سعيّد ينصّب مجلسه المؤقت للقضاء: صورة تعيد عقارب الساعة إلى الوراء


2022-03-08    |   

سعيّد ينصّب مجلسه المؤقت للقضاء: صورة تعيد عقارب الساعة إلى الوراء
من الوقفة الاحتجاجية على قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد بحلّ المجلس الأعلى للقضاء وتنديدا بمحاولاته لوضع يده على القضاء والمسّ باستقلاليّته. (المصدر: المفكرة القانونية / تصوير: أحمد زرّوقي)

مساء يوم 06-03-2022، وبمناسبة لقاء جمعه برئيسة حكومته نجلاء بودن  ووزيرته للعدل ليلى جفال، كشف الرئيس قيس سعيد أنه انتهى من مرحلة انتقاء  أعضاء المجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي استحدثه بموجب المرسوم عدد 11 لسنة 2022 من بين القضاة المتقاعدين. كما أدلى أنّ عمله “استدعى التحرّي والتقصّي ليكون هؤلاء في مستوى المرحلة التي تعيشها تونس” مؤكّدا “أن اختياره كان من بين من تقدموا بطلب ترشح ومن ضمن غيرهم ممن لم يقدموا ترشحاتهم وقبلوا تحمل المسؤولية”. ولم ينسَ سعيّد القول بأن معيار اختياره كان الاستقلالية مما يؤشر إلى أنه لا يريد التدخل في القضاء. وفي صبيحة اليوم الموالي وقبل نشر أوامر التعيين بالجريدة الرسمية، كان قصر قرطاج يحتضن حفل أداء أعضاء المجلس اليمين الدستورية أمامه في موكب انتهى  بكلمة ألقاها عليهم وأكد فيها أن اليوم الذي يحضرون فعالياته تاريخيّ.

في كل هذا بدا الرئيس فخورا بمنجزه الذي اعتبره حدثا تاريخيا فيما ظهر القضاة السامون من أعضاء المجلس المؤقت ومعهم المتقاعدون في انسجام تام معه يؤدّون نصّ اليمين كما كتبت لهم في انضباط تام. وتستدعي صورة هؤلاء معه إبداء ملاحظات حولها، منها ما تعكسه الصورة من خصائص تميز العلاقة الجديدة بين رأس السلطة والقضاء، ومنها رسم القاضي في تصوره الجديد كما بدا لحظة التنصيب.

الرئيس يمنح الثقة ويسدي التوجيهات.. صورة عادت من الماضي

طيلة مدة الجمهورية الأولى، كانت صورة المجلس الأعلى للقضاء تختزل في موكب يعقد بالقصر الرئاسي يجلس فيه القضاة السامون والمختارون من السلطة لتمثيل زملائهم من القضاة في ذاك المجلس ليستمعوا لكلمة رئيس الجمهورية التي يعقبها الإعلان عن الحركة القضائية السنوية.

بعد الثورة وخلال مدة ولاية الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، كانت جلسات افتتاح السنة القضائية العنوان الأبرز لتغيير جوهري في صورة ظهر فيها القضاء من يتحدث عن استقلاليته وشروطها في حضور سلطة سياسية صامتة تكتفي بتأكيد احترامها للقضاء وسلطته. 

جدل تطور مع المجلس الأعلى للقضاء الذي كانت لقاءات أعضائه بممثلي السلطة التنفيذية ترتبط في كثير من حالاتها بحاجة لإيجاد مخارج من إشكاليات تسبب فيها استمرار نفاذ تراتيب إدارية تخول السلطة التنفيذية التدخل في إدارة المسار المهني للقضاة ويسعى من في المجلس للتصدي لها. وكان يظنّ عند هذا المستوى أن تونس قطعت مع صورة قاضي النظام وانطلقت في البحث عن توازن يضبط علاقة القضاء بالسلطة السياسية وهو أمر أكد حدث 25 جويلية  وما تلاه أن الردة عنه ممكنة.

عودة مجلس القضاء لقصر الرئيس: صورة ركّبت بنجاح

في كلمته للشعب التونسي يوم 25 جويلية 2021 التي أعلن فيها انفراده بالسلطة التنفيذية تحدث الرئيس قيس سعيد عن عزمه ضم رئاسة النيابة العمومية لصلاحياته. وهو أمر رفضه آنذاك مجلس القضاء وطيف واسع من القضاة والحقوقيين بما اضطره للتراجع عنه في ذات الليلة. تاليا بدا القضاء في صراع دائم معه وكان من الواضح أن الضمانات التي مثلها مجلس القضاء المنتخب في غالبية أعضائه كانت من الأسباب التي تفسر تمسك القضاة باستقلاليتهم في مقابل نوازع الحكم الفردي. وربما هذا ما دفع سعيّد لإصدار المرسوم الرئاسي عدد 11 لسنة 2022 الذي أنهى الوجود القانوني لتلك المؤسسة ورسم صورة مجلس بديل لها يعين الرئيس أعضاءه ويشاركه اختصاصاته. وقد شكل هذا المرسوم حدثا مفصليا في تاريخ بناء دولة سعيد كما يتخيلها وكما يعمل على إرساء دعائمها والتي يعود فيها مجلس القضاء لقصر الرئيس ليستمع في صمت لتوجيهاته.

قضاة الرئيس: صامتون منخرطون 

دعا الرئيس في خطابه القضاة الجالسين أمامه إلى أن يخوضوا معه “حربا بلا هوادة هي حرب تحرير وطني ضد الفاسدين والمفسدين والذين أرادوا أن يتسللوا لقصور العدالة وضدّ كل من أراد إسقاط الدولة”. فكان في ذلك من يحدد لهم ما هو مطلوب منهم في موضع ظهروا فيه متحمسين لأداء قسم يلزمهم باحترام استقلالية القضاء والدستور، وهو قسم غير صادق بداهة طالما أنهم مدعوون لأدائه بفعل تعيينهم في مرسوم مخالف بداهة للدستور.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سلطات إدارية ، أحزاب سياسية ، استقلال القضاء ، مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني