حوار للمفكرة القانونية مع رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات: الهيئة قد تصبح بلا مأوى


2022-09-01    |   

حوار للمفكرة القانونية مع رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات: الهيئة قد تصبح بلا مأوى

في تاريخ 29 آب، التقى الصحافي إيلي الفرزلي والباحث وسام اللحام والباحث المعاون نقولا غصن من “المفكرة القانونية” مع رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات نديم عبد الملك. اللقاء كان مناسبةً لاستعراض عمل الهيئة ووضعها وحصيلة مراقبتها خلال الانتخابات. وقد تميّز اللقاء بصراحة عبد الملك والأهم بكثير من المرارة إزاء الاستخفاف بالهيئة وقراراتها من قبل السلطات الرسمية المعنية. هذه المرارة تضاعفت بفعل قطع الكهرباء عن مقرّها والإنذار الموجّه إليها بإخلائه لعدم تسديد بدل الإيجار ولا النفقات المشتركة من قبل وزارة الداخلية. يخشى عبد الملك أن يؤخّر هذا العامل إنجاز التقرير النهائي مما يؤثر سلبًا على الطعون. تنشر هنا المفكرة أهمّ ما استخلصه إيلي الفرزلي من اللقاء، على أن يتمّ تضمين تفاصيله في التقرير الذي تعدّه المفكرة عن عمل الهيئة خلال الانتخابات النيابية 2022 والذي يصدر لاحقًا (المحرر).    

انتهت الانتخابات النيابية لكن تداعياتها لم تنتهِ. ثمة طعون يُنتظر البتّ بها في المجلس الدستوري، وثمة تقرير نهائي يفترض أن يصدر عن هيئة الإشراف على الانتخابات قبل 15 تشرين الأول المقبل، لكنه مُهدّد بالتأخير لأسباب “قاهرة”. فالهيئة التي تُمارس أعمالها من مبنى أريسكو بالاس في الحمرا، قد تصبح بلا مأوى خلال أيام. مالك المقرّ يطالب بتسديد بدل إيجار المبنى وكلفة الخدمات المتأخّرة منذ العام 2020. وفي إطار الضغط، قطع الخدمات والكهرباء عن مقرّ الهيئة في الطابق الثامن وعن مقرّ مراقبة الانتخابات في الطابق السابع، وأنذر الهيئة بضرورة الإخلاء. كل ذلك ولم تحرّك وزارة الداخليّة ساكنًا، بالرغم من أنها المسؤولة المباشرة عن تأمين مقرّ للهيئة، بحسب المادة 9 من قانون الانتخابات رقم 44/2017 (“وزير الداخلية  يُواكب أعمالها، وهو يُحدّد مقرّها ويؤمّن لها مقرّاً مستقلاً”). وعليه، لا تملك الهيئة شخصية معنوية تسمح لها بالادّعاء على المالك أو حتى دفع مستحقاته، أضِف إلى أنّها ليست أحد طرفيْ العقد. وإزاء هذا الوضع، سبق أن طلب رئيس الهيئة نديم عبد الملك اجتماعًا عاجلًا مع الوزير، منذ 19 آب الماضي، لمناقشة المسألة، إلا أن الأخير لم يُجب حتى اليوم. 

وعليه، بغضّ النظر عن تنفيذ الإخلاء من عدمه، فإنّ الهيئة تمرّ حالياً بفترة شلل شبه كامل. الموظّفون والمراقبون غير قادرين على إنجاز أعمالهم بالسرعة المطلوبة، ما يُهدد عملياً بتأخّر إنجاز التقرير النهائي الخاصّ بالانتخابات، وما يُهدّد بتأخير تسليم المجلس الدستوري تقارير (سلّمت الهيئة بعضها) كان طلبها في سياق تحقيقه بالطعون الانتخابية. فالحضور في مقرّ الهيئة يقتصر حالياً على موظف مناوب منعاً لإقفال أبوابها نهائياً.

هذه الأزمة لم تكن الأولى من نوعها. يُذكّر رئيس الهيئة أنها لم تبدأ العمل فعلياً إلا بعد مرور شهرين على فتح باب الترشّح. فالخلاف بين المالك ووزارة الداخلية في كانون الثاني الماضي، والذي انتهى بالاتفاق على تمديد العقد، أخّر العمل لمدة شهر، ثم احتاج برنامج الامم المتحدة الانمائي الذي يمول مركز المراقبة إلى شهر آخر لتجهيز المركز. علماً أن الUNDP هي التي موّلت الكثير من الأعمال وهي التي تدفع للموظفين الثلاثة العاملين في الهيئة، إضافةً إلى المراقبين الذين مُدّد لهم لثلاثة أشهر، ولولاها لكانت الهيئة أقفلتْ أبوابها منذ زمن. هنا تجدر الإشارة  إلى أنّ هؤلاء الموظّفين يتقاضون رواتبهم بالدولار، فيما أعضاء الهيئة ورئيسها لا يزالون يتقاضون رواتبهم بالليرة من دون أي زيادة بالرغم من المطالبات العديدة التي تقدم بها رئيسها لهذا الغرض. لا بل أن عبد الملك أفادنا أن رئيس الجمهورية طلب من وزير الداخلية معالجة هذه المشكلة وأنّ عبد الملك قدّم اقتراحاً للوزير بهذا الشأن بناء لطلبه. 

ما حصلت عليه الهيئة من أموال للقيام بعملها لم يزد عن 300 مليون ليرة كانت عبارة عن سلفة، هي التي طلبت نحو 5 مليار ليرة، ذهب جزء كبير منها ل11 محاسباً كانت تعاقدت الهيئة معهم (إضافة إلى 6 من ديوان المحاسبة) لإجراء البيانات الحسابية الخاصة ب 103 لائحة.

استخفاف بقرارات الهيئة

هذا الواقع ليس سوى عيّنة مما تعانيه الهيئة. هي أولاً وأخيراً ليست هيئة مستقلة ولا تملك موازنة خاصة ولا موارد حقيقية تكفي لإنجاز العمل الضخم الذي يفترض بها إنجازه، أضف إلى أن قراراتها لا تُنفّذ ولا تملك أي سلطة أو أي جهاز لتنفيذها. 

هي تكتفي بوضع التقارير وإحصاء المخالفات وتوجيه الكتب والإنذارات إلى المخالفين، ثم تنتظر وتأمل أن تُنفّذ توصياتها خلال فترة الحملة الانتخابية وأثناء العملية الانتخابية، وأن تنفّذ السلطات المعنية قراراتها التي تصدرها بعد انتهاء الانتخابات. لكن التجربة تؤكد أنه لم يسبقْ أن أوقفتْ السلطات القضائية راشيًا أو مرتشيًا ولا عاقبت مخالفًا لأحكام الصمت الانتخابي أو من لم يلتزم بسقف الإنفاق، ولا غرّمت وزارة الداخلية مخالفاً لم يقدّم حساباته إلى الهيئة. هكذا جرت الأمور في العام 2018 وهكذا يتوقع أن تجري. في ذلك العام، سجّلت الهيئة عشرات المخالفات (25 مخالفة لوسائل الإعلام، 10 دعاوى جزائية، 222 مرشّحاً لم يلتزموا بموجب تقديم البيانات الحسابية النهائية)، فكانت النتيجة عدم البتّ بها بالرغم من مرور 4 سنوات. 

بالنسبة للانتخابات الأخيرة، أصدرت الهيئة، في بداية آب، بياناً أعلنت فيه أنها قامت بالإجراءات التالية: 

أولاً: إحالة وسائل الإعلام على محاكم المطبوعات في 592 مخالفة، تشمل: تشهير وقدح وذم، مخالفات استطلاع رأي، خطاب كراهية (تخويف، تهويل، تخوين وغيره) وخرق الصمت الانتخابي.

ثانياً: إحالة شكاوى جزائية إلى النيابات العامة كافة في لبنان عددها 25، تتضمّن رشاوى وعرقلة العملية الانتخابية وغيرها من جرائم جزائية.

ثالثاً: إحالات إلى وزارة الداخلية والبلديات لفرض غرامات قدرها مليون ليرة عن كلّ يوم تأخير بشأن مخالفات تقديم البيانات الحسابية الشاملة (16 لائحة لم تقدّم بياناتها الحسابية الشاملة، 356 مرشحاً لم يتقدموا ببياناتهم الحسابية و22 مرشحاً قدّموها خارج المهلة).

هذه الإجراءات هي جزء من واجبات الهيئة، يقول عبد الملك، بغض النظر كيف ستتصرف السلطات المعنية مع المخالفات. هو يدرك أن الأمر نفسه قد يتكرّر هذه المرة أيضاً. ويدرك أن إحجام السلطة عن محاسبة مخالفي القانون في العام 2018 ساهم في تعزيز النزعة لارتكاب المزيد من المخالفات، لكنه يصرّ على العمل بالإمكانات والصلاحيات المتوفّرة انطلاقاً من رفضه التخلي عن المسؤولية. يأسف عبد الملك لكون الهيئة لا تملك جهازاً لتنفيذ قراراتها، كما يأسف لإصرار السلطة على تضييق عملها، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أنه لولا الهيئة لما أنجزت الانتخابات. فبالرغم من الخلافات السياسية التي أطاحت بتعيين هيئة جديدة، فإن رفض أعضاء الهيئة المتبقين الاستقالة واستمرار الهيئة بمتابعة أعمالها هو الذي أنقذ الانتخابات. 

عدم التعامل بجدية مع الهيئة وقراراتها يعيد التأكيد أن وجودها في الأصل مرتبط بتنفيذ المطالب الدولية أكثر من وصفها أداة لإجراء انتخابات ديمقراطية أو نزيهة. حتى لجان القيد العليا وهي مؤلّفة من قضاة يفترض أن يكونوا الأحرص على تطبيق القانون لم يتعاملوا بجدية معها. ففيما تنص المادة 39 من قانون الانتخابات على وجوب أن تبلّغ هذه اللجان نتائج أعمالها (التدقيق بنتائج لجان القيد الابتدائية وجمع الأصوات وإعداد جداول بالنتائج التي نالتها كل لائحة وكل مرشح، والنظر في طلبات استئناف قرارات لجان القيد) إلى الهيئة، كانت النتيجة عدم وصول أي كتاب من لجان القيد العليا إليها.

هذه المخالفات واللامبالاة، لا يمكن فصلها عن سياقها. صحيح أن كل لبناني قادر على التشكيك بنزاهة الانتخابات، لكن عبد الملك يقول إن الهيئة مطالبة بأن تملك إثباتاً على أي مخالفة. وهذا عمل ضخم كان من المستحيل إنجازه كله، وإن يدرك المراقبون أن المخالفات بالآلاف. على سبيل المثال، كيف يمكن مراقبة الصمت الانتخابي في الخارج؟ وكيف يمكن مراقبة التمويل الانتخابي في كل العالم؟ وكيف يمكن متابعة كل وسائل الإعلام التقليدي والبديل بفريق مؤلف من 30 مراقباً؟ والأهم كيف يمكن إثبات تقديم رشاوى في بلد يعتمد بالمطلق على الكاش؟ 

بالنتيجة، في ظلّ عدم توفر الأموال وفي ظلّ إمكانات محدودة وصلاحيات محدودة، عملت الهيئة وحُمّلت أكثر مما تحتمل، يقول رئيسها، الذي يرفض الاتهامات التي سيقت بحقها عن سعيها إلى التضييق على حرية وسائل الإعلام أو حرية عمل الجمعيات المعنية بمراقبة الانتخابات.   

انتخابات بلا ديمقراطية 

كما حصل في العام 2018، ستقدم الهيئة في تقريرها النهائي مجموعة من التوصيات، التي تشمل اقتراحات لتعديل القانون أو تعديل بعض الإجراءات، إلا أن أحداً لا يتوقع الأخذ بها، بالرغم من أهميتها. على سبيل المثال، لم يعد مقبولاً أن لا تكون الهيئة مستقلة وتملك موازنتها الخاصة. كما لا يمكن الاستمرار بالمادة 62 التي تعتبر رشوة مقنعة (تسمح للجمعيات والأحزاب بتقديم المساعدات خلال الانتخابات إذا مرّ على تقديمها 3 سنوات). ومن أبواب الفساد المقوننة أيضاً، السماح للهيئة بمراقبة حساب وحيد للحملة من دون التمكن من مراقبة حركته ومن دون السماح لها بمراقبة الحسابات الأخرى للمرشح. الأسوأ أنه لن يكون مستغرباً أن يبقى حساب إحدى الحملات مصفراً طيلة فترة الحملة أم أن لا تنقص الوديعة.

كل ذلك يقود إلى سؤال: هل يمكن الحديث عن انتخابات ديموقراطية؟ لا يوارب عبد الملك في الإشارة إلى أن الانتخابات افتقرت إلى النزاهة والديمقراطية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني