خضر أنور حرًا للمرة العاشرة


2024-04-04    |   

خضر أنور حرًا للمرة العاشرة
خضر أمام حرش بيروت بعد استعادة حرّيته

“تركت الزنزانة التي احتجزت فيها سبع ليالٍ، عند الواحدة إلّا ربعًا، وتوجّهت مباشرة إلى حرش بيروت، لأتنفسّ وشم هوا نضيف” يقول الناشط في الاتحاد الطلابي العام خضر أنور لـ “المفكرة القانونية”، بُعيَد الإفراج عنه. ويضيف: “بعدها سأتوجّه إلى منزلي لأعانق والدتي وأستمتع بطعامها وأستحمّ وأبدّل ملابسي، ثم ألتقي الرفاق ونواصل وضع الخطط وآليات متابعة نضالنا لاسترجاع ما نهبته شركة طيران الشرق الأوسط من الجامعة اللبنانية المقدّر بـ 52 مليون دولار من فحوصات الـ PCR”.

وكان النائب العام الاستئنافي في بيروت، القاضي زياد أبو حيدر، قد أوقف خضر الأربعاء الماضي في 27  آذار بعد التحقيق معه لدى الشرطة القضائية في بيروت، وذلك بناء على ثلاثة شكاوى مقدّمة من شركة “ميدل إيست”، الأولى بشبهة تخريب أملاك والثانية بشبهة محاولة حرق مكاتب الشركة في الجفينور – الحمراء، والثالثة بشبهة تخريب في فرع الشركة في مار الياس، وذلك على خلفية احتجاجات الاتحاد على امتناع الشركة من تحويل الأموال العائدة للجامعة اللبنانية من فحوصات الـ PCR.

وفي اليوم السابع لتوقيفه المصادف اليوم في الثالث من نيسان، قرر القاضي أبو حيدر ترك خضر   بسند إقامة، وهو ما شكلّ تجاوزًا للمهل القانونية المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يُجيز للنيابة العامة احتجاز المشتبه فيه لمدة 48 ساعة يمكن تمديدها لمدة مماثلة، أي أربعة أيام كحد أقصى.

وهذا التوقيف الثاني لخضر خلال الأشهر القليلة الماضية إذ أوقف قبلها في 12 كانون الأوّل لأسبوع كامل بسبب رشّ غرافيتي على جدار مبنى وزارة الخارجية احتجاجًا على لقاء وزير الخارجية اللبناني مع نظيرته الألمانية في ظلّ استمرار حرب الإبادة ضدّ قطاع غزة.

وخضر ناشط قلّما يغيب عن تحرّك مطلبي منذ سنوات طويلة أو تظاهرة شعبية وتمّت ملاحقته في العديد منها وخضع للتوقيف وحجز حرّيته لأيام عدة، ويصل عدد هذه التوقيفات بحسب جردة لمجلّة “صفر” ، عشرة بدءًا من 6 آب من العام 2015، أثناء تظاهرات “طلعت ريحتكم” احتجاجًا على تراكم النفايات في شوارع بيروت وسائر المناطق وعجز السياسيين عن معالجة الأزمة المستمرّة حتى اليوم. والتّهم التي وجهت إلى خضر على مرّ السنين تبدأ بالشغب وتخريب الممتلكات العامّة إلى إقلاق راحة السلطة وإثارة الفتنة، وهي من التهم التي غالبًا ما تستخدمها السلطات القضائية لقمع الاحتجاجات ووسائل المعارضة  السلمية والتي وثّقت “المفكّرة” استخدامها لقمع الاحتجاجات الشعبية في إطار الحراك الشعبي في العام 2015، كما خلال انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019. أمّا خلفية هذه الاتهامات فهي بمعظمها كتابته شعارات على الجدران سواء جدران بعض أحياء بيروت للدعوة إلى التظاهر، أو جدران السفارة الفرنسية ووزارة الخارجية، أو الاحتجاج ضدّ المصارف والاعتصام داخل جمعيّتها ومؤخرًا التظاهر ضدّ “ميدل إيست” على خلفية حجز عائدات الـ PCR.    

تفاصيل التوقيف الأخير

وفي تفاصيل التوقيف الأخير لخضر، فإنّ الشرطة القضائية في بيروت التابعة لقوى الأمن الداخلي اتصلت ظهر الأربعاء في 27 آذار، بخضر وطلبت منه الحضور إلى مركزها في فردان للتحقيق معه من دون أن توضح أسباب الاستدعاء. ويومها انتظر خضر 5 ساعات في المركز قبل أن يتمّ إعلامه بأنّ التحقيق يتعلّق بشكوى مقدمة من “ميدل إيست”، فاتصل بوكيلته فداء عبد الفتاح، لطلب حضورها بناء للمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية إلّا أنّ النائب العام استمع إلى خضر في غيابها، بحسب ما قالت يومها لـ “المفكرة” وأصدر قرارًا بتوقيفه.

ويؤكد خضر  لـ “المفكرة” أنّ المحضر في الأساس تضمّن خمس شكاوى ضدّه: “الأولى كانت مركّبة وملفّقة كلّيًا، إذ تم اتّهامي بتشكيل عصابة أشرار وترهيب الناس، فرفضت التحقيق معي قبل سحبها من المحضر وقد تم ذلك، أما الثانية فقد ذكر فيها “تخريب في فرع الشركة في جل الديب، ولدى التحقيق معي اعتبر المحقق أنّ رشّ السبراي على المبنى لا يعد تخريبًا فتمّ سحبها أيضًا، وبقيت الشكاوى الثلاث المذكورة في المحضر”. والشبهات في الشكاوى الثلاثة هي محاولة “إحراق” مقرّ الشركة في مبنى جفينور في بيروت و”تخريب أملاك عامة” فيه وتخريب المبنى الذي يتواجد فيه فرع الشركة في مار الياس، على خلفية تحرّكات نظّمها الاتحاد ضدّ الشركة في 28 أيلول 2023 في الجفينور والعام الماضي في مار الياس، احتجاجًا على عدم تسديدها عائدات فحوصات الـ PCR المقدّرة بـ 52 مليون دولار للجامعة اللبنانية. 

وتستغرب الناشطة في الاتحاد الطلابي يارا أسعد الشبهات التي توجّهت لخضر بـ “تخريب فرع مار الياس”، مؤكّدة أنّه “لم يكن متواجدًا في هذا التحرّك، وكان النشاط عبارة عن توزيع مناشير (فلايرز) على  المارّة والسيارات أمام الشركة”.

وكانت “المفكرة” أيضًا واكبت الناشطين من الاتحاد الطلابي العام، خلال وقفتهم في 28 أيلول 2023 أمام مكتب “ميدل إيست” في مبنى الجفينور، ولم ترصد “المفكّرة” أي نشاط تخريبي أو عملية حرق من قبل الطلاب خلال هذا التحرّك، بل بالعكس جلسوا على الأرض مردّدين الشعارات المطالبة بأموال الجامعة من دون استخدام العنف وتمّ الاعتداء عليهم من قبل عناصر الأمن الداخلي وجهاز الأمن في المكاتب، كما تمّ استعمال القوّة لإخلاء الطلاب من مبنى الشركة من خلال الضرب وتكبيل اليدين.

وقد استمر توقيف خضر إلى ما بعد عيد الفصح في 1 نيسان، وكان مفترضًا أنْ يطّلع النائب العام الاستئنافي زياد أبو حيدر على الملف في الثاني من نيسان، إلّا أنّه أجّل ذلك إلى صباح اليوم التالي في الثالث من نيسان، ما شكّل مخالفة قانونية لتجاوز مهل الاحتجاز القانونية. وحين استوضحت المحامية عبد الفتاح أبو حيدر عن سبب إبقاء موكلها موقوفًا من دون صدور مذكرة توقيف بحقّه، أجابها: “خلّيه موقوف لبكرا، ما بصير شي”، وهو ما يؤشّر إلى نيّة القاضي باستخدام الاحتجاز كمحاولة لتأديب خضر وليس كإجراء ضروري يبرّر حجز حريّته.

وفي 3 نيسان، قرّر  القاضي أبو حيدر ترك خضر أنور بسند إقامة.

وردًا على مضمون الشكاوى تقول الناشطة في الاتحاد الطلابي حنين محمد لـ “المفكرة” إنّها ليست المرة الأولى التي يطال فيها القضاء ناشطين ومدافعين عن قضايا مطلبية ويرفعون الصوت ضدّ الفاسدين، مشيرة إلى أنّ توقيف خضر قبل الأعياد والاستمرار بحجزه، وفتح التحقيق معه بـ 3 ملفات هو أمر ممنهج ولن نسكت عن ذلك.

وتؤكد “الاستمرار بتحرّكاتنا ضدّ الشركة حتى الإفراج عن الأموال المنهوبة من الجامعة، وإذا استمرّ القضاء بملاحقة الطلاب بهدف إسكاتهم، بناء على دعوات من قبل شركات رأس المال الناهبة للأموال العامة، عندها سيكون الرّد حسب تصرّف القضاء وتعاونه في القضايا المطلبية”.

لماذا خضر أنور؟

مع كلّ تجربة توقيف وسجن، يستعيد خضر روحه الثورية والنضالية ويكسر أكثر وأكثر حاجز الخوف، وينتفض على الظلم. ويجيب على سؤالنا لماذا يُستهدف هو شخصيًا بالقول إنّ “النظام معادٍ لخطاب الحق والمعرفة، إنّهم يرون هذا الخطاب خطرًا على مستقبلهم. والجامعات هي قلب تغيير الموازين، فأنا لطالما دعوت الطلاب إلى الانتظام، وهذا ما يخافه النظام. ومن السّهل عليه القضاء على مجموعة صغيرة، من ضرب مجموعة كبيرة”.

محامية خضر فداء عبد الفتاح، اعتبرت في اتصال مع “المفكرة” أنّ ما جرى مع خضر يطرح الكثير من علامات الاستفهام، ويطرح أسئلة عن دور النيابات العامّة، عن دور القضاة في اتخاذ قرارات التوقيف، وكيف يجب أن يحسب القاضي مليون حساب قبل أن يصدر قراره بتوقيف ناشط مطلبي، وكم هو مقبول أن نستخدم التوقيف في قضايا مطلبية؟
وأشارت عبد الفتاح إلى أنّه إذا اعتبرت الكتابة على الجدران اعتداءً على الأملاك العامّة، لماذا لا يكتفي بفرض على الشخص دفع غرامة؟ فالاحتجاز لم يعد مقبولًا لأنه احتجاز تعسّفي وهو مخالف للقوانين المرعية الإجراء وحقوق الإنسان. ورأت أنّ اتّباع هذه الأساليب لتطويع المناضلين لم يعد مقبولًا بأيّ شكل من الأشكال.
وتحدثت عبد الفتاح عن مراكز الاحتجاز ووضعها السيّئ جدًا، وتمنّت أن يزور القضاة من النيابات العامة وقضاء التحقيق والقضاة المنفردين الجزائيين ومحاكم الجنايات هذه الأماكن، ويطّلعوا على المخالفات الكبرى التي تحصل في داخلها والبعيدة كل البعد عن الحد الأدنى لقواعد حقوق الإنسان التي ترتكب فيها. 
وسألت كيف يتم استسهال حجز حرية الناس  لأسباب لها علاقة بطالب يدعو إلى ملاحقة الفاسدين وإعادة أموال منهوبة من جامعتنا الوطنية، جامعة معظم القضاة والمحامين؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني