تداعيات كورونا الاقتصادية: العمل في الإجازات بدون تعويض


2021-10-06    |   

تداعيات كورونا الاقتصادية: العمل في الإجازات بدون تعويض

لم تقتصر تداعيات جائحة كورونا على الإصابات البشرية، بل تسبّبت في أزمة اقتصادية قد يعاني العالم من تبعاتها لسنوات مقبلة، إذ توقّفت حركة البيع والشراء في بعض القطاعات نتيجة الإغلاق الكلّي والجزئي في غالبية الدول. ونتج عن ذلك استغلال أصحاب منشآت ومؤسّسات للوضع من أجل خرق قوانين العمل، بهدف تحقيق زيادة في المبيعات والأرباح. من الممارسات التي برزت في الآونة الأخيرة، قيام بعض الشركات ومؤسّسات القطاع الخاص بإجبار موظفين على العمل من دون الحصول على إجازة أسبوعية، بل امتدّ الأمر إلى وقف الإجازات العارضة والاعتيادية والمرضية التي نص عليها قانون العمل. كلّ ذلك أثّر على حياة الموظفين في شتى النواحي.

 

التنظيم القانوني

نظّم قانون العمل في المادة (83) الاعتبارات التي على أساسها يحصل العامل على الراحة الأسبوعية، على أن تكون ٢٤ ساعة متواصلة أي يوم كامل، وذلك بعد ستّة أيام عمل متّصلة على الأكثر. وتكون الراحة الأسبوعية مدفوعة الأجر، لكن أتاح القانون ذاته في المادة (85) لصاحب العمل أن يجعل الموظّف يعمل في يوم راحته لكن في ضوء قواعد واضحة، وهي أن يدفع مقابل ذلك اليوم إضافة إلى منح الموظف يوم راحة في الأسبوع التالي، واشترط القانون أن يُخطر صاحب العمل الجهة الإدارية المختصّة بمبرّرات التشغيل الإضافي.

 

احتياجات العمل

في منتصف يوليو 2020، بدأت أميرة محمود (26 عاماً)، العمل في شركة تسويق عقاري. وتزامن مع بدء عملها استقالة عدد من الموظفين في الشركة. وقتذاك فرضت الشركة على الموظفين الباقين العمل في أيام الراحة الأسبوعية لتعويض أيام عمل زملائهم المستقلين. تقول أميرة في حديث مع “المفكرة”[1]: “لمّا ناس بتستقيل بياخدو شهور عشان يجيبو ناس غيرهم، وخلال الشهور دي إحنا نكون أقلّ من عبيد فعلاً ملناش حق ف أيّ حاجه تحت بند الشغل عايز كدة”. وتضيف: “لا يوافق المدير المباشر على أيّ إجازة اعتيادية أو عارضة تقدّم له بالرغم من أنّ رصيد الإجازات كامل وإذا انتهى العام ولم نحصل عليها تسقط، بالإضافة إلى أنّ الإجازات المرضية تكون على حساب الموظف وأوقات لا تقبل وتكون بجزاء غياب”. ترى أميرة أنّ الوضع يحتاج إلى رقابة فعلية من مكتب العمل، بخاصّة أنّ الأوضاع لا تخفى على الغالبية.

 

“لازم نشتغل في الإجازات” يقول محمد شعبان (30 عاماً) في حديث لـ”المفكرة” [2]، فشركة الأدوية التي يعمل فيها منذ منتصف 2020 وحتى الآن كانت تؤجّل يوم الراحة الأسبوعية شهرياً وأحياناً يُرّحل إلى الشهر التالي وفي النهاية لا يحصل عليه بحجّة أنّ مسؤول الموارد البشرية لم يخبر محمّد بما وصفه بـ”الأعراف” التي تعدّ قانوناً غير مكتوب، وتكون بين الموظفين والمدير. ويقول: “اصطدمت في بداية العمل بأنّ المدير المباشر يخبرنا بتأجيل الإجازات الأسبوعية لأنّنا مسؤولو خدمة البيع والشغل عايز كدة، وأن عملنا ليس إدارياً ونسعى لتحقيق أرقام معيّنة”.

 

تخضع الشركة التي يعمل فيها محمد شعبان وغيرها لقوانين العمل المصرية التي تنظّم العلاقة بين الموظف وصاحب العمل، منها أن يدفع صاحب العمل للموظف أجراً إضافياً عن الساعات الزائدة عن المواعيد الرسمية، لكنّه وكلّ زملائه لم يحصلوا على أجر إضافي.

 

لا إجازة مرضية في الجائحة

 

شهدت مصر أعلى معدل لإصابات كورونا في 16 يونيو 2020، بواقع 1567 إصابة، وقتذاك كانت الحكومة تطبّق إجراءات احترازية تبلورت في حظر التجوال من السابعة مساء حتى السادسة صباحاً، وإغلاق المحال التجارية، وتخفيض عدد الموظفين في أماكن العمل للحد من انتشار الفيروس.

وعلى الرغم من ذلك، كانت المؤسسات تمارس تضييقاً على الموظفين المطالبين في الإجازات المرضية لأنّهم خالطوا مصابين. فتطلب تقريراً طبياً من مستشفى حكومي يثبت الإصابة بكورونا لمنح الموظف إجازة مرضية، وهو أمر شاق إذ يستلزم الذهاب إلى مستشفيات العزل أو الاتصال بالخط الساخن والتسجيل ضمن قائمة الانتظار في وزارة الصحة لإجراء المسحة وقد يتطلّب ذلك أياماً. أما إذا أراد الموظف إجراء مسحة في مستشفى خاص فالتكاليف كانت تصل إلى 2000 جنيه مصري تقريباً حينذاك.

وهذا يعني أنّ هذه المؤسسات لم تلتزم بتوجيهات الحكومة حينذاك بشأن منح المصابين بكورونا أو المخالطين لمريض كورونا إجازة مرضية حتى لا يصيب آخرين.

واشترطت وزارة الصحة أن يحصل الموظف الذي ثبت إصابته بفيروس كورونا على إجازة 14 يوماً، بأجر كامل سواء للأيام الـ 14 أو إلى حين تقديمه مسحة سلبية.  أمّا إذا كان مخالطاً، فلا بدّ أن يكون عنوان سكن المخالط هو العنوان نفسه للمريض بدرجة قرابة أو إثبات بعقد زواج بشكل قاطع لا يقبل الشكّ أو مخالط بجهة عمل في الغرفة نفسها.

 

خفض راتب وإجازة غير مدفوعة

 

ونتيجة الإغلاق حدثت خروقات أخرى لقانون العمل إضافة إلى وقف الإجازة الأسبوعية بدون تعويض. من بين ذلك، تجاوز الحد الأقصى لساعات العمل من 10 ساعات حسب قانون العمل ليصل إلى 12 ساعة يومياً. كما خصمت شركات 40% من الراتب الأساسي بحجّة التضرّر من الجائحة والإجراءات الاحترازية والإغلاق في التاسعة مساءً، وفرضت مصانع إجازة لمدّة أسبوعين على العمال والموظفين بدون أجر، كما أنّ مصانع أخرى لا تدفع أجراً عن يوم الراحة.

 

عمرو عباس (31 عاماً)، يعمل مساعد مدير في عدد من فنادق في مدينة شرم الشيخ منذ نوفمبر 2019، وشاهد اللحظات الأولى لانتشار كورونا في المدينة السياحية التي تضررت كثيراً نتيجة الإغلاق ووقف رحلات الطيران. يقول عمرو لـ”المفكرة”[3] إنه في قطاع السياحة عادة لا يلتزم المديرون وأرباب العمل بتطبيق قانون العمل في الإجازات والراحة الأسبوعية، موضحاً: “كثيراً ما يفرض علينا قطع الإجازات من أجل العودة للعمل بحجّة وجود ضغط عمل أو لوجود ظرف طارئ”.

 

حال عمرو مثل غيره من العاملين في قطاع السياحة، إذ تحمّلوا كلفة الإجازات[4] الأسبوعية ووقف الإجازات السنوية، بالإضافة إلى تخفيض الراتب إلى النصف نتيجة تضرّر قطاع السياحة من الجائحة، والعمل بطاقة 50% من العمالة.

 

يقول ياسر سعد[5]، وهو محام وحقوقي متخصّص في القضايا العمالية، إنّ العلاقة بين العامل وصاحب العمل تبادلية يحكمها القانون وكلاهما له حقوق وعليه واجبات. ويعلّق على عمل الموظف في أيام الراحة الأسبوعية قائلاً إنّه: “يحق لصاحب العمل فعل ذلك، ويحصل العامل على أجر يومين إذا عمل في يوم راحته، وضروري أن يحصل على مقابل مادي للإجازات مع الراتب”.

 

بحسب سعد، لا يكون أمام الموظف في هذه الحالة إلّا تقديم طلبات للإدارة للحصول على الإجازة أو المطالبة بالمقابل المادي الإضافي، وإذا لم تستجب الإدارة يتوجّه إلى مكتب العمل. وفي كلّ الأحوال لا يحقّ لصاحب العمل أن يوقّع جزاء إذا طالب العامل بحقه. ولكن بالرغم مما يقوله سعد إلّا أنّ هناك فكرة راسخة لدى الموظفين والعمال بأنّ المطالبة بالحق يأتي بعدها تعنّت في منح حوق أخرى.

 

ويضيف سعد: “أعطى القانون الحق لصاحب العمل أن يجعل الموظف يعمل في يوم راحته بشرط دفع راتب يومين بالإضافة إلى تعويضه بيوم إجازة آخر، وإذا عمل وقتاً إضافياً على ساعات عمله الرسمية يحصل على مقابل مادي. في حالات زيادة ساعات العمل إلى الحد الأقصى أي 10 ساعات يومياً يشترط إبلاغ الجهة المختصّة، بحسب المادة 85 كما نص القانون على دفع مقابل مادي عن ساعات العمل”.

 

كيف تؤثر الإجازة على الصحّة؟

 

لا تعدّ الإجازة سواء إذا كانت يوم أو يومي الراحة الأسبوعي أو حتى الإجازة السنوية مجرّد وقت يقضيه الإنسان متوقفاً عن أداء الأعمال اليومية التي اعتاد فعلها بشكل عام، بل تتجاوز ذلك، إذ أنّ الوقت الذي يفصل فيه الموظف عن العمل هو الطريقة المثلى لتحسين أدائه الإدراكي.

 

يوضح محمد شعبان، الذي عانى من ضغط نفسي جعله مكتئباً لفترة: “تأذّيت جسدياً ونفسياً وأثّر استمراري في العمل لأسابيع (من دون إجازة) على حياتي في البيت والدوائر الاجتماعية المحيطة. كان يتمّ مساومتي على حقوقي فكنت حين أطلب إذن تأخير أو انصراف ساعتين، يطلب منّي أن أحقق أضعاف الأرقام المستهدفة، وإذا لم أحقق المستهدف لا أحصل على إذن”. تصنّف الحالة التي عانى منها محمد وغيره بمتلازمة الاحتراق النفسي burnout، والناتجة عن الإجهاد العقلي والنفسي الذي تسبّبه ضغوط العمل لفترات طويلة، وتؤدّي إلى انخفاض القدرة الإدراكية وتدريجياً يتّخذ الشخص قرارات غير صحيحة وغير مدروسة، ويصبح أكثر عصبية.

 

يعاني الموظفون الذين لا يحصلون على إجازة من عدم الشعور بالتوازن بين العمل والحياة، ويعانون من القلق بشأن عدم وجود وقت للعناية بأنفسهم من حيث الصحة والنظام الغذائي والتمارين الرياضية، وذلك بحسب دراسة لأحد المراكز البحثية. وتشير الدراسة إلى أنّ العمل المستمرّ لساعات طويلة وعدم أخذ قسط من الراحة قد يكون له تأثير ضار على الصحة، ويمكن أن يؤثر سلباً على الحياة الأسرية. وتشير دراسة أخرى إلى أنّ الحصول بين الحين والآخر على إجازة طويلة يقلّل التوتّر، ويساعد على منع الإرهاق، فضلاً عن تعزيز التوازن بين العمل والحياة الاجتماعية. إلّا أنّ الثقافة العامّة لدى بعض أرباب العمل تخالف ما تثبته الدراسات العلمية من أنّ الموظفين المستريحين في وظيفتهم هم الأكثر إنتاجية. وجزء من تلك الراحة هو الإجازة، فهم يرون أنّ العامل كلّما أفنى وقته في العمل كان أكثر حرصاً عليه.

[1] جرى الحديث يوم 1 أغسطس 2021

[2] جرى الحديث يوم 27 يوليو 2021

[3] جرى الحديث 21 أغسطس 2021

[4] تقرير تأثير جائحة كورونا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعمال‎

[5] جرى الحديث يوم 27 يوليو 2021

انشر المقال

متوفر من خلال:

عمل ونقابات ، سياسات عامة ، قطاع خاص ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم ، حقوق العمال والنقابات ، مصر ، اقتصاد وصناعة وزراعة ، جائحة كورونا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني