دولارات البنزين إلى الكهرباء: 10 ساعات تغذية بكلفة 27 سنتاً للكيلوواط


2022-06-11    |   

دولارات البنزين إلى الكهرباء: 10 ساعات تغذية بكلفة 27 سنتاً للكيلوواط

تُمعن السلطة في الابتعاد عن الحلول الجدية أو المستدامة للأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية القاسية التي يشهدها البلد، مفضّلة العمل على الترقيع وتركيب الطرابيش كوسيلة وحيدة لإدارة المؤسسات، أو بشكل أدقّ كوسيلة وحيدة لعدم انفراط عقد كل المؤسسات والخدمات العامة. هذا ما حصل في التعامل مع انهيار العملة وشحّ الدولار، وتردّي الاتصالات، وفقدان المحروقات. مشكلة أي خطوة ترقيعية أنها لا تجري إلا على حساب الناس، كل الناس، فيما القلة الحاكمة تحمي نفسها من خلال إهدار ما يتبقّى من دولارات في الاحتياطي الإلزامي، استنزفت أغلبه خلال سنتين من الأزمة، لكي تنآى بنفسها عن تحمّل المسؤولية ولشراء الوقت. 

في ملف الكهرباء، وبعدما طارت عملية تلزيم المعامل، بسبب فشل المحاصصة، وبعدما شارف العقد مع العراق لتزويد لبنان بالفيول على الانتهاء، صارت كل الدلائل تشير إلى اقتراب العتمة الشاملة التي طالما كان شبحها حاضراً. فأن ينتهي العقد مع العراق في أيلول، يعني أن الأمور ذاهبة إلى الكارثة.

لذلك، عمد وزير الطاقة وليد فياض إلى إعداد خطة طارئة بعنوان “مقترح خطة طوارئ وطنية لقطاع الكهرباء”، كانت العبارة الأولى فيها: “استباقاً للعتمة الشاملة التي من الممكن أن تصبح أمراً واقعاً بعد انتهاء مدة عقد النفط العراقي لزوم تشغيل معامل إنتاج الكهرباء في أيلول 2022، وفي حال عدم رغبة الجانب العراقي بتجديد هذا العقد…”.

كذلك بدا واضحاً أن الوزارة لم تعد تثق بإمكانية تحقيق أي تقدّم في ملفّ استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية. فهذا الملفّ مرتبط بشكل واضح بفيتو أميركي، يُعبّر عنه موقف البنك الدولي الذي يربط التمويل ب “دراسة جدوى سياسية”، بالتوازي مع امتناع وزارة الخزانة الأميركية عن إعطاء مصر رسالة صريحة تشير إلى إعفاء العقد من تبعات قانون قيصر.

عملياً، الخطة المقدمة هي “الخطة باء” لمعالجة قطاع الكهرباء، وتهدف إلى تأمين الكهرباء ما بين 8 و10 ساعات يومياً (يتعلق الأمر بموافقة الحكومة العراقية على تجديد العقد من عدمه).

أما البنود العريضة لها، فهي:

  • تأمين التمويل اللازم لشراء الفيول من قبل مصرف لبنان على سعر منصة صيرفة، بما يعادل 130 مليون دولار شهرياً (على سعر 110 دولارات لبرميل النفط الخام).
  • تأمين تحويل أموال الجباية العائدة إلى مؤسسة كهرباء لبنان إلى الدولار الأميركي عبر منصة صيرفة لتسديد ثمن الفيول، إضافة إلى مصاريف التشغيل والصيانة وقطع الغيار التي تسدد بالعملة الأجنبية.

لتحقيق ذلك، أي لكي تتمكّن المؤسّسة من تأمين ليرات كافية لاستبدالها على سعر صيرفة، تقترح الخطّة رفع تعرفة الكهرباء على المشتركين تبعاً للتالي: 10 سنتات (تحتسب على سعر صيرفة) لأول 100 كيلوواط/ساعة، وثمّ 27 سنتاً لباقي الاستهلاك.

مع افتراض أن سعر صيرفة هو 25 ألفاً، فإن سعر الكيلوواط لأول شطر سيكون 2500 ليرة، على أن يكون السعر للشطر الثاني 6750 ليرة (في حال لم يتغيّر سعر النفط وسعر الدولار). لا إحصاءات واضحة لحجم الاستهلاك في كل لبنان، لكن مصادر في القطاع تشير إلى أنها تُعادل 400 كيلوواط، ما يعني أن معدّل الفاتورة الشهرية من نحو 50 ألف ليرة إلى مليونين و700 ألف ليرة.

بالنسبة للوزارة، صحيح أن الفاتورة سترتفع بشكل كبير. إلا أنها تعتبر أنها لا تُقارن بفاتورة المولّدات الخاصة، حيث وصل سعر الكيلو واط إلى ما بين 12 و13 ألف ليرة، أي ما يصل إلى 50 سنتاً. لكن هذه المقارنة تصبح غير جائزة، في ظل اضطرار أسر عدّة للتخلي عن اشتراك المولد، والاكتفاء بساعة واحدة أو ساعتين من كهرباء الدولة. وهنا يكون الرد أن ال100 كليوواط التي ستباع بسعر مخفض يمكن أن تكون حلاً مقبولاً لحصول الجميع على تغذية أكثر بالتيار، علماً أن “الخسارة” التي ستتعرض لها كهرباء لبنان من خلال التعرفة المخفضة، سيتم تعويضها عبر الرسم المقطوع الذي سيفرض على كل الفواتير (لم تُحدد قيمته في الخطة).

ويترافق رفع التعرفة، بحسب الخطة، مع إطلاق “ورشة عمل وطنية بالاشتراك مع جميع الأطراف الفاعلة من وزار الطاقة، كهرباء لبنان، شركات مقدمي الخدمات، وزارة الاقتصاد، القوى الأمنية، وزار الداخلية، وزارة الدفاع، والسلطات المحلية”، إضافة إلى “تأمين التغطية والدعم السياسي اللازم لنجاح الخطة”، تهدف إلى:

  • تخفيض الهدر غير الفني (18.17 %) عبر اعتماد الرقابة على العدادات وتفعيل مؤشرات الأداء على المخارج في محطات التوزيع الفرعية وتكثيف حملات نزع التعديات على الشبكة (نسبة الهدر غير الفني تصل إلى 27 %).
  • تفعيل الجباية لتحصيل الفواتير شهرياً من جميع المشتركين.
  • جباية الفواتير من الإدارات والمؤسسات الرسمية ومخيّمات اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين.

لكن ما لا يتضمّنه نصّ الخطة تؤكد عليه مصادر مطلعة، وهو يتعلق بمصدر الدولارات التي سيؤمنها المصرف المركزي. تشير المصادر إلى أن الاقتراح يدعو إلى استبدال الدولارات التي يدفعها المصرف لاستيراد البنزين على سعر صيرفة، والمقدرة بنحو 200 مليون دولار لتأمين حاجة مؤسسة كهرباء لبنان من هذه الدولارات. ولم يُعرف ما إذا كان المقصود بوقف تأمين الدولارات لاستيراد البنزين، هو استثناء هذا القطاع من الاستفادة من التعميم رقم 161، الذي يسمح لمن يشاء بالحصول على الدولارات من المصارف على سعر صيْرفة. علماً أنّ مُستوردي المازوت يحصلون حالياً على الدولارات بهذه الطريقة، أسوة بالكثير من القطاعات والمواطنين، خاصة بعدما أعاد المصرف المركزي تفعيل هذا التعميم منذ أيام. فهل المقصود التحضّر للحدّ من القطاعات المستفيدة من التعميم؟ إذا حصل ذلك، فسيعني أن أزمة المازوت ستتجدد، وأنه سيضاف إليها أزمة بنزين.

توقّف تأمين اعتمادت استيراد البنزين على سعر صيْرفة يعني أن السّعر سيرتفع بشكل كبير وقد يلامس المليون ليرة. وهذا، في ظل استمرار غياب تفعيل النقل العام، سيعني ارتفاع فاتورة النقل بشكل كبير، ما سينعكس على أسعار كل المنتجات والخدمات. والأخطر أن مستوردي المشتقات النفطية، سيضطرّون إلى اللجوء إلى السوق السوداء لتأمين ال200 مليون دولار التي يحتاجونها شهرياً لشراء البنزين، ما يعني زيادة الطلب على الدولارات أضعافاً، ويؤدي بالتالي إلى تحليق أسعار الصرف (المبلغ نفسه مطلوب لاستيراد المازوت). ليس هذا فحسب، فالطلب على الليرات النقدية سيرتفع أيضاً بشكل كبير، وتقل قيمة الليرات الموجودة في المصارف، لأنه لن يكون بالإمكان استعمالها لشراء الدولارات. أي أن تضخماً هائلاً سيترافق مع شحّ في المحروقات.

تشير المعلومات إلى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يؤيد الاقتراح، لا بل تولى هو عرض الأمر على رياض سلامة، الذي وافق على الخطة، طالما أنها لن تُكلّفه أكثر مما كان يكلّفه الفيول. فإذا نظر إلى تأثير الخطة على قطاع الكهرباء حصراً سيكون التقييم إيجابياً، لكن ذلك غير كاف وحده، طالما أن لها تأثير كبير وواضح على الاقتصاد وسعر العملة والتضخم. عندها تكون الكارثة آتية لا محالة، إلا إذا استُعين بالترقيع مجدداً، من دون أي أوهام بأنه مهما كانت المخارج المطروحة فإنها ستكون جميعها على حساب الناس. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

سلطات إدارية ، مصارف ، لبنان ، مقالات ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني