تعديل اتفاقية دعم شبكة الأمان الاجتماعي بقانون؟ حين تهدد السلطة الحاكمة “شبكة الأمان الاجتماعي”

تعديل اتفاقية دعم شبكة الأمان الاجتماعي بقانون؟ حين تهدد السلطة الحاكمة “شبكة الأمان الاجتماعي”

ورد على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقررة في 28/10/2021 اقتراحان معجّلان مكرّران يرميان إلى تعديل بعض البنود في القانون رقم 219/2021 الذي قضى بالموافقة على إبرام اتفاقية القرض بين لبنان والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي لاستجابة لجائحة كوفيد – 19 والأزمة الاقتصادية في لبنان.

وكان المجلس النيابي قد صادق في جلسته في 2021/3/12 على إبرام هذه الاتفاقية لتمويل “شبكة الأمان الاجتماعي” أي برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً (حوالي 147 ألف أسرة) بقيمة 246 مليون دولار لمدّة 12 شهرا من خلال البطاقات التمويلية[1]. وكانت حكومة تصريف الأعمال آنذاك قد ربطت بين هذه الاتفاقية وتوجّهها لما أسمته “ترشيد الدعم” وتحويله من دعم مباشر لبعض السلع إلى دعم من خلال البطاقة التمويليّة للأسر.

وإلى جانب الإشكاليات العديدة التي اعترتْ المشروع لجهة فعاليته في الاستجابة إلى تحديات المرحلة، أتتْ مصادقة البرلمان على إبرام الاتفاقية مشروطة، بحيث ضُمّن قانون الإبرام ملحقاً بملاحظات النوّاب لتعديل نصّ الاتفاقية أبرزته وزيرة الدفاع السابقة ونائبة رئيسة حكومة تصريف الأعمال السابقة زينة عكر (التي ظهرت كالمدافعة الأساسية عن المشروع). وهذا ما كشفه المرصد البرلماني في “المفكّرة القانونية” مبيّناً اللغط الهائل حوله والذي هدّد نفاذه (وهذا ما تحقّق فعليا) لا سيّما لجهة عدم موافقة الجهة الأخرى للاتفاقية أي البنك الدولي على التعديلات التي تم إلحاقها بها.

وكما كان متوقّعا، لم يرضخ البنك الدولي إلى التعديلات المضمّنة في “ملحق” الاتفاقية، وحصلت إعادة تفاوض خلال الأشهر السابقة. وبغية عدم تأخير نفاذ المشروع أكثر في حال اتباع الآليات العادية التي تشترط موافقة إدارة البنك الدولي والحكومة اللبنانية على نصّ معدّل للاتفاقية وإبرامه من جديد من قبل البرلمان، هدف اقتراحا القانون (الأول قدّمه النائبان نقولا نحاس من كتلة الوسط المستقل وعلي حسن خليل من كتلة التنمية والتحرير، والثاني من كتلة لبنان القوي) على تعديل بنود اتفاقية القرض الصادرة بالقانون 219/2021 في اتجاه إلغاء الملحقات الواردة سابقا والتي لم تحظَ بموافقة البنك الدولي مع ربط جدول جديد بها. وكما ورد في الأسباب الموجبة لمقترح لبنان القوي (والتي غابت عن المقترح الأول)، أن تلك التعديلات هي “نتيجة ملاحظات أوردها المقرض (أي البنك الدولي) بعد إقرار القانون”.

بالتالي، يأتي هذان المقترحان نتيجة إعادة المفاوضات بين الدولة اللبنانية والبنك الدولي، ومحاولة لمعالجة إشكالية إضافة ملحق للاتفاقية في القانون 219 من دون موافقة هذا الأخير وذلك من أجل ضمان تنفيذ الاتفاقية.

ولكن، رغم المخرج المستجدّ، تبقى إشكالية تعديل الاتفاقية بقانون قائمة. فعملياً، تؤدي التعديلات التي وردت في الجدول المرفق في كل من هذين المقترحين إلى تعديل نص اتفاقية دولية. ويتطلّب ذلك بالتالي تضمينها الاتفاقية والحصول على موافقة رسمية من البنك الدولي ومن مجلس الوزراء عملا بالمادة 52 من الدستور المتعلّقة بصلاحيّة السلطة التنفيذية في ما خصّ عقد المعاهدات الدولية، ومبدأ فصل السلطات.

وإلى جانب الإشكالية حول دستورية “قانون تعديل الاتفاقية”، تستتبع التعديلات على مضمون الاتفاقية التي يحملها الاقتراحان شبه المتطابقين (مع فارق وحيد نعود إليه أدناه)، الملاحظات التالية:

  • أخذت التعديلات بملاحظات المجلس النيابي التي قدّمها خلال جلسة 2021/3/12 والتي أرفقت بالقانون 219 لجهة تسليم إدارة البرنامج لجهة خارجية تعتمد معايير الإدارة الرشيدة للبرنامج، وذلك بعد أن كانت قد أناطت أدوارا رئيسية في إدارته لرئاسة مجلس الوزراء ووزارات عدّة. فأصبح برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة هو الذي يتولى تنفيذ ومراقبة المعاملات المالية وإدارة توزيع بطاقات إلكترونية مسبقة الدفع للمستفيدين عبر وزارة الشؤون الاجتماعية”. كما “يمكن الاستعانة بالجيش اللبناني عند الاقتضاء بالاتفاق مع البنك الدولي على الآلية التي ستتبع بالتوزيع”.
  • جرى التراجع عن الأرقام التي وضعها “ملحق الاتفاقية” لجهة الوفر الذي يقتضي تحقيقه في ما خصّ خطة المشتريات وآليات التشغيل من أجل زيادة عدد العائلات التي تستفيد من المساعدات. فبعد أن كان قد نصّ ملحق الاتفاقية على توفير مبلغ قيمته حوالي 21 مليون دولار أمريكي، انخفض المبلغ في المقترحين إلى وفر يتراوح بين 6 إلى 7 ملايين دولار أمريكي. وقد أتى هذا التخفيض على الأرجح من باب الواقعية. كما تمّت الإشارة إلى أنه “سيقوم البنك الدولي بمساعدة الحكومة اللبنانية بالحصول على هبات إضافية عند توفرها”.
  • التراجع عن تحديد بعض التكاليف والرواتب بالليرة اللبنانية حصراً: فتمت إضافة خيار العملة الأجنبية في ما خصّ “دفع كافة المصاريف” وذلك “بحسب الآلية التي سيتّفق عليها ما بين البنك الدولي ووزارة المالية ومصرف لبنان”، بينما كان قد حصر النص القديم الدفع بالليرة اللبنانية. مما يعني عمليا أنه سوف يتم اقتطاع من أموال المستفيدين من البرنامج لتأمين معاشات الموظفين بالعملة الأجنبية. وربما يجد ذلك تبريره في ضمان جودة التوظيفات وبالتالي ضمان جودة تنفيذ البرنامج. ولكن مع ذلك لا يمكن تجاهل الانعكاسات السلبية على البرنامج ومنها حرمان عدد كبير من الأسر من الاستفادة. مع العلم أن البرنامج لن يغطي أساسا أكثر من 90000 عائلة من أصل 700000 عائلة بحاجة للدعم.
  • نشير كذلك إلى أنه تم تحديد أن مهلة عقود التوظيف من ضمن فريق إدارة وتنفيذ البرنامج تنتهي مع انتهاء تنفيذه وليس بعد ثلاث سنوات كما ورد قبل التعديل.
  • جرى تبسيط الآليات وهيكلية فريق العمل، والتخفيف من التفاصيل. فعلى سيبل المثال، تمّت الاستعاضة عن عرض تفاصيل آليات المسح، بالإشارة فقط إلى تعاقد برنامج الأغذية الدولي مع شركات لإجراء زيارات منزلية، تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والبنك الدولي.
  • إضافة بند تحكيمي: وحده اقتراح النائبين نقولا نحاس وعلي خليل نصّ على طريقة حل النزاعات الناجمة عن العقود المرتبطة بهذه الاتفاقية عن طريق التحكيم وذلك وفقا لأحكام المادة 809 من قانون أصول المحاكمات المدنية حسب الأحكام المنصوص عليها في العقود النموذجية المعمول بها لدى البنك الدولي بناء على اتفاقية القرض. لا يمكن تجاهل المخاوف هنا لجهة إضعاف موقع الدولة اللبنانية في الاتفاقية، عدا عن التكاليف الباهظة للتحكيم، وذلك بالرغم من كون التحكيم القاعدة المعمول بها في الاتفاقيات مع البنك الدولي.

ويبقى أن الاقتراحين تجاهلا توضيح أبرز إشكالية وهي الغموض الذي اكتنف تحديد العملة التي ستتقاضى الأسر الأكثر فقرا المساعدات فيها (والتي هدّدت عند إقرار القانون 219 باقتطاع نسبة تكاد تعادل 40% من قيمة القرض المخصص للفقراء لتمويل احتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية). وأكّدت أمس في هذا الشأن مصادر متابعة لمسار المفاوضات بين الدولة اللبنانية والبنك الدولي للمرصد البرلماني، أن العائلات المستفيدة سوف تحصل على المساعدات بالدولار الأمريكي.

الاقتراح الاول

الاقتراح الثاني

[1] على أن تكون مدة المشروع النهائية 15 شهراً مع احتساب شهر للتحضير وشهرين للتقرير النهائي الختامي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

اقتصاد وصناعة وزراعة ، المرصد البرلماني ، سياسات عامة ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، منظمات دولية ، إقتراح قانون ، فئات مهمشة ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني