حكومة “سعيّد” تكمل سنتها الأولى: أي رصيد في مجال المال والاقتصاد؟


2022-10-17    |   

حكومة “سعيّد” تكمل سنتها الأولى:  أي رصيد في مجال المال والاقتصاد؟

في 11 أكتوبر الماضي دخلت السيدة نجلاء بودن قصر الحكومة بالقصبة رئيسة لحكومة جديدة، محمّلة بملفّات ثقيلة وتحديّات صعبة. بعد عام، تجد هذه الحكومة نفسها في مواجهة صندوق النقد الدولي “الحلّ الأخير” مع انعدام رؤية واضحة لم تمكّنها حتى من إصدار قانون مالية تكميلي لسنة 2022 وقانون مالية لسنة 2023. فلا الوضع السياسي الداخلي المعقّد والذي تحكمه أهواء وتصريحات الرئيس أسعفها وساعدها في إيجاد استقرار تتطلّبه الإصلاحات التي أعلنت عنها ولا الوضع الدولي المتفجر والمفعم بالغموض وفّر عليها تداعياته على الاقتصاد الوطني.

حكومة محكومة بأغلال الرئيس   

بعد تشكيلها في أكتوبر الماضي وجدت حكومة نجلاء بودن نفسها في مواجهة أربعة تحديّات كبرى وفي سباق مع الوقت: إنجاز قانون مالية تكميلي لسنة 2021، إنجاز قانون مالية لسنة 2022، إنجاز برنامج إصلاحات والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي. لكن الاستقرار السياسي الذّي كان يغذّيه الدعم الشعبي للرئيس سرعان ما بدأ يتضاءل بسبب تزايد الأصوات المعارضة لقرارات رئيس الجمهورية. كما أن الحرب الروسية الأوكرانية والتي تفجّرت بداية 2022 زادت من تأزيم الوضع الاقتصادي وجعلت الإتفاق مع صندوق الدولي يُصبح الحلّ الوحيد. تجاوزتْ أسعار النفط حاجز 120 دولار وارتفعت الأسعار العالمية للحبوب والغذاء والأسمدة والزيت النباتي وبدأت نسب التضخم الدولية بالصعود. إذ وصلت في تونس إلى %9.1 في سبتمبر بعد أن كانت في حدود 6.6% في نهاية 2021 ما اضطرّ البنك المركزي التونسي إلى الترفيع في سعر الفائدة مرتين متتاليتين ليزيد من وطأة الركود الذي يعيشه الاقتصاد التونسي.

في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر بودريقة أنّ مشكلة الحكومة تكمن في علاقتها مع الرئيس: “هناك مشكلة في تقسيم الأدوار، هناك حلقة مفقودة في علاقة القصبة بقرطاج، لدينا رئيس قوي ولدينا حكومة عيّنها الرئيس وتتحرّك بحريّة محدودة. يجب حوكمة هذه العلاقة سواء من خلال تكوين خليّة صلب الرئاسة تهتمّ بالقضايا الاقتصادية وتخلق نوعا من المرونة في علاقة برئاسة بالحكومة أو ترك الملف الاقتصادي برمته للحكومة لتتصرّف فيه بكامل الحرية”. في المقابل يرى الخبير المحاسب أنيس الوهابي أنّ الحكومة لم تنجح في تطبيق أي برنامج على أرض الواقع. ليضيف: “نسبة إنجاز المشاريع ضعيفة جدا. فالإصلاحات التي كان من المفترض أن تُنفّذ في التعليم والصحة والاقتصاد مثلا ظلّت حبرا على ورق. كما لم تستطع تنفيذ أي برنامج وطني على غرار “المعرف الوحيد” وبرنامج مقاومة الفقر أو أي برنامج آخر. هي حكومة غير متجانسة وهي حكومة الرئيس والرئيس لا يملك مشروعا، إذن فهذه النتيجة طبيعية جدا”.

برنامج الإصلاحات: برنامج عادي لوضع استثنائي

يتضمن قانون المالية لسنة 2022 قرابة 12 أمرا ترتيبيا لتطبيق الإجراءات الواردة في القانون، لكن وإلى غاية سبتمبر الماضي لم تصدر الحكومة سوى 7 أوامر ترتيبية. في نفس السياق وفي أفريل الماضي أصدرت الحكومة 42 إجراء عاجلا لتنشيط الاقتصاد وإلى غاية سبتمبر الماضي لم تصدر الحكومة سوى 3 أوامر ترتيبية لثلاثة إجراءات، فيما بقيت الإجراءات الأخرى من دون تفعيل. ربما تعطي هذه الأمثلة فكرة عن “حمى الإعلانات” التي أصابت الحكومة وعن مآل برنامج الإصلاح الذي أعدّته للفترة 2023 – 2025.

في تقييمه لوثيقة الإصلاحات التي نشرتها الحكومة، يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر بودريقة أنّ ما نُشر هو تصوّر تقليدي وقديم. “نحن نواصل في نفس المسار، بنفس الأفكار، لا توجد أفكار كبرى لتصوّر جديد للدولة وتصوّر جديد للقطاع الخاص مثلا وللمبادرة الفردية. بقيت الحكومة مثل سابقاتها في المشاكل التقنية وأهملت الأفكار الكبرى التي من الممكن أن تغيّر واقع ومستقبل البلاد”. من جانب آخر، يرى الخبير المحاسب أنيس الوهابي أنه بحكم أنّ حكومة نجلاء بودن هي حكومة غير سياسية، دون مشروع وصامتة، فلا يمكن الحديث عن إصلاح مضيفا: “كيف يمكن تحسين مناخ الأعمال مثلا من دون الحديث مع القطاع الخاص وأصحاب الأعمال والخبراء المحاسبين”.

تجربة تونس مع الصندوق

لمراقبة عمل موظفيه، أحدث صندوق النقد الدولي ما يسمى “مكتب التقييم الشامل“.  وهو مكتب يهتمّ بتقييم عمل موظفي الصندوق وطريقة تعاملهم مع الدول المقترضة. في 9 سبتمبر 2021 أصدر هذا المكتب تقريرا حول دول شمال إفريقيا والشرق الاوسط التي تربطها اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي وهي تونس ومصر والأردن. وفي تقييمه لتجربة موظّفيه مع هذه الدول، وجّه المكتب إنتقادات قوية للموظّفين بسبب تواصل منح هذه الدول أقساطا من القروض رغم أنها لم تصل إلى المستوى المطلوب من الإصلاحات. كما انتقد المكتب إهمال الوضع السياسي في تقييم ملفّات الدول. بعد 14 جانفي، وقّعت تونس مع الصندوق إتفاقا في سنة 2013 بقيمة 1.75 مليار دولار، ليتمّ القيام ب 6 من أصل 8 مراجعات سبق الاتّفاق حولها ولم تحصل تونس سوى على 1.6 مليار دولار بسبب عدم تطبيق الاتّفاق. في 2016 وقعت تونس مرة أخرى اتّفاقا بقيمة 2.9 مليار دولار ، لم تحصل فيه تونس إلا على  1.6 مليار دولار بسبب عدم تطبيق الاتّفاق أيضا.

  • صندوق النقد لا يلدغ من جحر مرتين

بنت حكومة هشام المشيشي قانون المالية لسنة 2021 على فرضية موافقة صندوق النقد الدولي على توقيع اتّفاق مع تونس. بعد 25 جويلية 2021 وتطبيقا لنفس التمشّي، بنت حكومة نجلاء بودن قانون المالية لسنة 2022 على فرضية توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي. في المقابل ولدى حضورها في إحدى الإذاعات المحليّة، قالت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية في ردّها على سؤال يتعلّق بفرضيّة فشل تونس في توقيع اتفاق مع الصندوق أنّ “لكلّ حادث حديث”، تصريح يكشف الغموض الذي لطالما حاولت الحكومة إخفاءه في علاقة بتعبئة موارد الدولة.

بالنظر إلى تجربة تونس مع صندوق النقد الدولي، يرى الخبير المحاسب أنيس الوهابي أن حكومة نجلاء بودن تتبّع نفس تمشّي الحكومات السابقة وهو التعهّد بإصلاحات صعبة التحقيق. ويضيف الوهابي: “الصندوق اليوم لا يتّبع نفس التمشي. هو راكم نوعا من التجربة مع تونس. لذا أصبح لا فقط يطالب الحكومة ببرنامج إصلاح بل يطالبها بدليل على أنّها فعلا بدأت في هذه الإصلاحات. وما إعادة تفعيل آليّة التعديل الآلي للمحروقات إلاّ إشارة من الحكومة للصندوق حول بداية الإصلاح”.

وإلى حين كتابة هذه الأسطر، لم توقّع تونس أي اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي. في المقابل وحتى وإن تمكنت الحكومة من توقيع هذا الاتفاق في الأسابيع القليلة المقبلة، فإن قرض الصندوق لن يمكّنها من سدّ عجز بقيّة سنة 2022 والبالغ 10 مليارات دينار. لكنّ خبراء يؤكدون أن الحكومة تستعجل الاتفاق مع الصندوق لأنّ هذا الاتفاق سيمكنها من الخروج إلى الأسواق الماليّة العالمية.

في المقابل تعتمد الحكومة مبدأ التعتيم الكليّ على مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. إذ أصبح الحصول على معلومات بشأن تقدم المفاوضات رهين مؤسسات الإعلام الدولية أو موقع الصندوق الذي يعلن في كل مرّة عبر بياناته التي ينشرها عن أيّ تطورات بشأن المفاوضات مع تونس.

حكومة صامتة ومشهد إعلامي متأزم

منذ توليه زمام الحكم في تونس، لم يظهر رئيس الجمهورية قيس سعيد في وسائل الإعلام التونسية إلا لمرّة واحدة وذلك بمناسبة مرور 100 يوم على توليه الرئاسة. بعد إعلانه الإجراءات الإستثنائية دخل الرئيس في علاقة قطيعة غير مفهومة مع جلّ مكوّنات المشهد التونسي من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني والقضاء إضافة إلى الإعلام. وقد اتّبعت حكومة نجلاء بودن نفس التمشي. فمنذ توليها رئاسة الحكومة، لم تظهر نجلاء بودن في وسائل الإعلام التونسية إلا من خلال تصريحات خاطفة ومقتضبة وفي مناسبات محدودة في حين يتجنب أغلب الوزراء الحضور إلى البلاتوهات السياسية.

يقول نقيب الصحفيين التونسيين مهدي الجلاصي أنّ حكومة نجلاء بودن لم يكن لها أي تعامل مع وسائل الإعلام. ليضيف: “هذه سلطة لا تتكلّم مع وسائل الإعلام عكس جميع الحكومات السابقة. كما أن دورها كان سلبيّا جدّا من خلال إصدار المرسوم عدد 19 والذي يضرب حق النفاذ للمعلومة وهي أيضا المتسبّب الأول في الوضع الذي يعيشه الإعلام اليوم بسبب إغلاق باب الحوار مع النقابات وأصحاب المهنة”. في نفس السياق، يرى الخبير لدى قسم الدراسات التابع للاتحاد العام التونسي عبد الرحمان اللاحقة أن حكومة نجلاء بودن لا تتحاور لا مع الأطراف الاجتماعية ولا مع الشعب: “مرّ عام كامل على تعيين هذه الحكومة ولم نرَ رئيستها في أيّ منبر إعلامي ولم تحضر في أي برنامج ولم تخرج في أي خطاب الى الشعب تفسّر من خلاله توجّهات الحكومة”.

في المقابل، يعاني المشهد الإعلامي التونسي من خطر داهم وحقيقي. فبالإضافة إلى أزمة شركة كاكتوس برود والوضع المتأزّم الذي تعيشه معظم المؤسسات الإعلامية، تفجرّت مجددا أزمة وسائل الإعلام المصادرة شمس أفم ودار الصباح بعد عرضهما على التسوية القضائية وهو ما يفسره الجلاصي بأنه توجه واضح نحو التصفية.

الاتحاد والحكومة

لم تنجح الحكومة منذ تنصيبها في بناء علاقة مستقرة مع الاتحاد العام التونسي للشغل. ففي 9 ديسمبر وجهت المنشور عدد 20 إلى الوزراء وكتّاب الدولة والمديرين العامين والرؤساء المديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية كافة، ليحدّد شروط وضوابط التفاوض مع النقابات. أثار المنشور الكثير من الجدل والانتقادات ما دفع رئاسة الحكومة إلى نشر بلاغ توضّح فيه “الغاية هذا المنشور”.  لكن هذا الاضطراب تواصل إلى غاية 16 جوان تاريخ تنفيذ الإضراب العام في الوظيفة العمومية، ردّا على رفض الحكومة مطلب الزيادة في الأجور. يرى الاتّحاد أن نسبة التضخّم المرتفعة والارتفاع المشطّ للأسعار إضافة إلى تراجع المقدرة الشرائية للأجراء أسباب كافية لمطلب الزيادة في الأجور. لكنّ الحكومة التي تريد أن تثبت حسن النوايا لصندوق النقد الدولي الذي يطالب بالتحكمّ في كتلة الأجور ترى أن التوازنات المالية للدولة في وضع لا يمكنّها من الموافقة على هذه الزيادة. لكنها عادت مرة أخرى وأمضت على اتّفاق الزيادة في الأجور بنسبة 3.5% طيلة السنوات الثلاث المقبلة وهو إتفاق لاقى العديد من الانتقادات.

يشير الخبير لدى قسم الدراسات بالاتّحاد العام التونسي للشغل عبد الرحمان اللاحقة أنّ حكومة نجلاء بودن لا تؤمن بالحوار الاجتماعي مع الأطراف الاجتماعية مضيفا: “حكومة نجلاء بودن بقيت حكومة إعلانات وليس لديها أي إنجازات. وإن كانت قد حقّقت أي تقدّم ملموس فلتعلن عنه”.  في المقابل  وفي علاقة ببرنامج الإصلاح يقول اللاحقة أن  الحكومة أنجزت وثيقة  بصفة منفردة ثم أرسلت نسخة منها إلى الاتّحاد  الذي طالب بمراجعة جذرية لها: “لا ترتقي الوثيقة إلى برنامج إصلاحات ولكن أعتبرها مجرد إعلان نوايا وقد حذر الاتّحاد من بعض الخيارات الواردة في الوثيقة واتفقنا على مزيد الحوار بشأن الإصلاح ولكن للأسف لم نرَ أيّ تجاوب”.

الرئيس والحكومة: غياب الانسجام  

إضافة إلى التحديات الداخلية والخارجية التي تحاصرها، أضاف الرئيس تحدّيا جديدا للحكومة من خلال تصريحاته التي يطلقها والتي في كل مرة تضعها في موقف محرج. فالحكومة التي كان من السهل عليها ترويج سردية الأزمة العالمية لتفسير ارتفاع الأسعار وجدت نفسها مجبرة على اتّباع خطاب الرئيس الذي يتّهم الاحتكار والمضاربة بالتسبّب في الارتفاع الجنوني للأسعار. كما وجد وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، محمود إلياس حمزة، نفسه في موقف صعب إثر لقائه برئيس الجمهورية. فبعد أن فنًد ما صرّح به المقرر الخاص للأمم المتّحدة حول تلوث مياه الشرب في تونس، واجه تصريحا لسعيّد الذي أكّد أن الماء الصالح للشراب في شبكات توزيع المياه لم يعد صالحا للاستهلاك البشري. كذلك لا يجب أن ننسى دعوة الرئيس الشهيرة إلى طرد لجنة البندقية في الوقت الذي كانت الحكومة تفاوض فيه صندوق النقد الدولي.

كما أن المثير للاستغراب هو أنّ الرئيس وخلال الاجتماعات التي قام بها سواء مع الوزراء أو مع رئيسة الحكومة، لم يأتِ على ذكر الاتفاق الذي تسعى الحكومة لتوقيعه مع صندوق النقد الدولي، رغم أنه يعتبر أهمّ الملفات التي بيد الحكومة اليوم. وكأنما يحاول الرئيس النأي بنفسه عن أكثر الملفات حساسية في تونس.

عقدة الدعم

في أحد فصول كتابه “نصيبي من الحقيقة”، يتحدث محمد المزالي رئيس الحكومة التونسية الأسبق، إبان فترة بورقيبة، عن مشكلة الدعم التي تؤرق الحكومة في ذلك الوقت وعن الحلول المقترحة لحلّ هذا الملف. لا يختلف ما سرده المزالي في الثمانينيات عمّا تعيشه تونس اليوم، وهو دليل على أن الدولة التونسية لم تتقدم قيد أنملة طيلة العقود الماضية في هذا الملف. توقّع قانون المالية لسنة 2022 أن يبلغ سعر برميل النفط 75 دولار لكن الحرب الروسية الأكرانية جاءت لتُسقط هذه التوقعات وتعمّق عجز الميزانية بسبب ارتفاع كتلة الدعم بعد أن ارتفعت أسعار البترول لأكثر من 120 دولار للبرميل وارتفعت أسعار الحبوب والمواد الغذائية. 

تدعم تونس من خلال منظومة الدعم قطاع النقل والمحروقات والمواد الأساسية. خلال سنة 2020 كانت نفقات الدعم لا تمثل سوى 11% من مجموع نفقات ميزانية الدولة لتتراجع في 2021 إلى 8.46% وذلك بسبب تراجع دعم المحروقات. لكن ومع بداية ارتفاع أسعار النفط في أواخر 2022 أعدت الحكومة قانون مالية خصصت فيه 7262 مليون دينار كميزانية للدعم لتصل نفقات الدعم إلى قرابة 15.4% من مجموع نفقات الميزانية. وحسب أخر النتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة الصادرة عن وزارة المالية في شهر جوان 2022، الماضي وبسبب تأثير الحرب الروسية الأكرانية إرتفع دعم المحروقات مثلا بنسبة 370% مقارنة بسنة 2021. هذا دون الحديث عن الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها أسعار المواد الغذائية في الأسواق الدولية خلال هذه السنة . هذه الصعوبات تتجسّم في تقرير البنك الدولي حول الظرف الاقتصادي لتونس والصادر في سبتمبر الماضي تحت عنوان “إدارة الأزمة في وضع اقتصادي مضطرب”. وقد رجّح هذا التقرير أن يصل عجز الميزانية إلى 9.1 بالمائة سنة 2022، مقابل 7.4 بالمائة سنة 2021.

رغم ذلك يرى خبراء أن الوضع الدولي الدقيق وارتفاع الأسعار المشطّ والنسب العالية من التضخّم لا تمكّن من الخوض في مسألة الدعم على الأقل في الوقت الراهن، لأن المراجعة أو إعادة التوجيه تحتاج على الأقلّ إلى استقرار اقتصادي واستقرار في الأسعار. رغم ذلك، فإنّ مراجعة الدعم يعتبر أحد أهم المسائل التي تطرّق إليها برنامج الإصلاح الذي قدمتّه حكومة نجلاء بودن إلى صندوق النقد الدولي. ولإظهار حسن النوايا للصندوق أعادت الحكومة تفعيل آلية التعديل الآلي لأسعار المحروقات بعد أن توقفت لمدة 3 أشهر لحسابات سياسية أهمها إجراء الاستفتاء حول الدستور الجديد.

حول خطط الحكومة لمراجعة الدعم، يقول الخبير لدى قسم الدراسات بالاتحاد العام التونسي للشغل عبد الرحمان اللاحقة أن قصة رفع الدعم مضحكة في هذا الظرف الاقتصادي. ليضيف: “الحكومة تعتمد مقاربة ساذجة وفي موضوع حساس يهمّ جميع التونسيين وحتى صندوق النقد الدولي متخوّف من هذه المقاربة. أعتقد أن الحكومة يجب أن تتحمّل مسؤوليتها كاملة في حال قررت تطبيقها وأعتقد أن اعتماد هذه المقاربة سيواجه بمقاومة شعبية وستتراجع الجهات الرسمية عن إجراءاتها”. من جهة أخرى، يرى الخبير المحاسب أنيس الوهابي أنه لا يوجد أي إجراء جديّ وفعّال لحماية الطبقات المتضررة في حال تمّ رفع الدعم. ليتساءل قائلا: “هل وضعت الحكومة يدها على المشكلة الحقيقية للدعم؟ طبعا لا، فمشكلة الدعم أعمق بكثير من الرفع في أسعار المحروقات”.  إضافة إلى إعادة تشغيل آلية التعديل الآلي للأسعار، رفعت الحكومة أسعار الغاز المنزلي وهي التي تعهّدت وهي التي تعهدت سابقا وفي مناسبات عديدة بعدم رفعه.

خلاصة

أحد أسباب الأزمة التي تعيشها تونس اليوم هو ارتفاع الدين الخارجي. فقد وقّعت تونس إتفاقين مع الصندوق ولم تستطِع القيام بالإصلاحات اللازمة. وها هي اليوم على أعتاب توقيع الاتّفاق الثالث في ظل غياب سياسة اقتصادية واضحة المعالم، خاصة بعد تصريح مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا في 03 سبتمبر الماضي بأن “توقيع اتّفاقات على مستوى الخبراء مع مصر وتونس سيتمّ “قريبا جدا”.  في المقابل، لا تزال حالة اليأس المنتشرة تدفع بآلاف الشباب المهاجرين لعبور الضفة الأخرى من المتوسط والتي بدأت شيئا فشيئا تسقط في قبضة اليمين المتطرف.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني