شهادة الصحافي غسان بن خليفة: اعتُقِلت بسبب مواقفي السياسية


2022-09-16    |   

شهادة الصحافي غسان بن خليفة: اعتُقِلت بسبب مواقفي السياسية

اعتُقِل الصحفي غسّان بن خليفة من أمام منزله صبيحة يوم الثلاثاء 06 سبتمبر 2022، عندما كان يستعدّ لممارسة رياضة الجري ويودّع زوجته وطفله الذاهبين إلى رياض الأطفال. قال بن خليفة الذي فاجأه أسلوب الاعتقال[1]: “اقتربَ منّي شخص غريب وسألني عن منزل للإيجار في الحي. فأجبته بأنني لا أعرف. ولكنه طلبَ مني مرافقته فرفضت وبدأنا في التشابك. ثم فجأة تَجمَّعَ حولي أكثر من شخص تبيَّن فيما بعد أنهم أعوان شرطة بالزي المدني. ألبسوني الكلبشات ودفعوني نحو السيارة”.

قامت الوحدة الأمنية بتفتيش منزل الصحفي غسّان بن خليفة وصادَرت هاتفه الجوّال وحاسوبه الخاص وحاسوب والده. وتمَّ اقتياده إلى مقر الفرقة الأمنية بالقرجاني وسط العاصمة. ثمَّ أحِيل على أنظار النيابة العمومية بباب بنات. ولكنّه في اليوم نفسه مَثُل مجدّدا للبحث أمام الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب بالعوينة التي أحالته بدورها على أنظار النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب. هذه الأخيرة أطلقت سراحه يوم الأحد 11 سبتمبر 2022، بعد مرور خمسة أيام من اعتقاله.

شبهة إرهاب وقضية أخلاقية مُفبركة

خلال الأبحاث الأولية اتّهِم غسان بن خليفة بالإشراف على صفحة عنوانها “البركان التونسي”. قامت بتنزيل صور ومنشورات اعتبرتها الجهات الأمنية مُهددة للأمن القومي وسلامة رئيس الدولة. في هذا السياق، قال بن خليفة “بعد تفتيش الحواسيب والهواتف الجوالة لم يجدوا شيئا يربطني بهذه الصفحة. ولا توجد أصلا في سجّلات البحث التي قمت بها على الإنترنيت. والمشرف الفعلي على الصفحة ليس صديقي على موقع الفايسبوك ولاتربطني به أي صلة”. ويُذكر أن الوحدة الأمنية بالعوينة قامت باعتقال شخص آخر اعترف بإشرافه على الصفحة ونفَى وجود أيّ صلة له بالصحفي غسان بن خليفة. وقد أعلِم بن خليفة أثناء الأبحاث أنه بتاريخ 20 جوان 2022 قامت الصفحة بتنزيل منشور “مهدد لسلامة الرئيس”، تبيّن أن مصدرها المعرّف الرقمي لهاتفه الجوال «Adresse IP».

في سياق اتهامه بإدارة الصفحة الفايسبوكية المذكورة، يُواجه الصحفي غسان بن خليفة أيضا تهمة التشويه الأخلاقي على شبكات التواصل الاجتماعي، إثر شكاية تقدم بها ضده أحد الأشخاص اتهمه فيها بتنزيل منشورات تتضمّن إساءة أخلاقية لعائلته. وقد نفَى بن خليفة أيّ صلة له بهذه المنشورات قائلا: “إن أردتم محاسبتي فعلا، فحاسبوني على مواقفي وآرائي لأنني أكتبها وأعبّر عنها بوضوح ولا تُلفّقوا لي تهم إرهاب وقضايا أخلاقية…هناك محاولة لتشويه سمعتي واغتيالي معنويا”. ويُذكر أنّه بعد إطلاق سراحه أحِيل غسان بن خليفة يوم الخميس 15 سبتمبر في حالة تقديم على أنظار النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية سوسة2، بسبب الدعوى الأخلاقية المرفوعة ضده. بالإضافة إلى هذا أعلمته الجهات الأمنية أنه ما زال على ذمة الأبحاث.

أشار بن خليفة الذي قضّى أياما في الاعتقال إلى أنّه مُنِع لمدة 48 ساعة من لقاء محاميه -وهو إجراء معمول به في القضايا ذات الشبهة الإرهابية- وقال أيضا بأن ظروف الاعتقال في مركز الاحتجاز ببوشوشة وسط العاصمة كانت مزرية ولا إنسانية بسبب الاكتظاظ وحرمان الموقوفين من النفاذ إلى الحمّامات رغم ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الروائح الكريهة بسبب الإهمال وانعدام التهوئة وتركيز الدورات الصحية داخل الزنزانات. مما يجعل الموقوفين مضطرين إلى قضاء حاجاتهم بجانب أماكن نومهم.   

اعتقال سياسي

بعد علمه بقرار الاحتفاظ به على ذمة الأبحاث بوصفه متهما في قضية إرهابية أضربَ الصحفي غسان بن خليفة عن الطعام. في هذا السياق قال بن خليفة: “عند ربط خيوط القضية ببعضها أصبحت لديَّ قناعة بأنها قضية سياسية. وهي مرتبطة بالتوجه السياسي لموقع انحياز في حملات المقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولطيف واسع من الشباب اليساري المتمسّكين بالسيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والقضية الفلسطينية. فهؤلاء يجب إسكاتهم لأنه من الواضح أنّ هناك سياسات قادمة لفرض التطبيع، لأنه لدينا رئيس يتكلم ولا يفعل… يريدون إسكاتنا لأنّنا رفضنا التطبيع والنيو ليبرالية والارتهان لصندوق النقد الدولي”.

وبخصوص الجهات التي تقف وراء اعتقاله قال بن خليفة: “هناك مُحاولة لتوتير الأوضاع السياسية لمزيد ابتزاز رئيس الدولة الذي لا يَقدر على السّيطرة على الوضع ولم يذهب في التوجّه الاجتماعي ولم يتّخذ إجراءات شعبية. لذلك أحمّل رئيس الدولة المسؤولية الأخلاقية والسياسية إزاء كل ما يحدث”.

يمارس غسان بن خليفة نشاطه الصحفي منذ سنة 2004، إذ اشتغل صحفيا بجريدة الموقف المعارضة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. ونشط في صفوف الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض. وهو ناشط يساري ويشغَل الآن خطة منسق تحرير موقع انحياز الذي يطرح قضايا متعلقة بالعدالة الاجتماعية والسيادة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني. وقد عُرف بن خليفة في السنوات الأخيرة بنشاطه البارز في صفوف الحملات الإقليمية والدولية المقاطعة لدولة الكيان الصهيوني.         

وبخصوص علاقاته بحملات المقاطعة، قال بن خليفة: “أنا ناشط بارز في قضية مناهضة التطبيع في السنوات الأخيرة ولدي علاقات متينة بالكثير من حملات المقاطعة في فلسطين ولبنان والأردن، في البلدان العربية وفرنسا. ولدي علاقات مع منتسبين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولكن ليست لدي علاقات تنظيمية بهم. في 2016 انتظم مؤتمر هرتسيليا للأمن القومي الإسرائيلي الذي يجتمع فيه كل سنة خبراء الكيان الصهيوني. وخلاله تم تصنيف حملات المقاطعة كخطر استراتيجي على دولة الكيان. وقالوا من خلال كتاباتهم بأنه سيتمّ التعامل استخباراتيا مع هذه الحملات. من ضمن ذلك زعزعتهم وتشويه سمعتهم. هؤلاء لديهم القدرة على اختراق الهواتف الجوالة وقرصنتها. وبالطبع لديهم حلفاؤهم وعملاؤهم المحليّون”.   ومن المنتظر أن يمثُل بن خليفة مجددا أمام السلطات القضائية التونسية. وبخصوص حادثة اعتقاله، أشارت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في بيان لها إلى أنّ “غسان بن خليفة وغيره من الصحفيات والصحفيين والمدونين والنشطاء والحقوقيين يتعرضون يوميا لحملات تشويه وتهديد وسحل إلكتروني تقوم بها صفحات محسوبة على السلطة من دون أن يتخذ فيها القضاء ايّ إجراءات رغم رفع العديد من الشكاوى في الغرض، وهو ما يؤكد أنّ السلطة توظّف الأجهزة الأمنية والقضاء وتحرّكها في قضايا بعينها دون أخرى”.


[1]  هذه الشهادة وثقتها المفكرة القانونية خلال ندوة صحفية عقدها الصحفي غسان بن خليفة يوم الأربعاء 14 سبتمبر 2022 بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

أجهزة أمنية ، أحزاب سياسية ، حرية التعبير ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني