كريستينا صامدة وكارمن توثّق جريمة إسرائيل بحق الصحافيين


2023-10-17    |   

كريستينا صامدة وكارمن توثّق جريمة إسرائيل بحق الصحافيين
من تغطية LBCI للأحداث

“دقتلي من قبرص، حيث مقرّ عملها، وكانت مفعمة بالحماسة للفرصة التي أتاحتها لها الوكالة: أخيرًا تحقّق حلمي، يمكن أنا نازلة عالحدود (اللبنانية الفلسطينية).. محمّسة كتير.. ما تخبّري حدا، قبل ما اتأكد، ما بدّي انحس حظي.. سكّرت الخط وبعد 10 دقائق دقتلي مرة تانية: نازلة نازلة!”.

بهذه الكلمات أخبرت كريستينا عاصي المصوّرة في “وكالة الصحافة الفرنسية” عن قدومها إلى لبنان لصديقة طفولتها ديما دوغان في اتصال شاركت ديما مضمونه مع “المفكرة القانونية”، لتخبرنا أنّ هذه المهمّة الأولى لكريستينا في تغطية أعمال حربية. “صرلها 5 سنين بتشتغل لهيدا النهار”، لكنها لم تشكّ للحظة أنّها ستكون الحدث بدلًا من أن تنقل الحدث. كان ذلك  قبل أيّام من إصابتها في 13 تشرين الأول 2023 إثر القصف الإسرائيلي على مجموعة صحافيين أدّى إلى استشهاد المصوّر الصحافي عصام عبدالله وإصابة ستة زملاء وزميلات آخرين بجروح بينهم كريستينا.
أصيبت كريستينا ابنة الـ 28 عامًا إصابة بليغة في قدميها، وقد خضعت لعمليات جراحية عديدة فيهما، استمر بعضها لأكثر من 9 ساعات، على أن تخضع لعمليات إضافية في الأيام المقبلة. واحتاجت كريستينا إلى أكثر من 17 وحدة دم في اليومين الأوّلين لإصابتها، وعادت مستشفى الجامعة الأميركية، حيث تعالج، لتطلب التبرّع بالدم مجددًا أمس الإثنين. وفي المرّتين، وما أن  نشر ذووها وأصدقاؤها خبر حاجتها للدم حتى احتشد المتبرّعون في الطابق الثالث في المستشفى للتبرّع بدمائهم، علّهم يساهمون  في انتصارها على إصابتها. وهي حتى كتابة هذه السطور، لا تزال في العناية المركّزة ووضعها حرج وفق مديرة مكتب الوكالة الفرنسية آسيل طبارة.

الجريمة على لسان المصابين وزملائهم

بعد ظهر 13 تشرين الأوّل 2023، وتحديدًا عند الساعة 4 و45 دقيقة، بدأت تصل الأخبار الأولى عن استهداف الإسرائيليين مجموعة من الصحافيين العاملين مع وكالات دولية وقنوات عربية ومحلية في بلدة علما الشعب الجنوبية. وما هي سوى نصف ساعة، حتى أُعلن استشهاد الزميل المصوّر في وكالة رويترز عصام عبدالله وإصابة 6 زملاء وزميلات آخرين هم مراسلة “الجزيرة” كارمن جوخدار والمصوّر إيلي برخيا، ومن وكالة الصحافة الفرنسية المصوّران كريستينا عاصي وديلن كولينز، إضافة إلى الزميلين العراقيين ثائر زهير كاظم وماهر نزيه عبد اللطيف من رويترز. وقد غادر الأخيران مع كولينز المستشفى بعد علاجهم، فيما لا تزال الزميلتان عاصي وجوخدار والزميل برخيا قيد العلاج. وعلمت “المفكرة” من عائلة إيلي براخيا أنّ وضعه مستقرّ ويتحضّر لإجراء عملية جديدة، وكان براخيا قد أُصيب في يده اليمنى وكتفه.

من منّا لم يشاهد كريستينا عبر فيديو وثقته كاميرا وبثه التلفزيون العربي، مستلقية على الأرض  تصرخ من الألم جرّاء إصابتها، وظهور روبير غصن، مسؤول البث المباشر في المؤسسة اللبنانيّة للإرسال الذي كان على بعد أمتار من الزملاء المستهدفين برفقة الزميل إدمون ساسين. وقد ظهر غصن وهو يحاول التخفيف عن كريستينا بالقول “ما تعتلي هم شلتك من عزرايل، تذكّريني بكرا”، فأجابته “أكيد”، وطلبت منه مساعدتها على خلع الكاميرا المعلّقة في عنقها. 

غصن روى لـ “المفكرة” مشاهداته قبل الأحداث المأساوية التي أصابت الصحافيين وأثناءها “خلال تواجدنا في الجنوب بدأت تصل أخبار عن حصول تسلل في منطقة علما الشعب، وأثناء توجّهنا بدأنا نسمع صوت القصف”. ويُضيف: “اخترنا نقطة كاشفة للحدود مع فلسطين المحتلة وبدأنا البث المباشر”. وأثناء بث “إل بي سي”، يقول غصن: “استهدف صاروخان الصحافيين المتواجدين على بعد أمتار منّا، أول ما فكّرت به على هول الصدمة هو أن أغيّر مكان السيارة. يتابع غصن “بعدها توجهت إلى موقع القصف، في نقطة أعلى منّا وتبعد أمتار قليلة، رأيت كريستينا بالقرب من النار، سحبتها بعيدًا إلى جانب الجدار، وأزلت الخوذة عن رأسها، وكانت تغيب عن الوعي فعملت على إيقاظها، وقلت لها بعفوية “شلتك من عزرايل”. وبعدها توجّهت إلى مراسلة الجزيرة الزميلة كارمن جوخدار وحملتها إلى سيارة الإسعاف نفسها التي نُقلت فيها كريستينا”. روبير أكدّ أنّه اعترض على تصوير الجرحى وكذلك جثة الشهيد عصام عبدالله احترامًا لهم، فهو الذي أمضى عشرين سنة في العمل التلفزيوني أصبح متيقّظًا لأهميّة حماية الناس في هذه اللحظات، يقول “مرّت عليّ الكثير من الأحداث، وكانت زوجتي وعائلتي يُصابون بالذعر كلّما حصل أي حادث ورأوا صورتي على التلفزيون، لهذا السبب حاولت منع الآخرين من تصوير عصام والجرحى احترامًا لهم ولعائلاتهم”.

اليوم كلّ ما يفكر به روبير هو أن “تكون كريستينا بخير، أطمئن عليها بشكل يومي وأنتظر خروجها من المستشفى وتسليمها كاميرتها التي أحتفظ بها، كما وعدتها”. وبدون أي تردد، عاد غصن إلى الجنوب ليستمر في عمله في نقل الصورة. 

المصوّر المصاب الآخر في وكالة الصحافة الفرنسية الأميركي ديلن كولينز، كان قد عاد إلى بيروت قبل أسبوع واحد من إصابته، وبعد غياب 3 أشهر، هي مدّة شفائه من إصابة تعرّض لها خلال تغطيته الحرب الاوكرانية. بداية لم توافق إدارة وكالته على مشاركته في التغطية في  جنوب لبنان، إلّا أنّها عادت ووافقت بعد إصراره على ذلك، وقد خرج من مستشفى حمود في صيدا إثر علاجه من إصابته في كتفه..

“قصفنا كان متعمّدًا هدفه قتلنا”

“كان الصحافيون المستهدفون بالعدوان الإسرائيلي يتمركزون في نقطة تعتبر آمنة نسبيًا، إذ لم يحصل أي عمل عسكري انطلاقًا منها، سواء كان لجهة إطلاق صواريخ أو قذائف وحتى لا يوجد أي حركة عسكرية قربها”، تؤكد الزميلة كارمن جوخدار، لـ “المفكرة”، لتضيف “لذا قصفنا كان متعمّدًا والقصد منه القتل، ولم يكن صدفة أو خطأ أبدًا، كما يحاول العدو أن يوحي”.
كارمن مصابة بشظايا في كل أنحاء جسدها، تخبر من على سريرها في المستشفى “المفكرة” لحظات العدوان عليها وعلى زملائها “كنت والزميل إيلي برخيا في البرج الشمالي لتغطية التظاهرة التضامنية مع فلسطين وغزة، بعدها توجّهنا إلى الناقورة، حيث الفندق الذي ننزل فيه. فور وصولنا، وصلني سقوط قذيفتين في علما الشعب، فتوجّهنا إلى المنطقة، لم نسمع أي قصف في الناقورة، ولم نسمع إطلاق صواريخ في القليلة. كانت الساعة حوالي الرابعة، أو قبلها بقليل، وصلنا عند  أول موقع، ثم انتقلنا إلى موقع آخر اعتبرناه أكثر  أمانًا، وبدأنا البث المباشر وصوّرنا القصف الإسرائيلي، كان بيستهدف التلة المقابلة لموقعنا، ثم عدنا في بث ثانٍ “لايف”، وقد سألني المذيع في الاستوديو عمّا  إذا كان هناك صواريخ تطلق من الجنوب، فنفيت ذلك، وأجبته على الهواء: “ما في صواريخ ولا قصف مدفعي، من جهتنا، كلّه من جهة إسرائيل، القصف يستهدف لبنان، يوجد محاولة تسلل ولكن القصف من ناحية الإسرائيليين”.
وتضيف: “بعد البث المباشر، رأيت طائرة أباتشي في الجو، كانت فوقنا، لم يكن هناك قصف تحذيري، فقط الأباتشي تطير فوقنا.  بدأت أجري test على الكاميرا، كوني سأبدأ بثًا مباشرًا عند السادسة: وظهرت الطائرة، وأغارت في المرة الأولى على عصام، ما قدرت شوف شو صار، ركضت، انتبهت أنني بالقرب من سيارتنا. وبما أنّهم أخبرونا في التدريب أنه يجب الابتعاد عن السيارة، بدأت بالركض أبحث عن حفرة أختبئ فيها. وأنا أركض بعثت رسالة على غروب الشغل على واتسآب بأنّ هناك غارة بقربنا، وحدثت الضربة الثانية، ما عرفت مين انصاب، كريستينا صارت تصرخ، نطرت شوي وسمعت صراخ إيلي، شفته كتير متصاوب، شظايا كتير بجسمه، أنا وهربانة صار يعيّط إيلي والسيارة عم تحترق، صاروا يسحبوه الزملاء برويترز، كنت عم اتصل بالإسعاف، وفي الوقت نفسه، كنت أقاوم كي لا أغيب عن الوعي لأني كنت أنزف بشدّة”.

وكان الجيش اللبناني أعلن في بيان لمديرية التوجيه أنّه “إلحاقًا للبيان السابق في تاريخ 13-10-2023 المتعلّق باستهداف العدو الإسرائيلي برج مراقبة للجيش اللبناني في خراج علما الشعب، أطلق العدو الإسرائيلي بالتاريخ نفسه قذيفة صاروخية أصابت سيارة مدنية تابعة لفريق عمل إعلامي، ما أدّى إلى استشهاد المصور عصام عبد الله وإصابة 5 آخرين”.
وفي هذا السياق، أوعزت وزارة الخارجية اللبنانية إلى بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك “تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي عن قتل إسرائيل المتعمّد للصحافي اللبناني الشهيد عبدالله العامل في وكالة رويترز، وإصابة صحافيين آخرين بجروح من وكالة الصحافة الفرنسية وقناة الجزيرة، مما يشكّل اعتداء صارخاً وجريمة موصوفة على حرية الرأي والصحافة وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، من خلال استسهال قتل الصحافيين العزل ضحايا رغبتهم بنقل الحقيقة، والدفاع عنها بعدسات كاميراتهم وأقلامهم، ونقلهم لشريط الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في جنوب لبنان”، وفق ما جاء في بيان الوزارة.
وتضمّنت الشكوى “شرحًا للاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة في الأسبوع الأخير، وما سبّبته من إصابات في الأرواح والممتلكات، وخرقاً مستمرًا لسيادة لبنان ولقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أكد لبنان حرصه على تطبيقه والالتزام به بكامل مندرجاته، محمّلًا إسرائيل مسؤولية التصعيد الحاصل، ومحذّراً من أن عدم وضع حد لما تقوم به الأخيرة سيشعل المنطقة بأسرها ويهدّد السلم والأمن الدوليين ومصالح العالم أجمع”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، لبنان ، مقالات ، فلسطين ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني