خضر عيدو، ضحية “تعذيب” لا يعدّونه كذلك 


2021-09-02    |   

خضر عيدو، ضحية “تعذيب” لا يعدّونه كذلك 

نشر أمس الناشط خضر عيدو على صفحته على الانستغرام رسالة تناول فيها تفصيليا ما تعرّض له بعد توقيفه في 15 آب 2021 على خلفية دخوله مع آخرين إلى منزل النائب طارق المرعبي، تبعا لتفجير التليل. وقد أوضح عيدو أنه: “صرلي أسبوعين ومش عم إقدر نام من كثر الوجع من الضرب يلي ضربوني ياه استقصاء بيروت وعناصر مكافحة الشغب يلي بس اتوقفت صاروا يدعسوا على وجهي ويلبطوني. مش عم إقدر اتنفس وعم اختنق وكنت مفكر رضّة خفيفة وبتقطع. أنا هلق بالمستشفى وطلع ضلعي ميلة اليمين مشعور.” “انضربت وصاروا يقولولي مين ربك. انضرب من ست عناصر استقصاء و10 عناصر مكافحة. وحياة أغلى شي بحياتي فترة ورح تقطع ورح إتحمّل الوجع بس رح إطلع بروّحكن قبل ما تطلعوا بروحي.” 

وكان تم توقيفه في سيارة صديق له أمام منزل المشنوق وهو المكان الذي توجّه إليه الناشطون بعدما خرجوا من منزل المرعبي. وقد تمّ سحله على أيدي ستّة أشخاص من عناصر الاستقصاء. 

هذا التّصريح يستدعي ثلاث ملاحظات مهمة: 

أولا، تؤكّد هذه الحادثة مجدّداً نهجاً لطالما اعتمدتْه القوى الأمنية في توقيفها للمتظاهرين، ولا سيما منذ بداية انتفاضة 17 تشرين وهو نهج يقوم على ضربهم عند القبض عليهم أو سوقهم قبل بدء التحقيق. وهذا ما يتأكّد من توثيق “المفكرة” للعنف المستخدَم ضدّ المتظاهرين.  

ثانيا، تتعمّد الأجهزة الأمنية القيام بالتعذيب قبل التحقيق للتهرّب من القانون رقم 65/2017 الذي لا يعتبر أفعال التعذيب “تعذيبا” إلا في حال حصولها “أثناء الاستقصاء والتحقيق الأولي القضائي والمحاكمات وتنفيذ العقوبات” وذلك بخلاف الاتفاقية الدولية لمكافحة التعذيب (والتي صادق لبنان عليها) والتي لم تحصر تعريف التعذيب بأي فترة زمنية. وهذا الأمر إنما يعرّي الثغرات في قانون معاقبة التعذيب والتي تعكس تحايلاً من واضعيه في 2017 لتضييق إطار تطبيقه. كما يؤشّر إلى توجّه ممنهج لدى القوى الأمنية في استغلال هذه الثغرات للاعتداء على المتظاهرين أو المعارضين بما يخرج عن إطار تطبيق هذا القانون وإن كان يشكل تعذيبا واضحا وفق الاتفاقية الدولية.  

ثالثا، عدا عن أن النهج المعتمد من القوى الأمنية جدّ خطير ويكشف تراجعا في أخلاقيات عناصرها وتواطؤاً بيّنا مع أعيان النظام السياسي، فإنّه يشكّل علاوة على ذلك في حالة الناشط عيدو محاولة فاشلة للتهرب من تطبيق قانون التعذيب. فمن البيّن أنّه تمّ تتبّع عيدو وملاحقته بصفته الشخصية على خلفية دخوله إلى منزل المرعبي وصولا إلى القبض عليه وهو في سيارة صديقه. ومن شأن هذه المعطيات أن تؤكّد أنّ القبض عليه تمّ في إطار الاستقصاء عن المشاركين في فعل معيّن وفي إطار ملاحقته، بما يوجب اعتباره مشمولا بتعريف التعذيب الواسع وفق الاتفاقية الدّولية كما الضيّق وفق قانون 65/2017. 

خلاصة: 

بالنتيجة، تشكّل حادثة الاعتداء على عيدو شاهِداً آخر على انتهاج بعض الأجهزة الأمنية التعذيب والضرب بحقّ الناشطين المعارضين، في موازاة مساعيها لاستغلال قانون معاقبة أفعال التعذيب والتفلّت منه. ومن هذه الزاوية، تعيد هذه الحادثة فتح النقاش حول ثغرات قانون التعذيب وضرورة تعديله، بقدر ما تفتح النقاش حول ضرورة إخضاع الأجهزة الأمنية للمحاسبة تطبيقا لقانون وضع لتصويب أدائها وتخليقها، لا ليكون مجرّد حبر على ورق.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، أجهزة أمنية ، قرارات قضائية ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، انتفاضة 17 تشرين ، احتجاز وتعذيب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني