قرض بقيمة 150 مليون دولار لاستيراد القمح: عدّ تنازلي لنهاية الدعم


2022-07-25    |   

قرض بقيمة 150 مليون دولار لاستيراد القمح: عدّ تنازلي لنهاية الدعم

أحد أهم أسباب انعقاد الجلسة العامة هو مشروع القانون الرامي إلى طلب الموافقة على اتفاقية قرض مقدّم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح.

الحكومة تطلب الموافقة على الاتفاقية التي وقّعت في 23 أيار 2022، وتنصّ على فتح اعتماد من هذا القرض على سعر الصرف الرسمي وقيدها في السجلات المالية بقيمة 226 ملياراً و125 مليون ليرة. كما ينص على فتح اعتمادات النفقات التشغيلية الواردة في المساهمة المُعطاة من موازنة المديرية العامة للاقتصاد والتجارة في موازنة المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري والتي يصل مجموعها إلى 2.5 مليون دولار (السلع والخدمات الاستشارية وغير الاستشارية). كما ينص العقد على تقسيم قيمة القرض إلى جزءين: جزء غير ميسّر ويقدر ب90% من المبلغ الإجمالي، وجزء ميسّر يشكل 10% منه.

بحسب نصّ الاتفاقية، يهدف المشروع إلى ضمان توافر القمح في لبنان استجابة لاضطرابات سوق السلع العالمية والحفاظ على توافر الخبز بأسعار ميسورة للأسر الفقيرة والمحتاجة. ويتألف من جزءين:

  • المساندة المالية لمستوردي القمح المؤهّلين لاستمرار توفيره بما يساعد على تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان لبنان من الخبز.
  • تدعيم قدرات وموارد وزارة الاقتصاد والتجارة من أجل إدارة المشروع بكفاءة ويشمل ذلك الامتثال للمتطلبات المالية والتعاقدية المتعلقة بالمشتريات، وكذلك البيئية والاجتماعية، والتدقيق المالي والإدارة المالية، والتعاقد مع جهة ثالثة للمراقبة والرصد، والتشاور مع المجتمعات المحلية وإدارة المظالم والشكاوي.
  • دعم استيراد القمح والحصول على الخبز بتكلفة ميسورة من خلال المساعدة التقنية لتعميق حماية المستهلك والمعاينة وجمع البيانات والشفافية والحوكمة في جميع مراحل سلسلة توريد القمح، بالإضافة إلى إجراء دراسات استقصائية حول الأسر المحتاجة والفقيرة بما في ذلك حصول اللاجئين على الخبز بتكلفة ميسورة.

وقد ورد ضمن الأسباب الموجبة للمشروع أن الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان وارتفاع سعر صرف الدولار في السّوق الموازية، أدّيا إلى ارتفاع أسعار السلع كافة ومنها السلع الغذائية بشكل خاص. وأصبحت كلفة استيراد القمح عالية جداً مما يؤدي إلى ارتفاع كبير في سعر ربطة الخبز. ولما كان البنك المركزي غير قادر على تغطية قيمة شحنات القمح وتحويل الدولار إلى المورّدين في الخارج مقابل السعر بالليرة بما يوازي سعر الصرف الرسمي، وعلى وقع الآثار الاقتصادية للصراع في أوكرانيا، وفي سبيل الحفاظ على الأمن الغذائي لا سيما توفير الخبز للأسر المحتاجة بأسعار ميسورة، تقدم البنك الدولي بمشروع اتفاقية قرض ميسّر بقيمة 150 مليون دولار لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح. وقد تم التفاوض معه في شهر نيسان 2022 لتمويل هذا المشروع.

المشروع الذي أقر في لجنتي المال والخارجية النيابيتين، لم يمرّ من دون طرح عدد من الملاحظات والتحفظات، بالرغم من شبه الإجماع على أهميته لما يطاله من مادة حيوية وضرورية. وقد تركّزت هذه الملاحظات، التي يتوقّع طرحها في الهيئة العامة على:

  • بدلات الأتعاب الواردة في متن العقد.
  • الصلاحية الممنوحة للمديرية العامة للحبوب والشمندر السكري لفتح اعتماد ودفع ثمن الطحين إلى المورّدين في الخارج مباشرة. وقد طُلب تحدد أسباب هذه الصلاحية، علماً أنّ دمج الموازنات المُلحقة بالموازنة العامة نقل هذه الصلاحية إلى وزارة المالية ومصرف لبنان.
  • ضرورة تحديد الجهات الرقابية على عملية توزيع القمح المدعوم، بعدما أثير حول مخالفات بهذا الشأن.
  • ضرورة الضغط على البنك الدولي لتخفيف أعباء القرض كون لبنان مجتمعًا مضيفًا.

بالرغم من هذه الملاحظات، يُتوقع أن يوافق مجلس النواب على القرض، الذي يُشكّل المرحلة الانتقالية بين تأمين القمح على سعر 1500 ليرة وبين تحرير سعره، وبالتالي رفع سعر ربطة الخبز من 13 ألف ليرة حالياً إلى ما يصل إلى 40 أو 50 ألف ليرة (حسب سعر الصرف في السوق الموازية). فالاتفاقية تشير إلى فتح اعتمادات على السعر الرسمي، إلا أنها تترك مجالاً أيضاً لتعديل سعر الصّرف، وبالتالي تعديل قيمة الاعتمادات المفتوحة. وقد وردت في النص عبارة تشير إلى إمكان “تغيير عملة هذا المبلغ من حين إلى آخر من خلال عملية تحويل العملة”.

وقد أوضح مدير عام المالية بالوكالة جورج معراوي، في جلسة لجنة المال المنعقدة في 14 تموز 2022، أنّ هذه العبارة وضعت تحسّباً لتعديل سعر الصرف الرسمي. أي بمعنى آخر، لا تنوي وزارة المالية الاستمرار بدعم القمح على سعر 1500 ليرة، وقد تركت هامشاً لنفسها يسمح بتعديل هذا الدعم، ربطاً بتعديل سعر الصرف. هذا الأمر يؤكّده ممثل مستوردي القمح أحمد حطيط للمفكرة القانونية، مشيراً إلى أنّ سعر الصرف لن يكون واحداً أثناء تنفيذ الاتفاقية، وفيما يمكن أن يبدأ التنفيذ على سعر 1500 ليرة للدولار، فإن هذا الدعم سينخفض مع الوقت، وصولاً إلى إلغائه مع انتهاء فترة القرض.

وبحسب المعلومات، فإنه لم يتم الاتفاق مع البنك الدولي على السعر المفترض لدولار القمح بانتظار بدء التنفيذ. علماً أنه يتوقع أن يكون القرض كافياً لتمديد إمدادات القمح المدعوم بفترة تسعة أشهر تزيد أو تنقص حسب الأسعار العالمية للقمح. على أن يتم بعدها وقف الدعم نهائياً، كما أعلن وزير الاقتصاد أكثر من مرة. فالأخير سبق أن أشار إلى ما أسماه “ترشيد سعر الدعم، وصولاً إلى مرحلة توضع فيها آلية أخرى للدعم تتمثل بالدعم من خلال البطاقة التمويلية، فتكفّ الدولة اللبنانية عن دعم البضائع والدعم المباشر لمادة القمح ويتحول الدعم مباشرة للمستهلك وللطبقات الأكثر حاجة”. وعملياً، سبق أن اختبرت مسألة الربط بين رفع الدعم وبالبطاقة التمويلية. وتبيّن أنه لم ينتج عنها سوى وضع الناس في مواجهة ارتفاع كبير في الأسعار، إن كان بعد رفع الدعم المحروقات أو بعد رفع الدعم عن الأدوية، من دون وجود أي أثر للبطاقة التمويلية، التي أقرت منذ أكثر من سنة ولا تزال تنتظر التنفيذ. 

وعليه، يكون الواقع الحالي كالتالي:

  • بعدما حُصر الدعم بالقمح الخاص بالخبز العربي، انخفضت كميات القمح المدعوم من 50 ألف طن شهرياً إلى 35 ألف طن شهرياً.
  • سعر الطن حالياً 420 دولاراً، ما يعني أن لبنان يحتاج إلى نحو 15 مليون دولار شهرياً لتأمين حاجة السوق من الخبز العربي.
  • منذ أيام، يُنتظر تفريغ نحو 20 ألف طن من القمح من المرفأ، إلا أن ذلك لم يحصل بعد، بسبب إضراب موظفي مصرف لبنان الذي أعاق فتح الاعتمادات وبسبب تأخر وزارة الزراعة بأخذ العينات لفحصها. ويضاف إليها اليوم باخرة جديدة تحمل 25 ألف طن.
  • هذا يعني أن الكمية الحالية من القمح المدعوم، والتي تقدر ب45 ألف طن، تكفي سوق الخبز العربي لأربعين يوماً. وهي فترة يفترض أن تكون كافية للبدء بالاستفادة من قرض البنك الدولي. فبحسب وزير الاقتصاد، يحتاج تنفيذ القرض لنحو شهر منذ الموافقة عليه في مجلس النواب.

هذه الوقائع لا تطمئن كثراً. فهي غير كافية لضمان عدم استمرار طوابير الخبز أمام الأفران. فالطلب لا يزال مرتفعاً، والخبز العربي يُباع في السوق السوداء. علماً أن وزارة الاقتصاد والقوى الأمنية لا تزال غير قادرة حتى اليوم على ضبط التلاعب بكميات القمح أو مواجهة الاحتكار، ما يعني أنّ الطوابير قد لا تنتهي قريباً. وكل ذلك يُشكل تمهيداً لإنهاء الدعم، من دون أن يكون البديل، أي البطاقة التمويلية، مضموناً.

باختصار، الدعم على سعر 1500 ليرة للدولار مستمر حالياً لنحو شهر ونص، بعدها ستبدأ عملية تخفيض الدعم من دون أن يتّضح حجم هذا التخفيض. المرحلة الثانية هذه ستحفزّ التجار والمحتكرين على تخزين الطحين لتحقيق أرباح ضخمة عند رفع الأسعار. وبالرغم من إعلان وزارة الاقتصاد عن “تشكيل لجنة لتنظيم وصول القمح الى المرفأ وبعدها إلى المطاحن، وبمساعدة جميع الأجهزة لمتابعة وصول القمح إلى الأفران”، فإن التنفيذ، ربطاً بالتجارب السابقة، لن يكون مضموناً، وطبعاً وحده المستهلك سيكون المتضرر، إن كان في فترة تخفيف الدعم أو بعد نفاذ قرض البنك الدولي والبدء ببيع الخبز العربي بدون دعم، أسوة بكل أنواع الخبز الأخرى.

لتحميل وقراءة مشروع القانون: إضغط هنا

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، مصارف ، منظمات دولية ، تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، حقوق المستهلك ، لبنان



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني