامعيّة الخاصة “استغلت إقفاله ورفعت أسعارها” على حدّ تعبير أكثر من طالب ممّن اضطروا لاستئجار سكن خاص بانتظار إعادة فتح السكن الجامعي الذي وُعد به الشهر الماضي.

“المفكرّة” جالت على أصحاب بعض المساكن الخاصة التي تؤجّر للطلاب القريبة من مجمّع الحدث فوجدت أنّ الأسعار تتراوح ما بين 60 و125 (60 دولارًا السرير و125 غرفة) وكرّر هؤلاء أنّ الطلاب الذين استطاعوا أن يدفعوا بداية العام باتوا حاليًا يلجأون إلى التقسيط وأنّ الإقبال على السكن كان كبيرًا بداية العام بسبب توقّف السكن الجامعي.

وفي الإطار يقول معتصم، وهو طالب سنة ثالثة في كلية العلوم، إنّه لجأ إلى السكن الخاص على أساس وعد بعودة السكن الجامعي الشهر الماضي، وهو اضطر لدفع ثلاثة أشهر أي 360 دولارا حتى اليوم “جمعت المصاري من هون وهون وبطلوع الروح على أساس في سكن جامعي، ولكن لا سكن جامعي حتى اللحظة وهذا يُهدد بقائي في الجامعة”.

 يسكن معتصم في الضنية، أو في أقسى الضنية كما يفضّل أن يقول، وأقرب جامعة لبنانيّة إليه هي في الكورة، وعليه، وفي حال عدم سكنه في بيروت، فهو مجبر أن يدفع 120 ألف ليرة يوميًا للوصول إلى التلّ ومن ثمّ من التلّ إلى الكورة يدفع 60 ألف ليرة. “يعني 400 ألف ليرة يوميًا، هذا عدا عن الوقت الذي يستغرقه الوصول إلى الكورة  والعودة منها أي ساعتين،  لذلك يفضّل طلاب عكار والضنية الدراسة في بيروت لأن السكن الجامعي يبقى أقلّ كلفة، لذلك يجب إعادة فتحه وإلّا مستقبلنا في خطر” يقول.

لا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة إلى عماد وهو أيضًا طالب في كلية العلوم سنة ثالثة. عماد أيضًا كان يسكن في السكن الجامعي وتركه العام الماضي بعدما طلبت الجامعة من الطلاب المغادر على وعد بالعودة.

يسكن عماد في البقاع الغربي، ولم يستطع استئجار سكن خاص في بيروت حيث طُلب منه 110 و150 دولارًا كبدل إيجار غرفة واحدة، فتمهّل بانتظار عودة السكن الجامعي، وبعد مضي شهر على انطلاق العام الدراسي وعدم إعادة فتح السكن الجامعي قرّر أن يختصر حضوره إلى الجامعة بيوم أو يومين لأنّ الوصول إلى الجامعة يكلّفه حوالي 400 ألف ليرة يوميًا فحاول حضور المحاضرات التي لا يمكنه التغيّب عنها أبدًا.

يحاول عماد قدر المستطاع إكمال دراسته ولكنّه يتخوّف من عدم قدرته على الحضور إلى الجامعة لإجراء الامتحانات، فكلفة بدل النقل ترتفع بشكل يومي. “قد أُجبر على عدم إجراء بعضها إذا استمرينا خارج السكن، قد أتّجه إلى العمل، أحاول ألّا أترك الجامعة كليًا كي لا أخسر سنة دراسية. إذا تركت هذا العام سأعود العام المقبل”.

ويشير عماد إلى أنّه حتى لو قرّر أن ينتقل إلى فرع زحلة الأقرب إلى سكنه فلن يستطيع تأمين كلفة بدل النقل التي تتجاوز 250 ألفًا يوميًا، لذلك فالحل الأنسب هو عودة السكن الجامعي.

والدا عماد موظفان في القطاع الخاص لا يتجاوز راتبهما معًا 30 مليون ليرة، وهما مسؤولان عن 5 أبناء اثنان منهما في مرحلة التعليم الجامعي وثلاثة في التعليم المدرسي. 

كما عماد، تتحدّث فاطمة، وهي طالبة سنة رابعة في كليّة الآداب، عمّا تسمّيه مأساة يوميّة وكابوس تأمين كلفة الوصول إلى الجامعة، وتسأل: “لماذا لا يكون هناك تسهيلات بالفانات لطلاب الجامعة اللبنانيّة، أهالينا موظفون أو عمال ورواتبهم باللبناني، ونحن لا نجد عملًا لنا ليساعدنا، مستقبلنا مهدّدـ والوضع كارثي”.

تسكن فاطمة في النبطية وصيدا هو الفرع الأقرب إليها أي أنّ عليها أن تدفع يوميًا 300 ألف ليرة بدل نقل فقط، لذلك لا تذهب إلى الجامعة يوميًا وتختار الأيام التي قد يؤثّر التغيّب عن محاضراتها أكثر من غيرها “صرنا نعمل دراسة جدوى” تقول.

يعمل والد فاطمة بائع قهوة متجوّلًا هو واثنان من أبنائه ليعيلوا باقي أفراد العائلة، ولا تتجاوز يوميّته 300 ألف ليرة “يوميّة والدي لا تكفي بدل نقل للوصول إلى الجامعة” تقول فاطمة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في السكن ، الحق في التعليم ، نقل عام ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني