قانون المنافسة يتحوّل إلى حقيقة: نهاية الحصرية لا الاحتكارات؟


2022-02-21    |   

قانون المنافسة يتحوّل إلى حقيقة: نهاية الحصرية لا الاحتكارات؟

أبرز ما أقرّته الهيئة العامة لمجلس النواب كان قانون المنافسة، الذي استعصى على كلّ المجالس النيابية منذ التسعينات حتى اليوم، بسبب قوة كارتيلات الاحتكارات والوكالات الحصرية. حتى بعد توقيع اتفاقية الشراكة الأورو- متوسطية (2001) التي تشترط في المادة 36 منها وجوب إنهاء الوكالات الحصرية، ظل أصحاب هذه الوكالات أقوى من أي اتفاق. عملياً، عوامل كثيرة ساهمت في جعل المستحيل ممكناً أمس. أولاً، التبدّلات الكبيرة التي طرأت على عمليات التركز الاقتصادي. ثانياً، الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي ضربت البلد وضربت القدرة الشرائية للناس، ما خفّض من أرباح أصحاب الوكالات الحصرية. وثالثاً، الوصول إلى صيغة ترضي كل الأطراف بنسب متفاوتة، ما جعل الجميع يبدو منتصراً.

نهاية الوكالات الحصرية 

العنوان العريض للقانون هو إلغاء الوكالات الحصرية. البند الأول من المادة الخامسة، وفق الصيغة الأخيرة التي اعتمدت على اقتراح النائب سمير الجسر، تشير بوضوح إلى أن “لكل شخص لبناني طبيعي أو معنوي الحقّ في استيراد أيّ سلعة من بضاعة لها ممثل حصري في لبنان سواء كان ذلك لاستعماله الشخصي أو للإتجار بها”.

النقطة الخلافية التي تُركت للهيئة العامة كانت الفقرة الرابعة من اقتراح الجسر. المدافعون عموما عن مصالح الوكالات الحصرية، وفي مقدمتهم التيار الوطني الحر والقوات، أصروا على تدخّل الدولة في معاقبة أيّ شركة أجنبية في حال حصول وكيلها على حكم مبرم بالتعويض، من خلال منع دخول بضائعها إلى لبنان. فيما أصرّ الداعون إلى إلغاء الحماية عن الوكالات، وفي مقدمتهم حزب الله، إلى إلغاء هذه الفقرة، وترك القضايا العالقة بين الوكيل والمصنّع للقضاء ليفصل بها من دون أي تدخّل من قبل الدولة. حجة أصحاب الرأي الأول أن الوكيل المحلي هو الحلقة الأضعف ويجب على الدولة أن تحميه وتضمن حث الشركة الأجنبية على الالتزام بالقرار القضائي المتعلق بالتعويض، خاصة أن الوكالات لا تطال سلعاً ومنتجات أساسية وضرورية، وبالتالي فإن خطر دخولها إلى البلد لا يؤثر على المستهلكين. وحجة أصحاب الرأي الثاني أن العقد هو شريعة المتعاقدين، وبالتالي لا يسقط حق الوكيل في حال حصوله على حكم مبرم بالمطالبة بالتعويض إن كان في بلد المنشأ أو في لبنان، لكن من دون أن تتدخل الدولة بين المتعاقدين. 

التسوية التي أنجزت قبيْل الجلسة بين أعضاء اللجنة الفرعية المعنية بدراسة الاقتراح، ولاسيما بين رئيسها فريد البستاني والنائبين ألان عون وحسين الحاج حسن، قضت بإضافة جملة إلى الفقرة تشير إلى سريان أحكام هذا البند لثلاث سنوات من تاريخ صدور الحكم المبرم. وعليه، تقوم الجمارك اللبنانية خلال هذه الفترة بمنع البضاعة الخاصة بالشركات الأجنبية، التي يوجد حكم مبرم ضدّها، على أن يُعاد السماح بدخول البضائع بعد مرور السنوات الثلاث. وقد كان واضحاً أن هذه المدة تتعلق بإدخال البضائع ولا تتعلق بتنفيذ الحكم الذي يبقى متوجب التنفيذ، وفقاً للقوانين المرعية الإجراء، خلافاً لرأي النائب جورج عقيص الذي اعتبر أن تحديد المهلة بثلاث سنوات يتناقض مع قانون الموجبات والعقود. 

بالنتيجة، صارت الفقرة الرابعة من المادة الخامسة على الشكل التالي: يحقّ لممثل سابق في حال تدوين إشارة حكم مبرم بالتعويض عليه على صحيفة الشركة في وزارة الاقتصاد التي كان يمثّلها أن يبلغ مضمون الحكم المبرم المدوّن إلى إدارة الجمارك كي لا يسمح بتخليص البضائع المستوردة من إنتاج الشركة المحكومة، ما لم تكن البضاعة قد شُحنت إلى لبنان بتاريخ سابق على تدوين إشارة الحكم المبرم وعلى إبلاغ إدارة الجمارك، إلا بعد أن يبرز مستوردها إفادة تثبت رفع الإشارة عن صحيفة الشركة. وتسري أحكام هذا البند لثلاث سنوات من تاريخ تبليغ الحكم المبرم.

معركة لحماية الاحتكارات

إقرار إنهاء الوكالات الحصرية، لم ينعكس على إنهاء الهيمنة وتعزيز المنافسة. فبالرغم من أخذ المادة الخامسة المتصلة بالوكالات الحصرية الحيز الأكبر من النقاش، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن الوكالات الحصرية الصالحة تقلص عددها وبات تعطيلها يعطل جزءاً من الاحتكارات لا كلها.

بالمقابل، ما أكّد أنّ الاحتكارات لا تزال لها حماتها، كانت “المعركة” التي حصلت في الهيئة العامة على المادة التاسعة المتعلقة بإساءة استغلال الوضع المهيمن للإخلال بالمنافسة أو الحدّ منها أو منعها في السوق المعنية. الاتفاق الأخير في اللجان النيابية كان قضى باعتبار الشخص مهيمناً “إذا كانت حصته في السوق لا تقل عن 35%. كما تعتبر مجموعة من الأشخاص في وضع مهيمن إذا كانت تتألف من 3 أشخاص أو أقلّ يشكّلون مجتمعين 45%، أو إذا كانت تتألف من 5 أشخاص أو أقل يشكلون مجتمعين 55% من السوق”. 

الحاج حسن طرح في الجلسة تخفيض النسب إلى 30 و40 و50 تباعاً، مشيراً إلى أنها جزء من الاتفاق أيضاً. إلا أن سوء تفاهم حصل بشأن ذلك، استدعى استنفاراً من النائب ألان عون، الذي أكد أن الاتفاق محصور بالمادة الخامسة. مع ذلك، أعيد طرح إمكانية التوافق على النسب تلك بوصفها تتناسب مع التوجهات العالمية (وردت في اقتراح وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش)، كتسوية بين اقتراح الهيئات الاقتصادية التي كانت تطالب ب40% بداية وبين اقتراح كتلة الوفاء للمقاومة الذي يقترح نسبة الـ20%. 

عندها راح عون يعترض على النسب المطروحة بلهجة لا تخلو من الغضب، مصرّاً على الاتفاق الذي أنجز في اللجان. وقد انضمّت إليه النائبة رولا الطبش التي رفضت تخفيض النسب أيضاً. في المقابل، أعلن وزير الاقتصاد أمين سلام أن الوزارة سبق أن تقدّمت باقتراح بجعل النسب 25 و35 و45 توالياً، مشيراً إلى أن هذه النسب اقتُرحت بناء على دراسات عديدة وبما يتناسب مع حجم السوق. فرد عليه النائب فريد البستاني، الذي انضم إلى ثنائي عون والطبش، مطالباً بالاطلاع على هذه الدراسات. وبنتيجة الجوّ المشحون، ونتيجة تصدّر عون معركة المدافعين عما توصلت له اللجان، سأله بري عما إذا كان يوافق على السير بنسبة ال30%، انطلاقاً من أنه لا يجب توقيف القانون من أجل أمر كهذا. فدعا بري إلى التصويت على هذه النسبة، حيث تبيّن أن الأغلبية لم ترفع يدها. وفيما أعلن برّي أن الاقتراح سقط، داعياً إلى العودة إلى الصيغة الأصلية، اعترض النائب علي حسن خليل، الذي قال إن نسبة ال 30% كانت اقتراح تسوية ولكن نحن نتمسك بنسبة ال 25%. أثار ذلك حفيظة عون مجدداً، مطالباً باحترام قرار المجلس الذي صوت وأقر المادة. لكن بعد مطالبات عديدة، صوّت بري على نسبة ال25%. وبالرغم من أنه كان واضحاً أن الأغلبية أيّدت هذا الاقتراح، بما فيها كتلة المستقبل (باستثناء الطبش التي اعتبر نواب أنها تمثّل الوزير السابق محمد شقير أكثر من تمثيلها للمستقبل) ومع استمرار اعتراض عون، اعتبر برّي أن الاقتراح سقط مجدداً ليذهب إلى إقراره بمادة وحيدة، مبقياً المادة كما هي، أسوة بكل المواد الأخرى (باستثناء المادة 5). 

خلاصة

الإنجاز تحقق من وجهة نظر الجميع. من سعى للإبقاء على بعض المكتسبات للوكالات الحصرية والمحتكرين نجح في مسعاه، ومن سعى إلى تخفيض نسب الهيمنة، سعى إلى ذلك من منطلق محاولة تحقيق أكثر الممكن، لكنه في الواقع سبق أن وافق على هذه النسب في اللجان المشتركة. والأمر نفسه ينطبق على التعويض على الوكالات الحصرية في حالة الحكم المبرم، فهؤلاء كانوا واضحين بأنهم لن يتمسكوا برفض هذه الفقرة، لأنها تطال حالات محدودة جداً. 

تبقى الأمور بخواتيمها. هل تتحقق المنافسة فعلاً أم أن المحتكرين سيتمكنون من تخطي أحكامه؟ الخشية كبيرة من أن يؤدي هذا القانون إلى تنظيم الاحتكارات وتاليا إلى حمايتها وفق معادلات قد تأخذ طابع محاصصة طائفية، أكثر مما يؤدي إلى حمايتها. هذا ما نستشفه من الملاحظات والتحذيرات التي أبدتها المفكرة القانونية تعليقا على النسخة الأخيرة من الاقتراح والتي نكتفي هنا بالإحالة إليها. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، حقوق المستهلك



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني