“دويتشه فيله” تفصل 6 صحافيين عرب: عقدة الذنب الألمانيّة تسفّه معاداة “الصهيونية”


2022-02-16    |   

“دويتشه فيله” تفصل 6 صحافيين عرب: عقدة الذنب الألمانيّة تسفّه معاداة “الصهيونية”
رسم رائد شرف

أعلنت شبكة “دويتشه فيله” الألمانية في مؤتمرٍ صحافي عقده مدير عام الشبكة، بيتر لمبورغ، الأسبوع الماضي، قرارها بفصل أربعة موظفين، ومتعاون، في القسم العربي، موجّهةً إليهم اتهامات بـ “معاداة السامية” و”العداء لإسرائيل”. وهذا الأسبوع، فصلت المؤسسة موظفين اثنين إضافيين من بين ثمانية يتمّ التحقيق معهم للأسباب ذاتها، في حين قدّم محمد إبراهيم مدير الأخبار والتخطيط في القسم العربي استقالته بعد استقالة مدير القسم ناصر شرّوف. وفي حين يقرّ الصحافيون المصروفون عموماً بالتهمة الثانية معتبرين أنّ توجيهها إليهم إنّما يحجب وجدانهم حيال المظالم التي ارتكبتها إسرائيل في أوطانهم الأم، فإنّهم ينفون الاتهام الأوّل ويعتبرونه تأويلاً غير موضوعي لتغريدات ومواقف، بعضها نشر قبل سنوات من التحاقهم بالشبكة، وتمّ نزعها من سياق نشرها والإطار العام الذي تمّت فيه.    

ومن البيّن أنّ الشبكة انتهت إلى هذا القرار بعد أشهر من ضغوط مارستها وسائل إعلامية عليها على خلفية مواقف قديمة لهؤلاء، بدليل أنها كانت من قبل تعاونت مع البعض منهم في تحرير إجاباتهم على المآخذ التي ساقتها تلك الوسائل ضدهم. وقد أخذت هذه الضغوط حجماً كبيراً بفعل عقدة الذنب الألمانية من الهولوكست وجرائم النازية والحساسية الكبيرة حيال أيّ تعرّض لإسرائيل بمعزل عن مسبّباته أو ظروفه. فكأنّما الحساسية الألمانية دفعت الشبكة إلى إنكار كلّ الحساسيات والتصوّرات التي قد تتحكّم بهؤلاء من دون إيلائها أيّ اعتبار.  

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قررت المؤسسة وضع تعريف لمعاداة السامية وجعله ملزماً للعاملين في المؤسسة. والإشكال في التعريف أنه لا يشمل بحسب لمبورغ فقط رفض إنكار محارق الهولوكوست أو التقليل منها (وهو أمر مفهوم) لكن أيضاً “الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود”.

حاولنا في هذه المقالة إبراز أبعاد هذه القضية في مسعى لإعادة إبراز ما تمّ حجبه فيها. وفي حين اكتفتْ الشبكة عند الاتصال بها بالإحالة إلى بيانها بشأنها، استفاض الصحافيون الخمسة في تفنيد الاتهامات الموجّهة ضدّهم، رافضين قرار الشبكة الذي يجافي من وجهة نظرهم ليس فقط حرية التعبير ولكن أيضاً تاريخهم ووجدانهم وقوانين بلدانهم. وقد ذهب بعضهم وبخاصّة المقيمين منهم في ألمانيا إلى حدّ اعتبار القرار الصادر بحقهم بمثابة اغتيال مهني. فمن تراه يوظّف صحافياً مقيما في ألمانيا تمّ صرفه على خلفية اتّهام بمعاداة السامية؟ 

قرار الطرد تبعاً لضغوط إعلامية واسعة

بدأ الضغط في قضية العاملين الخمسة بتحقيق نشرته صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية  ومقالاتٍ قديمة للصحافيين الخمسة التي صدرت القرارات بحقهم، وهم تباعاً الصحافي اللبناني باسل العريضي مدير مكتب “دويتشه فيله” في بيروت، ومرهف محمود محرر في القسم العربي، وهو سوري الجنسية، مقيم في ألمانيا، ومرام سالم، وهي صحافية فلسطينية مقيمة في ألمانيا، إضافة إلى فرح مرقة وهي أيضاً فلسطينية ـ أردنية مقيمة في ألمانيا أيضاً، بالإضافة إلى  الصحافي اللبناني داوود إبراهيم المتعاقد مع الشبكة. والإثنين فصلت المؤسسة صحافيين فلسطينيين يحملان الجنسية الألمانية هما: زاهي علاوي الذي انضم إلى الشبكة قبل 17 عاماً وعمل في قسم الأخبار ومواقع التواصل والتدريب، وياسر أبو معيلق الذي التحق في الشبكة في العام 2010 وعمل في الموقع الإلكتروني وقسم الإعلام الجديد وتولّى إعداد وتقديم عدد من البرامج وانتقل إلى فريق مجلة “كيك”. وبالتوازي قدّم محمد إبراهيم مدير الأخبار والتخطيط في القسم استقالته الأسبوع الفائت لكن لم يصرح عنها إلاّ بعد أيام. وكان مدير القسم العربي ناصر شروف قد قدّم استقالته أيضاً، وعلمت “المفكرة” من مصادر في المؤسسة أنّ الإثنين ما زالا يبحثان عن منصب جديد لهما في القناة بعيداً عن القسم العربي.

وكرّت بعدها سبحة التقارير الإعلامية الألمانية التي تهاجم “دويشته فيله” والقسم العربي فيها وتوجّه إليهما اتهامات عديدة على رأسها معاداة السامية. وفي حين اكتفت الصحيفة التي نشرت التقرير الأول بالحرفين الأوّلين من أسماء الصحافيين، نشرت وسائل إعلام أخرى أسماءهم الكاملة مما شكّل خطراً حقيقياً عليهم كون معظمهم يعيشون في ألمانيا.

بعد هذا التقرير، طلبت “دويتشه فيله” من العاملين الخمسة، في شهر كانون الأول الماضي، التوقّف عن العمل لحين إنجاز تحقيقاتها.  

والمفارقة أنّ الصحيفة التي نشرت التقرير الأوّل بعثت برسائل إلى العاملين الخمسة لتسألهم عن المنشورات القديمة وعن مواقفهم من قضايا من بينها الصراع الفلسطيني الإسرائيل وإسرائيل والهولوكوست، وقد ردّ البعض منهم بالتنسيق مع “دويتشه فيله” وفق قولهم على الرسائل بشكل يوضّح سياقات المنشورات ويوضخ مواقفهم الفعلية من كل القضايا المذكورة.

بعد ذلك، تمّ تعيين لجنة مكوّنة من شخصين هما وزيرة العدل الألمانية السابقة، زابينه لويتهويزر شنارنبرغر والكاتب والأخصائي النفسي أحمد منصور. أصرّ باسل العريضي وداوود إبراهيم إبراهيم على إجراء المقابلة مع لجنة التحقيق بوجود طرف ثالث محايد وأن يتمّ تسجيلها منعاً لاجتزاء أي شيء منها (كما حصل في كيفية مع التغريدات التي استند إليها تقرير الصحيفة الألمانية)، ولكن رفضت اللجنة شروطهم مقترحةً الإجابة عن أسئلتها عبر البريد الإلكتروني، وهذا ما حصل. أما مرام سالم ومرهف محمود فوافقا على إجراء مقابلة شفهية عن بعد، وأفادا أنّ الأسئلة التي طرحت عادت بهم إلى طفولتهم وموروثاتهم وعقائدهم، فيما أصرّ عضوا اللجنة وفقهما على الاستفسار عن معنى تغريداتهما ومقالاتهما من دون الاستفسار عن مضامينها. أما فرح مرقة فردت على التحقيق بأسلوب مغاير عن زملائها الأربعة عبر نشر تسع مقالات كتبت فيها كلّ توقعاتها حول أسئلة اللجنة، رافضة التواصل معهم لا عبر البريد الإلكتروني ولا عبر المقابلة الشفهية. وقد صرّح الجميع للمفكرة أنهم أنكروا التهم الموجهة إليهم وعلى رأسها “معاداة السامية” وهي تهمة عنصرية[1] لا تنطبق على أي من التصريحات أو المقالات أو المواقف التي أطلقها الموظفون الخمسة موضوع تقرير الصحيفة الألمانية، فيما يندرج أي موقف لهم تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية في خانة حرية التعبير وهي حق من حقوق الإنسان.

واعتبر البعض منهم أنّهم كانوا كبش فداء لمعارك داخلية، سياسية، إعلامية، تمويلية وحتى تاريخية. إذ لم تتمكّن “دويتشه فيله” من الصمود في وجه الحملة الإعلامية التي شنّت ضدّها “ففضّلت الاستغناء عنّا” على حد قولهم. وهم يدعمون هذه الحجة من بفحوى بيان الشبكة وهو البيان التي أحالتْنا إليه حين اتّصلنا بها للحصول على استيضاح وتعليق على الموضوع وقد جاء فيه حرفيا: “لا وجود ممنهج لمعاداة السامية في القسم العربي، حيث عمل خمسة أفراد اتهموا بمعاداة السامية، إنّما تعلّق الأمر بحالات فردية، وتمّ إيقاف الأشخاص الذين وجهت إليهم اتهامات في التقارير الصحفية عن العمل”. وأعرب البيان (على لسان مدير عام الشبكة، بيتر لمبورغ) عن “أسف الإدارة بأن توجّه اتهامات بمعاداة السامية إلى مؤسسة ألمانية تموّل من أموال دافعي الضرائب، أمر لا يطاق بالنسبة لليهود في ألمانيا وحول العالم”، وأضاف: “أن حرية التعبير لن تكون تبريراً لمعاداة السامية أو لكراهية إسرائيل أو لإنكار الهولوكوست”. وقدم ليمبورغ خطة عمل من عشر نقاط أوّلها “الالتزام بتعريف معاداة السامية وجعله ملزماً للعاملين في المؤسسة وأن يشمل التعريف الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود… “.

وتبعاً لهذه التحقيقات، تلقت فرح مرقة قرار فصلها عن العمل قبل المؤتمر الصحافي بساعاتٍ، إذ تمّ تبليغها بذلك عبر اتصالٍ بالصوت والصورة. الأمر نفسه حدث مع مرام سالم ومرهف محمود، في حين تلقى كلً من باسل العريضي وداوود إبراهيم رسالة إلكترونية تؤكد قرار فصلهما.

هذا ويخضع ثمانية عاملين آخرين للتحقيق حالياً في التهم ذاتها، في حين قدّم رئيس القسم العربي في المؤسّسة، ناصر شرّوف استقالته، ولكن تعذر حصولنا على توضيح منه لعدم رده على اتصالاتنا.

وتبعاً لقرار الفصل، قدّم ليمبورغ خطة عمل من 10 نقاط، تنص على خطوات منها، أن تلتزم “دويتشه فيله” بتعريف لمعاداة السامية وتجعله ملزماً للعاملين في المؤسسة، والتعريف يشمل بحسب قوله “الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ورفض إنكار محارق الهولوكوست أو التقليل منها”. كما ستضع المؤسسة “مدوّنة قواعد سلوك خاصة بها وتحديد ‘خطوط حمراء’ للعاملين وجعلها أكثر إلزاماً”. وقررت المؤسسة أن تشدّد قواعد التوظيف على أساس الالتزام بقيم المؤسسة.

باسل العريضي المتّهم بالعداء لإسرائيل

يقول باسل العريضي، أحد الموظفين المفصولين والذي كان يشغل منصب مدير مكتب بيروت لدويتشه فيله، إنه شعر بالصدمة والدهشة والاستياء ممّا حدث، معتبراً أنّ كل التهم الموجهة إليه “باطلة” “ظالمة” خاصةً وأن التحقيق استند إلى تغريداتٍ وتقارير إخبارية مجتزأة وتعود لسنوات ماضية، وأن الأسئلة المرسلة من لجنة التحقيق تمحورت بمعظمها حول عمله قبل انضمامه وتوقيع العقد مع “دويتشه فيله” في العام 2019. فكانت أسئلة حول مضامين تقارير تلفزيونية نفذها باسل خلال عمله كمراسل في تلفزيون الجديد “سألوني ليه كنت غطي مقابلات الأمين العام لحزب الله مثلاً وهيدا كان من ضمن عملي كمراسل”، مضيفاً أنهم قرأوا جميع تغريداته وأخرجوا منها ما يناسبهم والأهمّ أنّهم أخرجوها من سياقها المحلّي لا سيّما تغريدته التي كتب فيها: “كل من يتعامل مع إسرائيل خائن يجب إعدامه”. لذلك كانت ردوده على أسئلة اللجنة التي جرت بالبريد الإلكتروني كما سبق بيانه، بمثابة مطالعة قانونية محلية ودولية، على حد قوله، مفادها أنّ القانون اللبناني يعتبر أنّ إسرائيل هي عدو للبنان، وأنّ أي متعامل مع العدو الإسرائيلي هو خائن، وأن لبنان في حالة حرب دائمة مع إسرائيل. وأضاف أنّه كان الأجدى بإدارة المحطة احترام قوانين البلاد التي تتعاون فيها مع مراسلين ومواقف المراسل، كما هو مطلوب من المراسلين احترام الألمان والحساسية التاريخية والمحاذير التي تحكم علاقتهم مع العدو الإسرائيلي. ولفت إلى أنّه في عقد العمل الموقّع بينه وبين المؤسسة، يمنع عليهم طلب تغطية أي أحداث تجري داخل الأراضي المحتلة، ما يعني أنّ الإدارة على علم بالواقع السياسي والقانوني للبنان. من هنا فمن المستغرب الوقوف عند تغريدات تتطابق مع قانون موطنه، على حدّ قول باسل. من جهةٍ ثانيةٍ، يردّ على تهمة العداء للسامية بقوله إنه كيف يمكن له أن يكون معادياً للسامية وهو ينتمي إلى شعب سامي كما ورد في كتاب تاريخ بلاده.

وطرح باسل علامات استفهامٍ حول سياسة المؤسّسة التي تسمح بانتقاد حكومات العالم أجمع وتمنع أي انتقادٍ لإسرائيل التي تمارس أبشع الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة.

ينتظر باسل العريضي اليوم الإجراءات التي ستقوم بها المحطة من جهة التعويضات والمستحقات ليبنى على الشيء مقتضاه.

يشار هنا إلى أنّ ألمانيا نأتْ بنفسها عن تقرير لمنظمة العفو الدولية يتّهم إسرائيل ببناء نظام فصل عنصري في فلسطين رافضة مصطلح “فصل عنصري” وتوجيه أي انتقادات لإسرائيل.

فرح مرقة “خلال شهرين قاموا بإعدامنا علانية”

حين قررت المؤسّسة تشكيل لجنة تحقيق تفاءلتْ فرح وزملاؤها بأنّ مؤسستهم لن تخذلهم ولكن عندما قرأوا أسماء أعضاء اللجنة أصيبوا بخيبة أمل وخوف، لأنّهم كانوا يعرفون خلفيّاتهم ومواقفهم. وبالتالي عرفت فرح وزملاؤها بأنّ قرار الفصل سيتخذ عاجلاً أم آجلاً فقررت استباق التحقيق بطريقتها كصحافية ألا وهي كتابة مقالات. وفي المقالات تروي أنّهم في البداية قالوا إنّ على الصحافيين التعاون مع التحقيق ولكن في النهاية تبيّن أنّ من تعاون ومن لم يتعاون ومن أجرى مقابلة شفهية ومن أجاب خطياً، الجميع لاقى المصر نفسه. وتعتبر أنّ ما حدث معها هو أمر “غير عادل”، معربة عن قلقها من إيجاد فرصة عمل ثانية في ظلّ هذه الاتهامات معتبرة أنّ القسم العربي في المؤسسة بات موصوماً بمعاداة السامية، “لماذا يحاسبوننا على تاريخهم؟”، في إشارة إلى الألمان ومسؤولية النازيين عن المحرقة اليهودية. وترى فرح كما زملاؤها أنّ كلّ القضية هي نتيجة صراعات داخلية في المؤسسة تقاطعت فيها مصالح وسائل إعلامية أخرى ومصالح يمين متطرّف ولوبي داعم لإسرائيل بالإضافة إلى عقدة ذنب ألمانية تجاة المحرقة اليهودية.

تستذكر فرح في مقالاتها قصص جدتها التي تروي لها كيف دخل الصهاينة أرضها وأخرجوها من منزلها، وتقول إنّها لم يكن لديها يوماً موقف ضدّ اليهود وأنّها لم تنكر الهولوكوست. 

كباقي زملائها تم التعامل مع فرح بأسلوب التحريف والاجتزاء ذاته على خلفية كتاباتها في صحيفة الرأي اليوم، حيث تمت مساءلتها عن جملة لها مفادها “في سرطان واحد بالعالم شيلوه وخلّصونا منه”، لم تذكر في منشورها كلمة “إسرائيل” لكنهم كانوا يحاسبونها على نواياها كما تقول، كذلك تم نبش جملة ثانية أيضاً أخرجت من سياقها وهي “إذا البغدادي بدو يحرّر فلسطين، بس يحررها بعيد حساباتي وكيف بفكر بداعش”.

تأسف فرح للحملة التي شُنّت ضدها وضدّ زملائها في وسائل الإعلام الألمانية، والتعليقات “المؤذية” التي طاولتها والتي دمّرت سمعتها ومهنتها واسمها بعد 14 عاماً من العمل في مجال الصحافة. وتعتبر هي التي تعيش وحدها في ألمانيا بعيدة عن أهلها في الأردن أنّ التهم الموجهة إليها لا سيّما “معاداة السامية” تشكل خطراً حقيقياً عليها وعلى زملائها في ألمانيا. وتؤكد أنّ زميلات لها ما زلن في عملهنّ في “دوتشه فيله” قلن لها إنّهن بتن لا يشعرن بالأمان.

مرام سالم “أعدموني مهنياً وإنسانياً”

“حرية التعبير وإبداء الرأي في أوروبا وهم. تظهر خطوط حمر كثيرة إن قررنا الحديث عن القضية، التشفير الذي نقوم به بالعادة ليس بهدف إخفاء البوستات من فيسبوك، بل لمنع الترجمة التلقائية من كشف معاني كلماتنا للمراقبين (والمناديب) هنا، ممن على أهبة الاستعداد لإرسال طلب بفصلنا أو ترحيلنا”، فقرة كتبتها مرام سالم على حسابها على فيسبوك لم تكن تعرف أنّها بعد أشهر ستتسبب بفصلها من عملها في “دويتشه فيله”. مرام سالم التي لم يجد لها الصحافي كاتب التقرير في الصحيفة الألمانية ولجنة التحقيق سوى تعليق حول وضع الفلسطينين (دون تسميتهم) في أوروبا، وُجّهت لها تهم تتعلق بمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست. “أنا تمّ اعدامي مهنياً، أي محطة إعلامية راح توظّفني وأنا متّهمة بالعداء للسامية”، مضيفةً أنها صحافية منذ 15 عاماً تحمل لواء الحريات والدفاع عن المظلومين، وأنها شهدت خلال مسيرتها على وفاة واستشهاد زملاء وأقارب  دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير. فكانت التهم الموجهة إليها مثل “معاداة السامية” ثقيلة ومؤذية حيث دخلت في حالة اكتئاب شديدة: “كأنهم محوا تاريخي المهني والإنساني والأخلاقي” لأهداف سياسية، معتبرةً أنّ القرار التعسّفي جاء نتيجة صراعات داخلية وإشاعات غير صحيحة كنّا فيها كبش فداء.

وتنتقد مرام المؤتمر الصحافي للمؤسسة الذي كان أيضاً بمثابة “الإعدام العلني” الذي لم يراع أي خصوصية شخصية وإنسانية، طارحةً علامات استفهام حول مصداقية وسيلة إعلامية تنادي بالحريات حين تفصل موظفة لديها لانتقادها حرية التعبير في أوروبا؟

وتضيف أنّها كفلسطينية يحق لها مهاجمة إسرائيل وممارساتهم العنصرية “حقّي انتقد جرائم إسرائبل فأنا عايشة بفلسطين وكنت أشوف ممارساتهم، إسرائيل بتحاول تنهي الوجود الفلسطيني”.

وتسجّل مرام انتقاداتها حول طريقة استجوابها من قبل لجنة التحقيق، فقد حرمتها اللجنة والمؤسسة من حقها بوجود مترجمٍ، ما اضطرها إلى إجراء المقابلة بثلاث لغاتٍ “الألمانية والإنكليزية والعربية” كي تتمكّن من الدفاع عن ذاتها، ما أثّر سلباً على قدرتها على إيصال فكرتها وبالتالي الدفاع عن ذاتها. كذلك تسجّل مرام انتقاداتها للأسئلة التي أعادتها إلى طفولتها فتم سؤالها عن معتقداتها وأهلها ورأيها في حركة مقاطعة إسرائيل، والوجود الإسرائيلي كذلك حركة حماس. معتبرةً أنّه لم يكن هناك مراعاة لخصوصية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي عايشته طوال عمرها في الضفة الغربية وتعاملها اليوم مع “الموت الآتي من الإسرائيليين”.

داوود إبراهيم تغريدات محفزة للنقاش أنهت مسيرته

يهزأ داوود من توقّف عقد تعاقده وتعاونه مع المؤسسة بسبب تغيرداتٍ يعود تاريخ نشرها لسنواتٍ فسرت على أنّها عداء للسامية قائلاً، “إسمي داوود إبراهيم كيف بكون معادي للسامية؟”. وإبراهيم هو الوحيد الذي يعمل مع “دويتشه فيله” بصفته متعاقداً وليس موظفاً، ووجهت إليه اتهامات تتعلق بإنكار الهولوكوست بناء على تغريدة له كتبها في العام 2012، على خلفية نقاش دائر حول الرسومات المسيئة للرسول وحرية التعبير. وجاءت التغريدة بحسب إبراهيم لتصويب النقاش الدائر حينها حول حرية التعبير، حين طرح فكرة ضرورة إيجاد عقد اجتماعي موحّد للصحافيين يحدد المفاهيم ويفسرها، إذ لا يجوز برأيه أن يكون هناك مواضيع محلّلة ومواضيع محرّمة فكتب في تغريدته: “حرصاً على حرية التعبير أطالب بإلغاء قانون معاداة السامية والتشكيك في الهولوكوست! أو المساواة مع الأديان والمعتقدات!”، كذلك وجهت إليه تهمة أخرى تتعلق بالعداء لإسرائيل فاعتبر أنّه كمواطن لبناني يلتزم بمبادئ وقوانين بلاده والتي تعتبر إسرائيل عدوة. واستعملت الصحيفة تغريدة أخرى له جاء فيها: “النازيون قتلوا عرباً وأفارقة ربما أكثر من اليهود ولكن اليهود وحدهم من أجاد استغلال الجريمة وها هم العرب يكررون الأمر واليهود يستفيدون”. يوقد صرح إبراهيم أنّه تمّ حذف كلمة “ربما” بما غيّر المغزى من التغريدة بالكامل.

وتمحورت الأسئلة التي أرسلتها لجنة التحقيق لداوود بالبريد الإلكتروني، حول حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وتقرير مصيرهم.

مرهف محمود: شكاوى” بحقه منذ سنوات

في شهر تشرين الثاني تلقى مرهف محمود كبقية زملائه رسالة إلكترونية من صحيفة  “زود دويتشه تسايتونغ” تطلب منه إبداء رأيه بمسائل تتعلق بمعاداة السامية، ومعاداة إسرائيل، إنكار الهولوكوست، موالاة نظام بشارالأسد والمشاركة في تظاهرة مؤيدة للأسد في ألمانيا، وحددت له مهلة حوالي يومين للإجابة. لكن مرهف الذي كان منشغلاً بمأتم والديه، فوجئ بنشر التحقيق في الصحيفة قبل انقضاء المهلة المعطاة له للإجابة. وكان مرهف فور ورود الرسالة الإلكترونية، تواصل مع إدارة مؤسسته التي طلبت منه تجاهل أمر الردّ، مضيفاً أنّ تقرير الصحيفة يحتوي على كمٍّ من المغالطات والافتراءات تصل حدّ تزوير في المعلومات. تواصل مرهف مع الصحيفة المذكورة طالباً حقّ الردّ في تصويب معلومات أساءتْ لسمعته. وبحسب قوله، امتثلت الجريدة لطلبه بأن نشرته في الصحيفة.  

بعدها تم توقيفه عن العمل ووافق محمود على إجراء التحقيق شفهياً، هازئاً من الأسئلة  التي وجهت إليه والتي وصفها بالسخيفة. ووفق ما قاله للمفكرة أنه سئل “لمين بميل قلبك أكثر لإسرائيل أو فلسطين”؟

كذلك تمّ توجيه سؤال حول تعليق له على فيسبوك مضمونه “الهولوكوست منتج مصطنع”، فكان رده أنّه تربّى وترعرع في محيط مجتمعي يشكك في الرواية وهو لم يتسنّ له التدقيق والبحث في المعلومات. وعن إسرائل رد مرهف أنّهم في سوريا ينادونها بالعدو الإسرائيلي وهو معتاد على هذا المصطلح.

وثمة تفاصيل إضافية في قضية مرهف وهي أنّه في العام 2019 قدمت بحقه شكوى في الخارجية الألمانية تتهمه بموالاته النظام السوري وبأنه يعمل في مؤسسة “دويتشه فيله” “غير الحيادية والتحريضية”. بعد ذلك وردت إلى البريد الإلكتروني لإدارة “دويتشه فيله” عدد من الشكاوى بأسماء مستعارة، تتّهمه أيضاً بقضايا منها معاداة السامية وأخرى بالعداء لإسرائيل أو بإنكار الهولوكوست. وكانت المؤسسة في كلّ مرة تقوم بالاستيضاح من مرهف وترد بدورها على الرسائل الإلكترونية.

يرفض مرهف اعتباره من الذين تعرّضوا للظلم فبرأيه هو يدفع ثمن مواقفه.


[1] كان الصحافي الألماني ولهلم مار أول من استخدم مصطلح معاداة السامية عام 1879، للإشارة إلى كراهية اليهود. ولاحقاً أصبحت معاداة السامية تلصق بأي شخص لديه موقف معاد لإسرائيل أو الفكر الصهيوني الذي يدّعي حق اليهود في إقامة دولة على أرض فلسطين ويدعمه الكثير من غير اليهود من حكومات وشعوب غربية.
انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، عمل ونقابات ، بلدان أخرى ، مؤسسات إعلامية ، حرية التعبير ، فئات مهمشة ، مقالات ، فلسطين ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني