ضرائب جديدة تفجّر حراك 2019 في لبنان: الشعب يريد إسقاط نظام الزعماء

،
2019-10-19    |   

ضرائب جديدة تفجّر حراك 2019 في لبنان: الشعب يريد إسقاط نظام الزعماء

مع احترامها لجميع الأشخاص الأحياء والأموات، ترى “المفكرة” أن أحد أكبر إشكالات لبنان ما بعد حرب 1975-1990 هو نشوء نظام الزعماء، أي النظام القائم على هيبة الزعماء والذين يستمدون مشروعيتهم من ذاتهم، بمعزل عما فعله أو يفعلونه أو لا يفعلونه. وعليه، نشهد في الحكم زعماء انخرطوا في لحظة من اللحظات في لعبة الدم و/أو الفساد، من دون أن يعرضهم هذا الأمر لأي مساءلة. لا بل على العكس، يبقى تبجيلهم واجبا على الناس جميعا، تحت طائلة التعرض لانتقام الشارع. وهذا ما أسميناه بجريمة الشرف الجديدة، أي الجريمة التي يرتكبها مناصرو هذا الزعيم أو ذاك دفاع عن شرفه. جريمة الشرف هذه ارتكبت في ساحات 2015 ويحتمل أن نشهد المزيد منها في 2019. من هذه الوجهة، التغيير الحقيقي للنظام نو إسقاط مفهوم الزعامة وتحويل لبنان من دولة كاريسماتية تحكمها مجموعة من الديكتاتوريين المتشربين بصورهم الذاتية إلى دولة ديمقراطية، وفق ما ينص عليها دستورها (المحرر).

أقلّ من يومين مضيا على بدء الحراك الشعبي في لبنان. لكنها مدة كافية كي تتضح معالم الفرق الشاسع بين هذا الحراك وحراك 2015. فبخلاف 2015، الحراك اليوم مناطقي ينتشر في مختلف بقاع لبنان أكثر مما هو مركزي، والحراك اليوم يتوسع ليشمل الفئات محدودة الدخل بعدما كان حراك 2015 في غالبه من عمل الطبقة المتوسطة وما قاربها. وبما لا يقل أهمية، وفيما أدى رفع شعار “كلن يعني كلن” وبعض صور الزعماء إلى إقصاء القواعد الحزبية من الساحات في 2015، يزخر حراك 2019 بخطاب معادٍ ليس لزعامات الغير، إنما أولا للزعامات التي تهيمن على مناطقهم. وعليه، بدا شعار “كلن يعني كلن” حاضرا ليس فقط في القول إنما أيضا وقبل كل شيء في الفعل.

يرسم المشهدَ في الشارع اليوم، وجوهٌ جديدة من الطبقةُ الفقيرة كانت غابت بمعظمها عن نقد زعمائها سابقا إمّا خوفًا منهم أم حاجة إليهم، ولكنّها فرشت الشوارع ردّا على الأزمة الماليّة الأخيرة التي شهدتها الساحة للبنانيّة، وما تبعها من تمادٍ للحكومة في فرض ضرائب على الشعب، والفقراء منهم خصوصا. وما يوازي أهميّة مشاركة هؤلاء الأشخاص، هي أنّ موجة غضبهم العفويّة والتي تخلو من حسابات الربح والخسارة لنتيجة أعمالها قرّرت أن تخوض مواجهتها بعيدا عن المركز، في مناطق كانت تحسب على زعيم سياسيّ معيّن، كان يعدّ من المقدسات ويمنع المسّ به. ما يحصل في المناطق البعيدة، فضلا عن بيروت، هو ما يصلح أن يكون أملا في تغيير لرموز النظام، بعدما خسروا سلاحهم الذين كانوا يستخدمونه في مواجهة أيّ تحرّك ضدهم.

وأن تشارك في المظاهرات فئات واسعة من الناس في لحظة انفعاليّة عفويّة، يسكنها وعي أنّ من يفقرهم هو نفسه من يحاول استمالتهم وتسكيتهم بهذا الشعار أو ذاك وبهذه المنفعة أو تلك، هو بحدّ ذاته خطوة ومحطة أساسيّة في مسار تمكين المجتمع من الدفاع عن ذاته وتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي في لبنان.

حراكات الجنوب والنبطية

في الجنوب، نزل مئات الشبان إلى الشارع في صور والنبطيّة وبنت جبيل ليلة الخميس 17 تشرين الأوّل ليهتفوا “حرامي حرامي برّي برّي حرامي” (المقصود رئيس المجلس النيابي نبيه بري)، و”دَعوِس يا شعبي دعوس على برّي وع المجلس” (ونحن ننقل هذه العبارات نظرا لما تعبر عنه من توجهات في الشارع). وفي النبطيّة، تمّ تكسير لافتات مكتب نائب حركة أمل هاني القبيسي ونائب حزب الله محمّد رعد، ولافتة منزل نائب كتلة التنمية والتحرير ياسين جابر، فضلا عن تكسير الPark Meters في سوق النبطيّة. في موازاة ذلك، تمّ الهجوم على مكتب النائب علي بزّي في بنت جبيل، والهجوم على الاستراحة البحرية التي تستثمرها عقيلة الرئيس نبيه بري “رندة برّي”، زوجة رئيس مجلس النوّاب بعد توجيه الشتائم لها في مسيرة الناس في صور.

حراكات طرابلس

وتعيد الصلاة الجماعيّة ليوم الجمعة في شوارع وساحات طرابلس وصيدا والناعمة وغيرها ذكرى تحرّكات وثورات عربيّة غير بعيدة زمنيّا. فقد شهدت تلك الساحات، بالإضافة إلى ساحات سعدنايل وقب الياس في البقاع شعارات تطالب باستقالة حكومة سعد الحريري، وحرقا وتكسيرا لصور الأخير وابن عمّته أحمد الحريري أمين عام تيّار المستقبل. كما حاصر شبان عدة منزل رئيس الحكومة السابق والزعيم السّنيّ نجيب ميقاتي في طرابلس وأزالوا صوره، وحطّموا شباب جبل محسن مكتب النائب علي درويش. كما اشتبك متظاهرون مع موكب النائب السابق مصباح الأحدب الذي سارع مرافقوه إلى إطلاق النار، مما تسبب بإصابات عدة بعضها حرج جدا. فضلا عن ذلك، أطلق المتظاهرون شعارات ضدّ جبران باسيل في البترون، علما أن ساحات بيروت كانت مسرحا لشتم هذا الرجل. هذا من دون أن ننسى التعرض لموكب أكرم شهيب في وسط بيروت والإشكال الحاصل مع مرافقيه.

مناطق مختلفة: معاناة واحدة

فيما ما يزال هناك نوع من الالتباس حول الجهات الداعية إلى الاحتجاجات (أو انعدامها) وخلفية المشاركين فيها، من المؤكّد أن لكل منطقة سياقها الخاص ولا يزال الخطاب والمطالب تختلف من منطقة إلى أخرى وحتى في الاعتصام عينه. ولكن تلاقت شعارات الشارع الغاضب تحت محاور أساسية تتجاوز رفض ضرائب الـواتساب. لم تخلُ المطالب من رفض الضرائب والوضع الاقتصادي المتردي، من هتافات “بدنا نعيش بكرامة” في بدنايل، إلى رفض معتصمي برجا “سياسات التجويع”، إلى الاعتصامات الغاضبة من بيروت إلى مزرعة يشوع وصولاً إلى زغرتا. كما طالب معتصمو جل الديب والضاحية توفير فرص العمل وسط مشكلة البطالة المتفاقمة. وأبعد من ذلك رُفعت أصوات في بعض المناطق تطالب بـ”إسقاط حكم المصرف” ورأس المال في طرابلس وصور، أمّا في بيروت، فقد عمد بعض المعتصمين إلى إضرام النار في إحدى بنايات مشروع سوليدير. والحل يبدو واضحا لأهالي الشويفات، وزغرتا، والضاحية، وقب الياس حيث أصرّ الأهالي على إعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الطبقة السياسية.

ولم يكتف اللبنانيون بمطالبة محاسبة السياسيين بل رفعوا خطابهم هاتفين بالشعار الذي يعيد الذاكرة إلى حراك 2015 وهو “الشعب يريد إسقاط النظام” وتنوعت المطالب من إسقاط الحكومة إلى البرلمان إلى النظام بكامله. ولكن هذه المرة رُفعت هذه الشعارات ليس فقط داخل العاصمة ومجتمعها المدني بل في المناطق كافة مثل بنت جبيل، البترون، الشويفات، طرابلس وبدنايل. وناشد أهالي بعض المناطق كالضاحية وقب الياس الجيش اللبناني بتنفيذ انقلاب واعتقال الطبقة الحاكمة لمحاسبتها. وتميّز اعتصام برجا بمطلب محاسبة القوى الأمنية التي اعتدت على المتظاهرين السلميين خلال التظاهرة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني