صباح هذا اليوم، مثل زياد عيتاني أمام المدعي العام في بيروت زاهر حمادة، وأمكنه الإدلاء بإفادته كاملة بشأن الشكوى التي قدمها في 23 تشرين الثاني 2018 ضد عدد من عناصر أمن الدولة وكلا من سوزان الحاج وإيلي غبش، بالتعذيب والاشتراك في إنشاء عصابة أشرار وتسريب المعلومات إلى الإعلام. وصول عيتاني إلى العدالة لم يكن سهلا ولا ميسرا وعلى الأرجح أن معركته ما تزال في أولها. ففيما يوجب القانون على النيابات العامة بدء التحقيق بشكاوى التعذيب المقدمة إليها خلال 48 ساعة، فإنه تعين على عيتاني أن ينتظر زهاء سبعة أشهر للإدلاء بإفادته. وكانت المفكرة نشرت تقريرا حول قضية عيتاني وأبرز ما تعرض عليه على صعيد ضرب قرينة البراءة والمحاكمة العادلة.

التأخير قد حصل نتيجة عدد من العوامل:

أولا، عند استلامه الشكوى، اكتفى النائب العام التمييزي السابق سمير حمود بإحالتها كما وردت إلى مفوض الحكومة العسكري بيتر جرمانوس. وهو بذلك أحالها إلى مرجع غير مختص طالما أن المادة 15 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أولت القضاء العدلي وحده صلاحية النظر في التجاوزات المرتكبة من الضابطة العدلية، ومنها أعمال التعذيب المدعى بها.

ثانيا، بعد أشهر من إحالة الشكوى على هذا الوجه، اكتشف زياد عيتاني في إحدى جلسات المحاكمة المنعقدة أمام المحكمة العسكرية لمحاكمة سوزان الحاج وإيلي غبش أن جلّ ما فعله جرمانوس هو إحالة الشكوى من دون أي ادّعاء أو حتى تحقيق إلى المحكمة العسكرية. وقد انتهى رئيس المحكمة حسين عبدالله إلى إعادتها إلى جرمانوس، على اعتبار أن معالجتها يتم من خلاله وليس للمحكمة أي دور في هذا الشأن،

ثالثا، تم استدعاء عيتاني بعد ذلك لجلسة لدى معاون مفوض الحكومة العسكري رولان شرتوني بتاريخ 13/4/2019، وقد تم الاستدعاء في سياق لافت حيث كان جرمانوس يتحرك يمنة ويسرة لدفع شبهة الفساد عنه، والتي ظهرت تبعا لتسريب عدد من التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات. خلال الجلسة، قدم وكيل عيتاني المحامي جان حشاش طلبا بإعادة الشكوى إلى القضاء العدلي عملا بالمادة 15 أ.م.ج التي تعطي صلاحية حصرية لهذا القضاء. وكانت منظمات حقوقية هي “المفكرة القانونية” و”العفو الدولية” و”هيومان رايتس واتش” أصدرت قبل يوم واحد بيانا تحت عنوان: “أَحيلوا تعذيب الممثل زياد عيتاني إلى محكمة مدنية: لا يجوز النظر بقضيته في المحاكم العسكرية”. وفي موقف لافت، سارعت النيابة العامة العسكرية إلى قبول الطلب وإعادة تحويل الملف إلى النيابة العامة التمييزية. وبذلك، شكلت هذه الدعوى ممارسة أولى من نوعها في ترسيخ صلاحية القضاء العدلي في قضايا التعذيب بما يتماشى مع مناقشات المجلس النيابي عند إقراره قانون مكافحة جريمة التعذيب في 2017،

رابعا، احتاج الأمر بعد ذلك أكثر من شهر ونصف، تخللها المؤتمر الصحافي الذي دعت إليه المفكرة القانونية تحت عنوان: “كيف نوقف التهريج في قضية زياد عيتاني؟”، كي تضع النيابة العامة الاستئنافية في بيروت بناء على طلب النيابة العامة التمييزية يدها على الدعوى. فكانت هذه الجلسة التي أرجئت لمزيد من التحقيقات. فلنتابع…