​​تقرير هيئة الإشراف على الانتخابات 2022: تقرير عن الانتخابات أم عن عجز الهيئة؟


2023-07-06    |   

​​تقرير هيئة الإشراف على الانتخابات 2022: تقرير عن الانتخابات أم عن عجز الهيئة؟

بعد طول ترقّب وانتظار، صدر في ملحق الجريدة الرسمية رقم 13 تاريخ 30 آذار 2023 تقرير هيئة الإشراف على الانتخابات حول الانتخابات النيابية العامّة التي حصلت في شهر أيّار سنة 2022. وقد تأخّر هذا التقرير عن الموعد الذي حدّدته الهيئة لإصداره بفعل الصعوبات التي تعرّضت لها وأهمّها منعها من استخدام مقرّها نتيجة الخلاف بين الحكومة والشركة المالكة. يبقى أنّ هذه الصعوبات التي عانت منها الهيئة ليست إلّا نموذجًا عمّا اصطدمت به خلال مراقبتها للانتخابات النيابية، وهو نموذج معبّر جدًا، إذ لا يعكس فقط محدودية صلاحيات وإمكانيات الهيئة التي وجدت نفسها في مرحلة من المراحل مشرّدة خارج مقرّها، بل أيضًا إهمال الحكومة لواجباتها تجاه الهيئة، والذي اتخذ في أغلب الأحيان طابع العرقلة المتعمّدة لأعمالها أو اللامبالاة بأحسن تقدير. 

وعليه، وقبل المضيّ في عرض أهمّ المخالفات الانتخابية التي توقّفت عندها الهيئة، لا بدّ من أن نعرّج بداية على ما ضجّ به تقريرها حول العوائق الفعلية والقانونية التي أثّرت على أدائها.  

لم تعطَ الهيئة في النهاية إلّا سلفة خزينة بقيمة 300 مليون ليرة قبل أيّام معدودة من الانتخابات

الهيئة تشكو من إخلال السلطة التنفيذية بموجب التعاون معها

يتبيّن لنا من التقرير في بابه الأوّل المتعلّق بالشؤون الإداريّة أنّ حجب الحكومة لمستحقّات الهيئة يأخذ أشكالًا متعدّدة ولا يقتصر على موازنتها. فالشحّ المالي المتعمّد لم يقتصر على التأخير في دفع بدلات الإيجار لمقرّها بل تعدّى ذلك ليطال جميع أعمالها، وهو ما حدّ من إمكانياتها في تأمين المقوّمات الماديّة والبشريّة لمراقبة الانتخابات. فالهيئة، وبعد أخذ وردّ، مفصّل في التقرير، بينها وبين وزارتيْ الداخلية والماليّة، لم تنلْ إلّا القليل من المبلغ الأساسي الذي طلبته لإتمام أعمالها في انتخابات 2022 وهو موازنة 5 مليارات و800 مليون ليرة بالإضافة إلى 70 ألف دولار للتجهيزات. إذ أنّها لم تعطَ في النهاية إلّا سلفة خزينة بقيمة 300 مليون ليرة وذلك في 11 أيّار 2022 أي قبل أيّام معدودة من الانتخابات، ما يظهر مدى استهتار السلطة السياسية وعدم اكتراثها بتأمين الحد الأدنى من المقوّمات التي تسمح للهيئة بممارسة دورها ويعطي استقلاليتها معناه الطبيعي.

في ظلّ هذا التأخّر الكبير في تأمين الأموال، لجأت الهيئة إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) الذي بات المموّل الأساسي لها إذ تعهّد بتجهيز مقرّها ونقل معدّاتها الموجودة في المدينة الرياضية. وقد سدّ البرنامج الحاجة لعاملين مؤهّلين في الهيئة في ظلّ عدم تخصيصها بأيّ موظف عمومي. وتعهّد البرنامج بتأمين تعويضات فريق العمل الذي سيراقب الإعلام والإعلان وهو مؤلّف من 30 شخصًا. لكنّ الهيئة أصرّت على أن تتولّى إجراء المقابلات مع هؤلاء المراقبين بنفسها وضمن شروط الكفاءة والحيادية والشفافية، وقد برّرت ذلك  بوجوب الحفاظ على سيادتها واستقلالها في أعمالها. وقد وافقت الهيئة أيضًا على توسيع تعاونها مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من خلال تغطية نفقات التعاقد مع عدد من المراقبين في أعمال التدقيق والمحاسبة للأعمال التحضيرية في مجال التمويل والإنفاق ووضع البرامج وقاعدة البيانات الحسابية المطلوبة لهذه الغاية. وفيما لم تبيّن الهيئة قيمة المساعدات التي تلقّتها من البرنامج الأممي، يستشفّ من تقريرها أنّ هذا التمويل لم يكن كافيًا لإتمام رقابة كاملة على الحملة الانتخابية. فالهيئة اعترفت أنّ فقدان التمويل أدّى إلى تقصير في عملها حيث أشارت إلى أنه بسبب عدم وجود عدد كافٍ من المراقبين الميدانيين لم تتمكّن من مراقبة جميع اللوحات الإعلانية المنتشرة بكثافة في المناطق اللبنانية والتي كان جزء منها غير مصرّح عنه ممّا أدّى إلى صعوبة في احتسابها ضمن النفقات الانتخابية.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى عاملٍ ثانٍ تتحمّل مسؤوليّته الحكومة سبق وأن عانتْ منه الهيئة في انتخابات 2018 وتكرّر في انتخابات 2022 وهو عدم تخصيصها بموظفين كما ينصّ القانون. ففي سنة 2018، واجه وزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق الهيئة بعدم وجود أيّ فائض من الموظفين في الإدارة لإلحاقهم بها. أما في انتخابات 2022، فلم نجد أيّ ذكر في تقرير الهيئة عن إلحاق موظفين عموميين بها بل على العكس، فإنّها تُركت لمصيرها من قبل الحكومة من دون أيّ مقوّمات بشريّة، ما اضطرّها للاستعانة ببعض الخبراء الخارجيين وغيرهم من ديوان المحاسبة لإتمام رقابتها على البيانات الحسابية الشاملة المقدّمة من المرشحين، من دون أن يكون ذلك كافيًا لإتمامها كاملة. علمًا أنّ الهيئة أشارت إلى أنّه تمّ توزيع البيانات الحسابية على الخبراء مع مراعاة الانتماء المناطقي لكلّ منهم بمعنى أنّهم تسلّموا بيانات لمرشّحين ولوائح من غير المناطق التي ينتمون إليها تجنّبًا لتضارب المصالح. وأشارت الهيئة إلى أنّ عملية التدقيق بدأت في 23 حزيران 2022 أي بعد أكثر من شهر من حصول الانتخابات.   

وفي الاتجاه نفسه، نلحظ إخلال وزارة الداخلية بالتعاون مع الهيئة على نحو أدّى عمليًا إلى إفراغ قانون الانتخابات من مضمونه. ففيما أبلغت الهيئة وزارة الداخلية قائمة بالمرشحين الذين امتنعوا عن تقديم البيانات الحسابية الشاملة (وقد بلغ عددهم 348)، فإنّ هذه الأخيرة امتنعت عن تغريم هؤلاء عن كلّ يوم تأخير إلى حين تقديم بياناتهم، وكأنّها لا تقيم أيّ اعتبار لدورها المحدّد قانونًا في مؤازرة الهيئة في هذا الخصوص. الأمر نفسه يتّصل بتقاعس الداخلية عن تلبية طلب الهيئة بتحديد أماكن تواجد اللوحات وعددها والجهات التي تستثمرها والجهات التي تشغلها. 

كما يلاحظ حصول تنازع حول الصلاحيات بين الهيئة ووزارة الداخلية بشأن عدد من الشكاوى المحالة من الأولى إلى هذه الأخيرة (تمزيق صور مرشحين، أو مخالفات انتخابية في دول أجنبية بدون تحديدها) أو فوضى وتدخّلات من أحزاب في مراكز انتخابية أو استعمال مركز لبلدية للدعاية الانتخابية)، ممّا أدّى إلى حفظ الهيئة للشكاوى في ملف الشاكي والمشتكى عليه من دون أيّ إجراء آخر. ففيما اعتبرت الوزارة في ردّها على إحالة الهيئة أنّها بحاجة إلى تلقّي “مقترحات لازمة” منها، ردّت الهيئة بأنّ الأمر هو من صلاحيات الوزارة من دون أن تورد أيّ تفسير لتفاصيل الاختلاف بين الجهتين. وبالعودة إلى المادة 19 من القانون، نجد أنّه في البند 11 منها يعود للهيئة تلقّي الشكاوى والفصل بها من دون ذكر وزارة الداخلية في هذا الشأن. في المحصّلة، يبقى أنّ هذا الخلاف أدّى إلى دفن الشكاوى والمخالفات في أدراج الهيئة بسبب سوء التنسيق والتعقيدات القانونية المتعلّقة بصلاحية كلّ من وزارة الداخلية والهيئة. الأمر نفسه حصل مع استطلاعات الرأي، حيث رفضت الداخلية تنفيذ طلبات الهيئة بتغريم أشخاص على خلفية إعلانهم عن ترجيحات وتوقّعات، بحجّة أنّها ليست صاحبة صلاحية لفرض غرامات على هؤلاء. وقد بدا تنازع المصالح هنا مرتبطًا بتنازع الجهتين حول تعريف ماهيّة استطلاع الرأي.  

معظم المصارف رفضت التجاوب مع طلبات الهيئة بالإفصاح عن المعلومات حول حسابات الحملات الانتخابية

الهيئة تشكو من تشريعات تجرّدها من الأدوات اللازمة لأداء واجباتها

تشكو الهيئة في تقريرها علاوة على ذلك من غياب الأدوات الفعّالة لتمكينها من القيام بمراقبة صحيحة للانتخابات. وتُحمّل الهيئة مسؤولية هذا النقص للقانون وللمشرّع الذي لم يكترث لطلباتها بتطوير أدوات عملها وهو ما أعربت عنه في تقاريرها السابقة وأعادت التشديد عليه في هذا التقرير الأخير. فيتبيّن أنّ أهمّ ما تطالب به الهيئة هو أن يمنحها القانون صلاحيات واسعة تقريرية وتنفيذية في جميع الأمور المتعلّقة بمهامها. 

العوائق التشريعية أمام ممارسة الرقابة على الإنفاق الانتخابي 

ومن أهمّ ما اشتكت منه الهيئة في إطار مراقبتها التمويل والإنفاق الانتخابييْن، هو الخلل التشريعي الذي يحدّ من إمكانية تدقيقها في البيانات الحسابية الشاملة. فالمهلة المعطاة للهيئة لإتمام عملية التدقيق في هذه البيانات هي شهر واحد فقط، وإلّا تعتبر البيانات مقبولة حكمًا. كأنّما المشرّع بوضعه هكذا مهلة تعجيزية يدفع بالهيئة إلى إعطاء صكوك براءة للمرشحين من دون مراقبة جدّية. وبنتيجة ذلك، أشارت الهيئة إلى أنّ 40 بيانًا حسابيًّا لمرشحين (7 منهم فائزون) و12 للوائح بقوا من دون تدقيق واعتبروا مقبولين حكمًا. وقد طالبت الهيئة في توصياتها أن تعطى مهلة خمسة أشهر لإتمام هذا العمل.

ومن أهم العراقيل القانونية التي أشارت إليها الهيئة أيضًا هو حذف المشرّع في قانون الانتخابات الصادر سنة 2017 للصلاحية التي كانت ممنوحة لها في قانون 2008 بالاطّلاع المباشر وقت تشاء على حسابات الحملات المصرفية. فقد اعتبرت الهيئة أنّ هذا التعديل جرّدها من صلاحية مهمة حالت دون التمكّن من ممارسة أعمال الرقابة على التمويل والإنفاق على النحو المطلوب وطالبت بالعمل بها من جديد. ومن اللافت أنّ الهيئة أشارت تأكيدًا على خطورة هذا الحذف، إلى أنّ معظم المصارف رفضت التجاوب مع طلباتها بالإفصاح عن المعلومات حول هذه الحسابات بالرغم من أنّها غير خاضعة للسرّية المصرفية. 

يتبيّن لنا من مراجعة التقرير أيضًا أنّ القانون، لا سيّما في مادته 60 يضع الهيئة أمام معضلة بشأن الرقابة على الإنفاق إذ إنّ هذه المادة تسمح للمرشّح باستعمال أمواله الخاصّة واعتبار أموال الزوج والفروع والأصول من أموال المرشّح الخاصّة، لكنّها في الوقت عينه لا ترفع السرّية المصرفية لا عن حساب المرشح الشخصي ولا عن حسابات الفروع والأصول كما في حالة حساب الحملة. وأمام هذا الواقع، أقرّت الهيئة بعجزها عن مراقبة، ليس فقط الإنفاق من المال الخاص للمرشح فحسب، بل أيضًا المساهمات الحزبية أو الأجنبية سواء كانت من دول أو أفراد، علمًا أنّها محظورة بموجب القانون وذلك بسبب حصر رقابتها على حساب الحملة الرسمي ما يحدّ جدًا من فعاليتها ويفقدها مصداقيتها. ولا شكّ أنّ الأزمة الاقتصادية التي ولّدت الـ cash economy فاقمت من عجز رقابة الهيئة إذ أدّت إلى إفلات التمويل والإنفاق الانتخابيّين بشكل كبير من الضوابط المصرفية التي هي المرجع شبه الوحيد المتاح للهيئة لرصد حركة الأموال في الحملة  الانتخابية. فالهيئة، بحسب تقريرها، لم تتمكّن من مراقبة عمليات الدفع والقبض النقدية التي سدّدت من المرشحين واللوائح والأحزاب والتي لم تسجّل في الحساب النهائي الشامل لهؤلاء. علمًا أنّه قد نما إلى الهيئة وفق ما جاء في تقريرها، وجود مرشحين سددّوا مبالغ تفوق مليون ليرة نقدًا، ممّا يعدّ مخالفة لقانون الانتخاب الذي يوجب حصول أي دفع أو قبض يفوق مليون ليرة بموجب شيك. لذلك، رأت الهيئة وجوب تعديل هذه الفقرة لتتناسب مع الوضع الاقتصادي والقوّة الشرائية للعملة اللبنانية من خلال إطلاق يد الهيئة بتحديد السقف النقدي الجائز قبضه ودفعه نقدًا. ولفتت أيضًا إلى أنّها علمت أنّ عددًا من المرشحين كانوا يسدّدون نفقات الإعلان إمّا نقدًا أو عبر تحويل الأموال إلى حسابات مدراء الوسائل الإعلامية في الخارج. 

إزاء هذا الواقع، كرّرت الهيئة ما ورد في تقريرها حول انتخابات 2018 الذي أشار إلى أنّ القانون منحها صلاحية مراجعة حسابات المرشحين لكن لم يمنحها الصلاحية هذه بالنسبة لحسابات المؤسسات الإعلامية بل أجبرها على الاكتفاء بما يرد من تلك الوسائل حول تكاليف الإعلان والدعاية. لذلك طالبت الهيئة بتوسيع صلاحياتها في هذا الشأن مع إلزام المؤسّسات الإعلامية بالكشف عن الإعلانات والدعاية التي تمّت قبل تقديم الترشيح رسميًّا، إذ إنّ بعض المرشّحين عمدوا إلى تأخير تقديم ترشيحاتهم وذلك بهدف التنصّل من موجب التصريح عن الدعاية الانتخابية بذريعة أنّها تمّت في فترة ما قبل الترشيح. 

في الإطار نفسه، اعترضت الهيئة في تقريرها على مضمون الفقرة الثانية من المادة 62 التي اعتبرتها “رشوة مقنّعة” وطالبت بإلغائها كونها توجد استثناءً على منع التقديمات العينيّة من قبل المرشحين، فتسمح بتلك الصادرة عن مؤسّسات وهيئات تابعة لمرشحين والتي تتّسم بطابع الديمومة (ثلاث سنوات على الأقل) والاستدامة بالنوع والكمية والمستفيدين، فتخرجها من حساب النفقات الانتخابية. وبشيء من المرارة، تعلن الهيئة عجزها عن مراقبة هذا الاستثناء نظرًا إلى عدم صلاحيتها بالكشف على السجلّات والقيود الحسابية الخاصة بتلك المؤسسات. فحتى الشروط التي نصّ عليها القانون حول هذا الاستثناء الذي يكرّس الطبيعة الزبائنية للنظام السياسي اللبناني لم تكن مجدية إذ فشلت الهيئة في إعمال رقابتها على الضوابط القليلة التي لحظها القانون في هذا المجال.

عدم تحرّك القضاء سنة 2018 ساهمت في تكرار المخالفات في الانتخابات الأخيرة

العوائق القانونية أمام مراقبة الإعلام والإعلان الانتخابيين:

شكت الهيئة في تقريرها أيضًا من صعوبة مراقبة الإعلام والإعلان الانتخابيين، لا سيّما بسبب عدم امتلاكها الأدوات القانونية لفرض احترام القانون على المرشحين ووسائل الإعلام. وإذ أقرّت بوجود مخالفات كثيرة، طالبت الهيئة بإعطائها الصلاحية في مراقبة نشر الإعلانات والدعايات الانتخابية ومنع نشر الإعلانات المخالفة لأحكام القانون أو الانتظام العام أو ما يثير النعرات الطائفية ويحرّض على العنف أو الشغب، كما طالبت بتعديل القانون لإعطائها “صلاحية الوقف الفوري لأي برنامج مخالف له علاقة بالشأن الانتخابي خلال فترة الحملة الانتخابية وفترة الصمت الانتخابي تحت طائلة فرض عقوبات مالية واتخاذ تدابير تنفيذية بحق الجهات المخالفة”. 

لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّ الهيئة اشتكت من تذرّع بعض المرشحين بحصاناتهم وشددت على وجوب ملاحقتهم، لكنها لم تكشف محتوى هذه الإشكاليّة فلم تسمّ بالأسماء المرشحين المخالفين والمستفيدين من حصانات ما للهروب من الملاحقة، كما أنّها لم توضح ماهيّة هذه الحصانات ولم تعطِ أمثلة عنها.

 إخلال السلطات القضائية في إكمال عمل الهيئة

اشتكت الهيئة أيضًا من عدم إصدار محكمة المطبوعات أحكامًا في 45 مخالفة أحالتها إليها في انتخابات 2018. وقد اعتبرت أنّ هذا الأمر أدّى إلى إضعاف دور الهيئة في انتخابات 2022 إذ أنّ عدم تحرّك النيابة العامّة والمحاكم سنة 2018 شكّل سابقة عزّزت من الإفلات من العقاب وساهمت في تكرار المخالفات في الانتخابات الأخيرة وتفاقمها. 

ومن اللافت أنّ الهيئة قد أرسلت كتابًا إلى وزير الداخلية بهدف معرفة مصير إحالة عدد من وسائل الإعلام على محكمة المطبوعات والطلب إليه إحالة هذا الكتاب إلى وزير العدل والتمنّي على محكمة المطبوعات تزويد الهيئة بمصير هذه الدعاوى نظرًا إلى تأثيرها على السلوك الإعلامي في الانتخابات المقبلة. لكن لم يذكر أيّ جواب في التقرير. وقد بيّنا أعلاه مدى استياء الهيئة من أداء المحاكم وحديثها عن تأثير ذلك على تطبيق القانون وردع المخالفات الانتخابية. 

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الإخبار قد وجّهته النائبة العامّة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون بشأن ما عرضته قناة “الجديد” حول رشوة مصوّرة في مكتب أحد المرشحين (فريد هيكل الخازن) في جبيل. وقد وعدت عون تبعًا للاتّصال بها من الهيئة أنّها ستفيدها بنتائج التحقيق، من دون أن يرد في التقرير حصول أي متابعة لذلك.  

أعمال الهيئة رغم العوائق

الانطباع الأوّل الذي يخرج به قارئ تقرير الهيئة هو أنّها لم تتمكّن من الإشراف على الانتخابات بفعل نقص مواردها والعوائق الكثيرة أمامها. ولكن تجدر الإشارة أنّه للإحاطة بالتقرير يجب النظر إلى الأعمال التي قامت بها الهيئة وبالأخصّ المخالفات التي وثقتها رغم ذلك.

في الشكاوى والاستفسارات 

لا بدّ في البداية من الإشارة إلى دور الهيئة في استقبال الشكاوى والاستفسارات من المرشحين ومن الإعلام.  فقد ورد إلى الهيئة وفق تقريرها 51 شكوى أو إخبارًا يتعلّق مثلًا بالمواضيع التالية: القدح والذم بحق مرشّح، تمزيق ونزع صور، مخالفات انتخابية (من دون تحديدها)، خرق للصمت الانتخابي وغيرها، علمًا أنّ هذه الشكاوى مقدّمة من قبل مرشحين أو أحزاب. وأكثر مقدّمي الشكاوى هم، إلى جانب النائب فؤاد مخزومي، التيار الوطني الحر والقوّات اللبنانية أو مرشّحوهم. يتبيّن لنا أنّ الهيئة حفظت 17 من هذه الشكاوى على خلفية حجج عدّة، أهمّها غياب المستندات الثبوتية. كما يتبيّن لنا أنّ الهيئة أحالت 32 من الشكاوى إلى جهات مختلفة وهي محكمة المطبوعات أو النيابة العامّة أو وزارة الداخلية. وفيما لم يعرف مآل الإحالات إلى محكمة المطبوعات والنيابة العامّة، فإنّ الشكاوى المحالة إلى وزارة الداخلية انتهت إلى حفظها في ملفات المشتكي والمشكو منه بعدما اعتبرت وزارة الداخلية نفسها غير صالحة للنظر فيها. يضاف إلى ذلك شكويان أخريان تمّ ضمّهما إلى ملف المرشح المعني الانتخابي.

في شأن آخر، وثقت الهيئة عددًا من الاستفسارات التي تلقّتها وأعطت موجزًا عن أجوبتها عليها. وقد ورد بعضها من الاتحاد الأوروبي وسفارة روسيا الاتحادية ووزارة الخارجية وغيره، معظمها حول أمور تتعلق بكيفية تطبيق القانون. عبّرت أجوبة الهيئة عن الاستفسارات عن قراءة حرفيّة لنص القانون تخفي عجزاً عن تخطيه بسبب الصعوبات الطارئة جرّاء الأزمة الاقتصادية، وقد تجلّى ذلك في تمسّكها بحرفية القانون بموضوع التعامل بالشيكات “بصرف النظر عن واقع الصعوبات المذكورة التي تخرج عن رقابة الهيئة وإمكانية معالجتها” و “أن الهيئة معنية بتطبيق النص القانوني كما ورد حرفيّا بصرف النظر عن الصعوبات المشار إليها”. كما اعتبرت الهيئة أن البرنامج الذي يقدمه النائب القسيس إدكار طرابلسي لا يتنافى مع موجبات القانون طالما أنه ينحصر في المواضيع الدينية. 

وكان لافتًا توجيه النائبة ستريدا جعجع استفسارين حول جواز إقامة مشاريع وتقديم مساعدات وملاءمة ذلك مع متطلّبات قانون الانتخابات. تعلّق الاستفسار الأوّل بتوقيع مؤسسة “جبل الأرز” العائدة للنائبة جعجع اتفاقية لتأهيل بركة مياه في بلدة بقاعكفرا، حيث اعتبرت الهيئة أنّ توقيع الاتفاقية وبالرغم من وقوعه في فترة ما قبل بدء الحملة الانتخابية وتحديد بداية الأشغال في فترة ما بعد الانتخابات النيابية، إلّا أنّ ذلك لا يخلو من التضارب مع أحكام القانون وإمكانية “استغلال مناسبة توقيع العقد لإطلاق حملة انتخابية تتضمّن الإعلان والدعاية لأعمال إصلاح وتأهيل هذه البركة طيلة الفترة الانتخابية” لذا “أملت” الهيئة من مؤسسة “جبل الأرز” والنائبة جعجع إرجاء التوقيع إلى فترة ما بعد الانتخابات. ويتجلّى من خلال جواب الهيئة على الاستفسار مفهوم واسع لمراقبة الإنفاق الانتخابي إذ لم تحصر الإنفاق في فترة الحملة ومنذ تقديم المرشح لترشيحه رسميًّا بل وسّعته ليشمل كل ما يمكن أن يتمّ استثماره في الحملة الانتخابية ولو لم يتطابق تاريخ وقوعه مع الحملة الرسمية. وقد تبيّن من مراجعتنا للإعلام أنّه تمّ إطلاق المشروع فعلًا في 12 حزيران 2022 أي بعد حصول الانتخابات النيابية. 

أمّا الاستفسار الثاني فهو حول دخول بعض تقديمات المؤسسة المذكورة ضمن استثناءات المادة 62 من القانون التي تحظّر التقديمات المالية والعينية خلال الحملة لكنها توجد استثناءً للتقديمات التي درجت عليها المؤسسات لفترة ثلاث سنوات شرط أن يكون ذلك بالكمّيات والنوعيات نفسها وأن تشمل المستفيدين ذاتهم. فكان جواب الهيئة أنّه وفي ظلّ عدم حصولها على السجلّات والمعلومات الكافية للتأكّد من طبيعة التقديمات، فلا يمكنها اعتبارها مقبولة. وقد أشرنا في مقالات سابقة كما ورد في هذا التقرير أيضًا، إلى مدى اعتراض الهيئة على الاستثناء الموجود في هذه المادة ومطالبتها الحثيثة بحذفه نظرًا إلى عدم تمكّنها من الحصول على أي سجلات لمؤسسات ما يسمح لها بممارسة دورها الرقابي. 

في مراقبة الإعلام والإعلان

أعلنت الهيئة في تقريرها عن إحالة 592 مخالفة ارتكبتها وسائل الإعلام على اختلافها إلى محكمة المطبوعات. واللافت أنّ الهيئة برّرت نشر معلومات عن هذه الملفات بأحكام قانون حق الوصول إلى المعلومات ومبدأ الشفافية، علمًا أنّ التفاصيل المنشورة بقيت قليلة، حيث اقتصرت على الجهات المحالة وأنواع المخالفات المحالة. 

وقد أوضحت الهيئة أنّ هذه المخالفات المرتكبة تتمحور حول أربعة عناوين هي التشهير والقدح والذم، ومخالفات استطلاعات الرأي، وخطاب الكراهية (تخويف، تهويل، تخوين وغيره) وخرق الصمت الانتخابي. وتبيّن من التقرير أنّ أكثر المحطات المخالفة هي “إم تي في” (263) و”إل بي سي” (192) و”أو تي في” (131) والمنار (116) والجديد (115). وأكثر المخالفات هي إعلام انتخابي مستتر (205)، وإعلان (دعاية) انتخابي مستتر (194)، إساءة (تشهير وقدح وذم) (161)، كما خرق الصمت الانتخابي (99). 

وفي الموضوع عينه، اصطدمت الهيئة بفوضى استطلاعات الرأي التي لا تُعلن أنّها كذلك، ووجود ما سمّته “حرب” استطلاعات رأي متبادلة بين معظم وسائل الإعلام والقوى السياسية، وهي عبارة عن بث ترجيحات واستنتاجات حول الترشيحات والحواصل المحتملة. وقد وجّهت في هذا الإطار كتب تنبيه إلى عدد ممّن اعتبرتهم مخالفين. وقد وردت إلى الهيئة اعتراضات على كتب التنبيه، علمًا أنّ أحدهم فقط التزم بتقديم طلبات لبثّ استطلاعات رأي. وقد أجرت الهيئة اتصالات مع المعترضين لتصويب المسار لكن من دون أن تبيّن مدى استجابة المعنيين مع الموضوع. ولم يتبيّن لنا أنّ الهيئة فرضت عقوبة على المخالفين كما تسمح لها المادة 81 من القانون في فقرتها الثانية بل يبدو أنّها اكتفت بالحد الأدنى المسموح لها وهو التنبيه، من دون أن تستخدم  الصلاحية بفرض غرامة الممنوحة لها والتي هي من الصلاحيات النادرة الممنوحة للهيئة مباشرة والتي تتطلّب فقط صدور أمر تحصيل من وزارة الداخلية بناء على طلبها. 

كما تشير الهيئة في تقريرها إلى أنّ 80% من خطاب الكراهية المنتشر على الإعلام في فترة الحملة الانتخابية طال الانتماء الديني، من ثمّ اللاجئين والجنس بنسبة 6.7% ما يدلّ على أنّ التحريض الطائفي كان من أبرز الوسائل المستخدمة من المرشحين لاستقطاب الناخبين. وقد شهد خطاب الكراهية على اختلاف أشكاله رواجًا مهمًّا في فترات متقطعة خلال الحملة الانتخابية، لا سيّما بعد 14 أيار حيث شهد قفزة كبيرة على أبواب الصمت الانتخابي من أجل الحصول على أصوات الناخبين عبر تحريضهم بخطاب يثير مخاوفهم الهويّاتية.

يلحظ أخيرًا في مجال الإعلان، أنّ الهيئة عمدت في ظلّ إمكاناتها المحدودة وتقاعس الداخلية عن مؤازرتها في مجال اللوحات الإعلانية، إلى الاجتماع مع ممثلي الشركات المستثمرة لهذه اللوحات بهدف التعاون. ويشير التقرير إلى أنّ نقابة شركات الإعلانات الإعلانية أقرّت خلال الاجتماع بأنّها وجّهت كتابًا إلى أحد المرشحين البارزين في بيروت الذي يستعمل الإعلانات بصورة مخالفة للقانون وإلى “حزب سياسي بارز” من دون توضيح هويّته في الشأن نفسه ومن دون أن نعلم مصير تلك المخالفات. وقد تعهّد المجتمعون تزويد الهيئة بالمعلومات والتعاون معها إلّا أنّ التقرير وصف التعاون بأنّه كان خجولًا وليس على قدر التوقعات. لا بل أنّ معظم المرشحين لم يصرّحوا عن النشاطات الإعلانية في بياناتهم الحسابية التي لم تتضمّن النفقات الناتجة عن ذلك.  

في مراقبة التمويل والإنفاق

يتبيّن من مراقبة مدقّقي الحسابات الذين استعانت بهم الهيئة، فداحة المخالفات وعدم جديّة عدد كبير من المرشحين واللوائح في تقديمهم لبياناتهم الحسابية. فقد أشار التقرير إلى أنّ 348 مرشحًا لم يتقدّموا أبدًا بالبيان الحسابي الشامل على الرغم من الموجب المنصوص عليه قانونًا، وهو رقم يدلّ على فداحة المخالفة. كما أنّ 28 مرشحًا تقدّموا ببياناتهم الحسابية بعد انقضاء المهلة القانونية و668 تقدّموا بها ضمن المهلة. وما يفاقم من خطورة هذه المخالفة هي ظاهرة عدم تقديم البيانات من قبل مرشحيْن اثنين فائزين في الانتخابات وقد ذكرهما التقرير بالاسم وهما النائب غسان سكاف والنائب أحمد الخير من دون أن يترتّب على تصرّفهما هذا أيّة تداعيات قانونية ما يفقد صلاحيات الهيئة بخصوص الإنفاق الانتخابي أهمّيتها ويجعلها عمليًا من دون جدوى.

كما توصّل فريق العمل الذي تمّت الاستعانة به من ديوان المحاسبة إلى خلاصة بالغة الدلالة تتعلّق بعدم تقديم عدد من المرشحين للتقارير الشهرية حول تمويلهم وإنفاقهم، وعدم التطابق بين المعلومات الواردة في التقارير الشهرية المقدّمة من مدقّقي الحسابات المعتمدين من قبل المرشحين مع ما ورد في البيان الحسابي الشامل للمرشّح. كما تبيّن أنّ معظم المستندات الثبوتية من فواتير وغيرها التي تتعلّق بعمليات الإنفاق هي صور غير مصدّقة وأحيانًا من دون طوابع مالية وأختام ومن دون الرقم المالي للمورّد ومن دون الأوراق الثبوتية المطلوبة كالمستند عن سعر الصرف المعتمد. كما ظهر للمراقبين عدم وجود تطابق بين نتائج الرصد المنفّذ من قبل المراقبين الإعلاميين للظهور الإعلامي للمرشحين مع المعلومات الواردة في البيان الحسابي الشامل، علمًا أنّ بعض المرشحين قدّموا مستندات ثبوتية لنفقات ظهور إعلامي تفوق قيمتها المجموع الذي تبيّن نتيجةَ الرصد، وأنّ عمليات الرصد شملت الظهور الإعلامي للمرشحين في الإعلام المرئي المحلي وفيسبوك فقط دون غيرها. وتبيّن أنّ عمليات التمويل والإنفاق لم تتمّ حصرًا عبر الحساب المفتوح لدى المصارف أو لدى مديرية الخزينة في وزارة المالية. 

وكان لدى مدقّقي الحسابات الذين تمّ التعاقد معهم من القطاع الخاص أيضًا ملاحظات ناتجة عن تدقيقهم في البيانات الحسابية الشاملة أهمّها أنّه لم يتبيّن لهم من ملفات المرشحين وجود معلومات أو مستندات تدلّ على استعمال أو عدم استعمال المرشح أمواله الخاصّة أو ما يعتبر في حكمها في الإنفاق الانتخابي علمًا أنّ الإنفاق بشكل عام كان من خارج الحساب المصرفي أو الصندوق العام. كما تبيّن عدم التزام مدقّقي الحسابات المعتمدين من المرشحين بتقديم البيانات الشهرية أو تقديم بعضها خارج المهلة القانونية وعدم إرفاق كشف حساب مصرفي مع العديد منها. ويظهر التقرير أيضًا أنّ العديد من البيانات الدورية لا يتضمّن أيّة إيرادات أو نفقات وإن تضمّنها فإنّ كشف الحساب المصرفي يظهر حركة صفر، ما نستخلص منه أنّ الإنفاق والتمويل كانا يتمّان خارج البيان الحسابي الشامل. 

لاحظ أيضًا المدقّقون “أنّ البيانات الحسابية للمرشحين المنتمين إلى أحزاب وتيارات أو هيئات سياسية كانت أكثر دقة والتزامًا بحيث أنّ التمويل والإنفاق كانا يتمّان مركزيًا وتوزّع على المرشحين وفقًا لآلية محدّدة من قبل كلّ منها. وقد تأكّد ذلك من خلال تدقيق البيان الحسابي الشامل للوائح، حيث أرفق بهذه الأخيرة، موازين المراجعة والقيود اليومية والوثائق والمستندات”. وكان معبّرًا أنّ لائحة المرشحين المتخلّفين عن تقديم بياناتهم الحسابية التي نشرها التقرير تتألّف في معظمها من مرشحين لم يتمكّنوا من المنافسة على المقعد إذ لم يدخل أحدهم المجلس النيابي سابقًا. 

وفي الحديث عن صعوبات الإنفاق، أشارت الهيئة أيضًا إلى عدم تمكّنها من مراقبة المكاتب الحزبية لجهة تعاطيها أو عدم تعاطيها في العملية الانتخابية، ما حال دون احتساب نفقاتها ضمن الإنفاق.

من اللافت أنّه وبالرغم من مدى صعوبة الرقابة على التمويل والإنفاق بالنسبة للعراقيل المادية والبشرية والقانونية التي واجهتها الهيئة والتي جعلت رقابتها منقوصة بشكل كبير ومشكوكًا في فعاليتها، أصرّت الهيئة على إصدار تقييم لاحترام المرشحين واللوائح للسقوف الانتخابية جرّاء تدقيقها بالبيانات الحسابية الشاملة التي وردت منهم، والتي أضافت عليها تقديراتها للنفقات الناتجة عن رصدها للإعلانات المستترة. 

وعليه، خلصت الهيئة إلى أنّ المرشحين واللوائح في كافة الدوائر لم يتخطّوا السقف الانتخابي المحدّد قانونًا، وهو استنتاج متسرّع على أقلّ تقدير إذا أخذنا بعين الاعتبار كلّ الثغرات في المراقبة المذكورة أعلاه. لا بل أنّ الهيئة أقرّت صراحة أنّه قد تعذّر عليها التدقيق بما تمّ إنفاقه من مبالغ خارج الإطار المصرّح عنه، ما يزيد التأكيد على عدم واقعيّة نتائج التدقيق وخلوّها من المصداقيّة. وكان الأجدى بالهيئة التحفّظ على النتائج النهائية للتدقيق في البيانات الحسابية نظرًا للسياق السياسي الذي جرت فيه الانتخابات بدل الاكتفاء بالدراسة الشكلية لأرقام يسهل التلاعب بها.

خلاصة 

إنّ الخلاصة الأساسية التي يمكن الخروج بها بعد تحليل مجمل معطيات التقرير هي التناقض الصارخ بين الاستقلالية الاسميّة التي تتمتّع بها الهيئة والواقع القانوني والسياسي الذي أفرغ تلك الاستقلالية من معناها الحقيقي. وقد عبّرت الهيئة عن هذه المفارقة في تقريرها حين أشارت إلى “أنّها تمارس أعمالها بصورة مستقلّة وهي لا تخضع في ذلك لأيّ سلطة تسلسلية من أيّ نوع كان، كما لا تخضع لأيّ سلطة وصاية، باعتباره لا يوجد أيّ نص قانوني يجيز ذلك”  لكنها سرعان ما أردفت أنّها “غير مستقلّة بصورة فعلية إذ ليس لديها استقلال مالي ولا إداري ولا موازنة خاصّة بها، وهي تمارس مهامها بالتنسيق مع وزارة الداخلية والبلديّات، وموازنتها تدخل ضمن موازنة وزارة الداخلية والبلديّات”. 

فقد عمدت السلطة السياسية للترويج لقانون الانتخابات الصادر سنة 2017 بوصفه خطوة إصلاحية كبرى أدّت إلى إدخال مفاهيم جديدة في الثقافة الانتخابية كوضع سقف للإنفاق الانتخابي وإيجاد إطار ينظم الإعلان والإعلام الانتخابيين واستطلاعات الرأي. لكن تقرير الهيئة يدحض هذه المزاعم إذ لم تتمكّن من ممارسة رقابة فعّالة على كلّ هذه الأمور ليس فقط بسبب محدودية صلاحياتها القانونية لكن أيضًا بسبب عرقلة عملها وعدم الاكتراث لتوصياتها، وكأنّ السلطة السياسية أرادت فقط وجود هيئة اسميّة لا تؤدّي إلى تهديد مصالحها بل فقط من أجل إسباغ شرعية شكلية على الانتخابات أمام المحافل الدولية بينما الحقيقة تشي بأنّ هيئة الإشراف المستقلّة لم تتمكن من القيام بوظيفتها، لذلك أمكن في النهاية القول إنّ العنوان الفعلي الذي يمكن إعطاؤه لهذا التقرير هو تقرير “اللا إشراف” على الانتخابات.

نُشر هذا المقال في العدد 69 من مجلة المفكرة القانونية-لبنان

لقراءة العدد كاملاً

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني