جلسة التحقيق الأولى في جريمة أنصار: نفاد صبر الأهالي والمطالبة بالحكم السريع


2022-06-07    |   

جلسة التحقيق الأولى في جريمة أنصار: نفاد صبر الأهالي والمطالبة بالحكم السريع

انعقدت اليوم الثلاثاء جلسة التحقيق القضائي الأولى أمام قاضي التحقيق في بيروت شربل أبو سمرا في القضيّة التي باتت تعرف بـ “جريمة أنصار” التي راح ضحيتها باسمة عبّاس وبناتها تالا ومنال وريما صفاوي في بلدة أنصار جنوب لبنان والتي كُشفت في 25 آذار 2022. ومثل أمام القاضي الموقوفان حسن فيّاض (لبناني) وحسين الغنّاش (سوري) المدعى عليهما بتنفيذ جريمة القتل ودفن جثث الضحايا في مغارة في بستان يقع في خرّاج البلدة.

كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحاً حين اقتادت عناصر ملثمة من شعبة المعلومات الموقوفين الغنّاش وفياض إلى مكتب قاضي التحقيق في قصر العدل في بيروت شربل أبو سمرا. دخل الموقوفان ملثمين إلى مكتب القاضي وخرجا بعد ساعتين. وبحسب تصريحات المحامين، بدأ القاضي أبو سمرا باستجواب فياض الذي حضر مع وكيله القانوني إبراهيم روّاس، فيما لم يبدأ باستجواب الغنّاش الذي يبدو أنه لم يوكل أي محام بعد. وقرر القاضي إرجاء الجلسة إلى 21 حزيران بهدف “استكمال الاستجواب”. 

وخارجاً احتشد عشرات من أهالي بلدة أنصار ومن بينهم أفراد من عائلات الضحايا وأقاربهنّ وأصدقائهنّ. حالة غضب شديد سيطرت على الحشد، طالب الأهالي بأشدّ العقوبات على رأسها “الإعدام القضائي” وإلّا “تسليمنا الموقوفين وننفذ الإعدام بأيدينا”. وهذه العبارة كرّرها عدد من المحتشدين الذين لا يزالون في حالة غضب منذ شهر آذار حين وقعت الجريمة وصدمت بلدة أنصار بفاجعة مقتل أربعة نساء فيها.

مسار التحقيق في الجريمة

وقعت الجريمة في 3 آذار 2022، بحسب المعلومات الأوليّة، أي قبل نحو عشرين يوماً من اكتشافها. وكان والد الضحايا المختار زكريا صفاوي قد لاحظ غياب طليقته وبناته الثلاثة فتقدّم بشكوى لدى النيابة العامّة الاستئنافيّة في النبطّية ضدّ فياض بعد رؤيته من قبل شهود مع الضحايا الأربعة. يومها لم تصل التحقيقات التي أجرتها النائب العامّ غادة بو علوان إلى الاشتباه بتعرّض النساء الأربعة للاختطاف أو للقتل، مما أدّى إلى تشكيك بعض وسائل الإعلام في جدّيتها. ولاحقاً، بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع كشفت مخابرات الجيش وقوع الجريمة بحق النساء الأربعة ودفن جثثهنّ في مغارة في خرّاج بلدة أنصار وأوقفت فياض في 24 آذار ثم الغناش في 27 آذار في البقاع، قبل أن تتسلّم التحقيق شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي. 

بعد ختم التحقيقات الأوّلية، ادّعت النيابة العامة في النبطية بحق الموقوفين فياض والغنّاش بتهمة القتل عمداً (سنداً للمادة ٥٤٩ من قانون العقوبات)، وأحالتهما أمام قاضي التحقيق في النبطية محمد برّي الذي أصدر في 11 نيسان 2022 مذكرة توقيف وجاهية بحقهما من دون استجوابهما. وبعدها طلب مدعي عام التمييز غسان عويدات من محكمة التمييز نقل القضية  إلى بيروت للضرورات الأمنيّة، فأحيل الملف من النبطية إلى قاضي التحقيق الأوّل بالإنابة في بيروت شربل أبو سمرا.

العائلة لا تزال في صدمة

والد الضحايا الثلاثة زكريّا صفاوي لا يستطيع إطالة الحديث عن حاله وهو لا يزال يعيش حزناً عميقاً، عيناه حمراوان ووجهه شاحب وصوته مخنوق. الرجل الذي صُدم قبل شهرين باختفاء بناته وأمهنّ ولاحقاً فُجع باكتشافه مقتلهنّ، يختصر الكلام في حديث مع “المفكرة”: “أنا رجل وحيد، لا عائلة لدي، لا أولاد.. خسرت بناتي بدقائق قليلة”. يستعيد صفاوي ما يعرفه عن حيثيّات الجريمة مشيراً إلى أنّ “الجريمة واضحة، (فيّاض) خطط لجريمته مع شريكه، دعاهنّ إلى العشاء وأقدم على قتلهنّ”. وينهي كلامه: “ليس لديّ سوى مطلب وحيد، وهو الإعدام”، داعياً القضاء إلى اتخاذ قرار استثنائي وإنزال حكم الإعدام بالقتلة كونها جريمة استثنائية. 

وعلى حافة الطريق بمحاذاة اعتصام الأهالي جلست أخوات باسمة وقريباتها متشحات بالسواد، يبكين فراق باسمة وبناتها وغاضبات من فياض. تبكي شقيقة باسمة خسارة أختها الكبرى، “التي كانت أمّي ومربيتي ومرشدتي وأختي إن حزنتُ أسعدتني وإن مرضت اهتمت بي ورعتني”. وتتلو أسماء المغدورات واحدة تلو الأخرى، “تالا ومنال وريما، صبايا في عز عمرهنّ غُدر بهنّ وذهب مستقبل عامر كنّ يطمحن إليه”. 

الحشد الغاضب نفذ صبره

رافقت الجلسة هتافات وصلت إلى مسمع أبو سمرا من قبل الأهالي المحتجين أمام مدخل قصر العدل “اسمع اسمع يا قاضي، ما منرضى إلّا بإعدام”. مطلب رفعه المحتجون إلى قاضي التحقيق الذي، بحسب القانون، يقتصر عمله على التحقيق في الملف وإصدار القرار الظنّي بحق المدعى عليهما، ثم يُحال الملف إلى الهيئة الاتهامية التي تصدر قرارها الاتهامي وتحيله إلى محكمة الجنايات التي تجري محاكمة علنية وتصدر على أثرها الحكم في القضية وتحدّد العقوبة بحق المتهمين. 

في المقابل يريد الأهالي الغاضبون أمام قصر العدل الانتهاء من هذه القضيّة بأسرع وقت، فلا قدرة لدى أي منهم لانتظار مسار العدالة الذي غالباً ما يتّسم بالبطء الشديد. الأهالي لا صبر لديهم لتحليل المسار القضائي وتفهّم الإجراءات القانونيّة التي يتّبعها القضاء، لذلك يريدون الحكم اليوم قبل الغد حتى لو كان الناظر في الملف اليوم، قاضي تحقيق وليس قاضي الحكم. 

من الواضح أنّ الجريمة الفظيعة التي حصلت والتي لا يزال وقعها شديداً على أهالي بلدة أنصار وعائلة الضحايا بالإضافة إلى المعلومات والروايات الكثيرة، قد شتت الأهالي ممّا دفعهم إلى انتظار “حكم” من قاضي تحقيق. وقد ظهر غضب الأهالي تلقائياً بعدما نُقل إليهم أنّ القاضي أبو سمرا أرجأ الجلسة ليوم 21 حزيران، فعبّروا عن غضبهم تارة عبر مطالبته بالاستقالة وتارة بأن يسلّمهم الموقوفين لينفذوا فيهما حكم الإعدام الميداني. 

وكيل ورثة الضحايا المحامي ماهر جابر يشير في حديث مع “المفكرة” إلى “أنّنا كنّا نتوقع من قاضي التحقيق الاستماع إلى الموقوفين فيّاض والغنّاش بشكل تلقائي على أن يصدر القرار الظنّي مباشرة، لكن، فوجئنا بالاكتفاء بجزء من إفادة فيّاض وتأجيل الجلسة إلى 21 حزيران لاستكمال الاستجواب”. ويُضيف جابر: “اعترضنا كجهة مدعيّة عن التأجيل ولفتنا نظر القاضي إلى نفاذ صبر الأهل، وإلى أنّ البلدة تغلي على وقع الجريمة، ولا يزال الدم حام”. وبعد سؤاله، يشير إلى أنّ القاضي لم يقدّم تبريراً لعدم استكمال الاستجواب. وفي المقابل، يشدد جابر على ثقته في القضاء مشيراً إلى ضرورة التشديد على عدم تأخير الجلسات وإنهاء الملف قبل الدخول في العطلة القضائية ولافتاً إلى احترامه لخصوصية الملف وسرية التحقيق. 

وتُعيد مواقف الأهالي بالذاكرة إلى جريمة كترمايا التي حصلت في نيسان عام 2010 حين أقدم شخص على قتل أربعة أشخاص ما أثار غضب أهالي البلدة إلى درجة قام بعضهم بانتزاع المدعى عليه آنذاك من أيدي القوى الأمنيّة التي اقتادته إلى البلدة لتمثيل الجريمة وتم قتله والتنكيل بجثته في ساحة البلدة. ويُشار إلى أنّ القضاء في قضيّة جريمة أنصار امتنع عن اتخاذ أي قرار لجهة إعادة تمثيل الجريمة لأسباب يعيدها المتابعون إلى تفادي حصول “كترمايا” جديدة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم جزائية ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني