في بلاد الشمس والأنهار: إهمال 16 معملًا للكهرباء النظيفة


2023-10-18    |   

في بلاد الشمس والأنهار: إهمال 16 معملًا للكهرباء النظيفة
التوربينات داخل معمل نهر إبراهيم حيث يتم توليد الطاقة الكهرمائية

يمكن لنظرة على تجربة لبنان في إنتاج الكهرباء عبر المعامل الكهرومائية أن تحثّ بقوّة على إعادة النظر الرسمية في إدارة المياه واستراتيجيتها المبنيّة على السدود العملاقة المدمّرة والمكلفة بيئيًا وماليًا ومن دون جدوى، والتي من مبرّراتها إنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة. وهي حقيقة يثبتها فشل السدود المنفذة من بريصا إلى المسيلحة وتلك قيد التنفيذ من جنة إلى بلعا وغيرها، أو التي توقفت كبسري.

وتبيّن قراءة “المفكرة القانونية” لإنتاج الطاقة الكهرومائية واستطلاع أوضاع معاملها الـ 16 اليوم، كيف أدى تهاون وزارة الوصاية، وهي هنا وزارة الطاقة، في أداء واجبها بمراقبة أصحاب امتيازات إدارة هذه المعامل إلى تعطّل إنتاجيتها أو انخفاضها بقوّة.

والطاقة الكهرومائية التي أنتجها لبنان، عبر 16 معملًا كهرومائيًا، ليست فقط نظيفة وغير مضرّة بالبيئة، بل إنّ كلفتها المالية أقل بنحو ثمانية أضعاف من المعامل الحرارية. فقد كانت مؤسسة كهرباء لبنان تشتري الكيلواط منها بـ 60 ليرة لبنانية قبل أن تُعدّل التعرفة في آب 2023 إلى 2 سنت، في حين تتجاوز تكلفة الكيلواط من إنتاج المعامل الحرارية 16 سنتًا. وبالرغم من أنّ تكلفة الكهرباء لامست 40 مليار دولار على مدى 30 عامًا من ضمنها مئات ملايين الدولارات دُفعت على البواخر، إلّا أنّ قدرة الإنتاج المتاحة اليوم من مجمل المعامل الحرارية لا تتجاوز 500 ميغاواط، فيما حاجة لبنان للكهرباء تلامس 3500 ميغاواط. وتكلّف لبنان كل هذا المال/الديون من دون أن يتمّ الاستثمار في الحفاظ على المعامل الكهرومائية الموجودة بالأساس.

وقد بدأ بناء المعامل الكهرومائية في لبنان في ثلاثينيات القرن الماضي، واستمرّ إلى منتصف الستينيات ليبلغ مجموعها 16 معملًا بقدرة إنتاجية مجهّزة هي 285 ميغاواط. وكانت معامل الليطاني وحدها تغطي 50% من حاجة البلاد من الطاقة مع بداية السبعينيات. ومنذ ذلك الحين لم يُنشأ أي معمل جديد، ولم يجر حتى تحديث وتطوير المعامل القديمة، لتصبح إما متوقّفة عن العمل أو بحاجة إلى صيانة مكلفة. وبالتالي انخفضت قدرة المعامل على الإنتاج إلى حوالي 140 ميغاواط.

ومع الإقبال الكبير للناس مؤخّرًا على تركيب ألواح الطاقة الشمسية (التي لم يجر حتى الآن مسح رسمي لحجم إنتاجها)، تمّ تلبية جزء من حاجة البلاد واستغنى كثيرون عن طاقة كهرباء لبنان ومعاملها الحرارية. وهذا ليس للقول إنّ واجب الناس أن تنتج الطاقة بنفسها، بل للإضاءة على وجود مصدر نظيف للطاقة لا تستثمره الدولة بشكل رسميّ. وإنتاج الطاقة من الشمس الذي يزداد صيفًا (ويتراجع شتاءً) يلتقي مع إنتاج الطاقة من المياه الذي يتعزّز شتاءً (ويتراجع صيفًا)، وعليه، يتيح بلد الأنهار والشمس فرص الطاقة النظيفة على مدار العامّ، ولكنها فرص مهدورة في خطط السدود المدمّرة والبواخر والمعامل الحرارية.

16 معملًا كهرومائيًا

تتولّى أربع جهات حاليًا إدارة المعامل الكهرومائية وتتوزّع كالتالي:

1- أربعة معامل تابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، تعتمد على المياه المخزّنة في سدّ القرعون ومنشآته، وتبلغ قدرتها الإنتاجية المجهّزة حوالي 193 ميغاواط والمعامل هي:

أ- معمل الأوّلي، أنشئ في 1965 وتبلغ قدرته الإنتاجية 109.50 ميغاوط.

ب- معمل جون، بني في 1961 (48 ميغاواط).

ج – معمل عبد العال، شيّد في 1962 (34 ميغاواط).

د- معمل عين الزرقاء أُسّس في 2020 لتشغيل قناة ري (4 ميغاواط).

يقول المدير السابق للاستثمار في مصلحة مياه الليطاني غسان جبران إنّ قدرة إنتاج معامل الليطاني تصل خلال فصول الغزارة إلى 193 ميغاواط، أما في أيام الشح فلا تتعدّى 35 ميغاواط. ومع ذلك تغذّي هذه المعامل مناطق البقاع الغربي والقرعون وراشيا وجزين وإقليم التفاح وقسمًا من مناطق الشوف بمعدل 15 ساعة يوميًا كحد اقصى، في وقت تغرق معظم البلاد في العتمة.

2-  معامل لديها امتياز خاص، وتولّد الطاقة عبر سدود صغيرة أقرب إلى تجمّعات مائية أو برك، ومنها:

ثلاثة معامل على نهر إبراهيم تابعة لـ “الشركة الفينيقية لقوّات نهر إبراهيم المائية والكهربائية”، تأسّست في  1950،- ويبلغ مجموع قدرتها الإنتاجية 32 ميغاواط. تنتهي مدة امتياز هذه المعامل في 2029 حيث ستستردّها وزارة الطاقة والمياه وتسلّمها إلى مؤسسة كهرباء لبنان. وأفاد المهندس حبيب خير الله، رئيس معمل “نهر إبراهيم 3″، أنّ قدرة إنتاج المعامل حاليًا تبلغ 28 ميغاواط خلال الذروة، أما خلال الشح فلا تتعدى الواحد ميغاواط، وتقوم هذه المعامل ببيع وتحويل إنتاجها إلى مؤسسة كهرباء لبنان.

– معمل نهر الجوز وهو امتياز لشركة الترابة اللبنانية يستعمل لتشغيل الشركة ذاتها. 

3- معامل انتهت مدة امتيازها وباتت تابعة لمؤسسة كهرباء لبنان وهي:

– معملان تديرهما شركة نهر البارد ويبلغ مجموع قدرة إنتاجهما المجهّزة 17.2 ميغاواط. تأسس “البارد 1″ في 1954 وتبلغ قوّة إنتاجه 13.5 ميغاواط، و”البارد 2” في 1962 وتبلغ قوّة إنتاجه 3.7 ميغاواط، وقد انتهت مدة امتياز إدارتهما في شهر أيار من العام 2022، وصدر مرسوم انتقالهما إلى مؤسسة كهرباء لبنان في العام 2023. ويفيد رئيس مصلحة المعامل المائية والطاقة المتجددة في مؤسسة كهرباء لبنان، فادي بوخزام، في لقاء مع “المفكرة” أنّ وضع المعملين سيئ جدًا، وهما بحاجة إلى إعادة تأهيل وصيانة، ولذلك فإنّ قدرتهما الإنتاجية منخفضة جدًا اليوم، وتنخفض بعد أكثر في الصيف.

– معمل رشميا في قضاء عاليه، شيّد على نبع الصفا في 1932 تبلغ قوّة إنتاجه 13.7 ميغاواط، ويتبع اليوم إلى مؤسسة كهرباء لبنان، ومتوقّف حاليًا بسبب أعمال الصيانة. وكانت مؤسسة كهرباء لبنان قد استحصلت على هبة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID لإعادة تأهيله. وسيغذّي حوالي 17 قرية مرتبطة به مباشرةً، بمعدّل 8 ساعات في اليوم، على أن يتمّ تحويل الفائض إلى شبكة كهرباء لبنان. وبحسب بوخزام فإنّ الجهة المانحة هي التي اشترطت دعم هذه القرى بالكهرباء. ويتوقّع إنجاز تأهيل المعمل في العام 2024، وقد بلغت كلفة صيانته لغاية اليوم حوالي 5 ملايين دولار.

4- أربعة معامل تديرها شركة كهرباء قاديشا

المعامل هي بلوزا وأبو علي ومار ليشا وبشري، ويبلغ مجموع قوة إنتاجها المجهزّة (18 ميغاواط). وقد مُنحت الشركة امتياز استثمار الطاقة في 1924 وتمّ تمديده لغاية 2011. وتعتبر شركة كهرباء قاديشا كيانًا فريدًا أو لغزًا يصعب فهمه فمؤسسة كهرباء لبنان لم تستعد المعامل منها على غرار ما حدث عند انتهاء امتياز استثمار نهر البارد، بل اشترت 98% من أسهم كهرباء قاديشا وبقي 2% تابعًا للامتياز، لذا لم يدمج كليًا بمؤسسة كهرباء لبنان، رغم أنّ مجلس إدارته هو نفسه مجلس إدارة كهرباء لبنان.

يشار إلى أنّ هناك أيضًا معملين متوقّفين عن العمل هما: معمل وادي العرايش في زحلة الذي تأسس في  1932 وبلغت قوّة إنتاجه 1.10 ميغاواط، وهو معمل بدائي جدًا، ومعمل حراش في جعيتا على نهر الكلب وتبلغ قوّة إنتاجه 1.90 ميغاواط، تابع لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، أهمل أيضًا بسبب حاجته للصيانة.

صورة تظهر أنبوب ضغط معمل ابراهيم 2

أصحاب الامتياز: “كيف يمكن التطوير في ظلّ تعرفة متدنّية؟”

تدار معامل إنتاج الطاقة الكهرومائية بمجملها عبر مَنْح امتيازها للقطاع الخاص. وينص دفتر الشروط على مسؤولية أصحاب الامتياز عن أعمال صيانة المعامل وتجديدها وصولًا إلى تسليمها في حالة جيدة، على أن تتولّى وزارة الطاقة مراقبة المعامل بشكل دوري. إلّا أنّ معظم المعامل اليوم بحاجة إلى صيانة وبعضها في وضع سيّئ جدًا كمعمليْ نهر البارد اللذيْن انتهى امتيازهما قبل عام.

يعيد أصحاب امتياز إدارة هذه المعامل إهمالهم صيانتها إلى أنّ تعرفة شراء الكهرباء منهم لم تكن منصفة يومًا أو كافية. وفي هذا الخصوص، يعتبر المدير السابق للاستثمار في مصلحة مياه الليطاني غسان جبران أنّ مشكلة قطاع المعامل الكهرومائية الأساسية تنحصر في أمرين هما التعرفة المتدنّية لشراء مؤسسة كهرباء لبنان من المعامل، وسوء إدارة مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة المياه والطاقة للقطاع.

تعرفة متدنّية لشراء إنتاج المعامل

تشتري مؤسسة كهرباء لبنان إنتاج المعامل خلال الأزمة الأخيرة بـ 60 ليرة للكيلواط. أما قبل الأزمة، فلم يتجاوز سعر الكيلواط 4 سنتات. ورفعت المؤسسة مؤخرًا ثمن الكيلواط إلى 2 سنت فريش وبدأ العمل بالتسعيرة الجديدة بدءًا من أيلول الجاري، وذلك ربطًا برفع أسعار فاتورة الكهرباء التي تبدأ بـ 10 سنتات للكيلواط لأول 100 كيلواط استهلاك.

ويعتبر جبران أنّ الأسعار المتدنّية شكلت عائقًا أمام بعض أصحاب الامتياز لصيانة المعامل نظرًا لارتفاع الكلفة، بخاصة في السنوات القليلة الماضية. ويضيف أنّ مصلحة الليطاني أيضًا لم تكن قادرة على صيانة معاملها بالشكل اللازم خلال السنوات الخمس الماضية نظرًا لانخفاض التعرفة. وكانت المصلحة قد أصدرت بياناً في أيار 2023 أعلنت فيه التوقف القسري لبعض مجموعاتها عن الإنتاج لحاجتها الطارئة إلى صيانة وتغيير زيوت وقطع غيار، معبّرة عن عجزها عن دفع التكاليف في ظلّ التعرفة المتدنّية وتدنّي قيمة مدخرات المصلحة في مصرف لبنان التي بلغت 80 مليار ليرة. عدا عن المتأخرات المستحقة لها في ذمّة كهرباء لبنان منذ العام 2000 والتي تبلغ 150 مليار ليرة أي ما كان يوازي 100 مليون دولار قبل الأزمة، وقد بدأت مؤسسة كهرباء لبنان مع بداية آب 2023 بتقسيط المبلغ 10 مليارات في الشهر.

هذا الكلام يؤكّده ميشال جرجورة، المسؤول المالي في مؤسسة نهر إبراهيم: “امتياز المؤسسة سينتهي في العام 2029 وستكون المعامل حينها بحاجة لإعادة صيانة”، ويضيف أيضًا إلى العمر التشغيلي للمعمل الذي مرّ عليه سنوات طويلة، التعرفة المنخفضة التي لا تواكب التضخّم الحاصل سواء محليًا أو عالميًا فصيانة المعدات لا تتمّ في لبنان بل في الخارج. ويرى أنّ ما تحصّله مؤسسة نهر إبراهيم لا يكفي سوى لتشغيل المعامل، ولا يوجد فائض أموال للقيام بأعمال التطوير والتجديد.

من جهته، يرى مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة غسان بيضون، أنّ أصحاب الامتياز يهملون صيانة وتجديد المعامل كون الامتياز عائدا في نهاية المطاف إلى الدولة، ولكنّه يردّ المشكلة الأساس إلى انعدام الرقابة: “لا جدّية في العمل ولا كفاءة ولا قانون يحاسب، يتمّ تحويل الموظف على التفتيش المركزي ويعود بطريقة ما”. ويقول إنّ الأجدى “الاستثمار بالطاقة المتجدّدة عبر الطاقة الشمسية والرياح، كون الطاقة الكهرومائية كما خططوا لها حديثًا تحتاج إلى سدود، والسدود لها مساوئ بيئية كبيرة”.

ويعتبر رئيس مصلحة المعامل المائية والطاقة المتجددة في مؤسسة كهرباء لبنان فادي بوخزام، أنّ إمكانيات دعم قطاع المعامل الكهرومائية لطالما كانت محدودة نظرًا إلى أنّ جباية فواتير الكهرباء على التسعيرة القديمة (136 ليرة للكيلواط الواحد) سبّب الكثير من الخسائر للمؤسّسة، وكان الحل الأساس في تصحيح تعرفة الجباية. ويفيد أنّ المعدّل الوسطي لمبيع الكهرباء هو 9 سنتات في حين أنّ تكلفته الوسطية (بواخر ومعامل حرارية) تتجاوز 16 سنتًا للكيلواط.

ويشير بوخزام إلى أنّ مؤسسة كهرباء لبنان، ومنذ سنوات، كانت ترسل طلبات إلى الحكومة لزيادة الفاتورة التي أُقرّت مؤخرًا. واليوم أصبح بإمكان المؤسسة زيادة تعرفة الشراء من المعامل الكهرومائية بشكل تصاعدي تبدأ بـ 2 سنت ثم ترتفع خلال سنة إلى 2.5 سنت وبعد ثلاث سنوات ستصل إلى ثلاث سنتات. ويعتبر أنّ ميزانية مؤسسة كهرباء لبنان تُصرف بشكل أساسي على الفيول لهذا تبقى الميزانية المخصصة للمعامل الكهرومائية منخفضة.

إدارة مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة المياه والطاقة للقطاع

يعتبر غسان جبران أنّ الحكومات المتعاقبة لا تريد الاستثمار في المعامل الكهرومائية، وهي تتوجّه عوضًا عن ذلك إلى دعم البواخر والمعامل الحرارية رغم تكلفتها العالية.

ويرى أنّ سوء إدارة مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة المياه والطاقة لقطاع الطاقة الكهرومائية أعاق تطوّره: “أهملت وزارة الطاقة والمياه واجبها تجاه مراقبة ومحاسبة المعامل التي لها حق الامتياز كما جاء في عقد التلزيم، حيث يحق للوزارة إرغام أصحاب الامتياز على القيام بصيانة وتجديد المعامل تحت طائلة فسخ العقد واسترداد الامتياز، كذلك يُلزِم العقد صاحب الامتياز تسليمه للوزارة بحالة جيدة”. ولكن في الواقع، وفق جبران، “معظم المعامل الخاضعة للامتياز هي في حال يرثى لها وتحتاج إلى إعادة تأهيل”.

من جهته، يقول مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة أحمد الموسوي لـ “المفكرة” إنّ الوزارة تقوم دوريًا بمراقبة المعامل، وأنّه استلم معمليْ نهر البارد “شغاّلين”، وأبدى “تعاطفًا” مع أصحاب الامتياز لعجزهم عن إجراء الإصلاحات “نظرًا إلى تدنّي التعرفة”، كما يرى. ولكن لدى سؤال جرجورة (المسؤول المالي في مؤسسة نهر إبراهيم) “إذا كانت المعامل تتكبّد هذا الكمّ من الخسائر أم لا تحقق الربح الوفير كما تدّعي، فلماذا لا تُفسخ عقودها وتُسلّم إلى الوزارة ومؤسسة كهرباء لبنان؟”، يجيب أنّ “معمل نهر إبراهيم، مثلًا، لا يُمنى بالخسائر لكنه لا يحقق أرباحًا طائلةً”.

عوامل مؤثّرة في قدرة إنتاج الطاقة من المعامل الكهرومائية

يعتبر المستشار السابق في وزارة الطاقة كريم عسيران في اتصال مع “المفكرة” أنّ الطاقة الكهرومائية هي طاقة متجددة مع هطول الأمطار، وهي طاقة نظيفة بكلفة إنتاج رخيصة، ولكن إنتاج الطاقة من المعامل الكهرومائية لا تسدّ حاجة لبنان، إذ أنّ إمكانية الإنتاج القصوى لكل الأنهر اللبنانية هي حوالي 600 ميغاواط، وهي تتأثر بمعدّل هطول الأمطار وغزارة المياه. ورأى أنّه في الثلاثينيات كانت نسبة المتساقطات أعلى مما هي اليوم، كما أنّ حاجة الناس لاستخدام المياه للري والشفة ارتفعت اليوم، من هنا فإنّ كمية المياه المستثمرة لإنتاج الطاقة ليست كما كانت قبلًا.

من جهة ثانية يتحدّث جبران عن أثر تلوّث المياه على قدرة الإنتاج، “معامل الليطاني تنتج كهرباء من المجارير وليس المياه”، مسلّطًا الضوء على الروائح الكريهة المنبعثة منها والتي تؤثر على صحة الموظّفين وعلى الآلات التي تتعرّض للضرّر وستحتاج إلى صيانة مضاعفة.

وهذا هو حال نهر إبراهيم أيضًا الذي عاينته “المفكرة”، ورصدت كمية البلاستيك العالقة في العوازل الحديدية، والتي تؤثر على نسبة التدفق المرتبطة بمستوى الإنتاج، رغم أنّ إدارة المعمل تقول إنّها تنظفه دوريًا.

يضاف إلى ذلك فقدان رواتب الموظفين قيمتها مما يؤثر على سير العمل وقدرة الإنتاج. ويقول أحد العمال لـ “المفكرة” إنّه وزملاؤه يحاولون قدر الإمكان تمرير الوقت إلى حين انتهاء مدة الامتياز في العام 2029، وأنّ أعمال الصيانة شكلية وتقتصر على الضروريات، مشيرًا إلى أنّ “المعمل رح يتسلّم بعد ست سنين وأكيد ما رح يندفع عليه”. 

خطط وزارة الطاقة: أموال وهبات والإنتاج صفر

أظهرت دراسةٍ مموّلة من بنك التنمية الفرنسي لصالح وزارة الطاقة والمياه في العام 2014، بعدما أجرت مسحًا عامًّا للأنهار التي تنبع وتصبّ في لبنان، أنّ هذه الأنهار يمكنها تأمين 300 ميغاواط طاقة متاحة لا يجري استثمارها (أي غير المتاحة عبر المعامل الكهرومائية الموجودة منذ الستينيات)، بل تذهب هدرًا إلى البحر. وتستند الدراسة إلى خطة بناء السدود وحتى إلى قوّة تصريف الأنهار مائيًا خلال الشتاء والصيف، وحدّدت 32 موقعًا يمكن استثمارها في بناء معامل كهرومائية قادرة على إنتاج 263 ميغاواط في حال استثمار المياه من دون تغيير قوّة تدفق النهر، وذلك عبر وضع ماكينة تستعمل قوة المياه الموجودة. أما في حال اتباع نظام الإنتاج بالذروة أي عند إقامة السدود وتخزين المياه والتحكّم بتدفق المياه فيمكن إنتاج حوالي 368 ميغاواط. هذا مع العلم أنّ المعامل القديمة أقيمت على تجميع المياه في سدود صغيرة أو من شلالات طبيعية أو تجميع للمياه غير مؤذٍ للبيئة والمناطق المحيطة وناسها وأرزاقهم.

وقد لحظت خطة الكهرباء الذي وضعها وزير الطاقة والمياه وليد فياض زيادة قدرة إنتاج الطاقة الكهرومائية بحوالي 125 ميغاواط، إلّا أنّها لم توضح ما إذا كان سيتم بناء معامل جديدة، رغم أنّ الدراسة الفرنسية حدّدت 32 موقعًا يمكن إقامة معامل فيها. ويفيد جبران أنّه من ضمن اقتراحات مواقع بناء المعامل التي تعتمد على السدود المدروسة هي معمل جديد على نهر إبراهيم بقدرة 50 ميغاواط، ومعمل على نهر العاصي بقدرة إنتاج 50 ميغاواط، ومعمل آخر عند نبع اليمّونة بقدرة 10 ميغاواط، وعلى نهر الخردلي بقدرة 10 ميغاواط، وعلى نهر كفرصير بقدرة 6 ميغاواط، ومعمل آخر عند نهر الأوّلي بقدرة 10 ميغاواط.

وفي حزيران 2023، أعلن الوزير فياض في المنتدى الدولي الرابع عشر للاستثمار والبناء في البنى التحتية الذي عقد في ماكاو – الصين عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “باور تشاينا” (Power China) لتطوير الطاقة المتجدّدة ومنها الكهرومائية في لبنان. وأفاد مصدر في الوزارة أنّ الشركة ستُجري دراسة تفصيلية عن حال المعامل الكهرومائية في لبنان وكيفية تطويرها، على أن يتم بناءً على هذه الدراسة، استجلاب الهبات وإجراء مناقصات للقيام بالتحسينات اللازمة. وتمّ تحويل الاتفاقية إلى وزارة العدل لإبداء الرأي والاستشارة. وتفيد مصادر مواكبة للدراسة أنّها “مشروطة، إذ على الرغم من أنّ الشركة تجريها “مجانًا”، إلّا أنّها ستشارك في المناقصات وفي حال ربحتها، على الوزارة دفع تكاليف الدراسة.

كما أعلن فياض أيضًا عن مشروع للغرض نفسه مع البنك الدولي، ولكن مصادر متابعة للموضوع أشارت إلى أنّ الأمر لا يزال قيد البحث.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، مؤسسات عامة ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني