تجارة وتزوير نتائج في فحوصات كورونا والوزارة تنتظر شكوى المواطن لتتحرّك


2022-01-05    |   

تجارة وتزوير نتائج في فحوصات كورونا والوزارة تنتظر شكوى المواطن لتتحرّك

تشهد مراكز إجراء فحوصات كورونا “بي سي آر” من مستشفيات ومختبرات ازدحاماً كبيراً، إذ توافد آلاف المواطنين خلال الأيام القليلة الماضية إلى هذه المراكز إمّا لأنّهم من المغتربين (بلغ عددهم 600 ألف في الربع الأخير من 2021)، الذين لا يستطيعون العودة إلى بلاد إقامتهم من دون الحصول على نتيجة سلبية لفحص كورونا، أو من المقيمين الذين يريدون التأكّد من عدم إصابتهم بـ “كورونا” قبل الاختلاط بأهاليهم في العيد أو بعد الاختلاط في ليلة رأس السنة وقبل عودتهم إلى العمل. 

وتحوّل هذا الإقبال على إجراء الفحوصات والذي بدأ نهاية العام الماضي إلى تجارة مربحة حيث تجاوز سعر فحص “بي سي آر” في بعض المراكز مليون ليرة على الرغم من تحديد وزارة الصحة سعره بـ 200 ألف ليرة، كما برز ما سميّ ” تسعيرة العيد” فضلاً عن عرض بعض المختبرات على المغتربين إعطاء فحص كورونا بنتيجة سلبية من دون إجرائه فعلياً مقابل مبلغ معيّن، بالإضافة إلى الفوضى التي تسبّب بها الإقبال والتي ظهرت في الأخطاء المتكرّرة في النتائج وبعدم احترام إجراءات الوقاية في بعض المختبرات والمستشفيات.

مزاد الـ “بي سي آر” يتخطّى المليون ليرة

تبدأ أسعار فحص “بي سي آر” بـ 150 ألف ليرة وتتجاوز المليون في بعض المراكز حسب المستشفى أو المختبر وحسب سرعة صدور النتيجة.

تقول لارا في حديث مع “المفكرة القانونية” إنّها أجرت فحص “بي سي آر” في أحد مستشفيات بيروت الخاصة قبل رأس السنة مقابل 150 ألف ليرة وأنّها ذهبت إلى المستشفى نفسه قبل يومين بهدف إجراء فحص آخر ففوجئت بأنّ السعر ارتفع إلى 250 ألف ليرة، فما كان منها إلّا أن توجّهت إلى مستشفى جامعي آخر لتكتشف أنّ سعر فحص “بي سي آر” في هذا المستشفى أيضاً ارتفع وبات محدداً بـ  375 ألف ليرة.

ودفع بعض المواطنين 500 ألف ليرة مقابل فحص “بي سي آر” في بعض المختبرات التي استغلّت اضطرار المغتربين للحصول على النتيجة بسرعة، إذ عمد عدد من المراكز إلى إخبار المواطنين أنّ النتائج تحتاج إلى 48 ساعة وأنّ الحصول على النتيجة في اليوم ذاته يرفع السعر من 200 إلى 500  ألف ليرة.

وتحدّث عدد من المواطنين عن تسعيرة خاصة بالأعياد إذ رفع أحد المختبرات في الشمال على سبيل المثال سعر فحص “بي سي آر” منتصف الشهر الماضي من 200 ألف إلى 350 ألف ليرة بحجة “تسعيرة العيد” كما يخبر نبيل “المفكرة”، مضيفاً أنّ هذه التعرفة لم تعد استثناء في مختبرات الشمال الخاصّة فبعضها يحدد سعر “بي سي آر” بـ 500 ألف ليرة وبعضها يرفعه إلى مليون ليرة.

وتقول إحدى المواطنات لـ “المفكرة” إنّ أحد المستشفيات طلب مليونين ونصف المليون مقابل إجراء “بي سي آر” إذا أردت نتيجة بعد أقل من ساعة.

ويؤكد مستشار وزير الصحة الدكتور محمد حيدر أنّ الوزارة هي الجهة التي تحدّد وتراقب سعر فحص الـ “بي سي آر” وأنّها حدّدته بـ 150 ألف ليرة في المستشفى الحكومي و 200 ألف ليرة في المختبر أو المستشفى الخاص.

وفي حين يوضح حيدر في حديث مع “المفكرة” أنّ أي زيادة على سعر فحص “بي سي آر” تعرّض المركز إلى مساءلة وإجراءات عقابية تصل إلى حدّ سحب رخصة إجراء هذا النوع من الفحوصات، يلفت إلى أنّ هذه التسعيرة المحددة من قبل الوزارة هي لفحص “بي سي آر” العادي والذي تظهر نتيجته ليس قبل خمس ساعات وترسل للمواطن في المساء إذا أجري صباحا أو في اليوم التالي حسب الضغط على المختبر. أمّا ما يُعرف بـ “رابيد بي سي آر” (يختلف عن “رابيد تست”) الذي تظهر نتيجته خلال حوالي ساعتين فله تقنية خاصّة وسعره يحدّد من قبل المختبر أو المستشفى والوزارة لا تتدخّل في هذه التسعيرة التي تندرج في إطار العرض والطلب.

ويشدّد حيدر على أنّ التعرفة المحدّدة من قبل الوزارة هي للفحص داخل المختبر وفي أيام وساعات العمل ليس خارجها أي أنّ المستشفى أو المختبر هو الذي يحدّد كلفة التوصيل في حال إرسال فريق إلى المنزل لإجراء الفحص. وكذلك يحقّ له أن يرفع السعر في حال كان إجراء الفحص خارج ساعات أو أيام العمل لأنّ الأمر بطبيعة الحال يرتّب كلفة إضافية تتمثّل بإحضار الموظفين إلى العمل خارج دوامهم.

وانطلاقاً ممّا تقدّم يشدّد حيدر على ضرورة أن يعرف المواطن أيّ فحص يُجرى له أي ما إذا كان “بي سي آر” عادياً أو “رابيد بي سي آر” ويبلّغ الوزارة بأي مخالفة لتتخذ الإجراءات القانونية اللازمة إذ لا يمكنها أن تتحرّك من دون شكوى مباشرة، مؤكداً أنّ الوزارة تراقب المختبرات بشكل دوري إلّا أنّ هذا الأمر لا يمنع وقوع مخالفات يساعد الإبلاغ عنها من قبل المواطنين بإيقافها.

فوضى في النتائج

وتسبّب الإقبال على فحوصات كورونا مؤخراً بفوضى سواء داخل المراكز أو في النتائج، إذ اشتكى المواطنون من عدم احترام بعض المراكز التدابير الوقائيّة ومنها التباعد الاجتماعي هذا فضلاً عن الأخطاء بالنتائج، إذ تقول رندة إنّ أحد المختبرات أرسل لها نتيجة خاطئة أكثر من مرّة حتى أنّها لم تعد تعرف أيّ نتيجة تعتمد.

وفي هذا الإطار يشدّد حيدر على أنّه يجب إجراء فحص “بي سي آر” بعد 5 أيام على الأقلّ من مخالطة شخص مصاب كحدّ أدنى، لذلك فهو ليس فحصاً طارئاً ولن تكون نتيجته حاسمة قبل انقضاء الأيّام الخمسة. وبالتالي فالتهافت على المراكز لإجراء الفحص بمجرّد الاختلاط بشخص مصاب أو شخص مخالط  ومن ثمّ الاضطرار لإعادته والإصرار على نتيجة سريعة، يرهق المختبرات ويتسبّب في بعض الأحيان بالأخطاء ويعرّض المواطن للاستغلال بينما الإجراء المطلوب هو الحجر ريثما إجراء الفحص في التوقيت المناسب وانتظار النتيجة من دون هلع.

نتائج حسب الطلب 

“إذا كنت تريد النتيجة سلبية بداعي السفر، لا ضرورة لنعذّب الوالدة، النتيجة بتوصلك سلبية  والسعر نفسه” هذا ما قاله أحد موظفي مختبر مرخّص لإجراء فحص كورونا لمحمد عندما اتصل ليأخذ موعداً لإجراء فحص كورونا لوالدته التي تستعد للسفر. ويقول محمد لـ “المفكرة” إنّ المختبر المذكور يأخذ 200 ألف ليرة (التسعيرة الرسمية) مقابل الفحص في حال إجرائه فعلياً أو حتى إذا كانت النتيجة “حسب الطلب” ومن دون إجراء الفحص.

الأمر نفسه تؤكّده لين التي أخبرت “المفكرة” أنّ أحد أقاربها كان مضطراً للسفر بعد انتهاء إجازة الأعياد لكنّ نتيجة فحص كورونا جاءت إيجابية، فعرض عليه أحد العاملين في أحد المستشفيات إعطاءه فحصاً آخر بنتيجة سلبية بسعر 300 ألف ليرة أي 100 ألف زيادة عن سعر الفحص الرسمي.

وتقول لين إنّ تزوير نتيجة فحص “بي سي آر” لم تكن بعلم إدارة المستشفى بل بتواطؤ مع أحد العاملين فيها (من المعارف).

وقد بلغتنا معلومات من عدد من المواطنين أنّ الموقف نفسه حصل معهم حيث عُرضت عليهم إمكانية الحصول على نتائج سلبية إذا رغبوا في ذلك.  

ورداً على هذه المعلومات، يؤكد حيدر على أنّ أي “فحص بي سي آر مزوّر” يعرّض المستشفى أو المركز الصادر عنه  ليس فقط للإقفال بل أيضاً للمحاسبة القضائية متمنياً على المواطنين إبلاغ وزارة الصحة فوراً لاتخاذ الإجراءات اللازمة. ويكرّر أنّ الوزارة لا تتحرّك إلّا بناء على شكوى وليس بناء على كلام “سوشل ميديا” أو معلومات صحافية.

ويلفت حيدر إلى أنّ لدى وزارة الصحة آلية يمكن من خلالها وفي حال تقديم شكوى التأكد مما إذا كانت النتيجة أعطيت بعد إجراء فحص كورونا أو من دونه، ولكنّها، أي الوزارة، لا يمكن أن تتحرّك من دون تقديم شكوى من المواطنين أو بلاغ.

“رابيد تست” في الصيدليات

وفي ظلّ الازدحام الذي شهدته المستشفيات والمختبرات على فحوصات “بي سي آر” لجأ بعض المواطنين إلى إجراء “رابيد تست” (Rapid Antigen Test) تراوح سعره بين 120 ألف ليرة و200 ألف في الصيدليات مع العلم أنّ الوزارة تحدّد سعره في المختبر بـ 80 ألف ليرة.

وفي هذا الإطار يقول عماد إنّه دفع 174 ألف ليرة مقابل هذا الفحص في إحدى الصيدليات الكبرى في بيروت، وإنّه عندما طلب إيصالاً ليستردّ المبلغ الذي دفعه من ربّ العمل كانت الإجابة “لا نعطي إيصالات لمثل هذا النوع من الفحوصات”. 

ويلفت حيدر إلى أنّ إجراء “رابيد تست” ممنوع في الصيدليات فإجراؤه محصور بالمختبرات لذلك تمتنع الصيدليات عن إعطاء إيصال يثبت إجراءها هذا النوع من الفحوصات.

الاستغلال حتى في حالات الطوارئ

رفع سعر فحص “بي سي آر” لم يطل فقط الراغبين في السفر بل أيضاً الأشخاص المضطرين إلى إجرائه لدواع تتعلّق بدخول المستشفى، إذ تخبر زينب أنّها وفي منتصف الشهر الماضي اضطرّت لإدخال ابنها إلى طوارئ إحدى مستشفيات بيروت الساعة التاسعة ليلاً فطُلب منها وضمن التدابير الروتينيّة إجراء فحص “بي سي آر” لها ولابنها المريض، ولأنّه لا يمكن إدخال المريض إلى المستشفى من دون إجراء الفحص ولأنّ المستشفى أعلمتها بأنّ لا إمكانية لإجراء الفحص قبل صباح اليوم التالي، ما يعني انتظار المريض يوماً كاملاً ليدخل المستشفى، اضطّرت زينب للاتصال بمختبر خارج المستشفى يتقاضى 600 ألف ليرة مقابل الفحص ليعطيها النتيجة بعد 4 ساعات.

وخلال إعداد هذا التحقيق، تواصل معنا رشيد (اسم مستعار) قال إه اضطر إلى دفع مليون ليرة لإجراء فحص كورونا في أحد مستشفيات الشمال الخاصّة حتى تخرج جدّته من قسم كورونا. ويخبر “المفكرة” أنّ الجدّة كانت تعاني من ضيق بالتنفّس فأجرى لها المستشفى فحص “بي سي آر” وأدخلها قسم كورونا على أساس أنّ نتيجتها إيجابية بعد دفع 30 مليون ليرة بدل البقاء في القسم. ويضيف أنّه “في اليوم التالي أخبرنا الطبيب أنّ جدتي لا تعاني من كورونا وأنّ خطأ حصل، ولكن لإخراجها من قسم كورونا على ابنها (خال رشيد) ولأنّه خالطها إجراء فحص بي سي آر، حتى يتمّ التأكّد بأنّ نتيجة جدتي سلبية، وأنّ الفحص يكلّف مليون ليرة وذلك لتخرج النتيجة خلال ساعتين، كون العائلة لا تريد بقاء الجدة أكثر في قسم كورونا”.

ويضيف رشيد أنّ المستشفى أخرج جدّته من قسم كورونا بعدما تبيّنت نتيجة ابنها سلبية، ونقلت إلى قسم عادي بقيت فيه 6 أيام وأنّ العائلة دفعت 15 مليون ليرة إضافية على الـ 30 مليون على الرغم من أنّ المستشفى أخبرهم أنّه سيخصم كلفة قسم كورونا كون الخطأ كان من المستشفى.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، قطاع خاص ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، لبنان ، الحق في الصحة والتعليم ، جائحة كورونا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني