نظرياً، صار قانون المنافسة على حافة الإقرار بعد قرابة عقد ونصف من المماطلة. بداية الأسبوع المقبل يُفترض أن تنعقد الهيئة العامة، وسيكون اقتراح القانون أبرز البنود الموضوعة على جدول أعمالها، بعدما أقرّته اللجان المشتركة أمس وأحالته إلى الهيئة العامة.
لكن مع ذلك، فإن المادة الخامسة من القانون، أو بشكل أدق الفقرة الرابعة من هذه المادة المتصلة بالتعويض المحكوم به للوكيل السابق، بقيت إشكالية ومعلّقة، بانتظار أن تحسم الهيئة العامة وجهتها. وقد تقرر ذلك في اللجان المشتركة تبعا لفشلها في الوصول إلى تسوية بشأنها بالرغم من استمرار النقاش لأكثر من ساعتين. وفي المقابل، اتُفق على الفقرات الأولى والثانية والثالثة والخامسة والسادسة من المادة، والتي تشير بشكل واضح إلى إلغاء الوكالات الحصرية. ومن اللافت أن الفقرة 2 من هذه المادة توسع إلغاء أي مفعول لحصر التمثيل التجاري ليشمل جميع المنتجات الدوائية والمستلزمات الطبية، بعدما كان القانون الحالي يستثني من حصرية التمثيل التجاري المواد الغذائية فقط.
بالنتيجة، نصت المادة الخامسة من القانون، في صيغتها الأخيرة، على الآتي:
1- لا يسري بند حصر التمثيل التجاري على الأشخاص الثالثين حتى لو أعلنه الوكيل بقيده في السجل التجاري.
ولكل شخص لبناني طبيعي أو معنوي الحقّ في استيراد أي سلعة من بضاعة لها ممثل حصري في لبنان سواء كان ذلك لاستعماله الشخصي أو للإتجار بها.
على الشخص اللبناني الذي يستورد منتجاً له ممثل تجاري في لبنان للإتجار أن يؤمن للمستهلك جميع الخدمات والضمانات وكفالات ما بيع البيع، كما هو محدد من قبل الشركة المصنعة في عقد التمثيل التجاري المسجل في السجل التجار وفي السجل الخاص في وزارة الاقتصاد.
2- لا يسري حصر التمثيل التجاري على جميع المنتجات الغذائية والدوائية والمستلزمات الطبية.
3- يجوز لممثل جديد أن يمثل شركة مورّدة سبق أن كان لها ممثل حصري ويوجد إشارة دعوى على صحيفتها. وللممثل الجديد أن يُسجّل وكالتها في وزارة الاقتصاد وفي سجلّه التجاري الخاص وفق الأصول القانونية.
4- يحقّ لممثل سابق في حال تدوين إشارة حكم مبرم بالتعويض عليه على صحيفة الشركة في وزارة الاقتصاد التي كان يمثّلها أن يبلغ مضمون الحكم المبرم المدوّن إلى إدارة الجمارك كي لا يسمح بتخليص البضائع المستوردة من إنتاج الشركة المحكومة، ما لم تكن البضاعة قد شُحنت إلى لبنان بتاريخ سابق على تدوين إشارة الحكم المبرم وعلى إبلاغ إدارة الجمارك، إلا بعد أن يبرز مستوردها إفادة تثبت رفع الإشارة عن صحيفة الشركة.
5- تُلغى الفقرات 3 و4 و5 من المادة 4 من المرسوم الإشتراعي 34 تاريخ 5/8/1967 مع كافة تعديلاته والمضافة بالقانون المنفذ بالمرسوم 9639 تاريخ 6/2/1975.
6- لا تسري أحكام هذه المادة على الدعاوى المُقامة قبل صدور هذا القانون بموجب القانون 34 تاريخ 5/8/1967 وتعديلاته.
بحسب مجريات جلسة أمس بدا واضحاً أن المتمسكين بالفقرة الرابعة إنما يربطون المادة كلها بها، إما تُقبل المادة كما هي أو تُرفض كما هي. أي بشكل آخر، كان هؤلاء واضحين في الإشارة إلى أنهم لن يوافقوا على إلغاء الوكالات الحصرية من دون هذه الفقرة. ويعتبر هؤلاء أن نقطة قوتّهم تتمثل بقدرتهم على فرض رأيهم بالتصويت، كونهم يشكّلون الأغلبية، التي يمكن تأمينها من خلال الحصول على أصوات التيار الوطني الحر والقوات والمستقبل، بالإضافة إلى الاشتراكي، الذي تؤكد المصادر أنه لن يعترض على هذه الصيغة لسببين: أولاً لأنها تشكل أفضل الممكن على ما أفضت إليه النقاشات، وثانياً لأن مصلحته الانتخابية تقضي بمسايرة القوات.
التيار الوطني الحر ممثلاً بالنائب ألان عون لم يألُ جهداً في الدفاع عن وجهة نظره المتمسّكة بالصيغة التي قدّمها الوزير سمير الجسر، إلى حد اتهام حلفائه بالسعي إلى كسر الوكالات الحصرية لمصلحة تجار جدد يريدون الحلول محلّهم. وسأل: هل المعركة اليوم تحوّلت إلى معركة بين تجار قدماء وتجار جُدد، أم هي معركة تأمين مصلحة المستهلكين وهي معركة مكرّسة في القانون، من خلال تأمين المنافسة ومحاربة الإغراق والاحتكار؟ وقد استدعى هذا الموقف رداً من النائب حسين الحاج حسن، الذي أسف لهذا الخطاب، مُستغرباً السعي المستمر لحماية الوكالات الحصرية.
في الفقرة الأولى من المادة، تمكّن مواجهو حماية الوكالات الحصرية من إسقاط شرط الاستيراد مباشرة من بلد تصنيع المنتج الأجنبي إذا أراد استيراد أي منتجات لها ممثّل حصري.
في المقابل، وافق هؤلاء على اشتراط تأمين الشخص اللبناني، الذي يستورد منتجاً له ممثل تجاري في لبنان للإتجار، جميع الخدمات والضمانات وكفالات ما بعد البيع. وقد سلم هؤلاء بأنه لا يجوز الحصول على وكالة سيارات، على سبيل المثال، من دون الحصول على خدمة ما بعد البيع. لكن هذا الشرط حُصر بالتجار وليس بالأفراد الذين يحق لهم استيراد أي منتج بغض النظر عن مسألة الضمان.
الحاج حسن، كان أكد أن هناك إصراراً على حماية عدد قليل من التجار تحت عنوان أن لهم حقوقاً. ولذلك دعا زملاءه لعدم التفريط بهذه الخطوة الإصلاحية بما فيها المادة الخامسة مع إعطاء فرصة للشركات الأم بالتعويض في حال فسخ العقد. وقد اعتبر أن منع بضاعة أي مستورد من الدخول إلى لبنان في حال صدور حكم مبرم بحقه بالتعويض على صاحب الوكالة الحصرية، يعني أن القانون لم يلغِ هذه الوكالات. كذلك وجد النائب جهاد الصمد أن هذه المادة تعني أن الدولة لا تزال تؤمن الحماية لأصحاب الوكالات فيما المطلوب أن يُترك هؤلاء لحل خلافاتهم مع شركائهم بأنفسهم، حتى لو كان ذلك من خلال التقاضي، من دون أي يؤثر ذلك على استمرار دخول السلعة إلى لبنان، عبر أي وكيل آخر.
الأهم أن معارضي هذه المادة يتخوّفون من أن يستغلها أصحاب الوكالات الحصرية، حتى قبل صدور الحكم المبرم لصالحهم، لتهديد المصنّع الأجنبي برفع دعوى تعويض في حال أراد إعطاء الوكالة لشركة أخرى، ما يؤدي عملياً إلى إبقاء الوكالة بيده، تحت طائلة منع بضاعة المصنّع من الدخول إلى لبنان. إلا أن هذا السيناريو يرجح أن يبقى محدودا في مفاعيله طالما أنه لن يكون بإمكان صاحب الوكالة الحصرية السابق منع استيراد البضاعة التي كان يسوقها إلا في حال حصوله على حكم مبرم بالتعويض وهو أمر قد يستغرق سنوات.
هذا الأمر يصفه عون بأنه غير منطقي. فالدولة هنا لا تحمي الوكالة الحصرية نفسها بل تساعد في تنفيذ حكم قضائي بالتعونيض حصراً، وبالتالي فور دفع التعويض إن كان من المصنّع الأجنبي أو عبر الوكيل المحلي الجديد، تعود السلعة إلى السوق.
يجزم نائب متابع للخلاف بشأن هذه المادة أنه صار أضيق من أي وقت مضى. فالفقرة الرابعة من المادة الخامس محصورة جداً، أولاً لأن صدور أي حكم مبرم قد يحتاج إلى سنوات من التقاضي، وثانياً لأنه طيلة فترة التقاضي، لن يكون أحد قادراً على منع الوكيل الجديد من إدخال البضاعة إلى السوق. ويعتبر أنه حتى لو بقيت هذه المادة فلن تؤثر على مبدأ إلغاء الوكالات الحصرية. وهو ما أشارت إليه المفكرة القانونية، معتبرة أن أي قراءة موضوعية لهذه المادة تُظهر أنها ذات تطبيق محصور بالتعويضات التي تُقررها المحاكم للوكلاء السابقين، مما يعني أن الخلاف بهذا الشأن بات ضيقاً.
وأبعد من ذلك، يؤكد مقدم الاقتراح النائب سمير الجسر للمفكرة القانونية أن الخلاف بشأن هذه الفقرة مُبالغ فيه. وقد سبق أن أكد في اجتماع اللجان المشتركة أن الحق بالتعويض للوكيل لا ينتفي بغض النظر عن وجود هذه الفقرة من عدمه. فإذا أصدر القضاء قراراً مبرماً يمكن للوكيل تنفيذه إما في لبنان، من خلال منع الدولة من إدخال منتجات هذا المصنّع إلى حين دفعه التعويض، أو من خلال اللجوء إلى المحاكم في بلد المنشأ. وعليه، يؤكد الجسر أنه، إن كان قد اقترح هذه الصيغة لأنه وجد فيها فرصة للتوافق بين المختلفين، فإنه لا يمانع بقاءها أو إلغاءها، انطلاقاً من أنها لا دور جوهرياً لها، وهي مجدداً محصورة بمسألة التعويض، إن تبيّن أن العقد الموقع بين الطرفين يسمح له به.
بحسب أجواء الجلسة، يخلص مصدر نيابي إلى أن معارضي هذه الفقرة أرادوا أن يرفعوا السقف في موقفهم إلى الحد الأقصى، لكنهم لن يتمسكوا بهذا الموقف حتى النهاية، انطلاقاً من أن ما تحقق في الصيغة الأخيرة هو إنجاز حقيقي يصب في مصلحة المستهكلين، وبالتالي إذا تمكّنوا من إزالة الفقرة الرابعة من المادة الخامسة سيكون ذلك أفضل، أما إذا بقيت فلن يتوقفوا عند فقرة لن يستفيد منها في النهاية إلا قلة، خاصة في حال إنهاء الحالة الشاذة المتمثلة في التضارب بين تسجيل الوكالات الحصرية في وزارة الاقتصاد وبين تسجيلها في السجل التجاري في وزارة العدل. فقد تبين، في التقرير الذي قدمته وزارة الاقتصاد في الجلسة، أن عدد الوكالات المسجّلة بين العامين 1999 و2021 يبلغ 3330 وكالة، إلا أن عدد الوكالات الصالحة منها حتى 2021 لا يزيد عن 316 وكالة فقط. وبالتالي فإن 3014 وكالة شُطبت من الوزارة إما لأن أصحابها لم يسددوا رسومهم أو لأنهم لم يجددوا عقودهم أو بسبب وجود أحكام قضائية. لكن مع ذلك فإن هؤلاء لا يزالون يسجلون هذه الوكالات في السجل التجاري ويمنعون غيرهم من استيراد البضاعة التي يستوردونها عن طريق إقامة دعاوى تعدّ على حق ظاهر أمام قضاء العجلة، وبالتالي الاستحصال على أمر على عريضة يتيح لهم منع هذه البضائع من الدخول.
أمام هذا الواقع، تعهد وزير الاقتصاد أمين سلام بمراسلة السجل التجاري لإزالة الوكالات غير الصالحة. كما دعا الحاج حسن في الجلسة إلى اعتبار المعلومات التي أوردها وزير الاقتصاد، بمثابة إخبار إلى التفتيش القضائي وإلى النيابة العامة المالية والنيابة العامة التمييزية. وعليه، ما أن يتم مطابقة لوائح وزارة الاقتصاد ولوائح السجل التجاري سينخفض عدد الوكالات الحصرية بشكل كبير، خاصة أن عدم تجديد العقود لا يعود إلى تخلّف عن دفع الرسوم فحسب بل يعود بشكل أساسي إلى توقّف أغلب المصنّعين في الخارج عن إعطاء وكالات حصرية.
وتأكيداً على هذا المنحى أبلغ النائب جهاد الصمد المفكرة القانونية أنه بصدد اقتراح زيادة مادة على القانون تلزم وزارة الاقتصاد إرسال لائحة سنوية بالوكالات الحصرية المسجلة قانوناً إلى السجل التجاري، بحيث يتم إسقاط حق الوكالات غير المسجلة.
أخيرا، يجدر التذكير بالنقد الذي كانت المفكرة القانونية وجّهته لاقتراحات قانون المنافسة بخصوص بنود أخرى وردت فيه في إطار عددها الخاص عن الاحتكارات ومن شأنها تعطيل العديد من مفاعليه.