فوضى مراسيم الردّ: الاشتباك بين المؤسسات الدستورية يتفاقم


2024-06-21    |   

فوضى مراسيم الردّ: الاشتباك بين المؤسسات الدستورية يتفاقم

يستمرّ التراشق الدستوري بين مؤسسات الدولة بعد قرار رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الاعتباطي بعدم نشر قوانين كان مجلس الوزراء قد قرر إصدارها وكالة عن رئيس الجمهورية ومن ثم تراجع عن ذلك بطلب من رئيس الحكومة وقرر ردها إلى مجلس النواب. وقد أصبح الوضع الدستوري لمراسيم الرد، واستطرادا للقوانين نفسها، أكثر تعقيدا عقب صدور قرارات إعدادية عن مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذها. 

وقد وجه رئيس مجلس الوزراء كتابا بتاريخ 3 حزيران 2024 إلى هيئة القضايا في وزارة العدل يطلب بموجبه منها مراجعة مجلس شورى الدولة مجددا من أجل الرجوع عن قراره بوقف تنفيذ مراسيم الرد لعدم توفر شرطيْ الصفة والمصلحة لدى الجهة المستدعية (أي النائبة بولا يعقوبيان) ولاستناده إلى حجج دستورية غير صحيحة. كما عاد ووجه كتابا إلى المجلس النيابي يعلمه فيه أنه في حال ردّ طلب رجوعه عن القرار الإعدادي، فإنه يطلب منه إعادة اقتراحي القوانين إليه لنشرها في الجريدة الرسمية. 

لذلك كان لا بدّ من استعراض أبرز الحجج التي وردت في كتابي رئيس الحكومة ومناقشتها قدر الإمكان.

صفة النائب للطعن بالأعمال الإدارية

كان من اللافت أن كتاب رئيس الحكومة أشار إلى الرأي الاستشاري لمجلس شورى الدولة رقم 656 الصادر في 6/3/2018 حول اقتراح قانون يرمي إلى اعتبار النائب ذا صفة ومصلحة لطلب إبطال الأعمال الإدارية والذي خلص إلى رفض هذا الاقتراح عملا بالاجتهاد الفرنسي المستقر ومبادئ النظام البرلماني التي تعطي النائب صلاحية مراقبة فقط العمل السياسي للحكومة ولا يمكن تفسيرها بأنها تعطي السلطة التشريعية أي شكل من أشكال الرقابة ذات الصفة القضائية كون ذلك يشكل إخلالا بمبدأ توازن السلطات وتعاونها.

وبنبرة لا تخلو من الحدة يبدي رئيس الحكومة استغرابه من تناقض مجلس شورى الدولة الذي “وبمعرض استطلاع رأيه باقتراح قانون مقدم من المستدعية (النائبة بولا يعقوبيان) رفض رفضا قاطعا ومطلقا إيلاء النائب صفة المداعاة وأرسل رده إلى الحكومة التي أرسلته بدورها إلى المجلس الذي قرر عدم الموافقة على الاقتراح المقدم من المستدعية مقدمة الاقتراح”. ويستغرب كتاب رئيس الحكومة كيف تجاوز مجلس شورى الدولة مسألة الصفة ولم يتوقف عندها “ما يفرض عليه وبالحد الأدنى وتحقيقا للانسجام المفترض في موقفه إما أن يتراجع عن موقفه السابق أو أن يقرر ردّ الادعاء بشكله المعروض لعدم صفة المستدعية”.

ويضيف رئيس الحكومة أن مراسيم الردّ باتت في عهدة مجلس النواب الذي يحق له اتخاذ القرار المناسب بشأنها ما يعني أن النائبة بولا يعقوبيان لا تتمتع بالمصلحة الشخصية المباشرة للطعن بها بل يتوجب عليها ممارسة وظيفتها النيابية في مجلس النواب صاحب الصلاحية الوحيد للبت في هذه المسألة. لا بل أن رئيس مجلس الوزراء يقر بحق النواب بمساءلة حكومته حتى لو كانت تقوم بتصريف الأعمال فقط بحكم اعتبارها مستقيلة انطلاقا من المادة 70 من الدستور التي تسمح لمجلس النواب باتهام أعضاء الحكومة بالإخلال بالموجبات المترتبة على وظيفتهم.

ولا شكّ أن منح النائب الصفة للطعن بالقرارات الإدارية كان دائما مسألة إشكالية في الفقه واجتهاد القضاء الإداري. فالنائب بوصفه ممثلا عن الأمة يستطيع الادعاء بأن أي مخالفة للقوانين تدخل في حقل اختصاصه النيابي ما يؤدي إلى توسيع مصلحته بالطعن لدرجة كبيرة جدا تشمل كل أعمال السلطة دون استثناء.

ومن الحجج التي تحول دون اعتبار النائب مخولا بمراجعة القضاء الإداري هو الاختلاف الجوهري بين مجلس النواب من جهة والنائب من جهة أخرى. فالنائب لا يستطيع التذرع بصفته النيابية للطعن بالقرارات التي تخالف القوانين على اعتبار أنه يدافع عن صلاحيات البرلمان عملا بمبدأ وحدة السيادة الوطنية التي تتجسد في مجلس النواب كمؤسسة جماعية، وليس كمجموعة من الأفراد المستقلين عن بعضهم البعض، ما يعني أن مجلس النواب هو المخول للدفاع عن صلاحياته وليس كل نائب بمفرده. ومن الحجج أيضا أن منح النائب صلاحية الطعن بالأعمال الإدارية يؤدي أيضا إلى الإخلال في التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لمصلحة الأولى ويسمح لجهة قضائية بحسم خلاف بين مؤسستين دستوريتين ما يؤدي إلى خروج مراجعة الإبطال عن الغاية من وجودها التي ستصبح في الواقع استكمالا للنقاش والجدل البرلماني لكن عبر وسيلة أخرى. وقد كرس مجلس شورى الدولة الفرنسي هذه الاعتبارات الفقهية إذ رفض أكثر من مرة مصلحة النائب بالطعن أمامه معتبرا أن صفته تلك لا تخوله الحق بمراجعة القضاء الإداري، لا بل أن المجلس رفض[1] حتى مصلحة نائب بالطعن بمرسوم اشتراعي أصدرته الحكومة بناء على قانون تفويض من البرلمان نفسه بحجة أن هذه الأخيرة تجاوزت التفويض الممنوح لها.  

لكن هذا التوجه الصارم لرفض مصلحة النائب بمراجعة القضاء الإداري أو القضاء المالي بات يشهد تراجعا في فرنسا لعدة اعتبارات كما أنه في لبنان يرتدي طابعا مغايرا بسبب كيفية عمل السلطة السياسية التي تتمكن دائما من الإفلات من العقاب ليس فقط عبر عرقلة عمل القضاء لكن أيضا في مجلس النواب نفسه إذ لم يتم إسقاط أي حكومة عبر حجب الثقة عنها منذ الاستقلال وحتى اليوم.

فمبدأ الفصل بين السلطات لم يعد مطلقا كما كانت الحالة في ظل الجمهورية الثالثة الفرنسية (1875-1940) مع استحداث الرقابة الدستورية على القوانين وقبول القضاء بعدم تطبيق القوانين التي تخالف المعاهدات الدولية التي أقرت وفقا للشروط الدستورية، لا بل أن الدستور الفرنسي تم تعديله سنة 2008 للسماح للبرلمان باستشارة مجلس شورى الدولة لكن قبل الشروع بمناقشة اقتراحات القوانين.

وترافق ذلك من جهة أخرى مع التوسع في تفسير الصفة والمصلحة التي تسمح بمراجعة القضاء الإداري الذي اعتبر أن الصفة وحدها تمنح أحيانا المصلحة الضرورية لقبول النظر في الطعن. ومن الأمثلة على ذلك صفة دافع الضرائب المحلي للطعن بقرارات السلطات المحلية، مستخدمي المرفق العام وقبول مصلحتهم للطعن بالقرارات المتعلقة بعمل وتنظيم هذا المرفق، أعضاء مجالس وهيئات أشخاص القانون العام التي تتخذ قراراتها بالتداول للطعن بقرارات تلك المجالس والهيئات. وهكذا يصبح من الصعب إنكار مصلحة النائب للطعن بالقرارات المخالفة للقوانين انطلاقا من صفته النيابية لا سيما وأن حجة وحدة السيادة الوطنية لم تعد تستقيم من الناحية المنطقية طالما أن عددا محدودا من النواب بات يستطيع الطعن بالقوانين أمام المجلس الدستوري.

لا بل أن رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي بمناسبة إعادة انتخابه سنة 2020 طالب بضرورة التفكير بمنح البرلمان القدرة على مراجعة القضاء الإداري عند تأخر السلطة التنفيذية بإصدار المراسيم التطبيقية للقوانين[2]. لذلك، ومن دون الخوض في تفاصيل هذه المسألة وحسمها لا بد من التذكير بهذه التطورات إذ أن مسألة صفة النائب للطعن لم تعد في الوقت الراهن تشكل عقبة لا يمكن تخطيها كما كان في السابق.

دستورية رد القوانين من قبل مجلس الوزراء

اعتبر كتاب رئيس الحكومة أن صلاحية رد القوانين المحفوظة لرئيس الجمهورية في المادة 57 من الدستور تنتقل إلى مجلس الوزراء عملا بالمادة 62 من الدستور وبالتالي يحق لهذا الأخير ممارسة هذه الصلاحية في ظل شغور رئاسة الجمهورية.

وقد كرر كتاب رئيس الحكومة في هذا الخصوص حرفيا الحجج التي أوردتها المفكرة القانونية في تعليقها على قرار مجلس شورى الدولة بوقف مراسيم الرد فاعتبر أن مراسيم الرد ليست “صلاحية لصيقة” برئيس الجمهورية الذي لا ينفرد بإصدار مرسوم الرد كون الدستور يفرض أيضا توقيعه من قبل رئيس مجلس الوزراء، وأن إنكار حق مجلس الوزراء برد القوانين يؤدي إلى خرق مبدأ التوازن بين السلطات إذ لا يعقل القبول بإصدار مجلس الوزراء للقوانين وحرمانه في الوقت نفسه من صلاحية ردها كون ذلك يسمح بهيمنة السلطة التشريعية ويفقد السلطة التنفيذية وسيلة دستورية تخولها التأثير والتدخل في العملية التشريعية. وقد استند كتاب رئيس الحكومة إلى قرار المجلس الدستوري رقم 6 تاريخ 30 أيار 2023 والذي يُفهم منه أن صلاحية إصدار القوانين تنتقل إلى مجلس الوزراء وهو الأمر الذي كانت أيضا قد شرحته المفكرة القانونية في تعليقها على هذا القرار مشيرة إلى دستورية إصدار القوانين وعدم حاجتها إلى توقيع جميع الوزراء والاكتفاء بتوقيع رئيس الحكومة.

وقد تبنى أيضا كتاب رئيس الحكومة موقف المفكرة القانونية بخصوص قرار المجلس الدستوري الصادر سنة 2001 والذي قد يُفهم منه أنّه يمنع على مجلس الوزراء ممارسة صلاحية ردّ القوانين، فاعتبر أن هذا القرار لا يتعلّق بموضوع ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية عند خلو سدة الرئاسة بل هو جاء فقط كي يعالج مسألة “أثر مرسوم إعادة النظر بالقانون على القانون التعديلي له المطعون فيه بالمراجعة، أي أن المجلس درس جانبا وحيدا يتعلق بمدى جواز اعتباره بمثابة مبادرة تشريعية جديدة تنطبق عليها المادة 38 من الدستور التي تمنع طرح القانون مرة ثانية في حال رفضه مجلس النواب في العقد نفسه”. وحتى لو كان المجلس الدستوري استخدم في قراره المذكور تعبير الصلاحية المنفردة لرئيس الجمهورية، فإن ذلك لا يعني أن تلك الصلاحية لا تنتقل إلى مجلس الوزراء، لا بل أن المجلس لم يشرح مفهوم الصلاحية المنفردة الذي لا وجود له أصلا كون رد القوانين يتم بمراسيم تحمل توقيع رئيس الحكومة وفقا لما ينص عليه الدستور. وقد بيّنت المفكرة القانونية في المقال المذكور أعلاه أن مجلس الشورى الدولة بوصفه محكمة عليا له الحق بتفسير هذه المادة الدستورية انطلاقا من صلاحياته القضائية لا سيما أنّ تعبير الصلاحية المنفردة التي استخدمها المجلس الدستوري لا معنى قانوني لها ولا يمكن فهمها إلا سياسيا كانفراد رئيس الجمهورية في طلب ردّ القانون من دون حاجته إلى موافقة الحكومة، وأن رئيس مجلس الوزراء ملزم بالتوقيع على مرسوم الردّ في حال أبدى رئيس الجمهورية رغبته بممارسة تلك الصلاحية الدستورية.

وهكذا يخلص كتاب رئيس الحكومة بضرورة رجوع مجلس شورى الدولة عن قراره الإعدادي بوقف مراسيم الرد ليس فقط لأن صلاحية رد القوانين تنتقل إلى مجلس الوزراء لكن أيضا لأنها تدخل في فئة الأعمال الحكومية التي تخرج عن رقابة القضاء الإداري. وقد شرحت المفكرة القانونية هذه الإشكالية بالتفصيل وبيّنت التداعيات الدستورية غير المسبوقة التي قد تنجم عن وقف تنفيذ أو إبطال تلك المراسيم.

الاشتباك الدستوري يتمدد

نقل وزير الإعلام بعد جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في 14 حزيران الماضي موقف رئيس الحكومة بخصوص الفوضى التي أحدثتها مراسيم الردّ تلك. وقد قال الآتي: ” بعض المواقف السياسية أوحت بالأمس وكأن هناك تشكيكا من قبلنا بالأجهزة القضائية، وإشكالا بيننا وبين مجلس شورى الدولة في شأن القانونين اللذين لم ننشرهما نهاية العام الفائت بشأن الإيجارات القديمة والمعلمين وأعدناهما الى مجلس النواب. ولا بدّ في هذا الإطار من التعبير عن احترامي المطلق لعمل السلطات القضائية والقرارات الصادرة عنها. وقد وجهت فور صدور قرار مجلس شورى الدولة  في هذا الصدد كتابا إلى مجلس النواب إذا ارتأى ذلك، لإعادة القانونين إلينا لنشرهما”.

وبالفعل، كان رئيس الحكومة قد وجّه كتابا إلى رئيس مجلس النواب بتاريخ 10 حزيران كرّر فيه الحجج التي شرحناها أعلاه مشدّدا على أنّ القوانين باتت في عهدة مجلس النواب ما يعني أن “تنفيذ القرارات الإعدادية الصادرة عن مجلس شورى الدولة، تضع هذا الأخير (سلطة إدارية وقضائية) في مواجهة مجلس النواب (سلطة دستورية) وما ينتج عن ذلك من تداعيات، وهذا ما تسعى نظرية الأعمال الحكومية لمنع حصوله”.

ويضيف كتاب رئيس الحكومة إلى رئيس مجلس النواب أنه أمام تجاهل مجلس شورى الدولة لكل الحجج الدستورية والقانونية ومع تأكيده على التمسّك بتلك المبادئ لا بد “وعلى سبيل الاحتياط إذا ما رفض مجلس شورى الدولة لطلباتنا بالرجوع عن قراري وقف التنفيذ” أن “نطلب إليكم إيداعنا القوانين الثلاثة موضوع طلب إعادة النظر تمهيدا لاجراء المقتضى القانوني بشأنها في ضوء القرارين العدادين” الصادرين عن مجلس شورى الدولة”.

وهكذا تكون الفوضى الدستورية التي حذرت منها المفكرة القانونية قد بدأت تأخذ مفاعيلها الكاملة ولا سيما وأن رئيس مجلس النواب رفض الاستجابة لطلب رئيس الحكومة متذرعا بمقولة “المجلس سيد نفسه”. إذ أن أزمة مراسيم الردّ التي افتعلها رئيس الحكومة برفضه تنفيذ قرار مجلس الوزراء بإصدار القوانين في أول الأمر أصبحت عصية على الحلّ كون كل مرجع دستوري بات يستطيع التذرع بتطبيق الدستور في الشق المختص به من دون وجود سلطة نهائية لحسم الخلاف.

فرئيس مجلس النواب يرفض إعادة القوانين انطلاقا من مقولة “المجلس سيّد نفسه” علما أن المجلس لم يتخذ بعد أي قرار في هذا الشأن إذ من المفترض على رئيس المجلس أن يعرض الموضوع على الهيئة العامة كي تبتّ به لا أن يستبق ذلك. فالمجلس سيد نفسه في هذه النقطة تحديدا وليس رئيس المجلس الذي سمح لنفسه بمصادرة إرادة المجلس، علما إنه كان يصرّ دائما منذ بداية هذه الأزمة على إعادة تلك القوانين وعدم نشرها. وهذا ما يتعارض أصلا مع التوصية التي كانت خلصت إليها اللجان المشتركة للهيئة العامة في 20 شباط 2024 بإهمال الردّ الوارد من الحكومة لعدم دستوريته.

من جهة ثانية عمد رئيس الحكومة إلى رمي الكرة في ملعب مجلس النواب في حين أن الدستور ينص على اعتبار القوانين نافذة حكما وواجبة النشر في حال لم يتم إصدارها أو ردها خلال شهر. وبما أن مراسيم الرد أوقف تنفيذها مجلس شورى الدولة، فإن هذا يعني أن تلك القوانين باتت نافذة كون مهلة الشهر قد انصرمت في كانون الثاني 2024 ما يوجب نشرها في الجريدة الرسمية. لا بل أن رئيس الحكومة كان بإمكانه الطلب من الجريدة الرسمية نشر تلك القوانين من دون توجيه كتابه إلى رئيس مجلس النواب عملا بصراحة المادة 57 من الدستور التي تعلن أن القوانين تصبح نافذة حكما بعد شهر من إحالتها إلى الحكومة في حال لم يتم إصدارها أو ردها علما أن الإحالة تمت بتاريخ 18 كانون الأول 2023 ما يعني أن المهلة انقضت.

ويصبح الأمر أكثر تعقيدا من جهة مجلس الشورى كون قراراته المستغربة كانت إعدادية ولم تفصل في أساس النزاع. فماذا لو اتّخذ مجلس شورى الدولة قرارا لاحقا برد الطعن بتلك المراسيم، ما يعني أن القوانين لا تزال في عهدة مجلس النواب وهي ليست نافذة بينما القرارات الإعدادية بايقافها نفاذ المراسيم تكون قد أعادت إحياء المهلة الدستورية لإصدار القانون أو ردّه، وهي بالتالي باتت نافذة حكما على الرغم من تمنع رئيس الحكومة حتى اليوم من الطلب من الجريدة الرسمية بنشرها. وماذا لو وافق رئيس مجلس النواب على إعادة تلك القوانين إلى الحكومة التي ستقدم على نشرها، ومن ثم صدر قرار مجلس شورى النهائي برد الطعن بمراسيم الرد، فنكون حينها أمام قوانين منشورة في الجريدة الرسمية بينما مراسيم ردها هي صحيحة دستوريا، أي أنها لا تزال في عهدة مجلس النواب.

لا بل أكثر من ذلك، ماذا لو اعتبر مجلس النواب أن مراسيم الرد هي صحيحة وأقر القوانين مجددا مع تعديلها، ومن ثم قرر مجلس شورى الدولة إبطال مراسيم الردّ فنصبح أمام قوانين تمّ اقراراها مجددا ونشرت في الجريدة الرسمية معدّلة بينما إبطال مراسيم الرد يجعل منها نافذة حكما بصيغتها غير المعدلة منذ كانون الثاني 2024.

في الخلاصة، إن الاشتباك بين المؤسسات الدستورية ناجم عن الفوضى التي أطلقها رئيس الحكومة وعن تخطي مجلس شورى الدولة نظرية الأعمال الحكومية ووقفه تنفيذ مراسيم الرد، ومن ثم عن إصرار رئيس المجلس بعدم عرض الموضوع على الهيئة العامة التي اجتمعت أكثر من مرة منذ اندلاع هذه الأزمة. وحتى لو تم عرض الموضوع على الهيئة العامة لا شيء يمنع حصول اشتباك بين مجلس النواب والقضاء الإداري في حال اتخذت كل جهة مواقف متضاربة، وهو الأمر تحديدا الذي من أجل تفاديه وجدت نظرية الأعمال الحكومية. فالموقف السليم كان يقضي باحترام القرارات القضائية واستعادة الحكومة فورا لتلك القوانين من مجلس النواب مباشرة من أجل نشرها في الجريدة الرسمية كون مهل الإصدار قد انصرمت لكن حتى هذا الموقف لن يشكل حلا نهائيا في حال أصدر مجلس شورى الدولة قراره بردّ الطعن وأقر دستورية مراسيم الردّ إذ نكون أمام وضع غير مسبوق دستوريا بنفاذ قوانين لم يقرّها مجلس النواب بعد مداولة ثانية بشأنها نتيجة ردّها من قبل الحكومة بمراسيم صحيحة. فالقانون الدستوري يعجز أن يجد الحل المناسب عندما تكون المعضلة على هذا القدر من التعقيد لأن الدستور يوجد من ضمن دولة تعمل وفقا لمنطق المؤسسات لا في ظل مؤسسات باتت خاضعة كليا لاعتباطية السلطة السياسية.


[1] “M. A…, qui se prévaut de sa seule qualité de parlementaire, ne justifie pas d’un intérêt lui donnant qualité pour former un recours pour excès de pouvoir contre les dispositions qu’il attaque, alors même qu’il fait valoir qu’elles portent atteinte aux droits du Parlement en méconnaissant le champ de l’habilitation conférée au Gouvernement (…) Par suite, ses conclusions ne peuvent qu’être rejetées comme irrecevables » (CE, 31 décembre 2020, n° 430925).

[2] “Il nous faut continuer l’amélioration de la “fabrique de la loi”. Trop de lois votées et jamais appliquées ! Il nous faudra réfléchir à une procédure – nous avons abordé ce sujet dans le cadre de notre groupe de travail constitutionnel – qui permette au Parlement de saisir le juge administratif lorsqu’un décret d’application des lois manque à l’appel ».

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، تشريعات وقوانين ، مرسوم ، قرارات إدارية ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني