شقيقات ثلاث ضحايا طرقات الموت: هل من يَكبح المأساة؟


2024-04-10    |   

شقيقات ثلاث ضحايا طرقات الموت: هل من يَكبح المأساة؟
سيارة الشقيقات الثلاثة بعد سقوطها في الوادي واحتراقها (سيدرز نيوز)

“والدكن طلع أقوى منّي أخدكن لعنده” عبارة تكرّرها الدكتورة نجوى، وهي في حال من الحزن والألم يفطر القلوب، بعد رحيل بناتها الثلاثة فاطمة فرسان قمح (21 عامًا)، فرح (19 عامًا) وريم (12 عامًا) اللواتي خطفهنّ الموت، وهنّ في أعمار الورود. 

ثلاث شقيقات طافحات بالحياة، لكن الموت، رحل بهنّ بعيدًا، تاركًا أمًا ثكلى وأختًا رابعة وهي الأخت الكبرى روان (23 عامًا) وحيدة على طريق المعاناة والحسرة لفقدان شقيقاتها الثلاث بل صديقاتها الأقرب إلى قلبها.

فليل الجمعة 29 آذار، أثناء عودة الشقيقات الأربع روان، وفاطمة، وفرح وريم  بسيارتهنّ من صيدا إلى قريتهنّ كفرحتى، وهي إحدى قرى إقليم التفاح تبعد حوالي 12 كيلومترًا عن المدينة، وقبل “كوع القريّة” انحرفت السيارة بهنّ إلى أقصى الشمال، واصطدمت بالرصيف، فطارت السيارة، ووقعت في مهوار ارتفاعه في حدود 3 أمتار. تجمّع المواطنون من سكان القريّة ومن العابرين، وتمّ سحبهنّ من السيارة قبل اشتعال النيران فيها.

هذا الحادث المميت، أودى بحياة الشقيقتين فاطمة وريم قمح على الفور،  أما فرح فأصيبت إصابة بالغة، نقلت على إثرها عبر الصليب الأحمر إلى مستشفى غسان حمّود في صيدا، ثمّ ما لبثت وبعد أسبوع من الحادث، في الثالث من نيسان، ان فارقت الحياة ملتحقة بشقيقتيها، لتكتمل مأساة عائلة قمح  في كفرحتى.

الشقيقة الرابعة روان كانت برفقة أصدقاء لها في سيارة أخرى خلال  طريق العودة، ليشاء القدر ألّا تبقى الأم الثكلى نجوى وحيدة، لا سيما أنّها فقدت زوجها فرسان قمح قبل سنتين في حادث دهس سيارة، أيضًا على طريق العاقبية في الجنوب.

وفيما يجري التحقيق في ملابسات الحادثة في مخفر حارة صيدا، يقول مصدر أمني لـ “المفكرة” إنّ السبب الرئيسي للحادث هو السرعة، لكنّه لوحده ليس سببًا كافيًا إذ أنّ معظم الطرقات في لبنان باتت غير آمنة لعدم وجود صيانة دائمة إضافة الى الظلمة في الليل، مع غياب الإنارة على جوانب الطرقات.

وانضمّت الشقيقات الثلاثة إلى ضحايا حوادث السير الذين يتساقطون يوميًا، إذ لا يمرّ يوم من دون أن يتضمّن الخبر اليومي لغرفة التحكّم المروري قتيلًا على الأقل وجرحى في حوادث سير. ووفق إحصاءات الغرفة التي تنشرها على منصة “إكس”، بلغ عدد القتلى في حوادث السير التي تم التحقيق فيها في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2024، 85 قتيلًا، والجرحى 41، في 37 حادثًا، منها سقوط 8 ضحايا حتى السابع من نيسان. مع العلم أنّ هذا العدد هو فقط عدد الحوادث التي تمّ التحقيق فيها وبالتالي فإنّ العدد قد يكون أعلى من ذلك. 

وبالتالي فإنّ المقيمين في لبنان يتعرّضون يوميًا إلى خطر الموت نتيجة ضعف السلامة المرورية وهو ولو أنّه ليس أمرًا مستجدًّا بل متجذّرًا منذ ما قبل الأزمة إلّا أنّه تعزز مؤخرًا نتيجة الإهمال الإضافي حيث لم تعد الطرقات تتسم بأبسط معايير السلامة، ولم تخضع لأية صيانة منذ خمس سنوات على الأقلّ حيث الحفر يزداد بشكل مضطرد والانهيارات أيضًا إضافة الى غياب الإنارة ليلًا مع الانقطاع المتواصل للكهرباء، عدا عن توقف إشارات السير على التقاطعات. 

وقد أضيفت عوامل أخرى تفاعلت مع الحال السيّئ أساسًا للطرقات من بينها التغيّر المناخي حيث ازدادت الهطولات مسبّبة سيولًا وانجرافَ عدد من الطرق بينها طرق رئيسية منها طريق ضهر البيدر في كانون الثاني الماضي والذي دفع وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية إلى إعلان حالة الطوارئ لكلّ طرقات لبنان وليس لضهر البيدر فقط.   

والأسبوع الماضي، وخلال جولة تفقدية للأشغال الجارية على جسر بعبدات أعلن حمية أنّ “أعمال صيانة الأوتوسترادات والطرقات الرئيسية وتلك التي تربط البلدات بعضها ببعض قد بدأت على قدم وساق، وذلك بما توفّر من اعتمادات مالية في بند صيانة الطرق في موازنة الوزارة للعام الحالي، إضافة إلى وضع كافة الإمكانات والجهود في سبيل إنجاز هذه الأعمال، كونها أعمال حيوية بالنسبة للسلامة العامة وللحفاظ على أرواح المواطنين”.

وحاولت “المفكرة القانونية” التواصل مع الوزير حمية للوقوف عند هذه الأعمال وعند خطة وزارته لمواجهة أزمة الطرق من دون أن تلقى جوابًا، كما حاولت التواصل مع المدير العام للوزارة علي حبّ الله ومستشار الوزير للطرق والتنظيم المدني الدكتور محمد جشي، للسؤال عن الخطة ومدة تنفيذها إلّا أنّ الوزير حمية رفض إعطاء الإذن لأيّ منهما للحديث عنها. 

وفي المقابل اعتبر خبراء الطرق ممّن تواصلت معهم “المفكرة” أنّ الحديث عن ورشة إصلاح للطرق كلام إعلامي وأنّ الإمكانات الحقيقية مقارنة بحجم المشكلة يؤشران إلى أنّ أيّ خطة لدى الوزارة ستبقى حبرًا على ورق أو أنّ الإجراءات التي ستتخذ لن تلبّي الحاجة الحقيقية.

الشقيقات الثلاثة فاطمة، فرح ولين

ضعف تراكمي ومزمن في حال الطرق

يعلّق المهندس المتخصّص في مجال النقل رامي سمعان في حديث مع “المفكرة” بالقول إنّ الكلام عن البدء بتنفيذ خطة لصيانة الطرق هو كلام لا قيمة له “ما بيعرفوا يديروا الطرقات وما فارقة معهم السلامة المرورية. وصلنا للذروة والأزمة المرورية في تصاعد”.

ويسأل: “ليخبرنا الوزير أين موازنات كلّ الأقاليم والمناطق؟ ماذا أعطاهم من أموال وبناء على أيّ خطة سيعمل، وعلى أي أساس؟ فليطلعنا على المناطق التي سيستطيع التحكّم بها؟”، مستدركًا أنّه لا يشكك في خطة الوزير “لكن هناك أزمة مالية حقيقية في ما يتعلّق بإدارة أمور السلامة المرورية في لبنان وهذا أمر يرتبط بالصيانة وتكاليفها”. 

ويؤكد سمعان أنّ وضع السلامة المرورية مترهّل في كلّ البلد، رغم وجود كفاءات عالية سواء في قوى الأمن الداخلي أو بعض البلديات وخبراء ومهندسين مؤهلين ولديهم خبرات عالية بهذا الاطار في القطاع العام لا سيّما الوزارات المعنية مثل التربية، والعدل والأشغال العامّة. ويتابع أنّ “الإدارة ليست معزولة تمامًا ولا مفلسة من حيث الموارد البشرية، لكن هذه الموارد لا توضع على برامج سليمة ولا تعطى لها الموارد المالية الكافية لتنفيذ مهامها. وأيضًا لا يوجد تكامل في الخطط”.

ويلخّص سمعان وضع الطرقات وأسباب حوادث السير بعدد من النقاط، أبرزها أنّ الطرقات الرئيسية والطرقات في المدينة غير مجهّزة بشكل سليم وغير مصمّمة بطريقة صحيحة، وهو ما يربك السائق لا سيما في ظل غياب إشارات السير واللافتات والفواصل وعلامات سطح الطريق. وطبعًا لا ننسى سلوكيات السائقين نفسها وعدم احترامهم للسرعة المحددة والقيادة تحت تأثير الكحول وتحت تأثير الأدوية والتعب الشديد والتلهّي بالهاتف وعدم الاكتراث للتقاطعات وأصول التجاوز. وهذا ينطبق على السيارات والشاحنات وغيرها. وهناك سبب آخر قطع الطريق من قبل المارة من جهة إلى أخرى، لا سيما أنّ الطرقات في المدينة غير مجهّزة بشكل سليم وغير مصممة بطريقة صحيحة، ما يشكل خطرًا على المارة.

ويلفت أيضًا إلى تدهور حال المركبات التي تحتاج إلى صيانة دورية لكن فقدان اللبنانيين للقدرة المادية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد يحول دون ذلك ما يرفع من احتمال تعطّل سياراتهم وتسبّبها بحوادث.

ولكن يبقى السبب الأبرز للحوادث بالنسبة لسمعان هو “حال الطرقات وبنيتها التحتية من وجود حفر، وعدم وجود جدران دعم أو حماية على جوانبها في معظم الأحيان وخطوط واضحة للفصل بين المسارات لتفادي التصادم المباشر، وغياب الصيانة من حيث إغلاق “ريغارات” تصريف المياه، وتوفير طبقة إسفلتية صالحة، وأيضًا غياب الإنارة خصوصًا على الطرقات السريعة، فتحجب الرؤية الواضحة، بالإضافة إلى غياب الصيانة في فصل الشتاء وأثناء التغيّر المناخي وتراكم المياه والثلوج ما يتسبب بانزلاقات وانجرافات وتحديدًا على الطرقات الجبلية والمناطق النائية. وقد رأينا مؤخرًا أزمة السير الهائلة على الطرقات خلال هطول الأمطار بكميات كبيرة”.

ويشرح أنّه “لدينا ضعف تراكمي في حال الطرق، هذا التراكم سببه الإهمال في معايير السلامة المرورية. قبل الأزمة لم يكن في لبنان شبكة طرق فعّالة بشكل جيّد، بل كانت دون الوسط بالنسبة للسلامة المرورية. فمثلًا لدى معالجات الطبقة الإسفلتية أو معالجة الإشارات كان هناك مشكلة إنارة، وفصل بين خطوط السير، مشكلة دخول وخروج على الطرقات السريعة، حيث هندسيًا بجب أن يخضع ذلك لمواصفات دقيقة”.

ويلخّص بالقول “بالأصل شبكة الطرق اليوم هي إرث شبكة قديمة مشكوك في أدائها على أكثر من صعيد. وأتت الأزمة حاليًا، دفشتها أكثر للتدهور الخطير، فانتقلنا من الأداء الوسطي إلى الترهّل الحاد والمأزوم. وبالتالي استعادة مستوى السلامة المرورية للطرق هو تحدّ كبير خلال هذه الأزمة لأنّ هناك  اقتطاعات كبيرة من مصاريف الدولة. يعني أصلًا كان في تقصير واليوم ازداد هذا التقصير”.

ويخلص إلى أنّ “معالجة السلامة المرورية يجب أن يكون وفق خطة متكاملة، تشمل كلّ المسببات لحوادث السير، ولا يجب أن تقتصر على المخالفات والغرامات والتوعية، فالردع لن يحسّن من حالة المركبة ولن يخفّض أسباب الحوادث من جراء حالة الطرقات”.

انجراف التربة على طريق ضهر البيدر (الوكالة الوطنية للإعلام)

ارتفاع حوادث السير مقارنة بسنوات الإقفال وبداية الأزمة 

وكانت حوادث السير انخفضت في 2021 و2022 نتيجة تراجع حركة المرور بسبب الإقفال نتيجة انتشار فيروس كورونا والأزمة، إلّا أنّ ذلك لم ينعكس انخفاضًا في عدد القتلى والجرحى بحسب أرقام الدولية للمعلومات استنادًا إلى تقارير قوى الأمن الدّاخلي.

ولكن حركة المرور بدءًا من العام 2023، عادت إلى سابق عهدها، ومعها ارتفع عدد الحوادث كما ارتفع عدد القتلى بأكثر من 21%. وهذا ما دفع جمعية “اليازا” للسلامة المرورية إلى التحذير من ازدياد الحوادث في العام 2024 وارتفاع أكثر في عدد القتلى والجرحى. وبرزت بوادر الارتفاع في الأشهر الأولى من السنة الحالية، بحسب الجمعية. 

ويرى مؤسّس ورئيس “اليازا ” زياد عقل في حديث مع “المفكرة” أنّ “وزارة الأشغال العامّة لا تقوم بدورها من أجل السلامة المرورية، ووزارة الداخلية غائبة عن دورها في تطبيق قوانين السير، وهيئة إدارة السير مشلولة بشكل شبه كامل، والمعاينة الميكانيكية متوقفة منذ عامين، وامتحانات السوق أيضًا متوقفة منذ أكثر من سنة وثلاثة أشهر علمًا أنّها لم تتوقف حتى أثناء الحرب اللبنانية. وهذا أمر خاطئ ومرفوض ويتطلّب جدية من قبل وزارة الداخلية، وأيضًا وزارة الأشغال لديها مسؤولية كبيرة عن حال  الطرقات”. 

وإضافة إلى ضعف السلامة المرورية في البلاد وتقاعس الوزارات عن القيام بدورها، يضيف عقل “ضعف القدرة الشرائية عند الناس، نتيجة الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، ما ينعكس غيابًا للمعاينة الميكانيكية الذاتية”، ليطالب “السلطة وأيضًا المواطنين بتحمّل مسؤولية السلامة المرورية بجدّية”.  

ويوضح عقل أنّ “اليازا” تقوم بحملات توعية بشكل متواصل في كلّ الوسائل المتاحة، إن كان في الإعلام أو السوشيل ميديا، في المدارس وفي الثكنات العسكرية، لكن التوعية لوحدها لا تكفي، فالأمر يتطلّب وعيًا من المعنيين في السلطة الذين يتحجّجون دائمًا بعدم وجود الأموال. وسأل عقل هنا عن القرض الذي قدّمه البنك الدولي بقيمة 200 مليون دولار، معتبرًا أنّ السلطة مسؤولة عن كيفية صرفه، إذ لا يمكن القول إنّنا لا نستطيع إجراء صيانة لأوتوستراد ساحلي مثلًا، أو لطريق ضهر البيدر، فيما نصرف مبالغ على طرقات ليست بأهمية الطرقات الرئيسية.

ويعلّق سمعان بدوره على ما يقال عن ارتفاع وتيرة حوادث السير في الآونة الأخيرة، معتبرًا أنّ ذلك لا يعكس بالضرورة منحنيات مرتفعة بشكل غير طبيعي بحوادث السير. “كان الأمر مقلقًا من قبل ولا يزال ولا يوجد مستجدّات منذ سنتين أو ثلاث سنوات. فالوضع سيّئ وما زال على حاله”، يضيف موضحًا.

ويتابع أنّه “لا شكّ أنّ أرقام الضحايا عالية، وهذا الأمر ليس جديدًا بل مزمنًا ويتفاقم منذ 20 عامًا، مع ذلك لا يوجد معلومات حاسمة حتى نقدّر نسبة ارتفاعه”.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في الحياة ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني