خريطة طريق طلّاب لبنان: لمواجهة السياسة الممنهجة لتدمير التعليم


2023-09-11    |   

خريطة طريق طلّاب لبنان: لمواجهة السياسة الممنهجة لتدمير التعليم

لا يمكن الحديث عن الواقع التعليمي الجامعي في لبنان، من دون التوقف عند غياب خطة تربوية جدية وعادلة لإنقاذ القطاع من الانهيار، والسبب هو سياسات تطويع إدارات المؤسسات التربوية وفقًا لسياسات الأحزاب وغياب الدولة وإنتاج نظم تربوية ضربت أسس تعليم  الطلاب في الجامعة اللبنانيّة والجامعات الخاصّة. وهؤلاء يعانون من جملة من المشاكل منها غياب آليات التمثيل الديمقراطي، من تغييب الانتخابات الطلابية، وغياب صلاحيات تسمح للمجالس المنتخبة بالمشاركة الفعالة في القرار في جامعاتها، وعدم قدرة الطلاب على المشاركة في الرقابة على الميزانيات الجامعية. يضاف ذلك إلى غموض آليات اتخاذ قرار زيادة الأقساط، وعدم وجود قيود على هذه الزيادات، إضافة إلى وضع قيود على الأنشطة الطلابية وغياب آليات لتأسيس أندية ومجموعات وغيرها من المشاكل.

كل ذلك، استدعى عقد مؤتمر تحت عنوان “إعلان طلاب لبنان”، نظمته شبكة مدى الشبابية والأندية العلمانية في لبنان السبت الفائت في التاسع من أيلول، طرح خارطة طريق لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة في الجامعات، ومسوّدة اقتراح قانون “العقد الطالبي” الذي يهدف إلى تعزيز العلاقة بين الطلاب وإدارات الجامعات، كما عرض المؤتمر رؤية بديلة لتشخيص أزمة النظام التعليمي في لبنان، وطرق معالجتها.

العقد الطالبي بين الإدارة والطالب إلى البرلمان

طرح المؤتمر مسودّة اقتراح قانون أعدّته منظمة “ريفورم” حول إلزامية “العقد الطالبي” كاتفاقية لتعزيز العلاقة بين الطلاب وإدارات الجامعات كافة وهو عقد خطي يوقع على نسختين من الجامعة من جهة والطالب من جهة أخرى بشكلٍ إلزامي، ويمنح كلّ فريق نسخة عنه عملًا بمبدأ تعدد النسخ في العقود المتبادلة ويخضع للأحكام المنصوص عنها في القانون الحاضر. على أن يتم تقديمه إلى مجلس النواب لاقراره في الهيئة العامّة.

وعن هذا الأمر، تقول الباحثة القانونية في “ريفورم” إلهام مجامني، في حديث مع “المفكرة القانونية” “نعمل على اقتراح قانون العقد الطالبي منذ حوالي السنة، الغرض الأساسي منه هو تنظيم العلاقة بين إدارة الجامعات والطلاب، كونه في ظلّ الوضع الراهن تُطرح  مسألة رفع الأقساط بطريقة غير متوقعة، بخاصّة خلال العام الدراسي، وبنسبة عالية من الرسوم وهذا الأمر يشكّل خطرًا على الطلاب بطريقة أو بأخرى، منهم من يستطيع إكمال عامه الدراسي على مضض وتحت ضغط مادي كبير، ومنهم من يتوقف عن الدراسة لعدم استطاعته تحمل التكاليف”.

وتتابع: “من هنا جاءت فكرة قانون العقد الطالبي، الذي هو عقد متبادل يحصل بين أي من الفرقاء، يتمّ توقيعه بين الجامعة والطلاب، يحدّد حقوق وواجبات كل جهة، وفي الوقت نفسه ينظم آلية التمثيل الطلابي في الجامعة، لأنّ إدارات الجامعات لدينا خاضعة إما لأحزاب أو لجهات سياسية، وهنا يأتي دور قانون العقد الطلابي لينصّ على ضرورة وجود مجالس تمثيلية للطلاب حتى يكون للطلاب المنتسبين والمسجلين في كل من الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصّة المرخّصة من وزارة التربية والتعليم العالي صياغة نماذج عقود، توقّعها كلّ جامعة مع طلابها، تنص على حقوق الطلّاب وواجباتهم تجاه الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة، على أن تضمن هذه العقود التمثيل الديمقراطي في مجالس منتخبة وفقًا للأصول، والمشاركة في الحوكمة الجامعية من خلال هذه المجالس، بالإضافة إلى ضوابط تحدد كيفية المصادقة على زيادات الأقساط وسقف هذه الزيادات، ومراقبة الميزانيّات العامّة، وحريّة العمل والنشاط الطلابي داخل الجامعة”.

وتشير مجامني إلى أنّ “قانون العقد الطالبي ينصّ على تعريف المجالس التمثيلية، وطريقة انتخاب هذه المجالس التي نرى أنّه من المثالي أن تضمّ ممثلين من كلّ كلية وكلّ اختصاص ومن كلّ صف، لضمان عدم تهميش أي فئة من الفئات الموجودة في الجامعة، وأن يكون لديهم الحق في إنشاء أندية للطلاب من جهة وتنظيم النشاطات الطلابية من جهة أخرى. إحدى المشاكل التي تواجهها الجامعات هي أنّها باتت مراكز للأحزاب لممارسة شعائرهم الدينية واحتفالاتهم ومناسباتهم وحيث يحتكرون تنظيم الأنشطة والتعبير عن الرأي”.
ويشجّع قانون العقد الطالبي على إجراء انتخابات دورية سنوية وتحديدًا في شهر تشرين الأوّل من كل عام دراسي، للمساهمة في استمرارية التمثيل للطلاب والتعبير عن رأيهم، ويساهم في حل النزاعات بين المجلس والإدارة. أي عند  نشوب أي نزاع تتمّ الدعوة إلى اجتماع طارئ يحضره مجلس إدارة المجلس الطالبي وأعضاء ممثلين عن الإدارة الجامعيّة للبحث في النزاع وحلّه في جلسة أو جلستين كحد أقصى. وتؤكد أنّ هذا القانون “الصغير” هو بداية لتنظيم هذا القطاع والتنظيم هو أحد الحلول للحد من الانهيار في القطاع التربوي.

الانتخابات التمثيلية أساس

ركّز المؤتمر بشكل خاص ومن خلال مداخلات الطلاب على أهمية إجراء انتخابات طالبية نزيهة وحرة في الجامعات. وتحدث الطلاب الذين شاركوا سواء من خلال كلمات أو مداخلات على تأثير غياب التمثيل الحقيقي للطلاب عليهم وعلى أوضاع جامعاتهم.

ماريا التوم، وهي طالبة حقوق سنة ثالثة ورئيسة النادي العلماني في جامعة القديس يوسف، تشير إلى أنّ النادي يناضل من عام 2011  ليقدّم للطلاب خيارًا ثالثًا بعيدًا عن الانقسام العمودي الموجود بالبلد. وتضيف: “طموحنا هذه  السنة ليس انتخاب هيئات طالبية في كل كلية فقط فدورها ينحصر بقلب الكلية وبس، بل طموحنا الوصول إلى مجلس طالبي مستقل، منتخب من الطلاب أنفسهم. لم نعد نقبل ان نسلّم قضايانا لمجلس 21 على 34 من أعضائه تسمّيهم إدارة الجامعة والـ 13 الباقون ليسوا منتخبين بشكل مباشر من الطلاب، كون هذا الأمر يعيق إنتاج مجلس طلابي قريب من الطلاب، ويطرح علامات استفهام حول شرعية المجلس الحقيقية”.
وعن علاقة هذا الأمر بحماية التعليم، تلفت الطالبة ماريا إلى أنّ دولرة الأقساط تتم من قبل إدارات الجامعة من دون الأخذ في الاعتبار أنّه حتى اليوم كلّ موظفي القطاع العام في لبنان يقبضون معاشاتهم بالليرة اللبنانية “وصدقوني المعاش مش بس ما بيسمح لبنت أو ابن الموظف أن يدفع قسطه، ما بيطلّع حتى حق كتاب من الكتب يلي ملزوم يشتريها – هي قضية بتجمعنا كلّنا هون”.
بدورها، سالي غصين، رئيسة النادي العلماني في الجامعة اللبنانية الدولية، تتحدث عن ازدياد صعوبة قدرة الطلاب على التحصيل الأكاديمي يوميًا، فـ “القطاع التربوي ككل ليس أولوية لدى السلطة الحاكمة، بل إنّه يتعرّض لنوع من التدمير والإهمال الممنهج الذي سندفع ثمنه جميعًا بعد سنوات”.
وتتابع: “كطالبة اليوم، لا تسمح إدارة جامعتي بالتواصل المباشر بين الطلاب أو ممثلي الطلاب والادارة لنتمكن سويًا من الوصول إلى رؤية صحية لاستمرارية قدرتي وزملائي على التحصيل الأكاديمي، لأنّ التعليم أصبح سلعة بالنسبة لهم، ولأنّنا كطلاب لا يوجد آلية لنتمثّل من خلالها، وهي بطبيعة الحال الانتخابات الطالبية”. وتشير إلى أنّه “منذ بداية الأزمة وحتى يومنا، لم نستطع كطلاب التأثير على قرارات الإدارة من حيث زيادة الأقساط أو دولرتها، وذلك لأنه لا تمثيل لنا ولا صلاحيات لتمثيلنا”.

ويلفت غدي بوكامل، خرّيج اقتصاد وطالب علوم سياسية حاليًا بالجامعة الأميركية في بيروت، ورئيس النادي العلماني بالجامعة، بدوره إلى “أننا نخوض الانتخابات الطلابية بظلّ أصعب الأزمات التي تستنزف موارد البلد المادية والبشرية بالدرجة الأولى، من هجرة وتهميش وإفقار، وفي ظلّ القمع الممنهج للحريات من إعلاميين وكوميديين وناشطين وكل من يرفض الوضع الراهن، ومظاهر العصابات والعنف والتحريض على القتل من قبل ميليشيات حزبية أو مصرفية، ومحاولات وجوه النظام تصويب العنف والكراهية تجاه الفئات المهمشة بالبلد وتحميل اللاجئين أو أصحاب الهويات الجندرية أو الثقافية المختلفة مسؤولية مصائب البلد”. 
ويضيف: “من هنا دورنا كطلاب وطالبات يجب ألّا يكون هامشيًا بل رياديًا بتحدّي الوضع الراهن وبناء فرص المستقبل. عملنا هو لدعم الطلاب وحمايتهم من تحمّل تكاليف الأزمة إن كانت مادية او معنوية، ولمواجهة الأحزاب العائدة بالتهديد والاستغلال والعنف، لتمكين الطلاب وزيادة فرصهم، لدعم مساحة أكثر أمانًا ووعيًا، ولتعريف الطلاب على مفهومنا للسياسة: أداة بأيدنا لنأخد خيارات أفضل في جامعتنا ومجتمعنا وبلدنا”.

وتسأل الطالبة في جامعة الحكمة مارلين زيتون، “هل باستطاعتنا البقاء في البلد، فيما أنّ الوضع يضع ثقله بشكل سلبي على الشباب وطلاب الجامعات، هذا الثقل الذي يسبّب لنا الطلاب الإحباط والقلق والشلل الفكري؟ وهل هناك طريق للنجاح؟”

وتشير إلى أنّ الجامعة تخرّج جيل المستقبل، ولكن أيّ مستقبل إذا كان “معدن هؤلاء الطلّاب مشبع بالطائفية؟ هناك طلّاب اضطرّوا أن يربطوا أنفسهم بشبكات زبائنية تكرّس ثقافة الارتهان والتبعية لأمراء حرب، من دون استثناء”.

خصوصية الجامعة اللبنانية

يشدد بيان شبكة “مدى” الصادر عن المؤتمر على أنّ “احتكار أحزاب الطوائف للجامعة الوطنية يشكّل عقبة رئيسية في طريق ازدهارها، فالجامعة التي كانت تلعب دورًا أساسيًا في تطوير عشرات آلاف الشباب والشابات في لبنان، أمست اليوم مساحة لتوظيف عشوائي قائم على المحاصصة”. وتعتبر الشبكة أنّ “الأزمة يدفع ثمنها، ليس فقط الطلاب بل الوطن بأجمعه”.

وتشدّد على أنّ “أي نهوض اقتصادي ينتج مباشرةً عن وجود جامعة عامّة بمرافق فعّالة وحصّة تُمنح لها من موازنة الدولة تليق بمركزها، إضافةً إلى جودة تعليمية عالية وحكومة تضمن مصالح الطلاب وتعزز تواجدهم في صلب عمليات اتخاذ القرار”.

الطالبة صبا حمدان، وهي عضو في النادي العلماني في الجامعة اللبنانية، تصف وضع الجامعة بـ “المزري جدًا، بسبب سياسات النظام القائم، عبر سياسة تدمير ممنهجة للجامعة”.
فالجامعة اللبنانية، بحسب الطالبة حمدان، كانت تعتبر ملجأ لجميع الطلاب وكانت تبني مجتمعًا أكاديميًا حيويًا وحرًّا، لم تكن جامعة للتعلّم والتطوّر فقط، بل كانت المكان الآمن لتداول الأفكار المختلفة والمتنوعة بحرية. “للاسف هيدي الصورة الحلوة، ما عادت موجودة، من ورا سيطرة الأحزاب والقمع والترهيب”، تتابع صبا.
وترى أنّ “الجامعة اللبنانيّة اليوم، تعاني من ضغوطات سياسية وقوانين قمعية تهدّد حرّية التعبير. فتحوّلت، من ملجأ آمن إلى بيئة مشحونة بالخوف والترهيب”.
وترى صبا أنّ غياب “أساس الديمقراطيّة في الجامعات، وتحديدًا الانتخابات الطالبيّة، سهّل على الميليشيات والأحزاب، السيطرة على المجالس الطالبية وتعيين مندوبين لها، فبدلًا من أن تكون  المجالس هي منصة للطلاب للتعبير عن آرائهم واحتياجاتهم، صارت مهمة هذه المجالس تنفيذ أجندات الأحزاب،  الجامعة، بمختلف كليّاتها وتحوّلت لمراكز حزبية زبائنية، يقيم فيها كل حزب مناسباته وشعائره الخاصة ويقمع أي محاولة تعبير عن أي رأي مختلف”.
وتضيف أنّ تخفيض ميزانية الجامعة، هو تحميل عبء الانهيار للجامعة، كمؤسّسة، وهو جزء من مشروع بيع أصول الدولة، هذا المشروع مطروح كحل للفجوة الكبيرة في القطاع المالي. كلنا سندفع الثمن”.

رؤية بديلة لمناهج التّعليم العام في لبنان

وعرضت في المؤتمر أبرز النقاط الواردة في دراسة لمجموعة من الأكاديميين  والخبراء بينهم الأساتذة بانة بشور وعدنان الأمين وسلام بدرالدين تضمّنت رؤية بديلة لما سمي “الإطار الوطنيّ اللبنانيّ لمنهاج التعليم العام ما قبل الجامعيّ”. وقد تبنّت شبكة مدى بشكل كامل الخطة المطروحة، التي هي بمثابة رؤية بديلة لتشخيص المشكلة التربوية وأزمة النظام التعليمي في لبنان، والقضايا التي لا بد من معالجتها لإصلاح المشكلات القديمة أو المستجدة نتيجة الأزمات الحالية التي يمر بها لبنان اليوم وتترك انعكاساتها السلبية على الواقع التعليمي.

وتزخر الخطة بالأفكار البديلة والمقترحات، إن لجهة محتوى المناهج والكتب المدرسية أو لجهة التنظيم الداخلي للمناهج أو لجهة طريقة تكوين لجان المناهج ولجهة العلاقة الوثيقة بين تعديل المناهج وإجراء التغييرات المناسبة في سائر مكونات النظام التربوي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات عامة ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني