ترميم قلعة صيدا معلّق بقرار “الثقافة” والمشروع يهدد تصنيفها تراثاً عالمياً


2022-04-01    |   

ترميم قلعة صيدا معلّق بقرار “الثقافة” والمشروع يهدد تصنيفها تراثاً عالمياً
تصوير: هدى حبيش

تعتبر قلعة صيدا البحرية جزءاً لا يتجزّأ من تجربة المرور بالساحل الصيداوي سواء للعابرين يومياً أو لقاصدي المدينة من السيّاح المحليين أو الأجانب. والقلعة هي واجهة المدينة وأيّ تغيير يطرأ على معالمها من الصعب ألّا ينتبه إليه الصيداويّون وزوّار القلعة. فمؤخراً يمكن لمن يترجّل صوب القلعة البحرية أن يلحظ بوضوح، وربما باستياء، تغيّر سطح قبة مسجد صلاح الدين من خشن ومتعرّج حينما كانت مُلبّسةُ بالحجر الرملي كسائر أبنية القلعة، إلى قبّة صفراء ملساء لا تشبه المباني المحيطة، لتبدو اليوم في غير أهلها. فالقلعة بدأت تشهد ورشة ترميم لقبّة مسجدها وأحد أقواسها وبعض أسطحها، قبل أن تتوقف إثر جدل أثير الشهر الماضي حول معايير المشروع. ولكن لا تزال كومات الرمل والتراب الأصفر والبني والبحص وقضبان ودعامات الحديد في مكانها في الوقت الذي يقصد الزوار لبنانيين وأجانب وعرباً، القلعة.  

وانتقد مهندسون وناشطون وناشطات في صيدا وتحديداً تجمّع “علّ صوتك” مشروع ترميم القلعة، ما لفت الأنظار إلى الموقع واستدعى زيارة نقيب المهندسين عارف ياسين الشهر الماضي. وكان ياسين إثر زيارته عبّر عن ضرورة وقف الأعمال في القلعة ريثما يُدرَس المشروع من قبل مختصّين حول كيفية إكمال العمل بطريقة علمية مناسبة، فأعلن وزير الثقافة عباس مرتضى في 23 شباط وقف الأعمال فيها لمدة أسبوعين إفساحاً في المجال لأصحاب  الخبرة التقدّم بملاحظاتهم إلى الوزارة لإجراء اللازم بناء عليها. وبالفعل قدّم تجمّع “علّ صوتك” ملاحظاته إلى الوزير في مطلع آذار الماضي وحتى اليوم لم يحصل على أي رد، وانقضت مهلة الأسبوعين ولا تزال الأعمال متوقفة ولم تعلن الوزارة عن نواياها تجاه المشروع، علماً أنّها أصرّت في بيان سابق أنّها “على يقين بأن هذه الأعمال تتطابق مع المعايير المتعارف عليها عالمياً” وأنّ الوزير يوقف الأعمال مؤقتاً “لتطمئن القلوب”.  

غموض حول تفاصيل المشروع

على الرغم من وقف الأعمال في القلعة، ثمّة عناصر تثير الشكوك حول شفافية الوزارة تجاه المشروع. أوّلاً صمتها منذ أثير الموضوع لأوّل مرة وعدم إعلانها عن الجهة الملزّمة تنفيذ الترميم على الأقلّ من خلال لافتة عادة ما توضع في هذه الحالات في مشاريع مماثلة تذكر اسم المشروع واسم المقاول ومدة العمل والجهة الممولة. هذا مع العلم أنّ نصب هذا النوع من اللافتات في أي موقع يتمّ تشييده أو ترميمه هو أمر تفرضه نقابة المهندسين، وبالتالي فغيابها يعتبر غير قانوني. 

ثانياً لم تردّ الوزارة بعد على الرسالة الرسمية المفصّلة التي وجهها إليها تجمّع “علّ صوتك” في مطلع آذار الماضي للحصول على وثائق خاصّة بالمشروع مثل الخرائط الهندسية والمعمارية والإنشائية التفصيلية للمسطحات والأقواس، بالإضافة إلى وثائق متعلّقة بالمواصفات ودفتر الشروط لتلزيم الشركة الخاصة المعنية بتنفيذ الترميم، ولم تزوّد التجمّع بأي من هذه الوثائق وفق المهندس المعماري والناشط في التجمّع محمد دندشلي. وكان مرتضى استمهل التجمّع أسبوعين لدراسة الملاحظات التي وجّهها إليه لكنّ التجمّع لم يتلقّ أي رد من الوزير بعد.

كذلك لم تمنح الوزارة مدير المديرية العامة للآثار سركيس خوري إذناً للحديث مع “المفكرة” عن المشروع على الرغم من انتظار التصريح لمدة تجاوزت الأسبوع. 

أين البلدية؟

تصوير هدى حبيش

بلدية صيدا ليس لديها معلومات إضافية أو اطلاع على المشروع أيضاً. ويؤكّد العضو في البلدية ورئيس المصلحة الهندسية زياد الحكواتي في حديث لـ”المفكرة” أنّه لم يتمّ إبلاغ بلدية صيدا بالمشروع قبل بدئه وهو أمر تعيده البلدية إلى كون “القلعة تعود ملكيّتها للدولة اللبنانية وهي تحت وصاية مديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة” وفق حكواتي. في الوقت نفسه، بيدو أنّ البلدية لم تبذل جهداً كافياً للاستفسار عن المشروع أو الاطلاع عليه قبل بروز أصوات معارضة في المدينة على الرغم من أهمية قلعة صيدا “كصرح وطني تؤتمن عليه البلدية وأهلها” وفق دندشلي. إذ لم يكن هناك دور فاعل أو سبّاق في زيارة الموقع أو تجميع المعلومات عن المشروع. 

ويبقى هذا التراخي من ناحية البلدية مستغرباً خصوصاً أنّها كانت تحدثت عن نيّتها تحويل مدينة صيدا إلى سياحية وأثرية من خلال مشاريع تدعم التراث والسياحة فيها في برنامج ترشّحها للانتخابات البلدية عام 2016. في حين أنّ هذا المشروع قد يهدّد هوية المدينة إذا لم ينفّذ بالجودة المطلوبة.

ترميم لا يناسب ظروف القلعة ولا يحترم المعايير

من الناحية التقنية، تبيّن أنّ المشروع يقضي بترميم القلعة باستخدام الإسمنت والأعمدة الحديدية المعرّضة للصدأ بفعل العوامل الطبيعية. يشرح الأستاذ في الجامعة اللبنانية والمتخصّص في مجال الترميم والآثار حبيب صادق أنّها “ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استعمال الإسمنت في ترميم قلعة صيدا إذ هناك استسهال تاريخي في استخدام الإسمنت في ترميم المنشآت التاريخية. بيد أنّ طبيعته وسرعة امتصاصه للمياه وتدهور حاله بسرعة يؤثران سلباً على شكل ونوعية أسقفة وجدران المبنى الأثري”. 

ونشرت مجموعة “مهندسون من صيدا والجوار” وتجمّع “علّ صوتك” في 20 شباط الماضي الملاحظات التي تمّ تسجيلها أثناء زيارة ياسين ورئيسة فرع المهندسين المعماريين المهندسة ديفينا أبو جودة للقلعة وهي: “عدم وجود لوحة توضح اسم المشروع، اسم المقاول، مدة العمل، الجهة الممولة وعدم احترام مبادئ السلامة العامة المتبعة في المشاريع المشابهة، واستخدام حديد مجلفن Galvanized وتثبيتها في أحجار القلعة وهذه الإنشاءات دائمة وليست Scaffolding للتدعيم المؤقت. كما أنّ السقف كان قد تعرّض للترميم في مرحلة سابقة من خلال صب طبقة خرسانية مسلحة، وهذه الطبقة مشققة بسبب صدأ الحديد والعوامل الجوية  وكان واضحاً للجميع أنّ هذا الحل لا يتماشى مع ظروف القلعة ولا مع المواصفات العالمية المتبعة بالترميم لمثل هذا المنشأ التاريخي”. 

وتتابع الملاحظات أنّه “في موقع العمل يوجد قضبان من الحديد المجدول وأكياس إسمنت أسود وبحص ورمل مما يوحي باستخدام نفس الأسلوب المتبع مسبقاً أي صبّ طبقة خرسانية مسلّحة”.

وفي التوصيات بعد الزيارة: “الطلب من البلدية دعوة وزارة الثقافة والاستشاري والمقاول بالإضافة إلى مهندسي صيدا من المجتمع المدني وخاصة المهتمين بالترميم لشرح التصميم وعرض الخرائط التفصيلية من قبل الاستشاري  وتحديد المواد التي ستستعمل وخطوات الإنشاء والجدول الزمني للمشروع”. وهو أمر لم يحصل إذ تنتظر البلدية الردّ المنتظر للوزارة بخصوص ملاحظات المهندسين.

 

تصوير هدى حبيش

وتكمن مشكلة الناشطين مع المشروع أيضاً في أنّ التدخّل يبدو “نافراً” وغير متجانس مع طبيعة المنشأة المبنية من الحجر الرملي، الأمر الذي يعتبره دندشلي “خرقاً لميثاق البندقية الذي يوصي بالحفاظ على هوية وخصوصية المنشأة التاريخية عند ترميمها من خلال مراعاة المواد المستخدمة في بنائها من خلال القيام بأقصى ما يمكن لإعادة استخدام المواد ذاتها”.  

ولعلّ أبرز التأثيرات السلبية لهذا المشروع على مدينة صيدا إذا ما أكمل بالطريقة نفسها من “الاستسهال” هو تراجع فرصها في الحصول على التصنيف كأحد مواقع التراث العالمي من قبل منظمة “اليونيسكو” أسوة بمدن أخرى مثل عنجر، وبعلبك، وجبيل، وصور، ووادي قاديشا. ويعتبر دندشلي في حديث لـ”المفكرة” أنّ “مشروعاً كهذا يقلّل من فرص مدينة صيدا في الحصول على التصنيف الذي تأخرت عنه سابقاً بعد خسارتها لعلاقتها المباشرة مع البحر بسبب شق الأوتوستراد البحري. إذاً، إذا لم يكن الترميم علمياً ومسؤولاً يصبح نوعاً من العبث بالإرث التاريخي ولا يعيد الرونق إلى هذا الصرح التاريخي بل يؤذيه. وهذا التراكم من الأذى يمنع المدينة من تحقيق هذا التصنيف المهم” يؤكد دندشلي. مع العلم أنّ التصنيف من شأنه أن يجذب إلى هذا الصرح الأثري الاهتمام الدولي للحفاظ عليه مستقبلاً، ويجذب السيّاح كما المموّلين لمشاريع ترميم لاحقة أو تنظيف أو مشاريع ملحقة بالقلعة. 

ويوضح د. حبيب صادق أنّ الهدف من انتقاد المشروع اليوم هو “إعادة تصويبه” مشدداً على “ضرورة فتح مشروع الترميم للنقاش العام في المجتمع المحلّي لأنّ المشروع يمسّ بالمصلحة العامّة والحق العام. فإذا كان البلد منهاراً يعيش على المساعدات لا يمكننا القبول بمشاريع سريعة تضر بالآثار”. ويشير صادق أيضاً إلى أنّ هذا الملف يلفت إلى “ضرورة تحويل المقاربة في إدارة المواقع والمدن الأثرية من رؤيتها كمبنى حجري أثري إلى مشروع إنساني وثقافي تتطلّب إدارته مشروعاً متكاملاً تتضافر فيه الخبرات من قبل مجموعة من المتخصصين”.


 لزيارة افتراضية إلى القلعة قبل بدء أعمال الترميم الحالية، التوجّه إلى الرابط التالي: https://www.google.com/maps/@33.5661281,35.3714129,3a,75y,336.72h,79.69t/data=!3m7!1e1!3m5!1suewCAypnbmAoXWsOqNGshQ!2e0!6s%2F%2Fgeo1.ggpht.com%2Fcbk%3Fpanoid%3DuewCAypnbmAoXWsOqNGshQ%26output%3Dthumbnail%26cb_client%3Dmaps_sv.tactile.gps%26thumb%3D2%26w%3D203%26h%3D100%26yaw%3D69.36177%26pitch%3D0%26thumbfov%3D100!7i13312!8i6656

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، سلطات إدارية ، نقابات ، الحق في الوصول إلى المعلومات ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني