حكايات الإجهاض. النساء بين العائلة والقانون والطبّ – غدير أحمد


2024-04-23    |   

حكايات الإجهاض. النساء بين العائلة والقانون والطبّ – غدير أحمد

حكايات الإجهاض. النساء بين العائلة والقانون والطبّ – غدير أحمد

المرايا للثقافة والفنون. 2023

في كتابها الأخير، تأخذنا غدير أحمد في رحلة غاية في الخصوصية والشجاعة الممزوجة بالخوف والقلق، لنستكشف مآسي وأهوالا تواجه النساء في الولوج إلى الإجهاض القَصدي كما تُعرّفه الكاتبة، على عكس الإجهاض التلقائي. ففي مصر يُجرّم قانون العقوبات الإجهاض، ولا يستثنى من ذلك الحمل الناتج عن الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي. وبالتالي يَفرِض على النساء إجراء الإجهاض في ظروف غير آمنة طبياً ومُدانة اجتماعيا. لا تكتفي الكاتبة باستعراض تمثلات النساء لتجارب الإيذاء والتهميش خلال ولوجهن للإجهاض، وإنما تذهب إلى ما هو أبعد، في محاولة لإعادة فهم هذه الممارسة كفعل سياسي مقاوم من النساء في مواجهة رجال الدين وأبوية سلطة تسعى إلى فرض سيطرتها على أجسادهن. إذ نَستكشف كيف تُحوّلُ النساء فعلاً مُدانًا ومُجَرَّمًا إلى مقاومة سياسية لها دلالاتها وشبكاتها الأفقية للتضامن النسوي. عدسة الإجهاض تبيّن كيف تدفع سياسات الدولة النساء إلى المخاطرة بحياتهن للنجاة مما يرونه إما موتا مُحققا أو مصيرا مغرقا بالعار والوصم، كما تُظهِر دورها في تعزيز شبكات الإتجار بحديثي الولادة بسبب تجريم الإجهاض. 

تجوب بنا هذه الدراسة الإثنوجرافية التي تجمع ما بين الأكاديمي والصحفي، من خلال مقابلات قامت بها الكاتبة لتفكك تارة الأطروحات الدينية والقانونية التي استندت عليها الدولة المصرية فيما تدعي إنه حماية الأسرة وطورا لتوضح لنا تقاطع الإجهاض كفعل مقاوم مع الانتماء الطبقي والحالة الاجتماعية والتنوع الجغرافي للنساء في مصر. فنفهم كيف اعتمد المشرع المصري منذ بداية القرن على الآراء الفقهية التي تتناسب مع الأوضاع السياسية والنظام العام في إصرار قوي على هيمنة ومراقبة الحيوات الخاصة للمواطنين وأجساد النساء بشكل أخصّ.

يتميّز الكتاب بفكرتين أساسيتين؛ تُحيل الأولى إلى مقاربة الإجهاض كفعل مقاوم لا يقتصر على المجهضات وعزيمتهن على استرداد حق تقرير مصيرهن الجسدي والجنسي فحسب، وإنما يمتدّ إلى النساء الأخريات اللواتي يساعدهن ويقفن إلى جانبهن في مواجهة سيطرة الدولة والمجتمع، فتتحول التجربة من فردية إلى جماعية. نساء كثيرات عشن الإجهاض وهشاشته، وخرجن بقرار واضح في تقديم يد العون إلى أخريات  تَعشن نفس التجربة. توثيق الكاتبة لسرديات النساء عبر الاعتماد على التاريخ الشفوي هو في حدّ ذاته عمل مقاوم يساهم في زعزعة المتن الرسمي حول قضية الإجهاض. 

أما الفكرة الثانية، فهي اعتماد الكتاب على شهادات متنوعة للنساء،  حسب انتماءاتهن الجغرافية أو فئاتهن العمرية أو حالاتهن الاجتماعية، عبر سرديات درامية تمكّن القارئ من مُعايَشة تجاربهن الهشة وفهم أدقّ لمؤسسات الدولة وتجليّات أبوية السلطة والمجتمع. 

ما يَربط جميع الشهادات، على اختلافها، هو شعور النساء بالذنب وخوفهن من الموت،  إضافة إلى إدراكهن لحتميّة النجاة واستعادة ملكية أجسادهن من خلال رفض الحمل. كما تكشف الشهادات عن الأحكام الأخلاقية الصادرة من الأطباء أو الطبيبات، بالإضافة  إلى محاولاتهم “تأديب” النساء أو التحرش بهن في انتهاك صريح لعملهم.  

(مراجعة مريم عبد الباقي).

انشر المقال

متوفر من خلال:

تونس ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني